الخوارجُ مَبدَأ أَمرهِم حصَل مِن تَحكِيم الحكمَين
قال شيخنا رحمه الله
455-الخوارجُ مَبدَأ أَمرهِم حصَل مِن تَحكِيم الحكمَين لمّا حَكّمَ سيّدُنا عليٌّ ووافَق سيّدُنا عليّ معاويةَ على تحكِيم حكمَين إنحازَ عن سيدِنا عليٍّ طائفةٌ ممّن كانوا معَهيُقاتلوا انحازوا عنه فرأوا هذا التّحكيمَ ضلالاً وكفرًا قالوا كيفَ يحكّمُ مخلُوقًا واللهُ يقول: ((إنِ الحُكمُ إلا لِلَّه)). فظَنُّوا مِن فسَادِ أفهامِهم أنّ عَليًّا خالَف القرآنَ وهو لم يخالِف، فقال عَلِيٌّ كلمةُ حَقٍّ أُرِيْدَ بها باطِل، إنِ الحُكمُ إلا لله قرآنٌ لكن هؤلاء أرادوا بهذه الكلمةِ أمرًا باطِلاً أي ما وضعُوا هذه الآيةَ في محَلّها،. الخوارجُ مِن هنا ضَلّوا، حتّى آلَ أمرُهم إلى أن كفَّرُوا عَليًّا وكفَّروا مَن والاه.ثم كانَ عندَ سيّدِنا عليٍّ حديث سمعَه مِن رسولِ الله وغيرِه مِن الصّحابة أكثر مِن ثلاث عشرَة شَخصًا مِن أصحابِ رسولِ الله سمِعوا هذا الحديث وهو قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: “*تَخرُج طائفةٌ يَقرأون القرآنَ لا يُجاوزُ حنَاجِرَهم يَحْقِر أحدُكم صلاتَه إلى صلاتِهم وصِيَامَه إلى صِيامِهم فهم شَرّ مَن تحتَ أدِيم السّماءِ فمَن أدركَهُم فلْيَقتُلهُم*رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي “ فقاتَلَهُم سيّدُنا عليٌّ فأبادَهم ولم يَنْجُ منهم إلا نحوُ ثمانية أنفُس كانوا أربعةَ آلافٍ، ثم هؤلاء الثّمانية تفَرّقوا في الأرض ولا يزالُ إلى الآن مَن يأخُذ برأي أولئك.معنى قولِ الرَّسول يحقِرُ أحَدُكم صلاتَه إلى صلاتِهم المعنى أن هؤلاء الخوارج كانوا مجتَهدِين متعَبّدِين لكن على غيرِ صوابٍ تعَبٌ بلا ثواب وصفَهم الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلم بأنهم يقرأونَ القرآنَ لا يُجَاوز حنَاجِرَهُم معناه قلوبهُم ما هي مؤمنة لكن هم يشتَغلون بقراءةِ القرآن ويُصَلّون ويصُومون حتى إن أحدَكُم إذا نظَر إلى كثرة اجتهادِهم ظاهرًا يحقِرُ صلاتَه إلى صلاتهِم وصيامَه إلى صيامِهم يقولُ نحنُ لا نجتهد كما يجتهدُ هؤلاء، ومع ذلكَ أولئك ضالّونَ قال الرَّسولُ فيهم “شرُّ مَن تحتَ أَدِيْم السَّمَاء” وقال عنهم أيضًا “*شرّ الخَلْق والخَلِيقة يقتلهم أَوْلى الطائفتين بالحقِّ*رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن أبي شيبة” وقال فيهم أيضًا”من قتلهم فهو شهيد ومن قتلوه فهو شهيد*” هذا الحديثُ فيه شهادةٌ لسيّدنا علي بأنّه ما كانَ يحيدُ عن الحقّ والصّواب بل كان حَلِيْفَ الحَقِّ والصوابِ لأن جيشَه همُ الذين قتَلُوهم أبادُوهم فمَن قتَل مِن أولئك فهو شَهيد ومن قتلَه أولئك من جيشِ عليّ فهو شهيدٌ أيضًا.أولئك مُصيبَتهم أنهم فهموا الآيةَ على غيرِ وَجهها الذي يفهَم الآيةَ على غيرِ وجهها إمّا أن يزلق إلى الكفر وإمّا أن يزلَق إلى أمرٍ دونَ الكفر.معنى الآيةِ الذي هو معناها أنّ الله تبارك وتعالى هو الذي يَفصِلُ بينَ عبادِه يومَ القيامة فيُوجّه قسمًا مِن عباده إلى الجنَّة وقسمًا مِن عباده إلى النَّار.هؤلاء قالوا هذا عليٌّ حكَّم مخلوقًا أليسَ وافَق على تحكِيم أبي موسى الأشعريّ وعمرو بنِ العاص هذا حكّم مخلوقًا فإذًا خالَف القرءان.والجبريةُ يقولون العبدُ لا فِعْلَ لهُ وهذا ضَلالٌ، العبدُ لهُ فِعلٌ الله تعالى قال: ﴿وافعَلُوا الخَيرَ لعَلّكُم تُفلِحُون﴾. وأثبَت الفعلَ للعَبد لكن نفَى عن العبدِ الخَلْقَ قال تعالى: ﴿هَل مِن خَالقٍ غيرُ الله﴾ معناه أنتُم لا تَخلقُونَ شيئًا مِن حَركاتِكُم وسكُونِكُم إنما أنا الذي أُحدِث المعدومَ منَ العدَم إلى الوجود.ومذهبُ أهلِ السنّة والجماعةِ أنّ العبدَ لا يَخلُق شيئًا مِن أعمالِه، وهو يَفعَلُ ويَكتَسِبُ قال تعالى: ﴿لَها ما كسَبَت وعلَيها ما اكتَسَبت﴾ أي لها ما كسَبت منَ الخَير والطّاعةِ أي تَنتفعُ بثَواب ذلك، وعليها ما اكتسَبت منَ المعاصي أي تُجازَى عليه بالعقُوبةِ، أمّا قولُه رضي الله عنه: بينَ الأمنِ واليَأس فمعناه نحنُ نقولُ إنّ اللهَ تَبارك وتعالى يَغفرُ لمن يشَاءُ مِنَ المؤمنينَ مَهما كثُرَت ذنُوبُهم وماتوا وهم على غيرِ تَوبةٍ، بل نقولُ يَجوز أن يعذّبَ اللهُ هؤلاء أي يُعذّب قسمًا منهم ليسَ كلَّهم، ونخَافُ على كثيرٍ مِن هؤلاء المسلمينَ أهلِ الكبائر الذينَ لم يُوَفَّقوا للتوبة وماتوا وهم في غفلتهم عذابَ الله،.نحنُ لا نأخذ مذهَب الأمنِ مِن مَكرِ الله ولا نَأخُذ مذهبَ اليأس مِن رحمةِ الله. بل نقولُ المسلمُ العاصي الذي يموتُ قبلَ التّوبة أمرُه إلى الله، منهُم يَرحَمهُمُ اللهُ فيُنقذُهم منَ العذاب ومنهم مَن يُعذّبهُم، هذا قولُ أهلِ الحقّ.456-قال رضي الله عنه: “*فهذا دِينُنا واعتقادُنا ظَاهرًا وباطنًا ونحنُ بُرءاءُ إلى الله تعالى مِن كلّ مَن خَالَف الذي ذكَرناه وبيّنّاه ونسألُ اللهَ تعالى أن يُميتَنا عليه ويختِمَ لنا به ويَعصِمَنا مِن الأهواء المختلِفة والآراءِ المتفَرّقَة والمذاهِب المُردِيَة.457-أبو حنيفة وُلِد قبلَ تمَام المائة الأولى وتوفّي قبلَ منتَصف المائة الثانية ماتَ سنة 150 وكانَ لهُ صاحِبان إمامانِ مجتَهِدانأبو يوسُفَ ومحمَّدُ بنُ الحسَن لم ينقَطِعا عن الانتِسَاب إلى أبي حنيفةَ كمَا أنّهُ كانَ في أصحابِ الشّافعِيّ أناسٌ بهذه الصّفَة كانَ عالم جليلٌ محدّث فقيهٌ مفَسّرٌ يُقال له أبو بكر بنُ المنذر هذا كانَ في الأوّل شافعيَّ المذهب طالَع كتبَ الشّافعيّ ودرَسَها على تعَدُّدِها ثمّ بلَغ درجَة الاجتهادِ لأنّ اللهَ رزقَه فَهمًا واسِعًا وحِفظًا في الأحاديثِ النّبويّة وآثار الصّحابة والتّابعين وأتباع التّابعِين حتى صار محيطًا باختِلاف المجتَهدين وإجماعِهم، أبو بكر بنُ المنذر ما اجتَمع بالشّافعي إنما تلقّى العلمَ مِن أصحابِ الشّافِعي، قال سيدنا عليّ رضي الله عنه: “*ولن تخلُو الأرْضَ مِن قائِمٍ للهِ تعالى بالحُجَّة*”.458-قال رسول الله: “*مَن غَسَّلَ يوم الجُمُعَة واغتَسَلَ وبَكّرَ وابْتَكَر ومشَى ولم يَركَبْ ودَنا منَ الإمام فاستمَعَ ولم يَلغُ كانَ لهُ بكُلِّ خَطوةٍ عمَلُ سنَةٍ أجْرَ صِيامِها وقِيامِها*رواه الطبراني“. حديث صحيح. غسّل واغتسَل للتّأكيد. يُفهَم مِن هذا الحديث أنّ المشيَ عندَ الذّهاب للجمُعة أفضلُ منَ الرّكُوب.459-عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “*أنّ الله تعالى خلَق حَوّاءَ مِن ضِلَع آدمَ الأيْسَر القُصَيْر*” الضّلَع الذي يُسَمّى القُصَيْراء وهو أسفلُ الأضلاع منَ الجانِب الأيسَر.460-ليسَ على الشّهيد ظُلمة القبر ولا ضَغْطةُ القبر،461-أمّا حديثُ “*لو نَجَا منها أحَدٌ لنَجَا سَعدٌ*رواه أحمد والطبراني”. بعضُ علماءِ الحديث يقولُ عنه قويٌّ لكنّه عندَ التّحقِيق ليسَ قَويًّا لأنَّ سَعدًا مِن أولياء الله وقَد اهتَزَّ لَهُ عرشُ الرَّحمن فرَحًا بقدُومِه، نحن نعتقدُ أنّه رضي الله عنه ناجي مِن ضَغطةِ القَبر وكُلّ أهوالِ القبر. لأنّه كانَ مِن أكابر أصحابِ رسولِ الله، والذي قال الرَّسولُ يومَ توُفّي سَعد: “*لقَد اهْتَزّ عَرشُ الرّحمن لمَوتِ سَعدٍ*رواه أحمد ، ومسلم ، وابن حبان ، والطبرانى ، والحاكم ، والنسائى عن أنس . والبخارى ، ومسلم ، والترمذى ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم عن جابر . “. وهذا ليسَ سعدَ بنَ أبي وقاص أحد العشرة المبشّرين بالجنّة بل هذا سعدُ بنُ مُعاذ من الأنصار من أهلِ المدينة أما أولئك العشرَة كلّهم مِن أهلِ مكّة مِنَ المهاجِرين الأوّلين رضيَ الله عنهم