هَذَا دَرْسٌ في ﭐلْعَقِيدَةِ مُهِمٌّ جِدًا.
الْغَلَطُ في التَّوحِيدِ هَلاكٌ كَبِيرٌ يُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ.
ِإقرؤا بِانْتِبَاهٍ.
اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى مَوْجُودٌ لا يُشْبِهُ ﭐلْمَوْجُودَاتِ. ذَاتُهُ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ عَدَمٌ وَلا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ. قَالَ ﭐلإمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ ﭐلطَّحَاوِيُّ -ﭐلسَّلَفَيُّ-: (تَعَالَى –أَيِ اللهُ- عَنِ ﭐلْحُدُودِ وَﭐلْغَايَاتِ وَﭐلأرْكَانِ وَﭐلأعْضَاءِ وَﭐلأَدَوَاتِ) إِذَا قِيلَ اللهُ لَيْسَ بِمَحْدُودٍ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَىءٌ مُمْتَدٌّ إِلَى غَيْرِ نِهَايّةٍ، مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ حَجْمٌ كَبِيرٌ أَوْ صَغِيرٌ. ﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ شَىءٌ مُمْتَدٌّ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ كَافِرٌ
مَنْ ظَنَّ أَنَّ اللهَ لَهُ ﭐمْتِدَادٌ لا نِهَائِيٌّ كَافِرٌ. وﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ لَهُ ﭐمْتِدَادٌ يَنْتَهِي، صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ كَذَلِكَ كَافِرٌ، كُلُّ شَىءٍ لَهُ مِقْدَارٌ مَخْلُوقٌ، وَﭐلْعَرْشُ ﭐلَّذِي هُوَ أَكْبَرُ ﭐلْعَوَالِمِ مَخْلُوقٌ. ﭐلْوَهَّابِيَّةُ تَقُولُ: ((اللهُ بِقَدْرِ ﭐلْعَرْشِ))، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ((تَرَكَ مِنَ ﭐلْعّرْشِ بُقْعَةً لِيُقْعِدَ عَلَيْهَا ﭐلرَّسُولَ يَوْمَ ﭐلْقِيَامَةِ )). هَؤُلاءِ جَعَلُوا ﭐلْعَرْشَ جِسْمًا أَكْبَرَ مِنَ اللهِ. وَلَوْ قَالُوا بِقَدْرِ ﭐلْعَرْشِ فَهُمْ كُفَّارٌ، وَلَوْ قَالُوا أَوْسَعُ مِنَ ﭐلْعَرْشِ بِآلافِ ﭐلْمَرَّاتِ فَهُمْ أَيْضًا كُفَّارٌ كُفَّارٌ.
كُلُّ شَىءٍ يَحُلُّ فِي جِهَةٍ جِسْمٌ. ﭐلنُّورُ أَلَيْسَ يَأْخُذُ مَكَانًا؟ وَﭐلظَّلامُ أَلَيْسَ يَأْخُذُ مَكَانًا؟ فَالنُّورُ جِسْمٌ وَﭐلظَّلامُ جِسْمٌ. ﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ فِي جِهَةِ فَوْقٍ كَفَرَ.
بَعْضُ ﭐلشَّافِعِيَّةِ خَالَفَ كَلامُهُ كَلامَ ﭐلإمَامِ ﭐلشَّافِعِيِّ. قَالَ هَؤُلاءِ ﭐلشَّافِعِيَّةُ: ﭐلْجَاهِلُ إِذَا قَالَ اللهُ فِي جِهَةِ فَوْقٍ لا نُكَفِّرُهُ))، هَذَا كُفْرٌ. ))
إِذَا قَالَ ﭐلشَّخْصُ: ((اللهُ فِي ﭐلسَّمَاءِ)) وَفَهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ حَالٌّ فِي ﭐلسَّمَاءِ كَافِرٌ، أَمَّا إِذَا كَانَ يَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ شَىءٍ دَرَجَةً لا يَكْفُرُ
فِي ﭐلْقُرْءَانِ وَرَدَ: ﴿وَهُوَ اللّهُ فِي ﭐلسَّمَوَاتِ وَفِي ﭐلأَرْضِ﴾ مَعْنَاهَا اللهُ مَعْبُودٌ فِي ﭐلسَّمَواتِ وَفِي ﭐلأَرْضِ، فِي ﭐلسَّمَواتِ تَعْبُدُهُ ﭐلْمَلائِكَةُ وَفِي الأَرْضِ يَعْبُدُهُ مُؤْمِنُو ﭐلإنْسِ وَمُؤْمِنُو الْجِنِّ .
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي ﭐلسَّمَاء﴾ هَذِهِ ﭐلآيةُ ﭐلَّذِي يُفسِّرُهَا عَلَى ﭐلظَّاهِرِ يَظُنُّ مِنْهَا أَنَّ اللهَ حَالٌّ فِي ﭐلسَّمَاءِ ( وهذا كفر )، وَﭐلَّذِي لا يَفْهَمُ ﭐلْحُلُولَ وَيَفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ اللهَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ شَىءٍ دَرَجَةً فَلا يَكْفُرُ.
كَذَلِكَ مَنْ قَالَ: ﴿ﭐلرَّحْمَنُ عَلَى ﭐلْعَرْشِ ﭐسْتَوَى﴾ إِنْ فُهِمَ مِنْهَا أَنَّ اللهَ قَهَرَ ﭐلْعَرْشَ فَهُو حَقٌّ. ﭐلْعَرْشُ ﭐلَّذِي هُوَ أَكْبَرُ ﭐلْمَخْلُوقَاتِ مَقْهُورٌ للهِ، مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ قَهَرَ كُلَّ شَىءٍ. أَمَّا ﭐلَّذِي يَفْهَمُ مِنْهَا ﭐلْجُلُوسَ كَفَرَ. ﭐلشَّافِعِيُّ قَالَ: (ﭐلْمُجَسِّمُ كَافِرٌ.)
بَعْدَ أَنْ قَالَ ﭐلشَّافِعِيُّ: (ﭐلْمُجَسِّمُ كَافِرٌ) فِإِذَا وَجَدْنَا فِي كُتُبِ بَعْضِ ﭐلشَّافِعِيَّةِ: ((مَنْ قَالَ اللهُ فِي جِهَةِ فَوْقٍ لا نُكَفِّرُهُ)) نَنْبُذُ كَلامَهُ لا نَعْتَبِرُهُ شَيْئًا. نَرُدُّهُ لأنَّهُ خَالَفَ كَلامَ ﭐلإمَامِ، ﭐلشَّافِعِيُّ وُلِدَ سَنَةَ مَائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنَ ﭐلْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ مَائَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ مِنَ ﭐلْهِجْرَةِ. وَرَدَ حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ : “عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلأُ طِبَاقَ ﭐلأَرْضِ عِلْمًا” مَعْنَاهُ سَيَأَتِي عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَمْلأُ طِبَاقَ ﭐلأَرْضِ عِلْمًا. ﭐلْعُلَمَاءُ نَظَرُوا قَالُوا مَنْ يَكُونُ؟ قَالُوا: ﭐلشَّافِعِيُّ، لأَنَّ عِلْمَهُ ﭐنْتَشَرَ فِي ﭐلأَرْضِ، فِي أَنْدُونِيسْيَا وَﭐلْيَمَنِ وَﭐلْحَبَشَةِ وَﭐلصُّومَالِ حَتَّى بِلادِ إِيرَانَ.
قَالُوا: مَا وَجَدْنَا عَالِمًا ﭐنْتَشَرَ عِلْمُهُ فِي ﭐلأَرْضِ كَمَا ﭐنْتَشَرَ عِلْمُ ﭐلشَّافِعِيِّ.
يُوجَدُ كِتَابٌ يُقَالُ لَهُ كِتَابُ ﭐلْقَوَاعِدِ لِلعِزِّ بنِ عَبْدِ ﭐلسَّلامِ ذُكِرَ فِيهِ: ((مَنْ قَالَ اللهُ فِي جِهَةِ فَوْقٍ لا نُكَفِّرُهُ)) قَالَ: ((لأَنَّ ﭐلتَّخَلِّيَ عَنْ هَذَا صَعْبٌ)) هَذَا ﭐلْكَلامُ مَرْدُودٌ[1] لأَنَّهُ خَالَفَ كَلامَ ﭐلإِمَامِ. كُلُّ شَىءٍ يَكُونُ فِي جِهَةٍ فَهْوَ جِسْمٌ، إِمَّا جِسْمٌ لَطِيفٌ أَوْ جِسْمٌ كَثِيفٌ. ﭐلْجِسْمُ ﭐللَّطِيفُ كَالنُّورِ وَﭐلرِّيحِ وَﭐلظَّلامِ، وَﭐلْجِسْمُ ﭐلْكَثِيفُ كَالنَّجْمِ وَﭐلشَّمْسِ وَﭐلْقَمَرِ. ﭐلنَّجْمُ وَﭐلشَّمْسُ وَﭐلْقَمْرُ فِي هَذَا ﭐلْفَرَاغِ فَوْقَنَا، هَذَا ﭐلْفَرَاغُ مِنْ هُنَا إِلَى ﭐلسَّمَاءِ ﭐلأُولَى مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، ﭐلرِّيْحُ فِي هَذَا ﭐلْفَرَاغِ، ﭐلرِّيْحُ جِسْمٌ. ﭐلَّذِي يَقُولُ: اللهُ فِي ﭐلسَّمَاءِ وَيَظُنُّ أَنَّ اللهَ ضَوْءٌ وَنُورٌ حَلَّ فِي جِهَةِ ﭐلسَّمَاءِ جَعَلَهُ جِسْمًا، كَفَرَ.
وَﭐلَّذِي يَقُولُ: بِصُورَةِ ﭐلْبَشَرِ، أَكْفَرُ. كَانَ فِي ﭐلْمَاضِي مُشَبِّهَةٌ يَدَّعُونَ ﭐلإِسْلامَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ((اللهُ بِصُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ)) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ((بِصُورَةِ شَيْخٍ أَشْمَطَ)) ﭐخْتَلَطَ سَوادُ شَعَرِهِ بِبَيَاضِهِ. كَانُوا يَدَّعُونَ ﭐلإِسْلامَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ، هَؤُلاءِ أَكْفَرُ مِنَ ﭐلَّذِي يَقُولُ: ((اللهُ جِهَةَ فَوْقٍ)) وَلَمْ يَجْعَلْهُ بِصُورَةِ بَشَرٍ. ﭐلَّذِي جَعَلَهُ بِصُورَةِ بَشَرٍ أَكْفَرُ، هَذَا مَعْنَى ﭐلْمُجَسِّمِ.
أَمَّا: (وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعَنًى مِنْ مَعَانِي ﭐلْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ ) مَعْنَاهُ أَنَّ ﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ للهِ كَلامًا كَكَلامِ ﭐلْبَشَرِ مِنْ حَرْفٍ وَصَوْتٍ وَﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ رُؤيَتَهُ بِمُقَابَلَةٍ، أَيْ أَنْهُ يَرَى ﭐلْعَالَمَ مِنْ جِهَةٍ مِنَ ﭐلْجِهَاتِ كَافِرٌ، كَذَلِكَ ﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ ﭐلْمُؤمِنِينَ يَرَوْنَ اللهَ بَعْدَمَا يَدْخُلُونَ ﭐلْجَنَّةَ فِي جِهَةٍ مِنَ ﭐلْجِهَاتِ أَوْ فِي كُلِّ ﭐلْجِهَاتِ فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ، بَلْ يَرَاهُ ﭐلْمُؤمِنُونَ فِي ﭐلْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ مِنْهُمْ،
اللهُ يُرَى لا كَمَا يُرَى ﭐلْمَخْلُوقُ، ﭐلْمَخْلُوقُ يُرَى قَرِيبًا بِالْمسَافَةِ أَوْ بَعِيدًا بِالْمسَافَةِ.
كَذَلِكَ ﭐلَّذِي يَظُنُ أَنَّ كَلامَهُ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ شَبَهَهُ بِالْبَشَرِ. نَحْنُ كَلامُنَا بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. أَبُو حَنِيفَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ كَانَ أَدْرَكَ ﭐلصَّحَابَةَ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِينَ مِنَ ﭐلْهِجْرَةِ تَعَلَّمَ ﭐلْعِلْمَ مِمَّنْ تَعَلَّمَ مِنَ ﭐلصَّحَابَةِ قَالَ: (نَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِالآلاتِ وَﭐلْحُروفِ وَاللهُ يَتَكَلَّمُ بِلا ءَالَةٍ وَلا حَرْفٍ )
ﭐلَّذِي يِقُولُ: اللهُ يَتَكَلَّمُ بِالآلَةِ وَﭐلْحَرْفِ وَالصَّوْتِ شَبَّهَهُ بِخَِلْقِهِ. هَذَا ﭐلْبَيَانُ لَيْسَ شَيْئًا جَدِيدًا، أَبُو حَنِيفَةَ قَالَهُ، قَالَ: (نَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِالآلاتِ وَالْحُرُوفِ) مَعْنَاهُ بَعْضُ ﭐلْحُرُوفِ تَخْرُجُ مِنَ ﭐلشَّفَةِ، وَبَعْضُهَا مِنَ ﭐلْحَلْقِ لا تَخْرُجُ إِلاَّ مِنَ ﭐلْحَلْقِ، وَبَعْضُهَا مِنْ طَرَفِ ﭐللِّسَانِ.
ﭐلْحُرُوفُ لَهَا مَخَارِجُ، ﭐلَّذِي يَقُولُ: اللهُ يَتَكَلَّمُ باِلْحَرْفِ وَﭐلصَّوْتِ جَعَلَهُ كَخَلْقِهِ. ﭐلَّذِي يَظُنُ أَنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقْطَعُ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقْطَعُ أَوْ يَظُنُ أَنَّ اللهَ عَلِمَ أَشْيَاءَ ثُمَّ عَلِمَ أَشْيَاءَ ثُمَّ عَلِمَ أَشْيَاءَ هَذَا جَعَلَ اللهَ مِثْلَ خَلْقِهِ، جَعَلَ اللهَ حَادِثًا.
اللهُ لا تَقُومُ بِهِ صِفَةٌ حَادِثَةٌ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: (مَنِ ﭐعْتَقَدَ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ صِفَةٌ حَادِثَةٌ أَوْ شَكَّ أَوْ تَوَقَّفَ فَهُوَ كَافِرٌ). ﭐلْقُرْءَانُ نَقُولُ إنَّهُ[2] كَلامُ اللهِ، لا بِمَعَنَى أَنًّ اللهَ قَرَأَهُ بِالْحَرْفِ وَﭐلصَّوْتِ، بَلْ نَقُولُ (كَلامُ اللهِ)، بِمَعْنَى أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللهِ ﭐلأَزَلِيِّ، كَمَا إِذَا قُلْنَا: “اللهُ” ذَكَرْنَا اللهَ بِالْحَرْفِ وَﭐلصَّوْتِ لَكِنَّ اللهَ ﭐلَّذِي نَذْكُرُهُ شَىءٌ لا كَالأَشْيَاءِ. ﭐلْحَنَابِلَةُ الَّذِينَ ضَلُّوا يَقُولُونَ: اللهُ كَلامُهُ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ، مِثْلَ ﭐبنِ تَيْمِيَّةَ هَؤُلاءِ كَفَرُوا لأَنَّهُمْ وَصَفُوا اللهَ بِالْحَادِثِ.
اللهُ لا يُوصَفُ بِالْحَادِثِ كُلُّ صِفَاتِهِ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ. حَيَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لا يَدْخُلُهَا تَقَطُّعٌ، كَذَلِكَ عِلْمُهُ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ كَذَلِكَ قُدْرَتُهُ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ وَسَمْعُهُ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ وَمَشِيئَتُهُ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ وَبَصَرُهُ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ وَمَعَ هَذَا نَحْنُ لا نَقُولُ (الْقُرْءَانُ مَخْلُوقٌ)، وَلْوْ كَانَتْ هَذِهِ ﭐلْحُرُوفُ مَخْلُوقَةً لأَنَّ هَذِهِ ﭐلْحُرُوفَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللهِ ﭐلَّذِي لَيْسَ حَرْفًا. كَمَا إِذَا قُلْنَا: “اللهُ“ مَا مَعْنَى: “اللهُ”؟ ذَلِكَ ﭐلذَّاتُ ﭐلأَزَلِيُّ ﭐلأَبَدِيُّ ﭐلَّذِي لا يُشْبِهُ شَيْئًا لَكِنْ هَذِهِ ﭐلْحُرُوفُ مَخْلُوقَةٌ شَىءٌ يَحْدُثُ ثُمَّ يَنْقَضِي. حُرُوفُ لَفْظِ ﭐلْجَلالَةِ “اللهُ“ تَدُلُ عَلَى ذَلِكَ ﭐلذَّاتِ ﭐلْمَوجُودِ ﭐلَّذِي لَيْسَ لَهُ ﭐبْتِدَاءٌ. كَذَلِكَ هَذِهِ ﭐلْحُرُوفُ –أَيْ حُرُوفُ ﭐلْقُرْءَانِ- تَدُلُ عَلَى ذَلِكَ ﭐلْكَلامِ ﭐلأَزَلِيِّ ﭐلأَبَدِيِّ.
كَلامُهُ لَيْسَ كَكَلامِ ﭐلْخَلْقِ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَصَوتٍ، كَلامُهُ كَلامٌ وَاحِدٌ لَيْسَ كَكَلامِ ﭐلْخَلْقِ بِالانْتِقَالِ مِنْ حَرْفٍ إِلَى حَرْفٍ. ﭐلْقُرْءَانُ ﭐللَّفْظُ ﭐلَّذِي نَقْرأُهُ مِنَ ﭐلْبَاءِ إِلَى ﭐلسِّينِ، أَوَّلُهُ بَاءٌ مِنْ: ﴿بِسْمِ اللهِ ﭐلرَّحْمنِ ﭐلرَّحِيمِ﴾ وَءَاخِرُهُ سِينٌ مِنْ: ﴿مِنَ ﭐلْجِنَّةِ وَ ﭐلنَّاسِ﴾ لَيْسَ اللهُ قَرَأَهُ بِالْحَرْفِ وَﭐلصَّوْتِ، لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ شَبِيهًا بِنَا. لَيْسَ يَبْدَأُ ثُمَّ يَسْكُتُ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَسْكُتُ لأَنَّهُ لَيْسَ حَرْفًا، يَسْتَحِيلُ أَنْ يَنْطِقَ بِالْحَرْفِ. لَمَّا تَقُولُ: ﴿بِسْمِ اللهِ﴾ تَأْتِي ﭐلْبَاءُ ثُمَّ تَنْقَضِي ثُمَّ تَأْتِي ﭐلسِّينُ ثُمَّ تَنْقَضِي، يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ بِهَا هَكَذَا. كَلامُ اللهِ كَلامٌ وَاحِدٌ لَيْسَ مُتَجَزِّئًا وَلَيْسَ لَهُ أَبْعَاضٌ، هُوَ كَلامٌ وَاحِدٌ أَمْرٌ وَنَهْيٌ، كَلامُ اللهِ الأَزَلِيُّ ﭐلأَبَدِيُّ فِي ﭐلدُّنْيَا سَمِعَهُ مِنَ ﭐلْبَشَرِ مُوسَى عَلَيْهِ ﭐلسَّلامُ وَسَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ، مِنْ بَيْنِ ﭐلأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ.
أَمَّا فِي ﭐلآخِرَةِ يَسْمَعُهُ كُلُّ ﭐلْبَشَرِ وَﭐلْجِنِّ، كُلُّهُمْ يَسْمَعُونَ ذَلِكَ ﭐلْكَلامَ ﭐلَّذِي لَيْسَ حَروفًا وَلا صَوْتًا. مُوسَى وَسِيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا ﭐلسَّلامُ سَمِعَا كَلامَهُ ﭐلَّذِي لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلَيْسَ لَهُ ﭐبْتِدَاءٌ وَلا ﭐنْتِهَاءٌ. مَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ خلاف ذَلِكَ فَلَيْسَ مُؤْمِنًا، فَلَيْسَ عَارِفًا بِاللهِ.
بَعْضُ ﭐلنَّاسِ إِذَا سَمِعُوا: (كَلامُ اللهِ لَيْسَ بِحَرْفٍ لَيْسَ بِصَوْتٍ) يَسْتَغْرِبُونَ، قَدْ يَظُنُّونَ مِنْ جَهْلِهِمْ أَنَّ هَذَا شَىءٌ مِنْ عِنْدِنَا وَلا يَدْرُونَ أَنَّ هَذَا ﭐلتَّفْصِيلَ وَﭐلْبَيَانَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَهُ. وَكُلُّ أَهْلِ ﭐلسُّنَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللهَ كَلامُهُ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا. وَرَدَ فِي ﭐلْقُرْءَانِ: ﴿قُل لَّوْ كَانَ ﭐلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ﭐلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾ مَعْنَاهُ كَلامُ اللهِ لَيْسَ شَيْئًا لَهُ أَبْعَاضٌ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلامٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى كَلِمَاتٌ بِلَفْظِ ﭐلْجَمْعِ لِلتَّعْظِيمِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ كَلامًا مُتَجَزِّئًا.
في ﭐلْقُرْءَانِ فِي مَوْضِعٍ وَرَدَ: ﴿وَكَلِمَةُ اللّهِ﴾ وَوَرَدَ: ﴿كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾، بِلَفْظِ ﭐلْجَمْعِ وَبِلَفْظِ ﭐلإِفْرَادِ. كَمَا أَنَّ اللهَ عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَفْظِ ﭐلْجَمْعِ وَبِلَفْظِ ﭐلإِفْرَادِ، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ هَذَا صَرِيحٌ فِي ﭐلإِفْرَادِ وَعَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَفْظِ ﭐلْجَمْعِ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ﴾ وَهُوَ وَاحِدٌ لَكِنْ عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ وَاحِدٌ لَيْسَ جَمْعًا. وَعَبَّرَ بِلَفْظِ: ﴿فَاعِلِينَ﴾ وَهُوَ فَاعِلٌ وَاحِدٌ خَالِقٌ وَاحِدٌ. كَذَلِكَ قَالَ: ﴿كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ لِلتَّعْظِيمِ كَمَا عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِـ: ﴿نَحْنُ﴾ وَهُوَ وَاحِدٌ لَيْسَ ﭐثْنَيْنِ وَلا ثَلاثَةً وَلا أَكْثَرَ.
هَذَا ﭐلْقُرْءَانُ ﭐلَّذِي نَحْنُ نَقْرَأُهُ وَﭐلتَّورَاةُ وَﭐلإِنْجِيلُ وَﭐلزَّبُورُ كُلُّ هَؤُلاءِ عِبَارَاتٌ عَنْ ذَلِكَ ﭐلْكَلامِ، هَذِهِ ﭐلْعِبَارَاتُ حُرُوفٌ، هِيَ عِبَارَاتٌ عَنْ كَلامِ اللهِ ﭐلذَّاتِيِّ ﭐلَّذِي لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا. بَعْضُ ﭐلْعِبَارَاتِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ ﭐلْقُرْءَانُ وَبْعَضُ ﭐلْعِبَارَاتِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَهُوَ ﭐلإِنْجِيلُ وَبَعْضُ ﭐلْعِبَارَاتِ بَالْعِبْرَانِيَّةِ وَهُوَ ﭐلتَّوْرَاةُ وَﭐلزَّابُورُ[3]. كُلٌّ يُقَالُ لَهُ كَلامُ اللهِ لا ِبمَعْنَى أَنَّ اللهَ قَرَأَهُ هَكَذَا بَلْ بِمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ ﭐلْكُتُبَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ﭐلْكَلامِ ﭐلَّذِي لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا.
صِفَاتُ اللهِ عِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلامُهُ وَحَيَاتُهُ كُلُّ صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ ﭐلصَّفَاتِ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ. كُلُّ أَصْوَاتِ ﭐلْخَلْقِ اللهُ يَسْمَعُهَا بِسَمْعٍ أَزَلِيٍّ أَبَدِيٍّ لَيْسَ بِسَمْعٍ حَادِثٍ، لَيْسَ بِسَمْعٍ يَحْدُثُ لَهُ عِنْدَمَا يُوجَدُ ﭐلصَّوْتُ، نَحْنُ لَمَّا يَحْصُلُ مِنَّا صَوْتٌ يَحْصُلُ مِنَّا سَمْعٌ، اللهُ تَعَالَى يَسْمَعُ ﭐلأَصْوَاتَ ﭐلْحَادِثَةَ مِنَ ﭐلْمَخْلُوقِينَ بِذَلِكَ ﭐلسَّمْعِ ﭐلأَزَلِيِّ ﭐلأَبَدِيِّ ﭐلَّذِي لَيْسَ لَهُ ﭐنْقِطَاعٌ. كَذَلِكَ رُؤْيَتُهُ لا يَرَى ﭐلأَشْيَاءَ بِرُؤْيَةٍ حَادِثَةٍ بَلْ بِرُؤْيَةٍ أَزَلِيَّةٍ.
اللهُ لَهُ قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لا تَتَقَطَّعُ، لا يَدْخُلُهَا تَقَطُّعٌ. قُدْرَتُهُ قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ لَيْسَتْ كَقُدْرَتِنَا نَحْنُ نَقْدِرُ عَلَى شَىءٍ ثُمَّ نَقْدِرُ عَلَى شَىءٍ ءَاخَرَ وَقَدْ تَضْعُفُ قُدْرَتُنَا وَقَدْ تَقْوَى، أَمَّا اللهُ فَقَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىءٍ بِقُدْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ. وَكَذَلِكَ لَهُ مَشِيئَةٌ وَاحِدَةٌ لَيْسَ لَهُ مَشِيئَةٌ مُتَعَدِدَةٌ كَالْخَلْقِ، ﭐلْمَخْلُوقُ يَشَاءُ شَيْئًا ثُمَّ يَشَاءُ شَيْئًا ثُمَّ يَشَاءُ شَيْئًا أَمَّا اللهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. اللهُ شَاءَ وُجُودَ كُلِّ مَا دَخَلَ فِي ﭐلْوُجُودِ وَمَا سَيَدْخُلُ فِيمَا بَعْدُ بِمَشِيئَةٍ وَاحِدَةٍ، كُلُّهُ شَاءَهُ بِمَشِيئَةٍ وِاحِدَةٍ. اللهُ تَعَالَى شَاءَ فِي ﭐلأَزَلِ وُجُودَ هَذَا ﭐلْعَالَمِ عَلَى ﭐلتَّرْتِيبِ ﭐلَّذِي وُجِدَ عَلَيْهِ.
بِمَشِيئَةٍ وَاحِدَةٍ شَاءَ. شَاءَ وُجُودَ ﭐلْمَاءِ وِمَا بَعْدَهُ. عِلْمُ اللهِ وَاحِدٌ دَائِمٌ لَيْسَ شَيْئًا لَهُ أَجْزَاءٌ، لا يَزِيدُ وَلا يَنْقُصُ شَامِلٌ لِكُلِّ شَىءٍ، لَيْسَ لَهُ ﭐبْتِدَاءٌ وَلا ﭐنْتِهَاءٌ، يَعْلَمُ بِهَذَا ﭐلْعِلْمِ ﭐلْوَاحِدِ كُلَّ شَىءٍ. عِلْمُهُ لَيْسَ كَعِلْمِنَا، عُلُومُنَا حَادِثَةٌ وَقُدْرَتُنَا حَادِثَةٌ، أَوَّلُ مَا نَخْرُجُ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لا نَعْلَمُ شَيْئًا ثُمَّ يَحْْصُلُ لَنَّا بَعْدَ ذَلِكَ عِلْمُ شَىءٍ ثُمَّ شَىءٍ ثُمَّ شَىءٍ. عِلْمُهُ وَاحِدٌ شَامِلٌ لِكُلِّ شَىءٍ لا يَزِيدُ وَلا يَنْقُصُ. هَذَا ﭐلْعَالَمُ كُلُّهُ بِقُدْرَةٍ وَاحِدَةٍ خَلَقَهُ، وَبِعِلْمٍ وَاحِدٍ وَبِمَشِيئَةٍ وَاحِدَةٍ وَحُكْمٍ وَاحِدٍ. بِكلامٍ وَاحِدٍ فِي ﭐلأَزَلِ حَكَمَ بِوجُودِ ﭐلْعَالَمِ فَوُجِدَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ مَعْنَاهُ بِحُكْمِهِ ﭐلأَزَلِيِّ خَلَقَ ﭐلأشْيَاءَ أَيْ يَحْكُمُ فِي ﭐلأَزَلِ بِوجُودِ ﭐلشَّىءِ فَيُوجَدَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ يَنْطِقُ بِكَافٍ وَنُونٍ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ لَمَّا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا يَقُولُ: كُنْ،كُنْ. وَيَكْفُرُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ قَرَأَ بِالْكافِ وَﭐلنَّونِ.
كَلامُ اللهِ وَاحِدٌ شَامِلٌ لِلأَمْرِ وﭐلنَّهْيِ وَﭐلْخَبَرِ وَﭐلاسْتِخْبَارِ وَﭐلْوَعْدِ وَﭐلْوَعِيدِ. اللهُ تَعَالَى أَمَرَ جِبْرِيلَ بِأَنْ يَأْخُذَ هَذِهِ ﭐلْكُتُبَ مِنَ ﭐللَّوْحِ ﭐلْمَحْفُوظِ وَيَنْزِلَ بِهَا عَلَى بَعْضِ ﭐلأَنْبِيَاءِ. فِي ﭐلْحَقِيقَةِ ﭐلْعَقْلِيَّةِ كَلامُ اللهِ ذَاكَ ﭐلَّذِي هُوَ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا لَيْسَ مُتَبَعِّضًا. وَبِالْحَقِيقَةِ ﭐلشَّرْعِيَّةِ نَقُولُ لِهَذَا ﭐلَّذي نَقْرَأُهُ (كَلامُ اللهِ). لا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ اللهُ نَطَقَ أَوَّلاً بِالْبَاءِ ثُمَّ بَالسِّينِ إِلَى أَنْ ﭐنْتَهَى بِـ ﴿مِنَ ﭐلجِِْنَّةِ وﭐلنَّاس﴾.
هَذَا ﭐلتَّرْتِيبُ عَلَى حَسَبِ مَا كُتِبَ فَي ﭐللَّوحِ ﭐلمْحَفُوظِ ثُمَّ قَرَأَهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ– -. وَجِبْرِيلُ أَخَذَ ﭐلْقُرْءَانَ فَقَطْ، لَيْسَ هُوَ أَلَّفَهُ، وَلا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ أَلَّفَهُ، جَرَى ﭐلْقَلَمُ عَلَى ﭐللَّوْحِ ﭐلْمَحْفُوظِ فَكَتَبَ هَذِهِ ﭐلْكُتُبَ ﭐلأَرْبَعَةَ وَكَتَبَ مَا يَصِيرُ إِلَى يَوْمِ ﭐلْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِ ﭐلنَّاسِ وَأَرْزَاقِهِمْ وَءَاجَالِهِمْ، فُلانٌ يَمُوتُ عَلَى ﭐلإِيمَانِ وَفُلانٌ يَمُوتُ عَلَى ﭐلكُفْرِ، فُلانٌ يُسْلِمُ وَيُخْتَمُ لَهُ بِالإِيمَانِ وَفُلانٌ يُسْلِمُ وَيُخْتَمُ لَهُ بِالكُفْرِ، كُلُّ ذَلِكَ كُتِبَ.
هَذَا ﭐلْقُرْءَانُ ﭐلَّذِي نَقْرَأُهُ لَيْسَ اللهُ قَرَأَهُ عَلَى جِبْرِيلَ لَكِنْ جِبْرِيلُ سَمِعَ كَلامَ اللهِ ﭐلأَزَلِيَّ ﭐلأَبَدِيَّ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ ﭐلْكَلامِ أَنْ يَأْخُذَ ﭐلْقُرَءَانَ ﭐلَّذِي كُتِبَ عَلَى ﭐللَّوْحِ ﭐلْمَحْفُوظِ وَأَنْ يَنْزِلَ بِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَجِبْرِيلُ قَرَأَهُ بِالْحَرْفِ وَﭐلصَّوْتِ. ﭐلسِّينُ وَﭐلشِّينُ وَﭐلْحَاءُ وَﭐلْخَاءُ واللامُ وَﭐلْمِيمُ وَﭐلْهَاءُ وَﭐلْيَاءُ مِنْ هَؤُلاءِ ﭐلْحُرُوفِ ﭐلْقُرْءَانُ، هَكَذَا كَانَ مَكْتُوبًا فِي ﭐللَّوْحِ ﭐلْمَحْفُوظِ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ.
والدليلُ الشَّرعيُّ على إطلاقِ كلامِ اللهِ على هذا اللَّفظِ الْمُنَزَّلِ قولُهُ تعالى:انّه لقول رسول كريم. ذي قوّة عند ذي العرش مكين. مطاع ثمّ أمين. فمعنى قولِهِ: ﴿ انّه لقول رسول كريم إنهُ مَقْروءُ جِبريل، ولا يجوزُ أن يكونَ مقروءُ جِبريلَ هو عَينَ الكلامِ الذاتِيّ القائمِ بِذَاتِ الله. والدليلُ على أنَّ المقصودَ بالآيةِ جبريل كلمةُ: رسول كريم ﴾ لأنَّ اللهَ لا يُسمَّى رسولاً؛ ويدلُّ على ذلك أيضًا الوصفُ الذي جاءَ بعدَ هذهِ الجملَةِ ذي قوّة.أي جبريلُ له قوّة ﴿ عند ذي العرش ﴾ أي عندَ خالِقِ العرشِ، مكين﴾ أي مُتَمَكِّنٌ له درجةٌ عالية ﴿مطاع ثمّ ﴾ أي يُطاعُ هناكَ أي في السَّمٰواتِ مِنْ قِبَلِ الملائكةِ لأنَّ جبريلَ هو رسولُ الملائكةِ أي رسولُ اللهِ إلى الملائكَةِ وإلى الأنبياء.
ويدُلُّ على ذلكَ أيضًا قولُهُ تعالى: وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام الله ﴾ والرسولُ يُسْمِعُ المشْرِكَ الكلامَ الْمُنَزَّلَ الذي هو لا شكَّ مَخلوق، لكن امتنعَ الإمامُ أحمدُ رضيَ الله عنه مِنْ أنْ يقولَ القرءانَ مَخلوق حتى لا يُتَوَهَّمَ أنَّ اللهَ يوصَفُ بصِفَةٍ مَخلوقةٍ .
ﭐلْقُرْءَانُ لَيْسَ مِنْ تَأْلِيفِ جِبْرِيلَ وَلا مِنْ تَأْلِيفِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، نَقُولُ (كَلامُ اللهِ) لا بِمَعْنَى أَنَّ اللهَ قَرَأَهُ بِالْحَرْفِ وَﭐلصَّوْتِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾. بَعْضُ ﭐلنَّاسِ يَقُولُونَ: (وهو غير صحيح) اللهُ تَعَالَى يَوْمَ ﭐلْقِيَامَةِ يَقُولُ لَمَّا يُحْيِي ﭐلْخَلْقَ بَعْدَمَا يَفْنَى ﭐلإِنْسُ وَﭐلْجِنُّ وَﭐلْمَلائِكَةُ، لَمَّا يُعِيدُهُمْ يَقُولُ لِمَنِ ﭐلْمُلْكُ ﭐلْيَوْمَ؟ فيقولون ان الله يجيب نفسه فيقول للواحد القهار هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، هَذَا كَذِبٌ لا يَجُوزُ.
ﭐلصَّحِيحُ أَنَّهُ عِنْدَمَا يَقُومُ ﭐلنَّاسُ مِنَ ﭐلْقُبُورِ يَأْمُرُ اللهُ مَلَكًا فَيُنَادِي لِمَنِ ﭐلْمُلْكُ ﭐلْيَوْمَ؟ ثُمَّ هَذَا ﭐلْمَلَكُ يَقُولُ للهِ ﭐلْوَاحِدِ ﭐلْقَهَّارِ، فَيَسْمَعُ أَهْلُ ﭐلْمَوْقِفِ كُلُّهُمْ لأَنَّهُ لا يُوجَدُ فِي ﭐلآخِرَةِ مُلُوكٌ كَمَا يُوجَدُونَ ﭐلْيَوْمَ. هُوَ اللهُ مَلِكُ ذَلِكَ ﭐلْيَوْمِ لا مَلِكَ يَوْمَ ﭐلْقِيَامَةِ غَيْرُهُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ ﭐلدِّينِ﴾ هَذَا ﭐلْمَلَكُ هُوَ نَفْسُهُ يَعُودُ وَيَقُولُ للهِ ﭐلْوَاحِدِ ﭐلْقَهَّارِ. هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ عِلْمُ الْتَوْحِيدِ.
ﭐلْغَلَطُ فِي ﭐلْتَوْحِيدِ خَطَرُهُ أَعْظَمُ مِنَ ﭐلْغَلَطِ[4] فِي ﭐلأَعْمَالِ، ﭐلصَّلاةُ إِنْ أَخْطَأْتَ فِيهَا تَقْضِيهَا مُصَحَّحَةً وَﭐلصِّيَامُ كَذَلِكَ، وَﭐلْحَجُّ إِنْ دَخَلَهُ فَسَادٌ تُعِيدُهُ عَلَى ﭐلْوَجْهِ ﭐلصَّحِيحِ.
ومِمَّا يَنْبَغِي فَهْمُهُ هَذَا ﭐلْحَدِيثُ: “إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا“ هَذَا ﭐلْحَدِيثُ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ يَسْكُتُ كَمَا يَسْكُتُ ﭐلْمَخْلُوقَاتُ عَنِ ﭐلْكَلامِ، إِنَّمَا ﭐلْمَعْنَى أَنَّ اللهَ مَا أَنْزَلَهَا فِي ﭐلْقُرْءَانِ وَلا عَلَى لِسَانِ ﭐلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ، أَيْ مَا أَوْرَدَهَا فِي ﭐلْقُرْءَانِ وَلا أَنْزَلَهَا فِي شَرِيعَةِ ﭐلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ، لَيْسَ مَعْنَى: “وَسَكَتَ“ أَنَّ اللهَ يَجُوزُ عَلَيْهِ ﭐلسُّكُوتُ، اللهُ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ ﭐلسُّكُوتُ، مُتَكَلِّمٌ أَزَلاً وَأَبَدًا لأَنَّ كَلامَهُ لَيْسَ حَرْفًا وَلا يَتَخَلَّلُهُ ﭐنْقِطَاعٌ. “سَكَتَ” فِي هَذَا ﭐلْحَدِيثِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِأَشْيَاءَ ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ تَكَلَّمَ ثُمَّ سَكَتَ، لَوْ كَانَ اللهُ يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقْطَعُ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقْطَعُ لَكَانَ مِثْلَنَا، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ مِثْلَ خَلْقِهِ.
[1] – وَنَحْنُ لا نَعْتَقِدُ أَنَّ ﭐلْعِزَّ بْنَ عَبْدِ ﭐلسَّلامِ قَالَهُ، وَإِنْمَّا مِمَّا دُسَّ عَلَيْهِ.
[2] – ﭐلأَصْلُ: عَنْهُ.
[3] – فِيهِ خِلافٌ، قِيلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ.
[4] – ﭐلأَصْلُ: ﭐلْخَطَر