اصطلاح “أهل السنة والجماعة” توافق عليه أهل العلم
الحمد لله تعالى وبعد،
فإن اصطلاح “أهل السنة والجماعة” توافق عليه أهل العلم ممن اتبعوا القرآن
الكريم وسنة النبيّ صلى الله عليه وسلم لتمييز من هم على اعتقاد الصحابة
والتابعين رضي الله عنهم، من الذين خالفوا واتبعوا عقائد رديّة أخذوها من
أعاجم أهل الكتاب والفرس.
فالعلماء الأكابر الذين استقوا علومهم من القرآن والسنة النبوية المشرفة
ولا سيما أهل المذاهب الأربعة أمثال الإمام عبد القاهر البغدادي وهو من
كبار أئمة الشافعية (متوفى سنة 429 هـ.) له كتابان مشهوران أحدهما “أصول
الدين” فيه: “مضى فقهاء الصحابة رضي الله عنهم على مذهب أهل السنة
والجماعة”، والثاني “الفرق بين الفرق” وفي الباب الخامس منه فصل “في بيان
أصناف أهل السنة والجماعة”.
وقبل البغدادي رحمه الله قال الإمام أبو جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي
المتوفّى سنة 322 هجرية فهو من السّلف الصالح في عقيدته المشهورة بين
المسلمين وتدرّس في الشرق والغرب هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة
والجماعة… ولم ينكر مسلم هذا الاستعمال منذ ذاك الحين.
وهذا شيء كثير لو أردنا إحصاء ما جاء منه في كلام أهل العلم من المذاهب
الأربعة وغيرهم.
وأهل العلم هؤلاء لم يأخذوه من فراغ ولكن أخذوا هذا المصطلح من حديثين:
أولهما: “أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ
عَبْدٌ حَبَشِيّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا
كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ
فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ
الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا
بِالنَّوَاجِذِ”. رواه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الثاني: حديث أبي داود: “ألاَ إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ
هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ
وَسَبْعُونَ فِى النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِىَ
الْجَمَاعَةُ”.
فلا وجه لإنكار هذه التسمية لأن الغرض منها تمييز أهل الحق من أهل الباطل
الذين ابتدعوا في العقائد والأحكام ما خالفوا فيه ما جاء به رسول الله
صلى الله عليه وسلم واتبعه عليه الصحابة والتابعون وسائر السلف رضي الله
عنهم، فاصطلح العلماء أخذاً من الحديثين الآنفي الذكر على كلمة “أهل
السنة والجماعة” لبيان متبعي الصحابة رضي الله عنهم من مخالفيهم نسأل
الله السلامة.