شيخُ المشايخ أَبُو مَدْيَنَ شُعَيْبُ بنُ حُسَيْنٍ الأَنْدَلُسِيُّ
أَبُو مَدْيَنَ شُعَيْبُ بنُ حُسَيْنٍ الأَنْدَلُسِيُّ الزَّاهِدُ، شَيْخُ أَهْلِ الـمَغْرِبِ، وسيّد العارفينَ وقُدوة السّالكِينَ في عَصره. واشتهر بشَيخ المشايخ، كَانَ مِنْ أَهْلِ العَمل وَالاجتهَاد، مُنْقَطِع القرِيْن فِي العِبَادَةِ وَالنُّسك.
وذكر يوسُفُ بن يَحْيَى التَّادَلِيُّ في كتابه: التّشوّف لرِجال التّصوّف: أنه رضي الله عنه خَرّج على يدِه ألفَ شيخٍ مِن الأولياء أُولي الكرامات.اهـ
وكانَ رضي الله عنه مِن أعلام العُلماء، وتَردُ عليهِ الفَتاوى في مذهب الإمام مالِك رضي الله عنه فيُجيب عنها في الوَقت، ولهُ مجلِسُ وَعْظ يتَكلّم فيه فتَجتمِع عليه الناسُ مِن كلِّ جِهةٍ وتمرّ بهِ الطّيور وهو يتَكلّم فتقِف تَسمع ورُبما ماتَ بعضُها، وكثيرًا ما يموتُ بمجلسِه أصحابُ الحبّ، تخرج عليه جماعة كثيرةٌ مِن العلماءِ والمحدِّثين وأربابِ الأحوال. وكانَ أولياءُ وقتِه يأتونَه مِن البُلدان للاستفتاءِ فيما يَعرِض لهم مِن المسائل.
قال الشّعراني في ” الطّبقات الكبرى”: قال الشيخ أبو الحجّاج الأقصري سمعت شيخنا عبد الرزاق رضي الله عنه يقول: لقِيتُ الخضِرَ عليه السلام سنةَ ثمانينَ وخمسمائة، فسألتُه عن شيخِنا أبي مَدْيَن، فقال: هو إمامُ الصِّدّيقِين في هذا الوقت.اهـ قلتُ: وأجمعت المشايخُ على تعظيمِه وإجلالِه وتأدَّبُوا بينَ يدَيهِ وكانَ ظريفًا جميلا متواضِعًا زاهدًا ورِعًا محقِّقا مشتَملا على كرم الأخلاق رضي الله عنه.اهـ كلام الشعراني.
عقيدته:
قال الشيخ أبو مدين في عقيدته: الحمد لله الذي تنـزّه عن الحدِّ والأينِ والكَيف والزمان والمكانِ المتكلم بكلام قَديم أزلي صفة مِن صِفاته قائم بذاتِه لا منفَصِل عنه ولا عائدٍ إليه ولا يحُلّ في المحدَثات ولا يجانِسُ المخلوقات ولا يُوصَف بالحروف والأصواتِ تَنـزَّهت صفاتُ ربِّنا عن الأرض والسّمـٰوات. اللهمّ إنّا نُوَحِّدُك ولا نَحُدُّك ونؤمِنُ بكَ ولا نكَيِّفُكَ ونَعبُدُكَ ولا نُشَبِّهُك ونعتقدُ أنّ مَن شبَّهَك بخَلقِك لم يعرفْ الخالقَ مِنَ المخلُوق اﻫ
وقال فيها: القُدُّوس على العرش استَوى مِن غير تمكُّنٍ ولا جلُوس. اﻫ
وقال: العَرش له حدٌّ ومِقدارٌ والرّبُّ لا تُدركُه الأبصار. العرش تُكَيِّفُه خواطِرُ العقول وتصِفُه بالعَرض والطُّول وهو مع ذلكَ محمُولٌ وهو الذي لا يحُولُ ولا يزُول. العرش بنفسِه هو المكانُ وله جوانبُ وأركان وكانَ الله ولا مكانَ وهو الآنَ على ما عليهِ كانَ ليسَ له تحتٌ فيُقِلَّه ولا فوقٌ فيُظِلَّه ولا جوانبَ فتَعدِله ولا خَلْف فيسندُه ولا أمامَ فيَحُدّه. اﻫ عن مخطوط في المكتبة الوطنية بباريس رقم 5485.
ومن أقواله المشهورة هذه الأبيات التي نالَت قَبُولا لدَى الخاصّة والعامّة وتَغَنى بها المنشدُون وتعالَت بها أصواتهُم في مجَالس الذِّكر والإنشاد.
قال الشيخُ أبو مَديَن رحمه اللَّه :
مَا لَذّةُ العَيشِ إلاّ صُحبَةُ الفُقَرا
هُم السّلاَطِينُ والسَّادَاتُ والأُمَرا
فَاصْحَبْهُمُ وتأدَّبْ في مَجَالِسِهِم
وخلِّ حَظَّكَ مَهمَا قَدّمُوكَ وَرَا
واستَغنِم الوقتَ واحْضُرْ دائِمًا معَهُم
واعلَمْ بأنّ الرِّضا يختَصُّ مَن حَضَرَا
أي ما لذّةُ عيشِ السّالِك في طريقِ مَولاه إلا صُحبة الفقراء، والفقراءُ جمْع فقير، والفقيرُ هوَ المتجَرِّدُ عن العَلائق المعرِض عن العوَائق.
من كراماتِه:
الله تعالى أكرمَهُ بكراماتٍ كثيرة، قال الشيخ أحمدُ بنُ محمد الْمُقْرِي التّلمساني في نَفْح الطِّيْب مِن غُصن الأندلس الرّطيب: ومِن مَشهُور كراماتِه أنّهُ كانَ ماشِيًا يومًا على ساحِل فأَسَرَه العَدُوّ وجَعلُوه في سفينةٍ فيها جماعةٌ مِن أَسرَى المسلمين فلمّا استقَرّ في السفينة توقّفَت عن السّير ولم تتحَرّك مِن مكانها مع قُوّة الرِّيْح ومُساعدتها، وأيقَن الرّوم أنهم لا يَقدِرُونَ على السّير، فقال بعضُهم: أنـزِلُوا هذا المسلِم، ولعَلّه مِن أصحابِ السّرائر عندَ الله تعالى، وأشارُوا لهُ بالنّـزول، فقالَ: لا أفعَلُ إلا إن أطلَقْتُم جميعَ مَن في السّفينةِ مِن الأسارَى، فعلِمُوا أنْ لا بُدّ لهم مِن ذلك، فأنزَلُوهُم كلّهم وسارَت السّفينةُ في الحال. اهـ
وهو مدفون في الجزائر ومقامه هناك معروف أمدنا الله بأمداده ونفعنا الله ببركاته