في القَناعةِ باليَسِيرِ منَ الرّزْق سلامةُ الدّين والدّنيا و رجم الله عبد الله بن الزبير
قال شيخنا رحمه الله
علَيكُم بالقَناعة بالقَليل مِنَ الرّزْق فإنّ في القَناعةِ باليَسِيرِ منَ الرّزْق سلامةُ الدّين والدّنيا وعلَيكُم بإكثار ذِكْر الموت فإنّهُ يُساعِدُ على القَناعةِ باليَسيرِ مِنَ الرّزْق والاستعدادِ للآخِرة وإيثارِ الآخِرةِ على الدّنيا.إيّاكُم والتّمادي على الخروج إلى الصّيد في فتَراتٍ مُتقَاربَة كما اعتِيْدَ عِندَكُم فإنّهُ ثبَت في الحديث أنّ اتّباعَ الصّيد يُسَبّبُ الغَفْلةَ في القلُوب(رواه البيهقي من حديث أبي هريرة)،والغَفلةُ هيَ سبَبُ المعاصي والمكروهات،واجعَلُوا ما يُصرَف لذلك ولكثيرٍ منَ المشتَهيَات كشُربِ السّيجارة (في الضّروريات)الجَديرُ بكم أن تَصرفُوه فيما هوَ منَ الضّروريات كالقِيام بنَشر عقيدةِ أهلِ السّنة والأحكام الضّرورية التي أَعْرَضَ اليوم الأغنياءُ وأهلُ المقدرةِ عن القيام بها وأنتُم تَعلَمُون ذلك،وهل هناكَ أغنياءُ يقومونَ بها،فلِمَن تَتركُونها،فالواجبُ علَيكُم أنْ تَسعَوا لذلكَ بقَدْر جُهدِكُم لا فَوقَ الجُهْد،قال الله تعالى “لا يُكَلّفُ اللهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها”هذا وإنّ الكثيرَ مِن موظّفِي الجمعية يكتَفُونَ بالقَليل،مرتّبَاتهُم لا تَفِي ما يَصرفُه الناسُ عادةً لنفَقاتهِم،ءاثَروا العمَلَ في الجمعيّة بذلكَ القَليلِ رغبَةً في الآخِرة حتى إنّ منهُم مَن لا يُوقَدُ في بيتِهم للطّبْخ مُدّةً بل يقتصرونَ على اللّبَن ونحوِه منَ القِلّة،وقد سبَقَ لبَعض أفرادِ الجمعيةِ أن ذهَبَ إلى كنَدا فعمِلَ عمَلا فجَمَع مِن غَلّتِه فرجَع إلى لبنان ليَشتَريَ مَسكنًا فرأَى حاجَةَ الجمعيةِ فآثَر الآخِرَة فقال أنا شابّ سأتَبرّع وأكتَسِبُ غَلّةً أُخرَى لأجلِ معيشتِه فدفَع هذا للجمعية، فالتّسابُق في مِثلِ هذا يكونُ مَرغُوبًا،وقد أَرشدَنا الرّسولُ عليه السلام إلى ذلكَ بقوله “إذَا نَظَرَ أَحَدُكُم إلى مَن هو فوقَه في الخَلْق والمالِ فلْيَنظُرْ إلى مَن هوَ أسفَلَ مِنه”رواه الترمذي
وذلكَ لأنّ النّظرَ إلى مَن هوَ فَوقَهُ في المالِ والغِنى يَزيدُ الإنسانَ طمَعًا في الدُّنيا وبُعْدًا عن الآخِرةِ ونِسيانًا لها أمّا النّظَرُ إلى مَن هو دونَهُ في المالِ والرّزقِ وقُوّةِ الجِسْم فيَدعو إلى خلافِ ذلك ولْنَقتدِي بالصّحابة رِضوانُ الله عليهم فإنهم لو كانوا على مثلِ حالِنا اليومَ مِن تتَبّع الرّاحاتِ وتَكثيرِ المالِ ما انتَشر الإسلامُ إلى الشّرقِ والغَرب،وكانَ الإسلامُ مُقتَصِرًا على الحِجاز والجزيرةِ العَربية.كانَ عبدُ الله بنُ الزّبَير رضي الله عنه في جَيشٍ مُوجَّهٍ إلى خَارجِ الجزيرةِ العربيّة وكانَ العدوّ الذي يَقصدُونَه ملِكُهم أرسلَ في جَيشِه بنتًا لهُ بارعةَ الجمال وكانَ ألبَسها التّاج والجواهرَ وقال لتشجيع جَيشِه على قتال المسلمينَ مَن نجَح في هذه المعركة (بقتْل قائدِ جيشِ المسلمين) فلَهُ بِنتي هذه ثم كانَ النّصر للمسلمين، وكانَ قائدُ المسلمين وعَدَ أيضًا بأنّ مَن جاءه برَأس هذا الملِك فلهُ بِنتُه هذه ثم انتصَر المسلمونَ فقُتِل الملِك وأُسِرَت البِنت فقال قائد المسلمين مَن الذي قتَل الملِك فعبدُ الله بنُ الزّبير ما قال أنا فأخفَى نفسَه فقال قائد المسلمينَ للبنت مَن الذي قتَل أباك الملِك أتعرفينَه فقالت نعَم فتَصفّحت الوجوه حتى أشارَت عليه،انظروا إلى رغبة الصحابة في الآخِرة وإخلاصِ العَمل لله.
ومِن مَناقِب عبدِ الله بنِ الزّبير أنّ الرسولَ عليه السلام احتَجَم ذاتَ يوم ثم أعطَى دَمَه لعبدِ الله بنِ الزّبير رضي الله عنه وقالَ لهُ غَيّبْهُ في أَخْفَى مكان”فشربَه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا فعَلتَ بالدّم لعلَّك شربتَه قال غيّبتُه في أخفَى مكان،شربتُه. رواه البزار في مسنده.فكان مِن بَركةِ هذا الدّم مِن أقوى الناس قلبا وصَبرًا على العبادة،كانَ إذا قام للصّلاةكأنه شَجرةٌ نابتةٌ في مكانها.رزقنا الله حُسْنَ اتّباعِهم والفوزَ بالنّجاةِ والنّعيمِ المقيمِ في الدارِ الآخِرةِ ءامين.