الْحِسَابَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ
1– قال الحافظ ابن دقيقِ العيد الشافعي (ت 702هـ) في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام:
“وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ: إنَّ الْحِسَابَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ”.
2- قال ابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ) في فتح الباري شرح صحيح البخاري:
“صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإنْ غُمَّ عليكم فأكمِلُوا العِدّة” فتَبَيَّنَ أن دينَنا لا يحتاج إلى حِساب ولا كِتاب، كما يَفْعَلُه أهلُ الكتاب من ضَبْطِ عِبَاداتهم بمسير الشمس وحُسْباناتها”.
3- قال الحافظ ابن حجر الشافعي (ت 852هـ) في فتح الباري:
“فَعَلَّقَ (النبيُّ) الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بِالرُّؤْيَةِ (في حديث: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ) لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَابِ التَّسْيِيرِ (أي حِساب تسيير النجوم والقمر) وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ (أي مِن الحُسّاب والمنجِّمين ونحوهم) بَلْ ظَاهِرُ السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلًا وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي: “فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَقُلْ فَسَلُوا أَهْلَ الْحِسَابِ” “.
4- قال الحافظ بدر الدين العَيْنِيّ الحنفي (ت 855هـ) في عمدة القاري شرح صحيح البخاري:
“بل ظَاهر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: “فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ” يَنْفِي تَعْلِيق الحكم بِالْحِسَابِ أصلا، إِذْ لَو كَانَ الحُكم يُعْلَمُ مِن ذَلِك لقَالَ: “فاسألوا أهل الْحساب”، وَقد رَجَعَ قوم إِلَى أهل التسيير فِي ذَلِك (أي أهل حِساب تسيير النجوم والقمر)، وهم الروافض، وَنقل عَن بعض الْفُقَهَاء موافقتهم، قَالَ القَاضِي: وَإِجْمَاع السّلف الصَّالح حجَّة عَلَيْهِم”.
5- قال ملا خِسْرَوْ الحنفي (ت 886هـ) في درر الحكام شرح غرر الأحكام:
“وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ: فَإِذَنْ اتَّفَقَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا النَّادِرَ وَالشَّافِعِيَّ أَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ فِي هَذَا”.
6- قال الحافظ شهاب الدين القَسْطَلّانيّ الشافعي (ت 923 هـ) في إرشاد الساري شرح صحيح البخاري:
“قال الشافعية: ولا عِبْرةَ بقول الْمُنَجِّمِ فلا يجب به الصوم ولا يجوز، والمراد بآية ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: 16] الاهتداء في أدلة القبلة”.
7- قال الحطّاب الرُّعيني المالكي (ت 954هـ) في مواهب الجليل شرح مختصر خليل:
“يَعْنِي أَنَّ الْهِلَالَ لَا يُثْبِتُ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ: إِنَّهُ يَرَى، بَلْ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ بِقَوْلِهِ، بَلْ وَلَا يَجُوزَ لَهُ هُوَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى ذَلِكَ”.
ثم قال: “قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ، عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِمَامِ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُتَّبَعُ”
وقال: “قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ رَكَنَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ (كابن سُريج)”.
وأضاف أيضًا: “قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحِسَابُ الْمُنَجِّمِينَ (غيرُ مُعتَبَر)؛ لِقَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ: رُكُونُ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ لَهُ بَاطِلٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ لِمَالِكِيٍّ، بَلْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كُنْتُ أُنْكِرُ عَلَى الْبَاجِيِّ نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِتَصْرِيحِ أَئِمَّتِهِمْ بِلَغْوِهِ”.
8- قال ملا علي القاري الحنفي (ت 1014 هـ) في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة الصابيح:
(عن حديث: “إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ“) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الشَّهْرِ لَيْسَتْ إِلَى الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ كَمَا يَزْعُمُهُ أَهْلُ النُّجُومِ، وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ وَلَوِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَرَى (أي يَراهُ)، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى مُخَاطِبًا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ خِطَابًا عَامًّا: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185] وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِطَابِ الْعَامِّ “صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ“، وَلِمَا فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ: “لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ“، وَلِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الصَّوْمُ يَوْمَ يَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ” بَلْ أَقُولُ: لَوْ صَامَ الْمُنَجِّمُ عَنْ رَمَضَانَ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ بِنَاءً عَلَى مَعْرِفَتِهِ يَكُونُ عَاصِيًا فِي صَوْمِهِ” انتهى.
9- قال عبد الرؤوف المُنَاويّ الشافعي (ت 1031هـ) في فيض القدير:
“لأن الشرع عَلَّقَ الحُكم بالرُؤية فلا يَقومُ الحِساب مَقامَه”.
10- قال الزُّرقاني المالكي (ت 1122هـ) في شرح الموطأ:
“قَالَ الْمَازِرِيُّ: احْتَجَّ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ بِحِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: 16] (سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 16) وَالْآيَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاهْتِدَاءِ فِي السَّيْرِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، قَالُوا: وَلَا يَصِحُّ أَنَّ الْمُرَادَ حِسَابُ الْمُنَجِّمِينَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَوْ كُلِّفُوا ذَلِكَ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفَهُ إِلَّا أَفْرَادٌ، وَالشَّرْعُ إِنَّمَا يُكَلِّفُ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُهُ جَمَاهِيرُهُمْ”.
ثم قال: “وَقَالَ النَّوَوِيُّ: عَدَمَ الْبِنَاءِ عَلَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ؛ لِأَنَّهُ حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ”.
11- قال ابن عابدين الحنفي (ت 1252هـ) في شرحه على الدر المختار:
“(قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقَّتَيْنِ) أَيْ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى النَّاسِ بَلْ فِي الْمِعْرَاجِ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ”.
ثم قال: “وَوَجْهُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَمِدْ الْحِسَابَ بَلْ أَلْغَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ (أي في وجوب الصوم) بِقَوْلِهِ “نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا” ” انتهى.