خطبة الجمعة 27/8/2010
فضائل رمضان وبعض مستحبات الصيام
الحمدُ للهِ ثمَّ الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ وَسَلامٌ على عبادِهِ الذينَ اصْطَفَى الحمدُ للهِ الوَاحِدِ الأَحَدِ الفَرْدِ الصَّمَدِ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا تَنـَزَّهَ عنِ الشَّرِيكِ وَالزَّوجَةِ وَالوَلَدِ، تَنَـزَّهَ عنْ أَنْ يَحُلَّ فِي مَكانٍ أَوْ عَلَى مَكَانٍ، كَانَ قَبْلَ الزَّمانِ وَقَبْلَ المكانِ وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ.
والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا وحبيبِنا وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا أَحْمَدَ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالَمِين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا. جعلَهُ اللّهُ خاتمًا للنبيينَ والْمُرسَلينَ وهُو ءاخرُ مَنْ جَاءَ بِالإسلامِ وَهُوَ خَاتِمُ النَّبِيِّينَ فَلا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَبِوَفَاتِه عَلَيْهِ السَّلامُ انْقَطَعَ الوَحْيُ.
الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا سَيِّدِي يَا رَسولَ اللهِ، يَا سَيِّدَ الأَنبياءِ وَالمُرسَلِينَ، يا مَنْ أرْسَلَكَ اللهُ رحمَةً للعالَمِين. جِئْتَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَالهُدَى المُبِينِ، فَجَزَاكَ اللهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِه وَأَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأشهدُ أن سيدَنا مُحمدًا عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليهِ وعلَى كلِّ رسولٍ أَرْسَلَهُ. وَهُوَ القَائِلُ: أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريكَ لَه.
أمّا بعد عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ والثباتِ علَى عقيدةِ التوحيدِ فإنَّ اللهَ تبارك وتعالَى قالَ في كتابِه العَزِيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
عبادَ اللهِ اعلَمُوا أَنَّكُمْ مَيِّتُونَ وأَنَّكُم مُحاسَبُونَ علَى أَعمَالِكُمْ فَمَنْ عَمِلَ خَيْرًا فَخَيْرًا يَرَى، وَمَنْ عَمِلَ شَرًّا فَلْيَتُبْ إلَى اللهِ في دَارِ العَمَلِ قَبلَ أن يكونَ في دَارِ الحسَابِ، وقَدْ قَالَ الإمامُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ”ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا اليَوْمَ الْعَمَلُ وَلا حِسَابٌ وَغَدًا الْحِسَابُ وَلا عَمَلٌ“.
نحمَدُ اللهَ أَنَّنَا في رِحَابِ شَهْرٍ طَيِّبٍ مُبَارَكٍ يُعتِقُ اللهُ كُلَّ ليلةٍ فيهِ مِنَ النَّارِ مَنْ شَاءَ مِنْ عبادِهِ المسلمينَ العُصَاةِ، فَجدُّوا في الطاعَاتِ عَلَّكُمْ تَكونُوا مِنْ عُتَقَاءِ هَذَا الشهرِ المبارَكِ، واعلَمُوا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ في الصيامِ أَشياءُ مِنْهَا:
تَعْجِيلُ الفِطْرِ إذَا تَحَقَّقَ مِنْ غُروبِ الشمسِ لِقَوْلِهِ صلَّى الله عليه وسلّم: ”لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ“ رواه مسلم.
ويُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعلَى مَاءٍ وذلكَ قبلَ أَنْ يُصَلِّيَ المغرِبَ لقولِهِ صلَّى الله عليه وسلّم: ”إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ فَإنَّهُ طَهُورٌ“ رواهُ أبو دَاوُد.
ويقولُ عندَ فِطْرِهِ اللّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ.
كمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السّحورِ إلَى ءاخِرِ الليلِ وقبلَ الفَجْرِ ولَوْ بِجُرعةِ مَاءٍ فَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلّم: ”تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةٌ“.
وكذلك يُتَأكّدُ في حقِّ الصائم صونُ لسانِهِ عَنِ الكَذِبِ والغِيبَةِ والكلامِ البَذِيءِ وغيرِ ذلكَ مِنَ الأُمورِ المحرَّمَةِ.
فاعلم أخِي المسلِم أَنَّ الصبرَ علَى طَاعَةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى أَهْوَنُ مِنَ الصبرِ عَلَى عَذَابِهِ، فكُفَّ بَطْنَكَ عَنِ المحرَّمَاتِ وَقْتَ الإِفْطَارِ وغيرِهِ فمَا نَبَتَ جَسَدٌ مِنْ سُحْتٍ إِلا وَالنَّارُ أَوْلَى بهِ، وَقَدْ روَى البُخَارِيُّ أنّهُ كانَ لأبِي بَكْرٍ غُلامٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَراجَ وكانَ أبو بكرٍ يأكُلُ من خَراجِهِ فجاءَهُ يومًا بشَىْءٍ فأكَلَ مِنْهُ أبو بكرٍ فقالَ لهُ الغلامُ: أَتَدْرِي مَا هذَا؟ فقالَ أَبُو بَكْرٍ رضي اللهُ عنه: وما هُوَ؟ قالَ: تَكَهَّنْتُ لإِنْسانٍ في الجاهليةِ وما أُحْسِنُ الكَهانَةَ إِلا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فأعطانِي بذلكَ فَهَذَا الذِي أكَلْتَ مِنْهُ، فأَدْخَلَ أبو بَكرٍ يدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَىءٍ في بَطْنِهِ.
وكذلكَ كُفَّ بصرَكَ عنِ النّظرِ المحرَّمِ فَإِنَّ زِنَا العَيْنَيْنِ النظرُ إلى مَا حرَّمَ اللهُ.
وكُفَّ لسانَكَ عَنِ الكلامِ الْمَنْهِيِّ عنهُ كالغيبةِ وهِيَ ذِكْرُكَ أخاكَ المسلمَ بِمَا يَكْرَهُ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍ وذلكَ في خَلْفِهِ كأَنْ يقولَ عنهُ فلانٌ ثيابُهُ وَسِخَةٌ أَو فُلانٌ تحكمُهُ زوجتُهُ وغيرَ ذلكَ مِمَّا يَكْرَهُ.
كذلك ينبغِي الكفُّ عنِ المِراءِ وَهُوَ الجِدَالُ الذِي لَيْسَ فِيهِ إِحقاقُ حَقٍّ أو إِبْطَالُ بَاطِل، وكذلكَ الكَفُّ عنِ الخصومَةِ والجَفَاءِ فقد رُوِيَ عَنْ رَسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إِنَّمَا الصَّوْمُ جُنَّةٌ (أَيْ وِقَايَةٌ) فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ“.
وَاعْلَمُوا عِبادَ اللهِ أَنَّ هذَا القلبَ يَكونُ كالصحيفَةِ البيضاءِ فَإِذَا عَصَى الإِنسانُ رَبَّهُ نُقِطَ لَهُ في قلبِهِ نُقْطَةٌ سودَاءُ فَإِذَا كَثُرَتِ الْمَعَاصِي اسْوَدَّ القَلْبُ، فَسَارِعُوا بِالتَّوبَةِ في كُلِّ مَرَّةٍ قَبْلَ أَنْ تَتَراكَمَ الذُّنُوبُ فَيَقْسُوَ هذَا القَلبُ ويكونَ صاحِبُه من أهلِ الغَفْلةِ، وإنَّ أبعدَ قُلوبِ النَّاسِ مِنْ رَبِّنا الرَّحيمِ قَلْبٌ قَاسٍ. وقد قالَ الشيخُ السيدُ أحمدُ الرفاعيُّ رضي الله عنه: “الغفلةُ هِيَ سَوَادُ القَلْبِ”. أَهْلُ الغَفْلَةِ أعمارُهُمْ عليهِمْ حُجَّةٌ وأعمالُهم تقودُهُمْ إِلَى مَا لا تُحْمَدُ عُقْبَاه، يقولُ اللهُ تعالَى: {واقتَربَ الوَعْدُ الحقُّ فإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا في غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِين} سورة الأنبياء/97.
اللهمَّ تُبْ عَلَيْنَا وَاجْعَلْنَا مِنْ عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهْرِ يا رَبَّ العَالَمين.
هذا وأستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.
الخُطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ . عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: }إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا| اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: }يا أيهَا الناسُ اتقُوا ربكُم إنَّ زلزلةَ الساعَة شَىء عظِيم يومَ تروْنها تذهلُ كُل مرضعةٍ عمَّا أرضعَت وتضعُ كُل ذَات حملٍ حملَها وترَى الناسَ سكارَى وما هم بسكارَى ولكنّ عذابَ الله شدِيد|، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.