اعتقاد كل المسلمين أن الله تعالى موجودٌ بلا جهةٍ ولا مكان والدليل على ذلك
.
وبيانُ ذلك أن المكان هو الفراغ الذي يشغلهُ الحجم فكلُ ماكان في جهةٍ أو مكان يكون حجماً إما كبيراً كالعرش وهو أكبر الأجرام حجماً وإما صغيراً كحبةِ الخردل وحبةِ العدس وحبة العنب والإنسان والريح والنور والظلام والجن والملائكة فكل ما يكون في جهةٍ أو مكان يكون حجما والحجم مخلوق والله خالقه فيستحيلُ أن يكونَ اللهُ في جهة أو مكان لأنه ليس حجما ليس مخلوقا فالحجم لا يخلق الحجم الجسم لا يخلق الجسم وقد استفاضت الأدلة الشرعية والعقلية على وجود الله بلا جهة ولا مكان قال الله تعالى:{ ليس كمثله شئ} فلو كان الله في جهة أو مكان لكان له أمثالٌ لا تحصى قال الله تعالى :{ وكل شئ عنده بمقدار} معناه أن الله خلق كل شئ من هذا العالم على مقدار معين من الحجم إن كان حجما لطيفا كالهواء والروح والريح أو كثيفاً كالإنسان والحجر والنبات والشمس والقمر كل هذه المخلوقات لها أحجامٌ اللهُ خلقها عليها وخلق صفات الأحجام كالحركة والسكون والحرارة والبرودة واليبوسة فلا يجوز أن يكون الله موصوفا بذلك قال الله تعالى : {فلا تضربوا لله الأمثال} .
وقد روى البخاري في صحيحه والحافظ البيهقي وابن الجارود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان الله ولم يكن شئ غيره . معناه كان الله في الأزل ولم يكن شئ غيره لا فراغ ولا نور ولا ظلام ولا جهة ولا مكان معناه كان الله في الأزل موجودا بلا جهة ولا مكان والله تعالى لا يتغير فلم يزل موجودا بلا جهة ولا مكان قال الإمام أحمد بن حنبل والإمام ذو النون المصري : مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك . وقال الإمام السلفي أبو جعفر الطحاوي عن الله: تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ا.هـ والجهات الست هي فوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف معناه أن الله موجود بلا جهة ولامكان .
وقد روى ابن المعلم القرشي في كتابه [نجمُ المهتدي ورجم المعتدي] في صحــ551يفة أن القاضي حسينا روى عن الشافعي أنه قال : من قال إن الله جالسٌ على العرش فقد كفر ا.هـ وقد نقل صاحب الخصال عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال : من قال الله جسم لا كالأجسام كفر ا.هـ.
وقد أورد بعض المشبهة في إثبات سكنى الله في السماء بزعمهم قول الله تعالى في سورة غافر : {وقال فرعون يا هامان ابنِ لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب.أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا . وكذلك زين لفرعون سوءُ عمله وصُدّ عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب}. فبنى المشبهة اعتقادهم على كلام فرعون وعقيدته الفاسدين وأما معنى الآية, فقوله تعالى : {وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحا} قال القرطبي في تفسيره : لما قال مؤمن ءال فرعون ما قال وخاف فرعون أن يتمكن كلام هذا المؤمن في قلوب القوم أوهم أنه يمتحن ماجاء به موسى من التوحيد فأمر وزيره هامان ببناء الصرح قوله :{ لعلي أبلغ الاسباب أسباب السموات} قال أبو صالح أسباب السموات طرقها قوله:{ فأطلع إلى إله موسى} فأنظر إليه نظر مشرف عليه توهم أنه جسم تحويه الأماكن وكان فرعون يدعي الألوهية ويرى تحقيقها بالجلوس في مكان مشرف قوله : {وإني لأظنه كاذبا} أي وأني لأظن موسى كاذبا في ادعائه إلها دوني قوله تعالى :{ وكذلك زين لفرعون سوء عمله}, أي كما قال هذه المقالة وارتاب زين له الشيطان سوء عمله ا.هـ
فانظر ياطالب الحق كيف بنى أهل السنة عقيدتهم على كلام الله وكلام رسوله والعقل السليم شاهد لذلك وبنى المشبهة عقيدتهم على كلام عدو الله فرعون .والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل نسأل الله الثبات على عقيدة الرسول والأنبياء جميعا إلى الممات.
الدليل على أن الله موجود بلا جهة ولا مكان
ثم إن قول أهل الحق في قول الله تعالى :{ ليس كمثله شئ } معناه نفي المشابهة بين الله وبين شئ من خلقه بأي وجه من الوجوه وهو الحق ومن أثبت لله الجسمية أو الجهة فقد كذب هذه الآية أما قول الله تعالى :{ الرحمن على العرش استوى} فالمنقول عن السلف أنهم يقولون استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر أو يقولون استوى استواء يليق به أو يقولون استوى بلا كيف أو يقولون كما جاء عن الشافعي : ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله أي لا على معنى استواء الأجسام على الأجسام لأن هذا لا يليق بالخالق والذين قالوا استوى معناه جلس أو قعد أو استقر كذّبوا القرءان ووصفوا الله بما لا يليق به فإن الجلوس والاستقرار من صفات البشر والبهائم والجن فمن وصف الله بالجلوس فقد شتمه ولم يمدحه ولم يقل أحد من المسلمين إن الله يسمى الجالس أو القاعد وهل سمعتم في تاريخ المسلمين أن أحدا منهم سمى ولده عبد الجالس أو عبد القاعد أو عبد المستقر ؟! إنما يسمي بعض المسلمين ولده بعبد القاهر وعبد القهار وعبد الحفيظ وعبد الباقي ونحو ذلك مما فيه ذكر اسمٍ للهِ يليق به وقد قال الحافظ أبو بكر بن العربي :إن استوى لها خمسة عشر معنى وهو حافظ متبحر لا بد أن يكون اطلع على هذه المعاني ومن معاني كلمة استوى في اللغة العربية : جلس وتمَ يقال : استوى القمر بدرا أي تم واستوى الطعام أي نضج واستوى القوم في المال إذا لم يفضل منهم أحد على غيره واستوى على الفرس استقر واستوى المكان اعتدل واستوى إلى العراق قصد واستوى على سرير الملك كناية عن التملك وإن لم يجلس عليه كما قيل مبسوط اليد ومقبوض اليد كناية عن الجود والبخل ويقال استوى بمعنى قهر وحفظ وأبقى كما قال الشاعر العربي
فلما علونا واستوينا عليهُمُ جعلناهمُ مراعىً لنسرٍ وطائرِ
فالمعاني الثلاثة الأخيرة وهي حفظ وقهر وأبقى تليق بالله أما التي قبلها فتليق بالمخلوق ولا تليق بالخالق
وأما حديث البخاري والحاكم وابن الجارود : كان الله ولم يكن شئٌ غيره فهو صريح بأن الله كان موجودا في الأزل بلا جهة ولا مكان ومعلوم أن الله لا يتغير فإن التغير هو أقوى علامات الحدوث قال الإمام أبو الحسن الأشعري : يجب على كل مكلف أن يعلم دليلا عقليا على وجود الله قال العلماء وذلك كأن يقول أنا متغير وكل متغير لا بد له من مغير النتيجةُ أنا لا بد لي من مغير وهذا المغير هو الخالق الله ولا يجوز أن يكون خالقي مثلي ولا يجوز أن يتصف بصفة كصفتي لأجل هذا قال الإمام الطحاوي السلفي في عقيدته التي هي عقيدة كل المسلمين : ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر .
ومن هداه الله للحق يعلم أن ءاية الشورى { ليس كمثله شئ وهو السميع البصير } قدم الله فيها التنزيه الكلي على اثبات السمع والبصر له ليُفهم أن الله تعالى يوصفُ بالسمع والبصر على معنى الصفتين اللائقتينِ بهِ لا على ما يوصفُ به الخلقُ من الجوارح كالحدقة والأذن
وقد نفى القرءان الحدّ عن الله تعالى بقوله :{ ليس كمثله شئ } وهذا ما لا يرضى به المجسمة المشبهة فإنهم يقولون: أما الحدّ فلم يرد نفيه ولا إثباته والعياذ بالله. ثم إن أهل السنة المنزهين ما نفوا القول بالاستواء إنما نفوا أن يكون استواء الله معنىً من معاني الخلق ولكن الوهابية المجسمة المشبهة حُبّب إليهم تشبيه الله بخلقه وكذلك حين قالوا كلمة بلا كيف لم يريدوا ما أراده السلف من نفي كل ما كان من صفات الخلق كالحجم والشكل والجارحة إنما يريدون أن التخطيط مختلف أي الهيئة مختلفة فشتان بين قول السلف وبين مقالة الوهابية
ثم إن السلف نفوا الحد عن الله تعالى صراحة كما قال الإمام الطحاوي تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات] اهـ والحدود جمع حد والمحدود ما له حجم صغيرا كان أو كبيرا وقد روى المحدث الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي بالإسناد المتصل إلى الإمام زين العابدين في الصحيفة السجاديه عن الله: لا تجسّ ولا تمسُ لست بمحدودٍ فتحدَّ اهـ وقد روى الحافظ أبو نُعيم أن الإمام علياً قال : من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود اهـ معناه : من أثبت الحدّ لله ما عرفه وهو كافرٌ به وهذه النقول الواضحات الجاليات الثابتات الصحيحات تعلن بكذب الوهابية المجسمة المشبهة في زعمهم أن السلف ما نفوا الحدّ عن الله
وقد جاءت الوهابية المشبهة بعجيبة مع زعمهم أنهم يحاربون البدعة فابتدعوا في العقيدة ما لم يسبقوا إليه فقالوا إن جهة فوق والمكان الذي نثبته لله هو اعتباريٌ عدميٌ فسبحان الله واهب العقول كيف يقول عاقل ذلك ويكفيهم هذا خزياً أنهم يثبتون جهة ومكانا عدميين غير مخلوقينِ وقد قال الله تعالى :{ قل الله خالق كل شئ
وقد تبين لك يا طالب الحق أن الله هو الموجود الذي لا يشبه الموجودات موجود بلا جهة ولا مكان وأن الله لا يوصف بالحدّ منزه عن الحجم ومنزه عن صفات الخلق كالجلوس والاستقرار والكون في جهة أو مكان وأن هذا ما أثبته القرءان والحديث وهو ما عليه كل المسلمين وأن معرفة الله تكون باعتقاد وجوده مع تنزيهه وعدم محاولة تصوره فإن الله لا يتصور وما يتصور مخلوق والعلم به لا يكون بتصوره إنما باعتقاد وجوده على ما يليق به مع عدم تشبيهه بالخلق قال تعالى :{ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } وقال تعالى :{ وأن إلى ربك المنتهى } قال الصحابي الجليل أبو المنذر أُبي بن كعب رضي الله عنه : إليه ينتهي فكر من تفكر معناه لا تصل إليه تصورات العباد . وقد روى المحدث بدر الدين الزركشي أن أبا بكر الصديق ر ضي الله عنه قال
العجز عن درك الإدراك إدراكٌ والبحثُ عن ذاته كفرٌ وإشراكُ
وقد روى أبو القاسم الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا فكرة في الرب
هذا ونسأل الله تعالى أن يُحيينا على عقيدة أهل السنة والجماعة وأن يتوفانا على هذه العقيدة وأن يكرمنا برؤية ولقاء سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم