تــفســــيــر ســــــــــورة يــــــــــــس
﴿ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْـمٰـنِ ٱلرَّحِيـمِ ﴾
﴿ يـسۤ ﴿ 1 ﴾ ﴾ : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: “مَعنَاهُ يَا إِنْسَانُ فِـي لُغَةِ طَيْءٍ”، وَعَنِ ابْنِ الْحَنَفِـيَّةِ: “يَا مُحَمَّدُ”، وَقِيلَ: “يَا سَيِّدُ”.فيكون المعنى يا إنسان عظيم.
﴿ وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْحَكِيمِ ﴿ 2 ﴾ ﴾ : قَسَمٌ بِالْقُرْءَانِ ذِي الْحِكْمَةِ، أَوْ لأَنَّـهُ دَلِيلٌ نَاطِقٌ بِالْحِكْمَةِ.
﴿ إِنَّـكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِيـنَ ﴿ 3 ﴾ ﴾ : جَوَابُ الْقَسَمِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْكُفَّارِ حِيـنَ قَالُوا: ﴿ لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾ [سُورَةَ الرَّعْدِ: 43].
﴿ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿ 4 ﴾ ﴾ : أَيِ إِنَكَ لَمِنَ الـمُرْسَلِينَ الَّذِينَ أُرْسِلُوا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ أَيْ طَرِيقَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ وَهُوَ الإِسْلاَمُ.والإسلام هو دين جميع الأنبياء.
﴿ تَنْزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ﴾ : أَيْ نُزِّلَ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الْغَالِبِ بِفَصَاحَةِ نَظْمِ كِتَابِـهِ أَوْهَامَ ذَوِي الْعِنَادِ.
﴿ ٱلرَّحِيمِ ﴿ 5 ﴾ ﴾ : الْجَاذِبِ بِلَطَافَةِ مَعْنَى خِطَابِـهِ أَفْهَامَ أُوْلِي الرَّشَادِ. (وقال مقاتلٌ: هذا القرآن تنزيل العزيز في ملكه، الرحيمِ بخَلْقه).
﴿ لِتُنْذِرَ قَوْمًا ﴾ : أَيْ أُرسِلْتَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا.
﴿ مَآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ ﴾ : “مَا” نَافِيَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُور، أَيْ قَوْمًا غَيْرَ مُنْذَرٍ ءَابَاؤُهُمْ. (والْـمعنى لتنذر قوماً ما أتى آباءَهم قبلك نذيرٌ)
﴿ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴿ 6 ﴾ ﴾ : أَيْ لَمْ يُنْذَرُوا فَهُمْ غَافِلُونَ.
﴿ لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿ 7 ﴾ ﴾ : يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِيـنَ ﴾ [سُورَةَ السجدة:13] أَيْ كُفَّار مَكَّةَ تَعَلَّقَ بِـهِمْ هَذَا الْقَوْلُ وَثَبَتَ عَلَيْهِمْ وَوَجَبَ، لأَنَّـهُمْ مِـمَّنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّـهُم يَـمُوتُونَ عَلَى الْكُفْرِ.
ثُمَّ مَثَّلَ تَصْمَيمَهُم عَلَى الْكُفْرِ وَأَنَّـهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى رُجُوعِهِمْ بِأَنْ جَعَلَهُم كَالْـمَغْلُولِيـنَ الْـمُقْمَحِيـنَ فِـي أَنَّهُمْ لاَ يَلْتَفِتُونَ إِلَى الْحَقِّ وَلاَ يَعْطِفُونَ أَعْنَاقَهُم نَحْوَهُ وَلا يُطَأْطِئُونَ رُؤُوسَهُمْ لَـهُ، وَكَالْحَاصِلِيـنَ بَيْنَ السَّدَّيْـنِ لاَ يُبْصِرُونَ مَا قُدَّامَهُمْ وَلاَ مَا خَلْفَهُمْ فِـي أَنْ لاَ تَأَمُّلَ لَهُمْ وَلاَ تَبَصُّرَ وَأَنَّهُمْ مُتَعَامَوْنَ عَنِ النَّظَرِ فِـي ءَايَاتِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ:
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ ﴿ 8 ﴾ ﴾ : (أنها مَثَلٌ، وليس هناك غُلٌّ حقيقةً ) مَعْنَاهُ مِثْلُ الأَغْلاَلِ وَاصِلَةٌ إِلَى الأَذْقَانِ مَلْزُوزَةٌ إِلَيْهَا، (والذَّقَنُ مُلتَقَى اللَّحْيَيْن)﴿ فَهُم مُّقْمَحُونَ ﴾ مَرْفُوعَةٌ رُؤُوسُهُمْ. (فَلاَ يَرَوْنَ الْحَقَّ أَمامَهُمْ) يُقَالُ: “قَمَحَ الْبَعِيـرُ فَهُوَ قَامِحٌ إِذَا رَوِيَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ”.
﴿ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَـٰهُمْ ﴾ : إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُخْبِرُنَا بِأَنَّهُ أَغْشَى أَبْصَارَهُم أَيْ غَطَّاهَا وَجَعَلَ عَلَيْهَا غِشَاوَةً.
﴿فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴿ 9 ﴾ ﴾ : الْحَقَّ وَالرَّشَادَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: “فِي مَعْنَى الآيَـةِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: مَنَعْنَاهُم عَنِ الإِيـمَانِ بِمَوَانِعَ فَهُم لاَ يَسْتَطِيعونَ الْخُرُوجَ عَنِ الْكُفْرِ، وَالثَّانِي: حَجَبْنَاهُمْ عَنْ أَذَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظُّلْمَةِ لَمَّا قَصَدُوهُ بِالأَذَى”. وَقِيلَ: “نَزَلَتْ فِي بَنِي مَخْزُومٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ حَلَفَ لإِنْ رَأَى مُحَمَّدًا يُصَلِي لَيُرَضِّخَنَّ رَأْسَهُ، فَأَتَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي وَمَعَهُ حَجَرٌ لِيَدْمَغَهُ بِـهِ أَيْ لِيَضْرِبَـهُ بِـهِ عَلَى رَأْسِهِ، فَلَمَّا رَفَعَ يَدَهُ انْثَنَتْ إِلَى عُنُقِهِ وَلَزِقَ الْحَجَرُ بِيَدِهِ حَتَّى فَكُّوهُ عَنْهَا بِجُهْدٍ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ. فَقَالَ مَخْزُومِيٌّ ءَاخَرُ: “أَنَا أَقْتُلُهُ بِهَذَا الْحَجَرِ” فَذَهَبَ، فَأَعْمَى اللَّهُ بَصَرَهُ”.
﴿ وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿ 10 ﴾ ﴾ : أَيْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمُ الإِنْذَارُ وَتَرْكُهُ. وَالْـمَعْنَى مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ هَذَا الإِضْلاَلَ لَـم ْيَنْفَعْهُ الإِنْذَارُ.
﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ ﴾ : أَي إِنَّـمَا يَنْتَفِعُ بِإِنْذَارِكَ مَنِ اتَّبَعَ القُرْءَانَ.
﴿ وَخَشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ ﴾ : وَخَافَ عِقَابَ اللَّهِ وَهو لم يَرَ اللَّهَ.
﴿ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ ﴾ : وَهِيَ الْعَفْوُ عَنْ ذُنُوبِهِ.
﴿ وَأَجْرٍ كَرِيـمٍ ﴿ 11 ﴾ ﴾ : أَيِ الْـجَنَّةِ.
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ وَكُلَّ شىْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِيـنٍ ﴿ 12 ﴾ ﴾ : نَبْعَثُهُم بَعْدَ مَـمَاتِهِمْ، أَوْ نُـخْرِجُهُمْ مِنَ الشِّرْكِ إِلَى الإِيـمَانِ.
﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ﴾ : مَا أَسْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ وَغَيْرِهَا.
﴿ وَءَاثَارَهُمْ ﴾ : (أَيْ ءَاثَارَ الْمَرْءِ الَّتِي تَبقَى وَتُذْكَرُ بَعدَ مَوْتِهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ يُـجَازَى عَلَيهَا) مِن أَثَرٍ حَسَنٍ كَعِلْمٍ عَلَّمُوهُ أَوْ كِتَابٍ صَنَّفُوهُ أَوْ مَسْجِدٍ صَنَعُوهُ أَوْ سِيِّءٍ كَوَظِيفَةٍ وَظَّــفَهَا بَعْضَ الظَّلَمَةِ عَلَى الْمُسلِمِينَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ يُسْتَنُّ بِهَا، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يُنَبَّأُ ٱلإنْسَانُ يُوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴿ 16 ﴾ ﴾ [ سُورَةَ الْقِيَامَةِ:13] ﴿ قَدَّمَ ﴾ مِنْ أَعْمَالِهِ ﴿ وَأَخَّرَ ﴾ مِنْ آثَارِهِ.
﴿ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَاهُ ﴾ : عَدَدْنَاهُ وَبَــــيَّــنَّاهُ.
﴿ فِي إِمَامٍ مُّبِيـنٍ ﴿ 12 ﴾ ﴾ : يَعْنِي اللَّوْحَ الْـمَحْفُوظَ.
﴿ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ ﴾ : أَيْ مَثِّلْ لَهُمْ، وَالْـمَعْنَى اضْرِب لَهُم مَثَلاً مَثَلَ أَصْحَابِ الْقَرْيَةِ أَيْ أَنْطَاكِيَةَ، أَيِ اذْكُرْ لَهُمْ قِصَّةً عَجِيبَةً قِصَّةَ أَصْحَابِ الْقَرْيَةِ.
﴿ إِذْ جَآءَهَا ٱلْـمُرْسَلُونَ ﴿ 13 ﴾ ﴾ : رُسُلُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَهْلِهَا، بَعَثَهُمْ عِيسَى دُعَاةً إِلَى الْحَقِّ وَكَانَ أَهلُهَا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ.
﴿ إِذْ أَرِسَلْنَا إِلَيْهِمُ ﴾ : أَي أَرْسَلَ عِيسَى بِأَمرِنَا.
﴿ ٱثْنَيْنِ ﴾ : صَادِقًا وَصَدُوقًا. فَلَمَّا قَرُبَا مِنَ الْـمَدِينَةِ رَأَيَـا شَيْخًا يَرْعَى غُنَيْمَاتٍ لَـهُ وَهُوَ حَبِيبٌ النَّجَّارُ، فَسَأَلَ عَنْ حَالِهِمَا فَقَالاَ: “نَحْنُ رَسُولاَ عِيسَى نَدْعُوكُمْ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَةِ الرَّحَمٰنِ“، فَقَالَ: “أَمَعَكُمَا ءَايَةٌ؟” فَقَالاَ: “نَشْفِي الْمَرِيضَ وَنُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْـرَصَ”. وَكَانَ لَهُ ابنٌ مَرِيضٌ مُذْ سِنِيـنَ فَمَسَحَاهُ فَقَامَ، فَآمَنَ حَبِيبٌ وَفَشَا الْخَبَرُ. فَشُفِيَ عَلَى أَيْدِيهِمَا خَلْقٌ كَثِيـرٌ، فَدَعَاهُمَا الْـمَلِكُ، وَقَالَ لَهُمَا: “أَلَنَا إِلَـٰهٌ سِوَى ءَالِهَتِنَا؟” قَالاَ: “نَعَمْ، مَنْ أَوْجَدَكَ وَءَالِـهَتَـكَ”. فَقَالَ: “حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمَا”، وَقِيلَ: حُبِسَا. ثُـمَّ بَعَثَ عِيسَى عَلَيهِ السَّلاَمُ شَـمْعُونَ، فَدَخَلَ مُتَنَكِّرًا وَعَاشَرَ حَاشِيَةَ الْـمَلِكِ حَتَّى اسْتَأْنَسُوا بِـهِ وَرَفَعُوا خَبَرَهُ إِلَى الْـمَلِكِ فَأَنِسَ بِـهِ، فَقَالَ شَـمعُونُ لِلْمَلِكِ ذَاتَ يَوْمٍ: “بَلَغَنِي أَنَّكَ حَبَسْتَ رَجُلَـيْنِ، فَهَلْ سَمِعْتَ قَولَهُمَا؟”، قَالَ: “لاَ“، فَدَعَاهُمَا، فَقَالَ شَـمْعُونُ: “مَنْ أَرْسَلَكُمَا؟” قَالاَ: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَرَزَقَ كُلَّ حَيٍّ وَلَيْسَ لَـهُ شَرِيكٌ؟“، فَقَالَ: “صِفَاهُ وَأَوْجِزَا” قَالاَ: “يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ”، قَالَ: “وَمَا ءَايَتُكُمَا؟” قَالاَ: “مَا يَتَمَنَّى الْـمَلِكُ”، فَدَعَا بِغُلاَمٍ أَكْمَهَ، فَدَعَوَا اللَّهَ فَأَبْصَرَ الْغُلاَمُ. فَقَالَ شَـمْعُونُ لِلْمَلِكِ الْكافِرِ: “أَرَأَيْتَ لَوْ سَأَلْتَ إِلَـٰهَكَ حَتَّى يَصْنَعَ مِثْلَ هَذَا؟”. قَالَ الْـمَلِكُ: “لَيْسَ لِي عَنْكَ سِرٌّ، إِنَّ إِلَـٰهَنَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يَضُرُّ وَلاَ يَنْفَعُ” ثُمَّ قَالَ: “إِنْ قَدَرَ إِلَـٰهُكُمَا عَلَى إِحْيَاءِ مَيِّتٍ ءَامَنَّا بِـهِ” فَدَعَوَا بِغُلاَمٍ مَاتَ مِنْ سَبْعَةِ أَيَّـامٍ فَقَامَ، فَتَعَجَّبَ الْـمَلِكُ. فَلَمَّا رَأَى شَـمْعُونُ أَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَثَّرَ فِـي الْملِكِ نَصَحَهُ فَآمَنَ وَءَامَنَ قَوْمٌ، وَمَنْ لَـمْ يُؤْمِنْ صَاحَ عَلَيْهِم جِبْرِيلُ فَهَلَكُوا.
﴿ فَكَذَّبُوهُمَا ﴾ : أَيْ فَكَذَّبَ أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ الرَّسُولَيْنِ (صادقًا وَصَدُوقًا).
﴿ فَعَزَّزْنَا ﴾ : فَقَوَّينَاهُمَا.
﴿ بِثَالِثٍ ﴾ : وَهُوَ شَـمْعُونُ.
﴿ فَقَالُوآ إِنَّآ إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ﴿ 14 ﴾ ﴾ : أَيْ قَالَ الثَّلاَثَةُ لأَهْلِ الْقَرْيَةِ.
﴿ قَالُوا ﴾ : أَيْ أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ.
﴿ مَآ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُــنَا وَمَآ أَنْزَلَ الرَّحْمٰنُ مِنْ شَىْءٍ ﴾ : أَيْ وَحْيًا.
﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ﴿ 15 ﴾ ﴾ : مَا أَنتُمْ إِلاَّ كَذَبَةٌ.
﴿ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴿ 16 ﴾ ﴾ 🙁 أَيْ قَالَتِ الرُّسُلُ: { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } وَإِنْ كَذَّبْتُمُونَا يَا أَهلَ القَريَةِ.
﴿ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْـمُبِيـنُ ﴿ 17 ﴾ ﴾ : أَيِ التَّبْلِيغُ الظَّاهِرُ الْـمَكْشُوفُ بِالآيَاتِ الشَّاهِدَةِ بِصِحَّتِهِ.
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُـخْبِرُنَا بِأَنَّ الْـمُشْرِكِيـنَ ﴿ قَالُوآ ﴾ : لِلَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ سِيِّدُنَا عِيسَى: ﴿ إِنَّـا تَطَيَّرْنَا بِكُم ﴾ : أَيْ تَشَاءَمْنَا بِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُم كَرِهُوا دِينَهُمْ وَنَفَرَتْ مِنْهُ نُفُوسُهُمْ. وَعَادَةُ الْـجُهَّالِ أَنْ يَتَيَمَّـنُوا (أَيْ يَتَفَائَلُوا) بِكُلِّ شَىْءٍ مَالُوا إِلَيْهِ وَقَبِلَتْهُ طِبَاعُهُمْ وَيَتَشَاءَمُوا بِـمَا نَفَرُوا عَنْهُ وَكَرِهُوهُ، فَإِنْ أَصَابَهُمْ بَلاَءٌ أَوْ نِعْمَةٌ قَالُوا بِشُؤْمِ هَذَا وَبَرَكَةِ ذَلِكَ.
﴿ لَئِن لَّمْ تَنْتَهُواْ ﴾ : عَنْ مقَالَتِكُمْ هَذِهِ.
﴿ لَنَرْجُمَنَّكُمْ ﴾ : لَنَقْتُلَنَّكُمْ أَوْ لَنَطْرُدَنَّكُمْ أَوْ لَنَشْتِمَنَّكُمْ.
﴿ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّـنَّـا عَذَابٌ أَلِيـمٌ ﴿ 18 ﴾ ﴾ : وَلَيُصِيبَنَّكُمْ مِنَّا عَذَابُ الْـحَرِيقِ، وَهُوَ أَشَدُّ عَذَابٍ. (قِيلَ إِنَّ الْمَطَرَ حُبِسَ عَنهُم، فَقَالُوا: إِنَّـمَا أَصابَنَا هَذَا مِنْ قِبَلِكُمْ { لَئِنْ لَـمْ تَنْتَهُوا } أَيْ تَسْكُتُوا عَنَّا { لَنَرْجُـمَنَّكُمْ } أي لَنَقْتُلَنَّكُمْ).
﴿ قَالُواْ طَـآئِرُكُم ﴾ : أَيْ سَبَبُ شُؤْمِكُمْ. ﴿ مَعَكُمْ ﴾ : وَهُوَ الْكَفْرُ.
﴿ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ﴾ : يعنِي إِنْ وُعِظْتُمْ وَدُعِيتُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ تَطَيَّرْتُـمْ!!!
﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴿ 19 ﴾ ﴾ : مُـجَاوِزُونَ الْـحَدَّ فِـي الْعِصْيَانِ، فَمِنْ ثَـمَّ أَتَاكُمُ الشُّؤْمُ مِنْ قِبَلِكُمْ لاَ مِنْ قِبَلِ رُسُلِ اللَّهِ وَتَذْكِيـرِهِمْ، أَوْ بَلْ أَنْتُم مُسْرِفُونَ فِـي ضَلاَلِكُمْ وَغَيِّكُمْ حَيْثُ تَتَشَاءَمُونَ بِـمَنْ يُشْرَعُ التَّـبَـرُّكُ بِـهِ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ.
﴿ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْـمَدِينَةِ رَجُلٌ يَّسْعَى ﴾ : هُوَ حَبِيبٌ النَّجَارُ، وَكَانَ فِـي غَارٍ مِنَ الْـجَبَلِ يَعْـبُدُ اللَّهَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ الرُّسُلِ (أَي رُسُلِ عِيسَى) أَتَاهُمْ وَأَظْهَرَ دِينَهُ، وَقَالَ: “أَتَسْأَلُونَ عَلَى مَا جِئْتُمْ بِـهِ أَجْرًا؟” قَالُوا: “لاَ”.
﴿ قَالَ يَـا قَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْـمُرْسَلِيـنَ ﴿ 20 ﴾ ٱتَّـبِعُوا مَنْ لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا ﴾ : عَلى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ.
﴿ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴿ 21 ﴾ ﴾ : أَيِ الرُّسُلُ، فَقَالُوا (أَيْ قَومُهُ): “أَوَ أَنْتَ عَلَى دِينِ هَؤُلاءِ؟” فَقَالَ: ﴿ وَمَا لِيَ لآ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي ﴾ : اَيْ خَلَقَنِي.
﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿ 22 ﴾ ﴾ : وَإِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ.
﴿ ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ~ ءَالِهَةً ﴾ : يَعنِي الأَصْنَامَ.
﴿ إِنْ يُّرِدْنِ ٱلرَّحْمٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنْقِذُونِ ﴿ 3 ﴾ ﴾ : مِنْ مَكْرُوهٍ.
﴿ إِنِّي~ إِذًا ﴾ : أَيْ إِذَا اتَّـخَذْتُ الأَصنَامَ.
﴿ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِيـنٍ ﴿ 24 ﴾ ﴾ : لَفِي خُسْرَانٍ ظَاهِرٍ بَيِّنٍ، وَلَـمَّا نَصَحَ حُبِيبٌ النَّجَّارُ قَوْمَهُ أَخَذُوا يَرْجُـمُونَهُ، فَأَسْرَعَ نَحْوَ الرُّسُلِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَالَ لَهُمْ:
﴿ إِنِّي ءَامَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ ﴿ 25 ﴾ ﴾ : أَيِ اسْـمَعُوا إِيـمَانِـي لِتَشْهَدُوا لِـي بِهِ. وَلَـمَّا قُتِلَ.
﴿ قِيلَ ﴾ : أَيْ لَــهُ.
﴿ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ ﴾ : وَقَبْرُهُ فِـي سُوقِ أَنْطَاكِيَةَ.
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُـخْبِرُنَا عَنْ حَبِيبٍ النَّجَارِ أَنَّـهُ:
﴿ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿ 26 ﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِي ﴾ : أَيْ بِـمَغْفِرَةِ رَبِّي لِي.
﴿ وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْـمُكْرَمِيـنَ ﴿ 27 ﴾ ﴾ : بِالْـجَنَّةِ.
﴿ وَمَآ أَنْزَلنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ : أَيْ لَـمْ يُنْزِلِ اللَّهُ عَلَى قَوْمِ حَبِيبٍ مِنْ بَعْدِ قَتْلِهِ.
﴿ مِنْ جُنْدٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ : أَيْ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ مَلائِكَةً لِتَعْذِيبِهِمْ.
﴿ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِيـنَ ﴿ 28 ﴾ ﴾ : وَمَا كَانَ يَصِحُّ فِـي حِكْمَتِنَا أَنْ نُنْزِلَ فِـي إِهْلاَكِ قَوْمِ حَبِيبٍ جُنْدًا مِنَ السَّمَاءِ، وذَلِكَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى هَلاَكَ كُلِّ قَوْمٍ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ بَعْضٍ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ.
﴿ إِنْ كَانَتْ ﴾ : أَيْ عُقُوبَةُ الَّذِينَ قَتَلُوا حِبيبًا النَّجَّارَ.
﴿ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ : صَاحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِـهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً.
﴿ فَإِذَا هُم خَامِدُونَ ﴿ 29 ﴾ ﴾ : مَــيِّــتُونَ، كَمَا تَـخْمُدُ النَّارُ. وَالْـمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ كَفَى أَمْرَهُم بِصَيْحَةِ مَلَكٍ وَلَـمْ يُنْزِلْ لإِهْلاَكِهِمْ جُنْدًا مِنْ جُنُودِ السَّمَاءِ كَمَا فَعَلَ يَوْمَ بَدْرٍ (كَمَا فِـي قولِهِ تَعالَـى :{إِذْ تَستَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُـمِـدُّكُمْ بَأَلْفٍ مِنَ الْـمَلائِكَةِ مُردِفِيـنَ} [سُورَةَ الأَنفَالِ:9]). (فَصَاحَ جِبرِيلُ صَيْحَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا هُم مَيِّتُونَ لا يُسْمَعُ لَـهُمْ حِسٌّ، كَالنَّارِ إِذا طُفِئَتْ، أَيْ سَاكِنُونَ كَهَيْأَةِ الرَّمَادِ الْـخَامِدِ).
…