الحمدُ للهِ رب العالمين والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيب رب العالمين أما بعد؛
الذي يُكثِرُ ذِكْرَ الموتِ المالُ الذي بِيَدِهِ إنْ كانَ قَليلاً يجعَلُهُ كثيرًا وإنْ كانَ كثِيرًا يجعَلُه قَليلاً
قال المُحدّث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله:
الذي يُكثِرُ ذِكْرَ الموتِ المالُ الذي بِيَدِهِ إنْ كانَ قَليلاً يجعَلُهُ كثيرًا وإنْ كانَ كثِيرًا يجعَلُه قَليلاً، كَثرَةُ ذِكْرِ الموتِ يَبعَثُهُ على الزُّهدِ. اتّقُوا اللهَ فالدُّنيا لا تُغني مِنَ الآخِرة وقَد قالَ الرَّسولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: ((لا تَزولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن أَربَع: عن عُمُرِه فِيمَا أَفنَاهُ، وعَن جِسمِهِ فِيمَا أَبلاه، وعن مَالِهِ مِن أَينَ أَخَذَهُ وفيمَا أَنفَقَه، وعن عِلمِه مَاذا عَمِلَ بِه))[1] فمَهمَا جمَعَ الإنسانُ مِنَ المالِ الحرامِ وتَنعَّمَ بهِ فإنه زائِلٌ، فعَليكُم بتَقوى اللهِ وذِكْرِ الآخِرةِ وذِكرِ الموت، فمَهما جمَعَ الإنسانُ مِنَ المالِ وتَنعَّمَ بأنواعِ المَلَذَّاتِ والمُشتَهَياتِ لا بُدّ أن يُفَارقَ ذلكَ بالموتِ، اذكُرُوا ما جَرى لِمَن قَبلَكُم مِنَ الذينَ جمَعُوا الأموالَ كقَارونَ الذي خَسَفَ اللهُ بهِ وبِدَارِه الأرضَ والذّهَبَ الكَثيرَ الذي كانَ جمَعَهُ وكانَ قَدْرُ ذَهَبِه مَا لا يُوجَدُ اليومَ عندَ دَولةٍ منَ الدُّوَل، وكذَلكَ مَا جَرى لشَدّادِ بنِ عَادٍ الذي حَكَمَ الدُّنيا وكانَ تحتَ يَدِه مِائتَانِ وسِتّونَ مَلِكًا وكانَ على الكفرِ وأرادَ أنْ يَبني مَدينةً أوصَافُها كمَا سَمِعَهُ مِنْ أوصَافِ الجَنّةِ فجَمَع الذّهَب والجَواهِرَ مِنَ الدّنيا وبَنى في ثَلاثِمائةِ سنةٍ مَدينةً شبّهَها بالجنّةِ ثم دمّرَهُ اللهُ تَعالى وقَومَهُ قبلَ أن يَدخُلَها وكانَ عمُرُه تِسعَمائةِ سنة.
وعليكُم بتَقليلِ الكلامِ إلا مِنْ خَيرٍ، وعليكُم بتَقليلِ الرَّفاهِيَةِ وتَركِ الغضَبِ، وكَفِّ النّفْسِ عَنِ المعاصِي بتَركِ الهَوَى، وإخلاصِ النّيةِ في الأعمَالِ في الصّلاةِ والصّيامِ والزّكاةِ والحجّ والذِّكرِ في كُلِّ هذا.
تَركُ الغضَبِ أَمرٌ مُهِمّ، الغضَبُ يؤدِّي إلى المَهَالكِ.
علَيكُمْ بإعدادِ الزَّادِ للآخِرَةِ وذلكَ بالإكثَارِ مِنْ ذِكرِ اللهِ مِنْ تَهليلٍ أو تَسْبيحٍ أو تَحميدٍ أو تكبيرٍ، ففي الحديثِ أنَّ أعرابيًّا قالَ يا رسولَ الله إنَّ شرائِعَ الإسلامِ قد كَثُرَتْ عَليَّ فأخبِرني بأمرٍ أتَشبَّثُ به فقالَ له رسولُ الله: ((لا يزالُ لسانُك رَطبًا مِنْ ذِكرِ الله)).
وإنَّ مِمّا يحفَظُ الإنسانَ مِنْ كَثيرٍ مِنَ الكُفرِ والمعاصِي إطَالةَ الصّمتِ لأنّ أكثَرَ الكُفرِ وأكثرَ المعاصِي مِنَ اللّسانِ، فمَن أكثَرَ الكَلام[2] يقَعُ إمّا في الغَلطِ أو في الكُفرِ أو في المعاصِي، فعَلَيكُم بإطَالَةِ الصّمتِ. الرسولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام كانَ يُطِيلُ الصَّمتَ، وقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: ((مَنْ صَمَتَ نَجَا))، فتَواصَوا بإطالَةِ الصَّمتِ وانهَوا أنفُسَكُم عن كَثرَةِ الكَلام تَأسِّيًا برسولِ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام ، السَّلامةُ في إطَالَةِ الصَّمتِ والهلاكُ في تَركِهِ، فإن في إطالَةِ الصَّمتِ نَجَاةٌ مِنَ المَهالِكِ الدُّنيَوِيّةِ والأُخرَوِيّةِ، كثيرٌ مِنَ النّاسِ بكلامِهِ يَستَوجِبُ الخلُودَ في النّارِ أو دخُولَهَا إنْ لَم يَكُنْ كَلامُه كُفرًا.
طُولُ الصّمتِ يُعينُ على السّلامةِ مِنْ مَهالِكِ الدُّنيا ومَهالِكِ الآخِرةِ.
لا تصرِفُوا أوقَاتَكُمْ في اللَّهْوِ والباطِلِ، حَاسِبُوا أنفُسَكُم قبلَ أن تُحاسَبُوا، لِيُفَكّرَ كلُّ واحِدٍ مِنكُم إذا أمسَى ماذا عَمِلَ في نَهارِهِ هذا، عَمِلَ عمَلاً يُسخِطُ اللهَ أم عَمِلَ عَمِلاً يَرضَاهُ اللهُ فيَتدارَكُ نفسَهُ، ما أفسَدَهُ بالنَّهَارِ يتَدارَكُهُ باللَّيلِ هذا شأنُ مَنْ يُحِبُّ الآخِرةَ، فخالِفُوا أنفُسَكُم واقهَرُوها لِمَا ينْفَعُكُم في غَدِكُمْ أي لِمَا بعدَ مُفارقَةِ هذه الحيَاةِ الدُّنيا.
تَجنُّبُ معصيةٍ صغيرةٍ خيرٌ مِنْ ألفِ ركعةٍ مِنَ النوافل.
فتَعاوَنُوا على هذَا الأمرِ فِيمَا بَينَكُم وَفَّقَكُمُ الله وبَلّغَكُم إلَى الدَّرجَاتِ التي يَقصِدُهَا الفَائزُونَ وقَوَّى يَقينَكُم في الآخِرةِ التي هيَ دَارُ القَرارِ.
[1] – رواهُ الطبرانِيُّ والبيهقِيُّ وابنُ أبي شَيبة.
[2] – أي فيما لا خَيرَ فيه.