اتبعته في ذلك CAIR القرضاوى خرق الإجماع في تحريف مصارف الزكاة

Arabic Text By Jul 11, 2013

القرضاوى خرق الإجماع في تحريف مصارف الزكاة

CAIR واتبعته في ذلك

فاحذروا صونا لدينكم

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين وصلى الله على السيد السند الأمين، صاحب القول الفصل الذي لا اجتهاد في مورد نصّه، ولا فهم يزيد على فهمه، سيدنا محمد وعلى سادات ءاله وصحبه.

أما بعد، فإن ورقة خطيرة تحمل في طيَّاتها بابًا واسعًا لتبديل أحكام دين الله وتغييرها ـ بدعوى التجاوب مع مقتضيات العصر ـ قد رُوّجت في أمريكا ووُزعت فيها، وهي صادرة عن منظمة تسمى :”رابطة الشباب المسلم العربي” ((M.A.Y.A وموقعة بإمضاء الدكتور يوسف القرضاوي افتتحها كاتبها بالحديث عن أهمية التربية والتوعية الفكرية والعقائدية الإسلامية ثم انتقل إلى امتداح الرابطة المذكورة ءانفًا ليخلُص بعد ذلك في الثلث الأخير منها إلى تجويز دفع الزكاة لصرفها في أعمال هذه الرابطة المختلفة لدعوى أن عملها هذا جهاد في سبيل الله، إذن يجوز أن يُمَوَّل من مال الزكاة لدخوله تحت قوله تعالى:{وفي سبيل الله} [سورة التوبة/60]!!! ونصُّ كلامه :”ولهذا أرى أنه يجوز للمسلم أن يدفع إليها من زكاة ماله باعتبار عملها الذي أشرت إليه جهادًا في سبيل الله، فليس كل الجهاد بالسيف، وقد قال تعالى لرسوله:{فلا تطع الكافرين وجاهدهم به} أي بالقرءان [سورة الفرقان/52]. وأخطر ما غُزينا به في عصرنا من قِبل أعداء الإسلام هو الغزو الفكري والثقافي، وعلينا أن نحاربهم بمثل سلاحهم أي عن طريق الفكر والثقافة والتربية والتوعية، وهو ما تقوم به رابطة الشباب المسلم العربي، ولا حرج من تمويل ذلك من مصرف :{وفي سبيل الله} [سورة التوبة/60] من مصارف الزكاة” انتهى كلام القرضاوي بحروفه.

نقول بعون الله تعالى: لسنا ننازع الشيخ القرضاوي في أهمية التصدي لما سماه الغزو الفكري والثقافي، ولا في الدفاع عن عقيدة الإسلام في وجه الطاعنين فيها علنًا وسرًّا، ولا في أن هذا النوع من أنواع الجهاد باللسان والقلم، ولا في كون حسن توجيه وتعليم الناشئة وتحصين دين الإسلام في نفوسهم ضد افتراءات الملحدين من أهم الأمور، ولكن هَالَنَا أن القرضاوي حرَّف معنى قوله تعالى:{وفي سبيل الله} [سورة التوبة/60] وأجاز دفع الزكاة في غير ما أجاز اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم!!!. وكأن صاحب الفتوى –  اي القرضاوي – قد غرَّه سكوت أهل العلم عن فضح أخطائه وهفواته، ورأى إهمال كثير منهم ذكر اسمه عند تفنيدها، مع أنها كثيرة متناثرة في كتبه المطبوعة المنشورة، كنسبته ما لا يليق من إيذاء المسلمين بغير حق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنكاره أن يكون رسول الله بيَّن ما هو أول المخلوقات، ورأيه في الموسيقى، وما ينسبه لسيدنا عمر رضي الله عنه، ودعواه أن الجهمية ليسوا أعداء الدين، وغير ذلك من ضلالات في الأصول والفروع يندى له الجبين بينا بعضها في كتاب القرضاوي في العراء، نقول: كأنه ظن سكوتهم موافقة على كلامه وأنهم يذهبون إلى ما ذهب إليه، فَنَقَلَهُ وهمه من حال إلى حال، فتصدى لإصدار الفتاوى في الحوادث والنوازل معتمدًا على محض رأيه وراجعًا إلى استنباطه من غير أن يكون متحليًا بصفات المفتي وشروط المجتهد.

فبدل أن ينقل القرضاوي أقوال العلماء المجتهدين وبماذا أفتوا، خالف أقوالهم وخرق إجماعَ الأمة في مسائل عديدة طلبًا للشهرة، ولم يعلم أن أهل العلم ما سكتوا عنه عجزًا أو موافقة وإنما شغلهم ما هو أدهى وأمرّ، فقد قلَّ عددهم، وكثرت الفتوق عليهم، واتسع الخرق على الراقع، إنا لله وإنا اليه راجعون.

لكن لما بلغ السيل الزبى، ورأينا هذه الورقة تُوزَّع في المساجد والمنازل ويتبعها أوراق مشابهة يوزعها صيادو أموال الزكاة بالباطل لم نجد بدًّا من البيان، لا سيما وديننا أغلى ما عندنا، وحِفْظه من التحريف واجب بنصوص الشريعة الواضحة، والتغافل عن القطرة قد يحيلها سيلاً يُذهب بالدور وأهلها.

وقد كان بعض أهل العلم نصح القرضاوي هذا سرًّا فلم يقبل، وألف السيد عبد الحي الغماري كتابًا خاصًّا للرد عليه في مسئلة أكل اللحوم غير المذكاة ذكاة شرعية التي افتى القرضاوي فيها فتاوى ما انزل الله بها من سلطان، كما أنكر عليه الشيخ المحدث عبد الله الغماري رحمه الله فلم يتراجع عن غلطه ولا أعلن عودته عن شذوذه، فجهرنا بهذا الرد عليه تحذيرًا للمسلمين، وانتصارًا لدين رب العالمين، ولسنا بحمد الله ننافسه في دنيا، ولا ننازعه مالا، ولا نأكل ما لا يرضي ربنا عزَّ وجلَّ، ولا نريد مشاركته الأكل من مال الزكاة ، ولكنَّ النصيحة واجبة، وءاخر الدواء الكيّ.

ولهذا أسمينا رسالتنا هذه :”النقض الكاوي لدعوى يوسف القرضاوي ومن جاراه في تفسير قوله تعالى:{وفي سبيل الله} [سورة التوبة/60]”، رزقنا الله تعالى حسن المقصد، وجعل فيها عظيم الأجر وعموم النفع، وبالله القوة والحول، وعليه التكلان.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ” من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان” رواه مسلم.

وليس التحذير من القرضاوي من باب الغيبة المحرمة فان النبي عليه الصلاة والسلام حذر ممن غش في الطعام وثبت عنه ايضا انه قال في رجلين كانا يعيشان بين المسلمين ” ما اظن ان فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا”.

فصل في بيان الحكم الشرعي في المسئلة والرد على القرضاوي.

اعلم أيها القارىء رحمنا الله وإياك بتوفيقه أن توزيع الزكاة أَحكَمَ الله عزَّ وجلَّ قواعدَه، وأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أصوله، وبلَّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فلا يجوز لأحد أن يهمل تلك القواعد أو يتجاوز هذه الأصول، أو يدَّعي أنه أفهم لها ممن نزل عليه الوحي بها، وممن تلقاها منه وتعلمها على يده.

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتاب الأم:”فأحكم الله عزَّ وجلَّ فرض الصدقات في كتابه ثم أكدها فقال:{فريضة من الله}، قال: وليس لأحد أن يقسمها على غير ما قسمه الله عزَّ وجلَّ”. اهـ.

يعني بذلك قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة التوبة/60].

فلا يجوز ولا يجزىء إعطاء الزكاة لغير هؤلاء الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في هذه الآية، ومنهم المجاهدون المعنيّون بقوله تعالى: :{وفي سبيل الله} وهم بالخصوص الغزاة المتطوعون الذين يقاتلون الكفار ويحمون الثغور والديار، ولا يأخذون راتبًا من بيت المال لأجل ذلك. وألحق الإمام أحمد وغيرُهُ بهم مريدَ الحج الذي ليس معه ما يستطيع به الحج لنصّ ورد بخصوص ذلك.

وأما غير هؤلاء فلا يجوز أن يُعطَوا من هذا السهم درهمًا ولا أكثر، سواء كانوا أفرادًا متفرقين أو منتظمين في رابطة أو جمعية، وسواء كانوا علماء أو طلبة علم أو عامة، وسواء أرادوا استخدامها راتبًا لموظف أو أجرة لنسخ كتاب أو لبناء مسجد أو مصلَّى أو مدرسة أو كلفة عقد مؤتمر أو غير ذلك وان زعم القرضاوي خلاف ذلك.

هذا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به الصحابة والتابعون وأتباع التابعين ومن جاء بعدهم من سلاسل علماء الدين الذهبية، وهو ما أفتوا به في حال قوة الأمة وضعفها، وفي حال اشتداد شوكة أهل البدع وشدة هجمتهم كما في حال انكسار ذلك.

فلا يجوز بعد ذلك لا ليوسف القرضاوي ولا لغير يوسف القرضاوي أن يُفتِيَ بخلاف كلامهم وما انعقد عليه إجماعهم، ومن أفتى بمثل ذلك لا يجوز العمل بفتواه ولا يلتفت إليها.

فإن أحكام شرع الله هي ما فهمه الصحابة والتابعون وتابعوهم من كتاب الله وسُنَّة رسوله على موجب اللسان العربيّ المبين، أما المتأخرون من كبار الفقهاء فليس لهم إلا أن يتكلموا في نوازل جديدة لا أن يُبدوا ءاراء في الدين على خلاف ما فهمه من النصوص رجالُ الصدر الأول الذين هم أهل اللسان المُطَّلِعُونَ على لغة التخاطب بين الصحابة قبل أن يعتورها تغيير وتحوير، وهم المتلقون للعلم عن الذين شهدوا الوحي، فما فهموه من الشرع فهو المفهوم وما أبعدوه عن أن يكون دليلاً فهو بعيد عن أن يُتَمَسَّكَ به.

وإنما يكون كلام الفقهاء المتأخرين فيما لم يتكلم فيه أهل هذا الصدر أو اختلفوا في حكمه.

وهذا أيضًا له شرط وهو أنَّ من أراد التكلم في حكم حادثة لم تحدث في الصدر الأول وليس فيها نص لا بد أن يكون مجتهدًا كأبي حنيفة والشافعي ومالك أو من أصحاب الوجوه كالمتولي والبلقيني وأمثالهما، وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة فليس له أن يستنبط الأحكام وإنما درجته أن يتبع ما يقوله أهلُ الاستنباط. ومن الواضح أن الدكتور القرضاوي لم يصل إلى هذه المرتبة ـ ولا نظن أنه يَدَّعِي مساواة هؤلاء الفطاحل ـ، فكان ينبغي أن يلتزم القرضاوي (او غير القرضاوي ممن هو مثله) في جواب المسئلة بالنقل من كتب الأئمة من غير أن يُقْحِمَ رَأيًا خَاصًّا له في الموضوع، فيسلم بذلك هو ومن يتبعه.

والخلاصة: أن سهم :{وفي سبيل الله} المذكور في ءاية الصدقات لا يشمل عمل الرابطة أو الجمعية المذكورة ولا أمثالها وبالتالي لا يجوز صرفه في نشاطاتها ونفقاتها. وما أفتى به الدكتور القرضاوي غلط فاحش يحرم العمل به لمخالفته نص القرءان وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأئمة المجتهدين وأقوالهم.

أما المواجهة الثقافية الفكرية لمخططات أعداء الإسلام فَتُسَدُّ نفقاتُها من مصادر أخرى غير الزكاة فإن في المال حقوقًا سواها.

هذا ما جاء في دين الله وشريعته، والفائز من التزم بأحكام هذه الشريعة فشملته نفحاتها ونالته أسرارها، والمحروم من ظنَّ أن الإصلاح يكون بغير طريقها أو قدَّم رأيه على منهاجها، والموفَّق من وفقه الله.

القرضاوي خالف الائمة في تفسيره لمعنى “وفي سبيل الله”

تنبيه: من دفع زكاة ماله لطباعة الكتب أو عقد الندوات أو بناء المساجد أو المستشفيات أو افتتاح مراكز جمعيات وروابط أو نحو ذلك كما أجازه القرضاوي فلا يصح منه ذلك ولا يجزىء عنه زكاةً، أفتى بذلك مفتي مصر الفقيه الحنفيّ المشهور محمد بخيت المطيعي الأزهري وكذا وكيل المشيخة الإسلامية في الدولة العثمانية الشيخ محمد زاهد الكوثري وأقرَّه رحمهما الله، وقبلهما بكثير نقل ابن هبيرة الحنبلي الإجماع على ذلك ذكره في الإفصاح فَلْيُتَنَبَّهْ، فإن من فعل هذا يأتِي يوم القيامة والزكاة ما زالت في رقبته لم تبرأ منها ذمته، والله تعالى أعلم.

قال الله تعالى :{وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (5 وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا ءاتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)} [سورة التوبة].

والصدقات جمع صدقة، والمراد هنا الصدقات المفروضة بدليل قوله تعالى:{فريضةً من الله} وهي الزكوات بالإجماع.

والصدقة ـ من حيث الأصل ـ حتى تقع وتحصل لا بد فيها من تمليك المال للمتصدّق عليه، ومَنْ دَفَعَ الزكاة على النحو الذي أجازه القرضاوي وأمثاله لم يقع منه التمليك لأنه لما أعطاها للمشرفين على الرابطة أو الجمعية لم يقصد أن يتملكوها بأنفسهم إنما قصد أن يكونوا وكلاء في صرفها، وهو يعلم أنهم لا يملّكونها لأهل الأصناف الثمانية بل يستأجرون بها قاعة أو يشترون أوراقًا أو يستثمرونها في تجارة أو يودعونها بنكًا تختلط فيه بالحرام البيّن أو نحو ذلك، فيكون نتيجة ذلك أن التملك لم يحصل وبالتالي فإن الصدقة الواجبة لم تقع، وهذا المال المدفوع لا يعتبر إذن في شرع الله زكاة صحيحة بل هو عبادة فاسدة واقعة في غير موقعها. فمن اتبع فتوى القرضاوي واعطى مال زكاته على الوجه الذي اباحه القرضاوي يكون قد اعطاها لغير مستحقيها ولم تسقط عنه وهي باقية في ذمته.

قال الشيخ الكوثري رحمه الله :”وتخصيص الصدقات المفروضة بالأصناف الثمانية أتى من لفظ “إنما” المفيد للحصر، وكون هذا الاختصاص بطريق التمليك جاء من وقوع اللام بين صدقاتٍ تُمَلَّكُ وشخصٍ يتملك ومن السياق لأن الآية في الرد على طلاب التملك من غير استحقاق فتكون الأصناف الثمانية هم الذين يُملَّكُونها عن جدارة” اهـ.

قال الخازن في تفسيره ما نصه :”المسئلة الثانية: الآية تدل على أنه لا حقَّ لأحد في الصدقات إلا هؤلاء الثمانية وذلك مجمع عليه لأن كلمتي “إنما” تفيدان الحصر وذلك لأنها مركبة من “إن” و”ما” فكلمة “إن” للإثبات وكلمة “ما” للنفي فعند اجتماعهما يفسدان الحكم المذكور وصرفه عما عداه، فدل ذلك على أن الصدقات لا تصرف إلا إلى الأصناف الثمانية” اهـ.

وكون الغزاة المتطوعين أحد الأصناف الثمانية الذين تُملَّكُ لهم الزكاة مأخوذ من قوله تعالى:{وفي سبيل الله} فإن إطلاق هذا اللفظ في الشرع أصلاً إنما هو للغزو فإن استعملت بغير ذلك المعنى كان معها قرائن تدل على ذلك ولا قرينة من ذلك هنا، واحتج بذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه على أن معنى الآية الغزو قال النووي في المجموع ما نصه :”واحتج أصحابنا بأن المفهوم في الاستعمال المتبادر إلى الأفهام أن سبيل الله تعالى هو الغزو، وأكثر ما جاء في القرءان العزيز كذلك، واحتج الأصحاب أيضًا بحديث :”لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة” فذكر منهم الغازي، وليس في الأصناف الثمانية من يُعطى باسم الغزاة سوى الذين نعطيهم من سهم سبيل الله”. اهـ.

فإطلاق لفظ في سبيل الله على الغزو حقيقة شرعية والحقيقة الشرعية هي المتبادرة إلى الأذهان في تخاطب أهل الشريعة، وأما الحقيقة اللغوية فلا تكون متبادرة إلى أفهامهم في لفظ مشتهر بمعناه الشرعي، مثال لفظ الصلاة إذا قال المسلم :”صليتُ” لا يتبادر منه إلى الفهم إلا معنى الصلاة الشرعية فإن أراد المعنى اللغوي الذي هو الدعاء لا بد من قرينة تعيّن هذا المفهوم.

ولو فُرضَ ـ تَنَزُّلا ـ احتمال {وفي سبيل الله} في مصارف الزكاة للمعنيين لكان فِعْلُ الرسول صلى الله عليه وسلم وقولُهُ مبينًا للإجمال.

فإذا راجعت فعلَ نبي الله صلى الله عليه وسلم وقولَهُ في قسم الصدقات لم يبق احتمال غير صرف المعنى للغزو (أو له وللحج عند بعض الأئمة لآثار وردت فيه بخصوصه).

ولذلك لم يقل واحد من المفسرين المعتبرين بأن قوله تعالى :{وفي سبيل الله} يشمل كل عمل خيري أو يشمل التصدي للكفار عن طريق الفكر والثقافة والتوعية والتربية كما زعم القرضاوي في ورقته.

قال المفسر القرطبي في تفسيره الجامع :”{وفي سبيل الله} وهم الغزاة وموضع الرباط يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء، وهذا قول أكثر العلماء وهو تحصيل مذهب مالك رحمه الله، وقال ابن عمر: الحجاج والعمَّار” اهـ.

وقال ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير :”يعني الغزاة والمرابطين، ويجوز عندنا أن يعطى الأغنياء منهم والفقراء، وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يعطى إلا الفقير منهم”. اهـ.

وقال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط :”هو المجاهد يعطى منها إذا كان فقيرًا، والجمهور على أنه يعطى منها وإن كان غنيًّا ما ينفق في غزوته” اهـ.

وأكد المفسر المشهور الطبري أن العلة في إعطائه هي الغزو فقال في تفسيره :”يعني وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه وذلك هو غزو الكفار” اهـ.

ولأجل ما تقدم قال المفسر ابن عطية في تفسيره :”ولا يعطى منها في بناء مسجد ولا قنطرة ولا شراء مصحف” اهـ.

فهل يجوز بعد ذلك كله أن يقول القرضاوي او غير القرضاوي إن سهم {وفي سبيل الله} يُصرف لما سموه المجاهدة بالفكر والتربية والثقافة؟!!! كلا والله بل هذا تحريف لمعاني كتاب الله وإخراج لألفاظه عن مدلولاتها ومعانيها بالتشهي وبمحض الرأي من غير دليل وهو حرام لا شك فيه، فكيف إذا اجتمع مع ذلك كله نصٌّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر الآية؟!. فليتق الله القرضاوي وكل من يروج لفتواه.

قال الإمام الشافعي رحمه الله :”واحتج الأصحاب أيضًا بحديث :”لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة” فذكر منهم الغازي، وليس في الأصناف الثمانية من يُعطى باسم الغزاة سوى الذين نعطيهم من سهم سبيل الله”. اهـ.

فهذا تفسير منه صلى الله عليه وسلم للآية بأن معنى {وفي سبيل الله} هو الغزاة المقاتلون، وليس أحد من الخلق أعلم بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نعدل بقوله قول أحد بعده لا القرضاوي ولا امثال القرضاوي.

توضيح: إن قيل: لماذا لم تدخل اللام التي تفيد الملك أوالاختصاص على {وفي سبيل الله} كما دخلت على الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم؟ فالجواب: ما ذكره أبو حيان نقلاً عن بعض من سبقه وأقرَّهُ :”فإن قلتَ: لمَ عدل عن اللام إلى “في” في الأربعة الأخيرة؟ قلتُ: للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره لأن “في” للوعاء فنبَّهَ على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصبًّا” اهـ.

وأما ما حكاه الرازي من أن القفال الشاشي عزا القول بشمول {وفي سبيل الله} لوجوه البِرّ الى مجهول من الفقهاء على خلاف رأي الجماعة فلا عبرة به. وأي اعتبار يقام لرواية مجهول على خلاف الإجماع؟ وقد قال الكوثري: إن الشاشي حينما ألف تفسيره كان بَعدُ معتزليًّا لا يتحاشى نقل ءاراء المبتدعة ممن لا يقام لكلمهم وزن، فزاد هذا الأمرُ تلك الروايةَ سقوطًا وشذوذًا، ولسنا بحمد الله ممن يترك جمهور الأمة ليتبع مجاهيل الشذَّاذ.

ثم إن الشاشي القفال لم يعتمد هذا القول وإلا لكان أورده في كتابه “حلية العلماء” فإنه ذكر فيه أن سهم في سبيل الله هم الغزاة الذين إذا نشطوا غزوا، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وقال أحمد: يجوز أن يدفع ذلك إلى من يريد الحج، ويدفع إلى الغازي مع الغنى، وقال أبو حنيفة: لا يدفع إليه إلا أن يكون فقيرًا.

وقد رد المفسر الخازن القول المنسوب لبعض الفقهاء فقال ما نصه :”قوله تعالى:{وفي سبيل الله} يعني وفي النفقة في سبيل الله، وأراد به الغزاة فلهم سهم من مال الصدقات فيعطون إذا أرادوا الخروج إلى الغزو ما يستعينون به على أمر الجهاد من النفقة والكسوة والسلاح والحمولة، فيعطون ذلك وإن كانوا أغنياء لما تقدم من حديث عطاء وأبي سعيد الخدري، ولا يُعطى من سهم سبيل الله لمن أراد الحج عند أكثر أهل العلم، وقال قوم: يجوز أن يصرف سهم سبيل الله إلى الحج ويروى ذلك عن ابن عباس، وهو قول الحسن وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقال بعضهم: إن اللفظ عام فلا يجوز قصره على الغزاة فقط ولهذا أجاز بعض الفقهاء صرف سهم {سبيل الله} إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد وغير ذلك، قال: لأن قوله :{وفي سبيل الله} عامٌّ في الكل فلا يختص بصنف دون غيره، والقول الأول هو الصحيح لإجماع الجمهور عليه” اهـ. فليتبع القرضاوي الاجماع وليترك الهوى.

و اذا فسر القرضاوي السبيل هنا بكل عمل خير فإنه يكفي في بيان فساد مقالته أنها تؤدي إلى تداخل الأصناف الثمانية بينما هي متباينة لا تتداخل بسبب العطف المُشعر بالتغاير كما قال علماء التفسير.

فلو حُمل:{وفي سبيل الله} على معنى كلِّ وجوه البر لشمل ذلك إعطاء الفقير قسطًا من هذا السهم، والتصدق على المسكين بقسط منه، واستخلاص الرقاب من الرق، وإنقاذ الغارم من الدين، ومعاونة ابن السبيل، إلى غير ذلك وهذا لا يستقيم لأن كل سهم مباين للآخر مختلف عنه غير متداخل معه، فتعيَّن بطلان هذا التفسير لا سيما وهو يخالف الحقيقة الشرعية، ولم يبق إلا حمل العبارة على أن المراد بها الغزو وقتال الكفار وما ألحق به.

ولهذا لم يقل إمام واحد من المجتهدين الأربعة وغيرهم بشمول {وفي سبيل الله} لكل أعمال البر بل قام إجماعهم على نفي هذا المعنى. فإن زعم زاعم ممن لم يبلغ مرتبتهم بل ولا حام حولها خلاف قولهم لم يُنظَر إلى زعمه، ولم يُلقَ له بالا، ورُمِيَ قولُهُ في كل سهلٍ وحَزَنٍ. فكن اخي المسلم على بينة وحذر من فتوى القرضاوي واعلم انه خالف الاجماع في فتواه وعليه  وعلى من تبعه وبال هذه الفتوى.

القرضاوي يخالف احاديث الرسول

روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا نحو اليمن قال له :”إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فتُردُّ على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوقَّ كرائم أموال الناس”.

بيَّن رسول الله أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وتُعطى للفقراء، فرمى القرضاوي ومن نهج نهج القرضاوي بذلك خلف ظهورهم وقالوا بل تُصْرف للمعارض والمدارس وشراء المراكز، فيُحرَم منها المسكين ليستفيد منها المكتفي والميسور والقادر على الكسب تحت ستار مواجهة “الهجمة الاستعمارية الفكرية”، وبهذه الدعوى يسهل إدخال ما لا يحصر من الأمور تحت ستار هذه المواجهة ليصل كل طامع إلى غرضه بل يسهل إعطاء القرضاوي نفسه منها تحت هذا العنوان، وكذا توزيعها على إدارة وأعضاء منظمة M.A.Y.A. أو إدارة مسجد السنة النبوية لو أرادوا، وكل ذلك على حساب حرمان الفقراء من حقهم، وهذا لا شك يساهم في استفحال الفقر والفاقة بين المسلمين مما يسهل لأعداء الدين إغواءهم بالمال للسيطرة عليهم وبث الفساد الاعتقادي والفعلي بينهم، وما مثال أندونيسيا والهند والصومال وغيرها عنا ببعيد. ولكأننا بمن ينشر هذا الرأي يخدم الطامعين في هذه الأمة من غير أن يدري ـ أو وهو يدري ـ وهو يزعم أنه يريد محاربتهم ومقارعتهم، وهذا ما يؤدي إليه إهمال النص لاتباع الرأي، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

* ومثل الحديث المتقدم في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم حين جاءه رجلان جلدان قويان يطلبان الزكاة فصوَّب فيهما النظر وصعَّده ثم قال :”إني أعطيكما وإنه لا حقَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسِب”، رواه البخاري.

فبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزكاة تُدفع لسد خلة الفقراء وضروراتهم لا لتمويل أحلام أهل الكفاية ورغبات القادرين على العمل الواجدين له، وأما هؤلاء فقالوا: أعطونا إياها بدل أن تصرفوها للفقراء والمساكين نستعملها في المواجهات الفكرية، فَمَن الأوْلَى بالاتباع رسول الله أم القرضاوي و M.A.Y.A. ؟؟

لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع، كيف لا وقد قال ربنا: :{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [سورة ءال عمران/31].

والحقيقة أن أمثال هؤلاء المحرفين يحلمون بمشاريع يحققونها، فإذا عجزوا عن جذب أموال المسلمين إلى صناديقهم عمدوا إلى باب الزكاة يطرقونه لما يعلمون من حرص كثير من المسلمين على أداء هذه الفريضة عسى أن يحقق لهم هذا الأمر مبتغاهم، ثم يجدون في أشباه أرباع أعشار العلماء – القرضاوي او غيره – من يعينهم بجهل أو بسوء نية، وإلا فهل يفتي عالم بل طالب علم بحجب الزكاة عن الفقراء وسائر المستحقين لها لتمويل مشاريع تجارية كطباعة كتاب يباع بعد ذلك بربح!! أو شراء شقة تؤجر بعد ذلك بمال!! كما فعل القرضاوي ؟ سبحانك ربي هذا بهتان عظيم.

* وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم صراحة إلى من تُدفع الزكاة من غير أهل الحاجات فقال :”لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل له جار مسكين فتصدّق على المسكين فأهدى المسكين للغني” رواه مالك مرسلاً عن عطاء، ورفعه معمر، عن عطاء، عن زيد بن أسلم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي وأحمد وغيرهم، وواضح أن الصدقة المعنية في الحديث هي الزكاة.

فانظر كيف بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تُملَّك تمليكًا للفقراء والمساكين وذلك بقوله :”اشتراها بماله”، وبقوله :”فأهدى المسكين للغني” وهذا سبق إيضاحه وهو ينقض دعوى القرضاوي نقضًا.

وانظر كيف استثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء فقط من أهل الكفاية، فهل يجوز بعد ذلك أن يقول القرضاوي وغيره: تدفع لغيرهم من أهل الغنى؟

وانظر أيها القارىء كيف عيَّن وبيَّن أن معنى {وفي سبيل الله} المذكور في ءاية الصدقات هو الغازي في سبيل الله. فهل يجوز بعد ذلك أن يقول أحد: إن معنى {وفي سبيل الله} هو المواجهة الفكرية والثقافية؟! وهل بعد بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان؟! وهل يُستَمَعُ بعد تفسيره إلى تمويهات فلان وتخيلات فلان؟!

بل رسول الله خيرُ من فَسَّر القرءان وأدرى الناس بمعانيه، وليس في قلب إنسان ذرة من إيمان إذا ظن أن رأيه خير مما حكم به نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [سورة النساء/65].

أنت تعلم أيها القارىء أعزك الله بالتقوى أن الإجماع حجة في دين الله تعالى قال ربنا عزَّ وجلَّ:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ} [سورة البقرة/143] فلا يجتمعون إذن على باطل.

القرضاوي خالف المذاهب الاربعة

وأنت تعلم كذلك أن غير المجتهدين من هذه الأمة تَبَعٌ لمن بلغ درجة الاجتهاد منها، فإذا أجمع المجتهدون في أي عصر من العصور على أمر فهو حق لا مرية فيه، ومن شذ عنهم فهو خارق للإجماع وينطبق عليه حديث أبي داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :”من شذَّ شذَّ في النار”. وروى أبو داود أيضًا وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة” قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: “الجماعة”، وهي مُفَسَّرَةٌ في بعض الروايات بـ “السواد الأعظم”.

إذا وضح ذلك فاعلم أن أئمة المسلمين جميعًا أجمعوا على أن مصرف {وفي سبيل الله} المذكور في ءاية الصدقات لا ينطبق على كل وجوه البر بل المراد به الغزو وقتال الكفار، قال ابن هبيرة في الإفصاح (ص108) :”واتفقوا ـ أي الأئمة الأربعة وأتباعهم ـ على أنه لا يجوز أن يخرج الزكاة إلى بناء مسجد، ولا تكفين ميت وإن كان من القُرَبِ لتعيّن الزكاة لما عُينت له”. اهـ.

وقال مالك في المدونة (2/59) :”لا يجزئه أن يُعطي من زكاته في كفن ميت لأن الصدقة إنما هي للفقراء والمساكين ومن سمَّى الله وليس للأموات ولا لبناء المساجد”اهـ.

وقال ابن قدامة الحنبلي ما نصه (المغني والشرح الكبير 2/527) :”فصل: ولا يجوز صرف الزكاة الى غير من ذكر الله تعالى من بناء المساجد والقناطر والسقايات وإصلاح الطرقات وسد البثوق وتكفين الموتى والتوسعة على الأضياف وأشباه ذلك من القُرَبِ التي لم يذكرها الله تعالى. وقال أنس والحسن: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية، والأول أصح لقوله سبحانه وتعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} وإنما للحصر والإثبات تثبت المذكور وتنفي ما عداه، والخبر المذكور، قال أبو داود: سمعت أحمد وسئل: يكفن الميت من الزكاة؟ قال: لا، ولا يقضى من الزكاة دين الميت”. اهـ، ومثله قال من لا يحصى من فقهاء المذاهب الأربعة.

فإذا كان لا يجوز دفعها لبناء مسجد يُدعى فيه إلى الله وتقام فيه شعائر الإسلام وتعلم علوم الدين فهل يجوز دفعها لاستئجار قاعة لمعرض أو لمؤتمر كما زعم القرضاوي ومن فرح بكلامه من أعضاء الرابطة المذكورة؟!!! بالطبع لا.

بل قد نص ابن حزم الظاهري في المحلى على أن المراد بقوله تعالى:{وفي سبيل الله} الغزو في سبيل الله بلا خلاف، وقال أبو بكر بن العربي في أحكام القرءان: “قال مالك: سُبُل الله كثيرة ولكني لا أعلم خلافًا في أن المراد بسبيل الله ههنا الغزو” اهـ، وهو نص من مالك رضي الله عنه على الإجماع في المسئلة.

وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني :”هذا الصنف السابع من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنهم الغزاة لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو”. اهـ، أي هو إجماع.

وقال محمد بن الحسن في الموطإ بعد أن ساق حديث عطاء السابق وفيه :”لغازٍ في سبيل الله” ما نصه: “وبهذا نأخذ، والغازي في سبيل الله إذا كان له عنها غِنًى يقدر بغناه على الغزو في سبيل الله لم يستحب له أن يأخذ منها شيئًا” اهـ، ثم قال :”وهو قول أبي حنيفة”. اهـ.

ونقله البدر العيني الحنفي في عمدة القاري عن ابن المنذر في الإشراف عن أبي يوسف. اهـ.

وقال الإمام الشافعيّ في الأم :”ويُعطَى من سهم سبيل الله جلَّ وعزَّ من غزا من جيران الصدقة فقيرًا كان أو غنيًّا”. اهـ.

وعلى الغزو أيضًا حمل الإمام أحمد معنى الآية كما في شرح مفردات أحمد.

وقال محمد بن عبد الحكم وغيره :”يُعطَى من الصدقة في الكُراع والسلاح وما يحتاج إليه من ءالات الحرب وكف العدو عن الحوزة”. اهـ. أي يَشْتَرِي ولِيّ الأمر ـ إن شاء ـ العُدَّة للغازي من الزكاة ثم يملكه إياها كما بيَّنوه في موضعه.

وقال المحدث الشيخ عبد الله الغماري المغربي رحمه الله تعالى ردًّا على سؤال ورده ونصه :”عندنا مسجد مهدم فهل يجوز دفع جزء من زكاة المال لإعادة بناء هذا المسجد أم لا؟”، فأجاب ما نصه :”لا يجوز صرف الزكاة في بناء المسجد لأن الزكاة نص الله على الأصناف التي تستحقها فقال تعالى::{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة/60] وعلى هذا انعقد إجماع العلماء، وقد أفتت مجلة الأزهر أخيرًا بجواز إعطاء الزكاة في بناء المساجد بناء على توسع بعض العلماء في معنى قوله تعالى:{وفي سبيل الله} وهو قول شاذٌّ لا يجوز اعتماده، والله أعلم” اهـ.

ومثله ردَّ الكوثري على هذه الفتوى الواردة في مجلة الأزهر بقوله :”هذا ملخص الجواب المنشور هناك، ولكن هذا الجواب لم يقم على قدمي حق ولا على قدمي حق وباطل، بل حاول أن يقوم على قدمي باطل فانهار انهيارًا لا قيام له بعده، حيث بنى على الباطل من جميع النواحي، لأن ادعاءه اختلاف الأئمة في جواز صرف الزكاة الى عمارة المساجد بادىء ذي بدء لا نصيب له من الصحة أصلاً لأنه ليس بين الصحابة والتابعين وأئمة الاجتهاد المعترف بإمامتهم عند الأمة أحد جوَّز ذلك”. اهـ.

فبعد هذا كله هل يجرؤ من عنده ذرة من حياء أن يخالف كل أهل العلم ليقول إن الآية تسمح بدفع الزكاة لإصدار المجلات والروزنامات وشراء الشقق وإقامة المعارض والمؤتمرات تحت دعوى أن هذا جهاد “فكري وثقافي وتربوي”؟!! فليتق الله القرضاوي ومن يروج لكلام القرضاوي.

وإننا نسأل القرضاوي: هل أنت عالم مجتهد أم تبع للمجتهد؟ فإن قال: مجتهد، قلنا له: أبرز ماذا عندك من أدوات الاجتهاد حتى ادَّعيتَ أنكَ وصلت إلى مثل مرتبة مالك وأبي حنيفة والشافعي والليث وسفيان، بل إلى مثل مرتبة السبكيّ تقي الدين وابن دقيق العيد أو حتى إلى مثل مرتبة الحليمي والجويني والبلقيني وأمثالهم من أصحاب الوجوه!!! وهيهات. وعلى كل حال فالمجتهد لا يخرق الإجماع المنعقد قبله.

وإن اعترف القرضاوي ـ كما هو واقع حاله ـ بعدم بلوغ تلك المرتبة قلنا له: مقامك إذن أن تسأل أهل العلم وتتبع فتاويهم لا أن تنفرد عنهم. وكلهم أجمعوا في هذه المسئلة أن:{وفي سبيل الله} معناها الغزو، فكيف ساغ لك أن تشذ عنهم وتقول إنها تشمل إصدار المجلات والروزنامات وعقد صفقات التجارة … إلخ سواء سميتها جهادًا أو غير ذلك؟!!!. أَوَلَم تلاحظ أن ما بنيت عليه رأيك المخالف للجماعة غير معتبر في ميزان الشرع بالنسبة للزكاة؟

وأن العبرة ليست بمجرد دخول العمل تحت اسم الجهاد ولو اشتدت الحاجة إليه وهما الأمران اللذان بنى القرضاوي عليهما فتواه المتهالكة بقوله :”باعتبار عملها الذي أشرت إليه جهادًا في سبيل الله”، وبقوله :”وأخطر ما غزينا به في عصرنا من قبل أعداء الإسلام هو الغزو الفكري والثقافي وعلينا أن نحاربهم بمثل سلاحهم أي عن طريق الفكر والثقافة والتوعية والتربية…. ولا حرج من تمويل ذلك من مصرف في سبيل الله من مصارف الزكاة”.

“فمن هنا يُعلم أنه لا يجوز دفع الزكاة لبناء المساجد والمستشفيات والمدارس، فمن دفع من زكاته إلى مدرسة أو إلى مستشفى أو إلى بناء مسجد فليَعلم أن زكاته ما صحت فيجب عليه إعادة الدفع للمستحقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة”، رواه البخاري في الصحيح. فاحرص اخي المسلم الا تكون ممن ذكرهم النبي في هذا الحديث ولن ينفعك يومها القرضاوي او غير القرضاوي.

فيُفهم من هذا الحديث أن الذي يأخذ الزكاة وليس هو من المستحقين الذين ذكرهم الله في القرءان له النار يوم القيامة، وكذلك الذي يأكل مال الوقف الإسلامي بغير حق أي بغير الوجه الشرعي الذي بيَّنه الفقهاء في كتبهم فله النار يوم القيامة.

والدليل على أنه لا يجوز دفع الزكاة لكل ما هو بر وخير مما عدا الأصناف الثمانية وأن المراد بقوله تعالى :{وفي سبيل الله} ليس كل أنواع البر والإحسان من بناء مسجد ومدرسة ومستشفى ونحو ذلك هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذَكَرَ الزكاة: “إنها لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي”، وقوله صلى الله عليه وسلم لرجلين جاءا يسألانه الزكاة وكانا قويين :”إني أُعطيكما وليس فيها حق لغني ولا لقوي مكتسب” رواهما أبو داود والبيهقي، فحرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذين الحديثين الزكاة على من يملك مالا يغنيه أي يكفيه لحاجاته وعلى من له قوة على العمل الذي يكفيه لحاجاته الأصلية، فدلَّنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو المبيّن لما أنزل الله في كتابه بعض أعمال البِرّ لا كلّها وهو الجهاد ويدخل في ذلك الحج عند الإمام أحمد، ولم يقل إن كلمة {وفي سبيل الله} تعمُّ كل مشروع خيري أحدٌ من الأئمة المجتهدين إنما ذلك ذكره بعض الحنفية من المتأخرين ليس من أصحاب أبي حنيفة الذين هم مجتهدون، فحرام أن يؤخذ بقول هذا العالم. فليحذر من هؤلاء الذين يلمّون هذه الأموال باسم المستشفى أو بناء جامع أو بناء مدرسة من الزكوات، هؤلاء حرام عليهم وحرام على الذين يعطونهم لأنه لو كان كل عمل خيري يدخل في قوله تعالى: {وفي سبيل الله} ما قال الرسول :”إنه لا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب”. اهـ.

تكملة في الرد على القرضاوي

تكميل: قال الفقهاء في تأكيد تحريم صرفها لغير الثمانية الذين ذكرهم الله في القرءان إنها ـ أي الزكاة ـ تحرم على الغازي المرتزِق، قالوا: إنما يرزق من حصته، فإذا عدم الفىء واضطررنا إلى المرتزق ليكفينا شر الكفار أعانه الأغنياء من أموالهم لا من الزكاة، والمرتزق هو الجندي المسجل في ديوان المجاهدين. فإذا كان هذا لا يُعطى من الزكاة إلا المجاهد المتطوع الذي لا مرتب له في الفىء لا يجوز إعطاؤه من الزكاة في هذه الحال التي المسلمون بحاجة إلى إستمرار هؤلاء المرتزقين في وظيفتهم ليس لهم حق من الزكاة مع أنهم متفرغون للجهاد فكيف هؤلاء الذين تعمل لهم على حساب الزكاة مآدب ومآدب فتكلف الآلاف المؤلفة كما فُعل في بعض السنين الماضية وكما هم بصدد أن يفعلوه الآن. وفي الحديث الصحيح أن رجلين أتيا رسول الله يطلبان منه أن يعطيهما من الزكاة وكانا جَلْدَين ـ أي قويين ـ فصعَّد فيهما النظر وصوَّب ثم قال: “إنه لا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب” ثم أعطاهما بعد أن حسَّن الظن بهما بأن اعتبرهما لا يجدان من العمل ما يسدُّ حاجاتهما الأصلية، فبعد هذا الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجوز أن يُتصرف فيها لإطعام هؤلاء الأغنياء بحجة تنشيطهم لدفع الزكاة، ثم إننا حذرناكم من دفعها لمن يتلاعبون بها بوضعها في غير محلها وإلى الله المرجع والمآب. ثم إن الفقهاء قالوا: تولي تفرقة الزكاة للمالك بنفسه أفضل من توكيل غيره لأنه أدرى بأحوال أقربائه المحتاجين وجيرانه المحتاجين المستحقين لها”. اهـ.

ثم قال: “وفي الحقيقة هؤلاء يدخلون تحت حديث البخاري :”إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة” وليستحوا من رسول الله القائل في بيان حكم الزكاة :”إنه لا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب” فهؤلاء عكسوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح المشهور :”تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم”. وليت شعري هل اطلعوا على هذه الأحاديث ثم منعهم هواهم أن يعملوا بها أم لم يطلعوا؟ فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون” اهـ.

نقول: إذا كان المرتزق الذي يجاهد الكفار في سبيل الله لا يستحق الزكاة لأن له نصيبًا في الفىء، وحتى لو احتجنا إليه ليدفع عن المسلمين التقتيل والتذبيح والتنكيل ولم نجد فيئًا لنعطيه منه لا ندفع إليه من مال الزكاة بل نعطيه من غيرها، مع أن عمله جهاد وهناك شدة حاجة إليه، فالسببان اللذان زعمتهما موجودان في المرتزقة هنا ومع هذا لا تدفع الزكاة إليه، فكيف يجوز لك أن تقيس برأيك ـ وأنت لست من أهل القياس ـ، أو أن تستنبط بهواك ـ وأنت لست من أهل الاجتهاد ـ لتجيز دفع الزكاة إلى مثل الرابطة المذكورة؟!! فليحذر الناس فتاوى القرضاوي.

ألم يقرأ القرضاوي قول الشافعيّ في الأم :”فإن هاجر وأُفرض ـ أي جعل له فرض أي عطية في ديوان المرتزقة ـ وغزا صار من أهل الفىء وأخذ منه، ولو احتاج وهو في الفىء لم يكن له أن يأخذ من الصدقات”. اهـ.

واحتجَّ الشافعي بأن عبد الملك بن مروان أرسل الزكاة إلى مشايخ أهل المدينة وفقهائها كسعيد بن المسيب وأبي بكر ابن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله في رجال كثيرة فأبوا أن يأخذوا منها لأنهم من أهل الفىء. ولم يفهم واحد منهم ـ على علو كعبهم وسلامة لغتهم وشدة تقواهم ـ من الآية ما فهمه القرضاوي في هذا الزمان.

بل ذكر الشافعي بأن الأمر لا يرتكز على مدى النفع اللاحق بالمسلمين ولا على مدى حاجتهم إليه ـ كما زعم القرضاوي ـ، بل مَنْ قَسَمَ الله تعالى له فهو أحق ممن لم يقسم له وإن كان من لم يقسم له أنفع أو أحوج، واستدل لذلك رحمه الله تعالى بأن كل فارس يأخذ من الفىء سهمين وإن كان بعضهم أشجع من بعض وأكثر غنى، وأن الأولاد الذكور مثلاً تتساوى حصصهم في الميراث ولو كان بعضهم خيرًا من بعض وأحوج.

فالخلاصة: أن “الدكتور” القرضاوي طار خارج سرب الفقهاء ـ من غير أن يُغَرد ـ، فهو في وادٍ وهم في وادٍ ءاخر.

والمعتبر ما فهمه الأئمة الأعلام من ءايات كتاب الله، أولئك الذين لم تخالط لغتهم عجمة، ولا نشأوا على عامية معوجَّة، وعاشوا في خير القرون لا في زمن عمَّت فيه الأهواء وانتشرت. وليست العبرة بمن جاء بعدهم بمئات السنين ليسلك غير مسلكهم وينهج غير نهجهم فيعتقد في نفسه أنه من أهل العلم والاجتهاد في الدين وهو لم يبلغ تلك الدرجة فيعمل على ذلك ويَعُدُّ رأيه رأيًا وخلافه خلافًا فيتصرف بالفتوى خارقًا للإجماع مفرقًا للجماعة. وعلى مثل هذا نبَّه الحديث الصحيح :”إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعًا من بين الناس ولكن يقبض العلم حتى إذا لم يبق عالم إتخذ الناس رؤساء جهَّالا فاستفتوهم فأفتوهم فضلوا وأضلّوا” رواه البخاري والترمذي وغيرهما.

وبالله العصمة من الهوى، وبه القوة وعليه التكلان.

——————————————————————————–

يعلم “الدكتور” القرضاوي جيّدًا عمل ما يُسمى برابطة الشباب المسلم العربيM.A.Y.A. (فهو قد زار أمريكا وحلَّ ضيفًا عليها)، وفي فتواه التي فنَّدناها بعون الله يظهر ذلك بوضوح فهو قد قال ما نصه :”وظهر أثرها واضحًا لكل من عرفها وزار مؤسساتها وحضر مؤتمراتها والتقى بالعاملين فيها” اهـ.

فإذا رجعنا إلى “الروزنامة” التي أصدرتها هذه الرابطة للعام 1994ر ـ وهو نفس العام الذي وُزّعت فيه الفتوى ـ نرى أن عملها يكاد يتلخَّص في الأمور التالية:

1 ـ إنشاء الفروع لها.

2 ـ إقامة نشاطات ثقافية واجتماعية وعلمية ورياضية (كثيرًا ما تكون بمقابل مال).

3 ـ إقامة المخيمات (مقابل اشتراك يدفع)!!!

4 ـ دعوة المفكرين لزيارة فروعها.

5 ـ إقامة الدورات التأهيلية المختلفة الأهداف (كثيرًا ما يكون فيها اشتراك ماليّ).

6 ـ إصدار النشرات والكتيبات والمجلات (كمجلة السنابل التي تباع بيعًا)!!!

7 ـ توفير الكتب والأشرطة المسموعة والمرئية (مقابل مال أيضًا كما ذكر في مجلة الرابطة)!!!

8 ، عقد مؤتمر الرابطة السنوي.

9 ـ شراء عقارات!!!

01 ـ استثمار تجاري لمبلغ ثلاثمائة ألف دولار أمريكي!!!

11 ـ إقامة محطة لبيع الوقود!!!

21 ـ إقامة معارض تجارية في مختلف الولايات (مقابل اشتراك ماليّ)!!!

فهل هذا ما يريدنا “الدكتور” القرضاوي أن ندفع زكاة أموالنا لأجله؟! وهل يريد أن يقنعنا بأن الله تعالى فرض الزكاة علينا ليتاجر بها أعضاء الرابطة ويشتروا العقارات ويقيموا المؤتمرات والمعارض التجارية؟!! أم أنهم استضافوه فأكرموه ومن أموال الزكاة المخلوطة بربا البنوك أطعموه فكافأهم بهذه الفتوى العجيبة؟!!

أم بينه وبينهم صلة بواسطة حزب الإخوان الذي شذَّ عن الشيخ حسن البنا رحمه الله إلى منهج سيد قطب الذي كفَّرَ الحكام والرعية فراعاهم وأعانهم بزعمه بإصدار هذه الفتوى؟!!!

أَوَلَم يعرف “الدكتور” القرضاوي بملايينهم المكدَّسة في البنك المسمى “بنك التقوى” في “البهامس” وبتجاراتهم الضخمة الحلال منها ـ وما أقلّها ـ والحرام؟!

أليس كان الأَوْلى به أن يقول لهم: أنفقوا من حلال أموالكم في نصرة الدين كما فرض الله علينا واتركوا الزكاة توزع على أهلها كما أمر الله وفَعَلَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم بدل أن يحتال لهم بفتواه العجيبة؟!

أم وراء الأكمة ما وراءها؟!!

هذا كله و”الدكتور” القرضاوي يعرف بأن هؤلاء الناس يضعون الأموال في البنوك، ويخلطون مال الزكاة الذي ينبغي أن يكون طُهْرة للمال بأموال الربا وسائر الأموال الخبيثة، فهل يقول “الدكتور” بجواز ذلك أيضًا؟! وهل هذا ما تعلَّمه في الأزهر؟!

أَوَلَم يتعلَّم في الأزهر ـ إن كان استوعب ما تعلَّم أو يتذكّره ـ أنه لا بدَّ من صرف عين مال الزكاة للمستحقين لا ما هو بدل عنه؟!

أَوَلَم يتعلَّم أيضًا في مقررات الأزهر أنه لا يجوز تأخير دفع الزكاة عن وقتها بعد الوجوب والتمكّن ووجود المستحق؟!

فكيف يفتي بعد ذلك بدفع الزكاة لهذه الرابطة لتوضع في البنوك وتخلط بالربا وتُؤَخَّرَ عن وقتها ثم تدفع بعد ذلك في ولائم المؤتمرات والمضاربات التجارية ويزعم أنه بذلك ينصر دين الله!!!!

لا والله بل بمثل هذا يُهدَم شرع الله وتُحَرَّف أحكامه.

وهل يَدرُسُ الإنسان كتب الفقهاء لينساها بعد ذلك أم ليعلّمها ويعمل بها؟!!

قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ـ وهو من أشهر كتب الشافعية ـ: “ومن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له تأخيرها لأنه حق يجب صرفه إلى ءادمي توجهت المطالبة بالدفع عليه فلم يجز له التأخير كالوديعة إذا طالب بها صاحبها”. إهـ.

وقال ابن قدامة الحنبلي ما نصه :”الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخْشَ ضررًا”. اهـ.

وقال الشيخ علاء الدين الحصكفي الحنفي :”الزكاة دفعها فوري أي واجب على الفور وعليه الفتوى، فيأثم بتأخيرها بلا عذر وترد شهادته” اهـ.

وقال ابن الهمام الموصوف بأنه محقق المذهب الحنفي في فتح القدير :”فتكون الزكاة فريضة وفوريتها واجبة فيلزم بتأخيرها من غير ضرورة الإثم كما صرح به الكرخيّ والحاكم الشهيد في المنتقى وهو عين ما ذكره الإمام أبو جعفر عن أبي حنيفة أنه يُكْرَهُ، فإن كراهة التحريم هي المحمل عند إطلاق اسمها، وقد ثبت عن أئمتنا الثلاثة وجوب فوريتها، وما نقله ابن شجاع عنهم من أنها على التراخي فهو بالنظر إلى دليل الافتراض أي دليل الافتراض لا يوجبها وهو لا ينفي وجود دليل الإيجاب”. اهـ.

وقال الشيخ المشهور محمد عليش المالكي في شرحه على مختصر خليل ما نصه: “ووجب تفرقتها أي الزكاة فورًا على المستحقين”. اهـ.

فإن كان “الدكتور” يعلم بهذه الأقوال حين قال ما قال فهذه مصيبة عظيمة وجرأة كبيرة، وإن كان لا يعلم فقد كان ينبغي له أن يتعلَّم قبل أن يتكلم لأن الفتوى بغير علم من كبائر الذنوب، وقد روى ابن عساكر مرفوعًا :”من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض”.

وفي الحالين ما كان له أن يكتب ما خطته يده.

والعجب من بعض أهل زماننا تُعْرَضُ على أحدهم المسئلة ـ لو عُرِضَتْ على سيدنا عمر رضي الله عنه لجمع لها المهاجرين والأنصار ـ فيسرع بالجواب عليها برأيه وقياسه وكأنه إياس أو عبد الله بن عباس، وما هو إلا كما قال القائل:

يصيب وما يدري ويخطي وما درى * وكيف يكون الجهل إلا كذلك

وإلى الله المشتكى وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قد يحتج بعض الناس لنقل الزكاة عن مصارفها الثمانية التي بيَّنها الله تعالى بفعل سيدنا عمر حين قال :”إن الله قد أعزَّ الإسلام فلا أتألف عليه أحدًا”. اهـ.

قالوا :”لو كان يتعين صرف الزكاة إلى الأصناف الثمانية لما أوقف عمر رضي الله عنه عند صرف سهم المؤلفة قلوبهم، وإنما غيَّر عمر المصارف بتغير المصالح فنحن نفعل مثله ونغيّر مصارفها بحسب ما نرى من تجدد المصالح”.

نقول: هذا بالتأكيد هو القياس الفاسد مع الفارق وردُّ أحكام الدين بالرأي، فعمر رضي الله عنه لم يستحدث مصرفًا جديدًا غير المصارف التي ذكرها الله تعالى، وإنما رأى أن صنف المؤلفة قلوبهم قد انقطع عن الوجود لعزة الإسلام وظهوره فلذا وزَّع الزكاة سبعة أسهم، ومتى عادت علة التأليف فَوُجِدَ أناس من هذا الصنف من جديد رجع الصرف إلى ثمانية سهام.

قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في أحكام القرءان ما نصه :”والذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أُعطوا سهمهم كما كان يُعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم”. اهـ.

وأما هؤلاء الشُّذَّاذ فقد ابتدعوا مصارف جديدة غير ما ذكر في ءاية الصدقات مخالفين الحصر الذي تدل عليه لفظة “إنما” الواردة فيها.

فَفِعْلُ عمر شىء وما ذهبوا إليه شىء ءاخر ولا تناسب بينهما بالمرَّة.

والله المستعان وبه الحول والقوة.

تبيَّن مما تقدم أن الزكاة لا يجوز أن تصرف لبناء المساجد أو شراء المقابر أو المراكز الإسلامية أو عقد المؤتمرات أو لطباعة الكتب وإصدار المجلات كما زعم القرضاوي، بل لها مصارفها التي تصرف بعينها فيها والتي بيَّنها الله تعالى في القرءان وبيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث وتلقَّاها منه أصحابه ونقلوها للتابعين ثم نقلها هؤلاء لأتباعهم وهكذا حتى وصلتنا نقية من غير غش، واضحة من غير لبس.

وقد بيَّن فقهاء المذاهب الأربعة جزاهم الله خيرًا أنَّ قوله تعالى: {وفي سبيل الله} ليس معناه كل عمل خيري ولا يشمل كلّ ما يدخل تحت اسم الجهاد كما زعم “القرضاوي وأمثاله. فقوله هذا استدراك على الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم وتشريع لما لم يأذن به الله والنبيُّ فهو باطل قطعًا.

ولسنا أول من يردُّ على أمثال القرضاوي في هذا الموضوع، وإنما سبقنا إلى هذا علماء أفاضل مجاهدون أمَّارون بالمعروف نهَّاؤون عن المنكر مشهورون كمفتي مصر الشيخ الفقيه محمد بخيت المطيعي رحمه الله تعالى، وفتواه في الأمر اشتهرت وطبعت، ومثله وكيل المشيخة الإسلامية في الدولة العثمانية الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى.

وما كتبناه ليس إلا رشح تقريراتهم، وما أوضحناه ليس إلا قبسًا من أنوارهم، فالجوهر من بحرهم والدُّرُّ من يمّهم جزاهم الله عنَّا الجزاء الحسن.

ونصيحتنا لك أيها المسلم الحريص على صحة طاعاته وسلامة دينه أن لا تتسرع ـ في هذه الأيام التي عاد الإسلام فيها غريبًا ـ بتسليم زكاة مالك لأَيّ كان، بل تَعَلَّمْ ما أَوجبَ الله عليك من الزكاة وكيف توزّعها وتولَّ هذا بنفسك إن استطعت، فإن هذا فيه:

1 ـ إيصال الحق إلى مستحقيه مع توفير أجر العُمالة.

2 ـ وصيانة العامل عن خطر الخيانة.

3 ـ ومباشرة تفريج كربة المستحق وإغاثته بها بنفسك.

4 ـ وإعطاؤها للأولى بها من المحتاجين من أقاربك وذوي رحمك ـ الذين لا تلزمك نفقتهم ـ وأهل الديانة والفضل في بلدك.

5 ـ زد على ذلك أنك تكون على ثقة من أداء الحق فإنك متيقّن من فعلك ولست على يقين من أداء غيرك.

ولذلك قال الإمام أحمد رضي الله عنه :”أعجبُ إليَّ أن يخرجها ـ أي بنفسه ـ، وإن دفعها إلى السلطان ـ أي ليخرجها ـ فهو جائز”. إهـ.

وبه قال الحسن ومكحول وسعيد بن جبير، وهو ظاهر نصّ الشافعي رضي الله عنه كما في المهذب.

وإن قال لك “قرضاويٌّ”: نحن نحتاج المال للمواجهة “الفكرية والثقافية” مع أعداء الدين، فقل له: إذا أعطيتكم الزكاة لذلك فماذا نفعل بضرورات الفقراء؟ ومن يكسو العارين من المسلمين؟ ومن يطعم الجياع؟ ومن يصون شبابهم الفقراء المحتاجين للنكاح عن الفاحشة بتزويجهم؟… إلخ.

فإن أجابك: نأخذ من أموال الأغنياء ما يكفي لذلك من غير الزكاة، فقل له: إذن لماذا لا تتركون الزكاة لأهلها ويتبرَّع لكم الأغنياء ـ الذين يثقون بكم ـ بما تشترون به مراكزكم وتقيمون به مؤتمراتكم ومعارضكم ومشاريعكم التجارية على أن لا تتضمن ما يخالف الشريعة؟؟ فتكونون بذلك سلمتم من المعصية، ولم توهموا الدافع أن زكاته صحت وهي لم تصح، وعندها تكونون اتبعتم منهج علماء المسلمين قديمًا وحديثًا.

ولنذكر هنا حادثة واحدة تشهد لما قلناه صراحة وهي ما حصل مع الفقيه المجاهد عز الدين بن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء رحمه الله تعالى، فإن المسلمين واجهوا في زمانه خطرًا داهمًا من الصليبيين والتتار معًا فاحتاج الحاكم إلى المال لمواجهتهم فلم يُفْتِهِ ابن عبد السلام بأخذ أموال الزكاة لإعطائها لجنود الديوان، ولا قال له استعملها في كل ما يقع عليه اسم الجهاد ـ مع عظم فتنة التتار كما هو مشهور ـ، بل منعه حتى من فرض ضريبة على عموم الناس لهذا الغرض، وإنما أمره أن يأخذ من ماله ومال أمرائه ومَنْ كانَ نحوهم لسدّ هذه الضرورة.

ومن راجع طبقات الشافعية لابن السبكي أو البداية والنهاية لابن كثير ونحوهما من كتب التواريخ والتراجم يرى العجب من صلابة هذا الإمام، وقيامه في جهاد الكفار، والصدع بالحق عند ظلمة السلاطين، مع سعة العلم، ووفور التواضع، واتّساع الجاه بين الناس.

وياليت “الدكتور” القرضاوي، وياليت إدارة الرابطة المذكورة التي وزَّعت فتواه، ياليتهم التزموا أقوال أئمة المسلمين وسِير الصالحين ولم يدخلوا فيما لا يحسنون، فيكونون بذلك قد عرفوا قدرهم ولزموا حدَّهم، ولم يشوّشوا على المسلمين قضايا دينهم ولا أحوجونا إلى الاشتغال بتسويد القراطيس ردًّا عليهم للذود عن دين الله والقيامِ بواجب النصيحة لله ولرسوله وعامَّة المؤمنين وخاصَّتهم.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.