ضَلالاتِ الكُفَّارِ ظَاهِرَةٌ يَتَجَنَّبُها المُسْلِمُونَ،
وهَؤلاءِ المجسمة أَتَوا الدّينَ والعَوَامَّ مِنْ طَرِيْقٍ يَغْتَرُّ بِه المُستَضْعَفُونَ
فَأَوْحَوا إلى أَوْليَائِهمْ بهَذِهِ البِدَعِ وأَحَلُّوا في قُلُوبِهم
وَصْفَ المَعْبُودِ سُبْحَانَه بالأَعْضاءِ والجوَارِحِ والرُّكوبِ
والنُّزولِ والاتّكاءِ والاسْتِلْقاءِ والاسْتِوَاءِ بالذّاتِ وَالتّرَدُّدِ في الجِهَاتِ.
فَمن أَصْغَى إِلى ظَاهِرِهم يُبَادِرُ بِوَهْمِه إِلى تَخيُّلِ المَحْسُوسَاتِ فَاعْتَقَدَ الفَضَائِحَ فَسَالَ بِه السَّيْلُ وَهُوَ لا يَدْرِي”. اهـ.
فَتَبيَّنَ أنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: “إِنَّ التَّأْوِيلَ غَيرُ جَائِزٍ” خَبْطٌ وَجَهْلٌ وهُوَ مَحْجُوجٌ بقَولِه صلى الله عليه وسلم لابنِ عَبّاسٍ: “اللّهُمَّ عَلّمْهُ الحِكْمَة وتَأْوِيلَ الكِتَابِ” رواه ابنُ مَاجَه وغَيْرُهُ7بألْفَاظٍ مُتَعَدّدَةٍ وأوّله عند البخاري8.
قَالَ الحَافِظُ ابنُ الجَوْزيّ في كِتَابِهِ “المَجَالِسُ”9: “ولا شَكَّ أنَّ الله اسْتَجَابَ دُعَاءَ الرّسُولِ صلى الله عليه وسلم هذا” اهـ وشَدَّدَ النَّكِيرَ والتَّشْنِيعَ علَى مَنْ يَمْنَعُ التَّأْوِيلَ وَوَسَّعَ القَوْلَ في ذَلِكَ، فَلْيُطَالِعْهُ مَنْ أرَادَ زِيَادَةَ التّأَكُّدِ.
ومَعْنَى قَوْلِه تَعَالى ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ (50)﴾ [سورة النحل] فَوْقِيّةُ القَهْرِ دُونَ المكانِ والجِهَةِ أي لَيْسَ فوقيةَ المَكانِ والجهَةِ. ومَعْنى قَولِه تعالى ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)﴾ [سورة الفجر]لَيْسَ مَجِيءَ الحَرَكَةِ والانْتِقَالِ والزَّوَالِ وإفْراغِ مَكَانٍ وَمَلْءِ ءاخَرَ بالنسبة إلى الله ومَن اعْتَقَدَ ذَلِكَ يَكْفُرُ.
فالله تَعَالى خَلَقَ الحَرَكَةَ والسُّكُونَ وكُلَّ مَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ الحَوَادِثِ فلا يُوْصَفُ الله تعَالى بالحَرَكَةِ وَلا بالسُّكُونِ، والمَعْنيُّ بِقَوْلِهِ﴿وَجَاء رَبُّكَ (22)﴾ جَاءَ أمْرُ رَبّكَ أيْ أثَرٌ مِنْ ءاثَارِ قُدْرَتِه. وقَدْ ثَبَتَ عَن الإمَامِ أحْمَدَ أنَّهُ قَالَ في قَولِه تَعَالَى ﴿وَجَاء رَبُّكَ (22)﴾إنمَا جَاءَتْ قُدْرَتُه،
رَوَاهُ البَيهَقِيُّ في مَنَاقِبِ أحْمدَ وقَدْ مَرَّ ذكره
تَفْسِيرُ مَعِيَّةِ الله المَذْكُورَةِ في القُرْءَانِ |
||
|
وَمَعْنَى قَولِه تَعَالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ(4)﴾ [سورة الحديد] الإحاطةُ بالعِلْمِ، وتَأْتي المَعِيَّةُ أَيْضًا بمعْنى النُّصْرَةِ والكِلاءَةِ، كقَولِه تعَالى ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ (128)﴾ [سورة النحل]. مِنْ صِفَاتِ الحَجمِ والحجمُ هو الذي يَقبَلُ الأمرَينِ والله جلَّ وعَلا لَيْسَ بحادِثٍ، نفَى ذلكَ عن نفسِهِ بقولِهِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ (11)﴾.
|
|
تَفْسِيرُ قَولِه تَعَالى فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ
قَالَ تَعَالى ﴿وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ (115)﴾ [سورة البقرة].
المَعْنَى فأَيْنَما تُوَجّهُوا وجُوْهَكُم في صَلاةِ النَّفْلِ في السَّفرِ فَثمَّ قِبلَةُ الله، أيْ فتِلْكَ الوِجْهَةُ التي تَوجَّهْتُم إِلَيْها هِيَ قِبْلَةٌ لَكُم،
ولا يُرادُ بالوَجْهِ الجَارِحَةُ.
وحُكْمُ مَنْ يَعتَقِدُ الجَارحَةَ للهِ التَّكْفِيْرُ لأَنَّهُ لَو كَانَتْ لَهُ جَارِحَةٌ
لكانَ مِثْلا لنَا يَجُوزُ عَليه مَا يَجُوزُ عَلَيْنا مِنَ الفَناءِ.
وَقَدْ يُرادُ بالوَجْهِ الجِهَةُ التي يُرادُ بها التّقَرُّبُ إلى الله تَعالى كأَنْ يَقُولَ أحَدُهُم “فَعَلْتُ كَذا وكَذا لِوَجْهِ الله”، ومَعْنَى ذلِكَ “فَعَلْتُ كَذا وكذا امْتِثَالا لأَمْرِ الله تَعَالى”.
ويَحْرُمُ أنْ يُقالَ كَما شَاعَ بينَ الجُهَّالِ “افتَح النَّافِذَةَ لِنَرى وجْهَ الله”،
لأنَّ الله تعالى قالَ لِمُوسَى ﴿لَن تَرَانِي(143)﴾ [سورة الأعراف]،
ولَوْ لَم يَكُن قَصْدُ النّاطِقينَ بهِ رُؤيةَ الله فَهو حَرامٌ
5) ذكره الحافظ مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء (2/109).
6) أي على زعمهم.
7) أخرجه ابن ماجه في سننه: المقدمة: باب فضل ابن عباس، والطبراني في المعجم الكبير (9/95). قال الهيثمي (9/276): “ولأحمد طريقان رجالهما رجال الصحيح”.
8) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب العلم: باب قول النبي اللهم علمه الكتاب.
9) مجالس ابن الجوزي (ص/13