عقيدتنا نحنُ أهل الحقّ نقولُ الله تعالى خَالقُ كلّ شىء و نخالف المعتزلة و الجبرية
قال شيخنا رحمه الله
الحمدُ لله ربّ العالمين لهُ النّعمةُ ولهُ الفَضل وله الثناءُ الحسَن صَلواتُ الله البَرّ الرّحيم والملائكة المقَربين على سيدِنا محمدٍ أشرف المرسَلين وعلى جميع إخوانِه مِنَ الأنبياء والمرسلين وسلامُ الله عليهم أجمعين وبعدُ فإنّ مَسألةَ خَلقِ أفعالِ العبادِ مِن أهمّ أصولِ العقيدة، فالغَلطُ فيها هلاكٌ وخُروجٌ مِنَ الإسلام، لأنّ الناسَ فيها على ثلاثةِ أوجُه طَرفان ووَسَط أمّا الطّرفَان فهُما مِنَ الضُّلال الهالكِين المارقِين مِنَ الدّين وهُم لا يَشعُرون، هم يَظُنّون أنهم صَفوةُ الإسلام وهم لَيسُوا مِنَ الإسلام في شَىءٍ فأَحَدُ هَذين الطّرفَين الهالِكَين همُ القائلونَ بأنّ الإنسانَ يَخلُق أفعالَ نفسِه الاختياريّةَ والله تعالى ليسَ لهُ فيها تَصرّف أعطَى العَبدَ القُدرةَ علَيها ثم صارَ عَاجزًا مِن خَلقِها هؤلاء يقالُ لهم القَدَريّة ويقالُ لهم المعتزلة، هؤلاء لم يكن لهم ظهُورٌ في الصّدْرِ الأوّل وكانوا ممقُوتِينَ إنما أوّلُ وجُودِهم كانَ في الصّدر الأوّل أي في القَرْن الذي كانَ فيهِ الصّحابة، قبلَ أن يَنقَرِض الصّحابة، رأسُهُم يقالُ لهُ مَعبَدٌ الجُهَني، هذا أوّلُ مَن قالَ بمذهَب الاعتزال، وهؤلاءِ همُ الذينَ قالَ فيهم سيّدُنا الحُسَين بنُ عليّ بنِ أبي طالب رضيَ الله عنهما ” واللهِ ما قالَت القَدريّةُ بقَولِ الله ولا بقَولِ الملائكةِ ولا بقَولِ النّبيّين ولا بقولِ أهلِ الجنّةِ ولا بقَولِ أهلِ النار ولا بقَولِ صَاحبِهم إبليس ” معناهُ إبليسُ طلَع في هذه المسألةِ أفهَم منهُم، أفقَه منهم، ليسَ معنى ذلك أنّ إبليسَ لا يَرضى بما قالت بهِ المعتزلةُ بل هو يَرضى لكنّه حين قالَ :” ربّ بما أغوَيتَني لأقعُدَنّ لهم صِراطَك المستقيم” هوَ فَهِمَ أنّ الله تعالى هوَ الذي يخلُق الغَوايَةَ والضّلالةَ والكُفرَ في الكافِر وهُم جَهِلُوا ذلكَ فقَالوا بخلافِ قَولِ صاحبِهم إبليس وهُم أحبابُه، هو يُحبُّهُم لأنهم كفَروا وإنْ كانَ مِن حيثُ الفَهم والاعتقادُ على خِلافِ قولِ إبليسَ الذي قالَهُ في بَدْءِ الأمر، قبلَ أن تُخلَق المعتزلةُ قال هذا القولَ “ربّ بما أغوَيتَني لأقعُدَنّ لهم صِراطَك المستقيم” معناهُ حيثُ إنّكَ أَغويتَني أي جعَلتَني ضَالا غَاويًا لأضِلَّنّ البشر، ذُرية آدم، قال أغوَيتَني” أي خلَقتَ فيَّ الغَوايةَ والضّلالة.
المعتزلةُ يقولونُ الله تعالى لا يخلُق في أحدٍ الغَوايةَ والهُدَى، الهُدَى فِعلُ العَبد، العَبدُ يخلُقُه، والكفرُ والمعاصي العَبدُ يَخلقُها ليسَ اللهُ يخلقُها في العَبد، خالَفُوا إبليسَ، إبليسُ نسَبَ إلى الله تعالى خَلقَ الغَوايةِ وقَد أصابَ في ذلكَ ووافَقَ العقيدةَ الصّحيحةَ أمّا المعتزلةُ فقَد جَهِلُوا هذا قالوا نحنُ نخلُق فمَن آمَن وعمِلَ الصّالحات فهو خَلَق هذا فيَكونُ لهُ فَرضٌ على الله أن يُدخِلَهم الجنة، يقولونَ مُلزَمٌ ليسَ فَضلا مِنه، لو لم يُدخِلهُم لكانَ ظَالما، أمّا نحنُ أهل الحقّ نقولُ الله تعالى خَالقُ كلّ شىء مِن أعمالِ العباد إيمانهم وطَاعاتِهم ليسُوا هم خَالقِي ذلكَ وهو متَكرّمٌ علَيهم متفَضّلٌ علَيهِم بأن يُدخِلَهُم الجنّة ليسَ هو مُلزَمًا بأن يعطِيَهُم الثّواب على إيمانهِم وحَسَناتهِم.
والطّرفُ الثاني همُ الجَبريةُ القائلونَ بأنّ الإنسانَ لا فِعلَ له، الجَبريةُ نفَوا عن الإنسانِ أن يكونَ لهُ فِعلٌ على وَجهِ الخَلقِ للفِعل وعلى الوَجه الآخَر وهو إثباتُ الفِعل على وَجْه الاكتِساب، فالجبريةُ ضَالّون كما أنّ المعتزلةَ ضَالّون، هذان الطّرفان اللّذان هما على طَرفي نقِيض وأمّا الوسَط فهم أهلُ السّنّة أهلُ الحقّ حيث قالوا قَولا يخالِفُ قولَ هؤلاء وهؤلاء وهو أنّ العبدَ لا يخلُق شَيئًا مِن أعمالِه الاختيارية فضلاً عن الاضطِراريّة لكن لهُ فِعلٌ يكتَسِبُه اكتِسابًا، هذا وإنْ كانَ فيهِ غمُوضٌ فهو القَولُ الحقُّ فمَن لم يرضَ بهِ ومَالَ إلى أحَدِ الطّرفَين المذكُورَين فقد هَلَك وكفَرَ وهو لا يَدري، المعتزلةُ يُسَمُّونَ أَنفُسَهُم أهلَ العَدلِ، على زَعمِهم نفَوا الجَورَ والظُّلمَ عن الله وهُم أهلُ الظُّلم لأنهم أشركُوا باللهِ لما أثبَتُوا للعبدِ خَلقَ شَىء مِنَ الحَركات والسّكَنات والنّوايا، الله تعالى نفَى خَلقَ شىء عن كلّ ما سِواه فقال تعالى :” قل الله خَالقُ كلّ شىء “
فالمعتَزلةُ جعَلُوا ما انفَردَ الله به وهو الخَلْق بمعنى الإحداثِ مِنَ العَدَم إلى الوجود للعَبد وتَركوا للهِ تعالى خَلقَ الأجسام وتَركوا لهُ أفعال العبدِ الاضطراريّةَ.
وإنما سُمّيَ مَذهَبُ أهلِ الحقّ الوسَط لأنّهُ يخالِفُ كِلا القَولَين قولَ المعتزلة وقولَ الجَبرية، ولا يجوزُ أن يُغتَرّ ويُلتَفَت إلى كلام مَن زَاغ عن هذا إلى أحَدِ الطّرفَين طَرفِ الجَبريّةِ وطَرفِ القَدَريّة.
فأمَّا الجبريةُ فاليوم وللهِ الحمد لا نَسمَعُ مَن يقولُ بقَولهِم إلا أن يكونَ عندَ بعضِ المتصَوّفة أصحابِ وحْدَةِ الوجود، هناك أناسٌ ينتَسِبُونَ إلى التّصوف وهُم ليسُوا مِن التّصوّف في شَىء لأنّ التّصَوف الإسلاميّ مَبنيّ على التّوحيد الخالِص وعلى اتّباعِ الرّسولِ صلّى الله عليه وسلّم بالاعتقادِ والفِعل والقَول، هذا التّصوّفُ الإسلاميّ، أمّا مَن خَالَف ذلكَ كالقَولِ بالوَحْدَة المطلقَة فهو كُفرٌ مِن أشنَع الكفر، الإسلامُ أبعَدُ الأديانِ منه، الإسلامُ لا يَرضاهُ ولا يَقبَلُه ويوجَدُ أفرادٌ مِن هؤلاء اليوم هؤلاءِ يَعتقدُونَ أنّ الله تعالى هو الوجُودُ المطلَقُ هذا الوجودُ بأسره هو الله أمَّا الجُزئياتُ هيَ تَعَيُّناتٌ مِنْ تَعيُّناتِه، الإنسانُ عندَهُم جُزءٌ مِنَ الله، والنَّباتُ والنّورُ والظّلام والبهائمُ كلُّ ذلكَ عندَهم أجزاءٌ مِن الله، هؤلاءِ يقالُ لهم أهلُ الوَحْدَةِ المطلَقة ويقالُ لهم أهلُ وَحْدَةِ الوجُود، وأَحَدُ هؤلاءِ يَستَجِيزُ أن يقولَ أنَا الله لأنّهُ أعتقَدَ أنّ كلَّ الموجوداتِ أجزاءٌ مِنَ الله، فالإسلامُ بَريءٌ مِنْ هذا التّصوف الذي هو شِبْهُ تصَوّفِ المجوس.
والإسلام كما قال شيخُ الصُّوفيّة الجُنَيد بنُ محمد البَغدادي رضي الله عنه ونفعنا به :” إفْرادُ القَديم مِنَ المحدَث” يعني أنْ لا تُشَابُهَ بينَ القَديم والمحدَث، القَديمُ هوَ الله الذي لا ابتداءَ لوُجُودِه والمحدثُ هو العالَم بأسره.
فمَعنى إفرادُ القديم مِنَ المحدَث أي أنْ تُفرِدَ الله مِنَ المحدَثِ أي لا تجعَل مُشَابهة بينَ القَديم الله الواحِد الأزلي وبينَ المحدَث أي بَينَ العَالم.
فالتّصوّفُ الإسلاميُّ مَبْنيّ على هذا التّوحيد كما قال سيّدُ الطائفةِ الصّوفية الجنيد بنُ محمّد البغدادي المتوفّى سنةَ ثلاثمائةٍ إلا ثماني سنوات، هذا الإمامُ الجنيد أبو القاسِم عندَ السّادةِ الصوفيّةِ هو سيّدُ الطّائفة، طَريقُه مُقَوَّمٌ يَقتَدُونَ به ويحتَجُّونَ بكلامِه.
بعضُ الكتُب التي تُنسَبُ إلى الشّيخ محي الدين بنِ عربي دخلَتْها يدُ الدّسّ، بعضُ الفقهاءِ الحنفِيّينَ قال عن الكِتاب المنسوبِ إلى الشيخ محي الدّين بنِ عربي كتاب ” فُصوص الحِكَم ” قال تَيقّنّا أنّهُ مِنَ اليَهودِ أي أنّ اليهودَ دَسُّوا على الشيخ محي الدّين بنِ عربي هذا الكتاب فصُوص الحِكم، والأقوال الخَبيثة التي فيه يَنْبُو السّمْع عنها، مِن شِدّةِ قُبحِها وسَخَافتِها يخجَلُ اللّسانُ عن أن يحكيَها ويَرويها للنّاس.
وأساسُ اليَشرطيّةِ بريءٌ مِن عقيدةِ أهلِ الوَحْدة المطلَقَة، قيل إنّ الشيخ علي نُور الدّين اليَشرُطيّ تَبرأ مِن هؤلاء وكانوا يَدّعُون أنهم أتباعُه، قَبلَ وفَاتِه تَبرأ منهُم، فحَاصلُ مذهَبِ أهلِ الحقّ أنّ الله تعالى واحِدٌ في ذاتِه واحِدٌ في أفعالِه ومعنى واحِدٌ في ذاتِه أي ذاتُه ليسَ مُركّبًا يَقبَلُ الانقِسام، لأنّهُ مُنزّهٌ عن الحدّ والمسافةِ فلا يَقبَلُ الانقِسام، أمّا سائرُ الذّواتِ، سائرُ الأجرام فهيَ حَادثةٌ ليسَت أزليّة، ومعنى واحِدٌ في أفعالِه أنّه تبارك وتعالى يَفعَلُ بمعنى الإخراجِ مِنَ العَدم إلى الوجُود، هوَ الذي أخرجَ هذا العالَم مِنَ العَدَم إلى الوجُود مِن غَيرِ مَادّةٍ سَابقةٍ لأنهُ في الأزل لم يكن شَىءٌ إلا الله، فالله تعالى فاعلٌ على هذا الوجه أي على وَجْهِ الإحداث مِنَ العدَم إلى الوجُود ولا فاعلَ على هذا الوجهِ إلا الله، نحنُ نَفعَلُ وفِعْلُنا ليس على وجهِ الخَلق، نحنُ نَفعلُ حَركاتنا وسَكناتنا بقُدرةٍ أعطانا اللهُ أيّاها، بطَريقِ الكَسبِ لا بطَريقِ الإحداثِ مِن العدَمِ إلى الوجُود، كلُّ حَركاتِنا الله يخلُقُها كمَا خلَقَ أجسَامَنا، أجسَامُنا مخلوقةٌ للهِ كذلكَ حرَكاتُنا وسَكناتُنا مخلوقةٌ لله، إنما أفعالُنا التي لنَا فيها اختيارٌ أي مَيلٌ وتَوجُّهٌ نَصرِفُ إليها قُدرتَنا الحادثةَ التي هيَ خَلقٌ لله تعالى وإرادتَنا الحادثة التي هيَ خَلقُ لله تعالى وهذا يُسمَّى الكَسْب.