بسم الله الرحمن الرحيم
التَّمَسُّكُ بِشرِيعَةِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على سَيِّدِ المرسلينَ وعلى ءالِهِ الطّيّبينَ الطّاهرينَ أَمّا بعدُ:
فَقد رُوّينا بالإِسنادِ المتَّصِلِ في مُوطّأِالإمام مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهً عَليهِ وسَلَّمَ قالَ: “قالَ اللهُ تعالى: المتحابُّونَ بجَلالي أُظِلُّهُمّ في ظِلِيّ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ”-أي ظِلُّ العَرشِ- .
مِن أَعظَمِ ما يَكتَسِبُهُ الإِنسانُ في الحياةِ الدُّنيا وأَنفَعِهِ في الآخِرَةِ محبَّةُ المسلِمِ لأَخيهِ المسلِمِ، المحبَّةُ التي فيها التَّعاونُ على ما يُرضي اللهَ ليسَ الْمُرادُ التحابَّ على الهوى، فهذِهِ المحبة التي يَكونُ صاحِبُها في ظِلِّ العَرشِ يومَ القِيامَةِ ذَلِكَ اليومَ الذي لَيسَ فيهِ بيتٌ ولا جَبَلٌ ولا شَجَرٌ ولا كَهفٌ إنَّما يُظِلُّ المؤمِنَ في ذَلِكَ اليومِ عَمَلُهُ الصَّالِحُ.
ومِن جُملَةِ العَمَلِ الصَّالِحِ الذي يُظِلُّ صاحِبَهُ في ذَلِكَ اليومِ التَّحابُّ في اللهِ، محبَّةُ المسلِمِ لأَخيهِ في ما يُرضي اللهَ تبارَكَ وتَعالى.
فهذِهِ المحبَّةُ هي التي تجعَلُ صاحِبَها في الآخِرَةِ في ظِلِّ العَرشِ لا يُصيبُهُ حَرُّ شَمسِ يومِ القِيامَةِ، حَرُّ شَمسِ يومِ القِيامَةِ أَشَدُّ بِكَثيرٍ مِن حَرِّها في الدُّنيا لأنّها تَدنو مِن رؤوسِ النّاسِ قَدرَ ميلٍ، وَأَشَدُّ ما يَكونُ الحرُّ ذَلِكَ اليَومَ على الكُفَّارِ، الكُفّارُ لو كانَ في يومِ القِيامَةِ موتٌ لَماتوا مِن حَرِّها لَكِن لا يوجَدُ مَوتٌ هُناكَ مَهما تألَّمَ الشّخصُ لا يموتُ يَبقى حيًّا لا تُفارِقُهُ روحُهُ، فَمِن أَنفَعِ ما ينفَعُ النّاسَ في ذَلِكَ اليومِ للسّلامَةِ مِن حَرِّ الشّمسِ ذَلِكَ اليومَ التَّحابُّ في اللهِ، مَعنى التَّحابِّ في اللهِ أنَّ المسلِمَ يَتعاوَنُ مَعَ أَخيهِ على ما يُحِبُّ اللهُ، ولا يَغُشُّ أَحَدُهُما الآخَرَ أَي لا يُزَيِّنُ لَهُ المعصيةَ ولا يَغُشُّهُ في الْمعامَلَةِ بِل يَبذُلُ لَهُ النُّصحَ ، يُحِبُّ لَهُ ما يُحِبُّ لِنَفسِهِ أَي الخَيرُ الذي يُحَبُّهُ لِنَفسِهِ يُحِبُّهُ لأَخيهِ، والشَّىءُ الذي يَكرَهُهُ لِنَفسِهِ ممّا هو شرٌّ في شَرعِ اللهِ يَكرَهُهُ لأَخيهِ وهذا الأَمرُ هو الكَمالُ للمُسلِمِ، المسلِمُ لا يَكونُ مؤمنًا كاملاً أي في الدَّرَجَةِ العُليا إلا إذا كانَ بهذِهِ الصِّفَة أي يُحِبُّ لأَخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسِهِ مِنَ الخَيرِ. وَقد صَحَّ حديثُ: “مَن أَحَبَّ أَن يُزَحزَحَ عَنِ النّارِ ويُدخَلَ الجنَّةَ فَلتأتِهِ مَنِيَّتُهُ وهو يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ، وليَأتِ إلى النَّاسِ بِما يُحِبُّ أَن يؤتى إِليهِ“. هذا الحديثُ مَعناهُ أَنَّ مَن يُحِبُّ أَن يُبعِدَهُ اللهُ تَعالى مِنَ نارِ جَهَنَّمَ في الآخِرَةِ ويَدخُلَ الجنَّةَ يَثبُتُ على الإِيمانِ بِاللهِ ورَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، أي لِيتَجَنَّبْ الكُفرَ حتى يَموتَ وهو مُؤمِنٌ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ، وَليأتِ إلى أَخيهِ المسلِمِ بما يُحِبُّ أَن يؤتى إِليهِ مَعناهُ لِيعامِلْ أَخاهُ بِما يُحِبُّ أَن يُعامِلَهُ بِهِ، الواحِدُ مِنّا يُحِبُّ أَن يُعامِلَهُ أَخوهُ بِالصِّدقِ والوَفاءِ والنَّصيحَةِ أَي يُرشِدَهُ إِلى ما هُو خَيرٌ لَهُ ويُحَذِّرَهُ ممّا هو شَرٌّ لَهُ، مَعنى الحَديثِ مَن عَمِلَ بهذا يَكونُ بَعيدًا مِنَ النَّارِ مِن نارِ جَهَنَّمَ ويَدخُلُ جَنَّةَ اللهِ بِلا عَذابٍ، أَمّا التَّحابُ في غَيرِ ذَلِكَ فهو نَدامَةٌ يومَ القِيامَةِ، الشَّخصُ إِذا أَحَبَّ إِنسانًا للهوى فَهذِهِ المحبَّةُ نَدامَةٌ في الآخِرَةِ، اللهُ أَنعَمَ عَلَينا بِعقيدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ التي كانَ عَلَيها الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم والصَّحابَةُ والتّابِعونَ ومَن تَبِعَهُم إِلى يومِنا هذا، في هذا الوَقتِ الذي فَسَدَ كَثيرٌ مِنَ الأُمَّةِ كَما أَخبَرَ الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ.
قالَ عليهِ السَّلامُ: “المُتَمَسِّكُ بِسُنَّتي عِندَ فَسادِ أُمَّتي لَهُ أَجرُ شَهيدٍ“. سُنَّةُ الرَّسولِ شَريعَتُهُ، شَريعَةُ الرَّسولِ العَقيدَةُ والأَحكامُ كَذَلِكَ شَريعةُ اللهِ، إذا وَرَدَ في حَديثِ الرَّسولِ ذِكرُ السُّنَّةِ مَعناهُ شَريعتُهُ وَقد ظَهَرَ صِدقُ حَديثِ رَسولِ اللهِ، اليومَ في هذِهِ البلادِ توجَدُ عَقائِدُ مُنحَرِفَةٌ عَن دِينِ اللهِ وكُلُّ فِرقَةٍ تَدَّعي أَنَّها مُتَمَسِّكَةٌ بِالدِينِ أَحسَنَ مِن غَيرِها.
ثُمَّ مِنَ الأَمرِ الْمُهِمِّ فيما بَينَ المُسلِمينَ أَن يَتَحابّوا ولا يَتَتَبَّعَ أَحدُهُم مساوِئَ أَخيهِ “طوبى لِمَن شَغَلَهُ عَيبُهُ عَن عُيوبِ النّاسِ” هذا رُوِيَ حَديثًا لا يَنبَغي أَن يَكونَ المسلِمُ الواحِدُ مِنّا مُتَتَبِّعًا لِعوراتِ أَخيه -أي عيوبِهِ- بَل يَنبَغي أَن يُسامِحَهُ إِن أَساءَ إِليهِ وإِن أَحسَنَ إِليه أَن يُعامِلَهُ بِالإحسانِ هذا الذي يَنبَغي أَن يَكونَ المسلِمونَ عَلَيهِ ويَنبَغي أَيضًا أَن يَتزاوَروا ويَتناصَحوا ويَتطاوعوا على ما يوافِقُ شَريعَةَ اللهِ. وسُبحانَ اللهِ والحَمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ.
واللهُ سُبحانَهُ وتَعالى أَعلَمُ وَأَحكَمُ.