ليَحذَرِ العَاقِلُ مِن هؤلاءِ المتصَوِّفَةِ الذينَ لا يُراعُونَ الشّريعَةَ،
قال شيخنا رحمه الله رحمة واسعة
ليَحذَرِ العَاقِلُ مِن هؤلاءِ المتصَوِّفَةِ الذينَ لا يُراعُونَ الشّريعَةَ، ومِن عَادَتهِم أنهُم إذَا عَارضَهُم مُعارِضٌ فيمَا يُخالفُونَ فِيهِ الشّرعَ يقُولونُ أنتُم أهلُ الظّاهرِ ونحنُ أهلُ البَاطنِ لا نَتّفِقُ، يُقالُ لهؤلاءِ اللهُ تَعالى مَا جَعلَ شَريعَتينِ شَريعةً للمُتصَوِّفَةِ وشَرِيعةً للمُتمَسِّكينَ بشَرعِه، بلْ لا يَصِلُ مُتَصَوِّفٌ إلى الوِلايةِ إلا بِكمَالِ التّمسُّكِ بالشّريعةِ، ثم بعدَ الوِلايةِ يَزدَادُ تمسُّكًا بالشّريعةِ وعندئذٍ يَستَحِقُّ العِلمَ اللَّدُنيّ، أمّا مَن لم يتَمسّكْ بالشّريعةِ على التّمام فحَرامٌ علَيهِ العِلم اللّدُنيّ، فإنْ قالُوا أليسَ قالَ اللهُ{واتَّقُوا اللهَ ويُعَلِّمُكُمُ اللهُ}قيلَ لهم قولُهُ تَعالى “واتَّقُوا اللهَ” مَعناهُ أَدُّوا كُلَّ الفَرائضِ واجتَنِبُوا كلَّ المحرَّماتِ فهَذا الذي يُعلِّمُهُ اللهُ العِلمَ اللَّدُنيّ، أمّا بدونِ ذلكَ مُستَحِيلٌ شَرعًا أنْ يُعطِيَهُ اللهُ العِلمَ اللَّدُنيّ،وهؤلاء ابتعَدُوا عن نصُوصِ الشّريعةِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :كُلُّ عَملٍ لَيسَ عَليهِ أَمرُنَا فهوَ رَدٌّ“أي كُلُّ عمَلٍ لا يُوافِقُ شَريعتَنا فهوَ مَردُودٌ عندَ اللهِ.
ومَا أَبْعدَ هؤلاءِ مِن سِيرةِ سَيّدِ الطّائفَةِ الصُّوفِيةِ الجُنَيدِ بنِ محمّد البغداديّ رضيَ الله عنه فَقد قالَ رضيَ الله عنه:الطّرِيقُ إلى اللهِ مَسدُودَةٌ إلا على المقتَفِينَ ءاثَارَ رَسولِ الله”.
فمَا أشَدَّ تَلبِيسَ هؤلاء على النّاسِ ومَا أَكثرَ المسَلِّمينَ لهم،فلِذَلكَ قالَ الجنيدُ رضيَ الله عنهُ للحَلاجِ:لقَد فتَحْتَ في الإسلامِ ثُغْرَةً لا يَسُدُّها إلا رَأسُك”فتَحقَّقَت فِراسَةُ الجنيدِ فيهِ فإنّهُ قُتِلَ فخَفّتْ فِتْنتُهُ لأنّهُ كانَ لهُ طائفةً كانُوا يُسمَّونَ الحَلاجِيّة زَاغُوا عن الحقِّ وانحَرَفُوا.