وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ
الموت والحياة وأرذل العمر
والأرزاق والأزواج والأحفاد
الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميع إخوانه
من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين
وسلامُ الله عليهم أجمعين
يقولُ الله تبارك وتعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {70} وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ {71} وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ {72}﴾[1].
أخبرَ الله سبحانهُ بأنه هو الذي خَلَقَ العِبادَ فهو سبحانَهُ الخالِقُ لكلِّ شىء ولا خالِقَ سواه، هو خالِقُ الأجسَامِ اللَّطيفَةِ والكَثيفةِ وصِفَاتِ الأجسَامِ التِي منها التغيُّرُ مِنْ حالٍ إلَى حال والحركةُ والسُّكونُ والألوانُ والرّوائح، سبحانَه ربّي لا يُشبِهُ شيئًا ولا يُشبِهُهُ شىء، سبحانَ الذي يُغيرُ ولا يتغيّر، ولا تُدرِكُهُ تصوّراتُ العباد، ليسَ شيئًا يُتخيّلُ في الأذهان لأنه ليس جسمًا ولا يُشبِهُ الأجسَام وصِفَاتِ الأجسام.
وأخبرَنا سبحانهُ بأنهُ هو الذي يتوفّى العِبادَ بقَبضِ أرواحِهِم مِنْ أبدانِهِم أي أنه يأمُرُ عَزرائيلَ الموكَّلَ بقبضِ الأرواحِ بذلك حتّى البهائمُ والحشراتُ والطّيورُ والجِنُّ كلٌّ عَزرائيلُ هو الذي يَقْبِضُ أرواحَهُم، عَزرائيلُ عليه السَّلام الدّنيا بالنّسبةِ إليه كالكَفِّ، الله خلَقَ له نظرًا قويًّا ورؤيةً قويّةً وأيدي كثيرة يَقبِضُ بها الأرواحَ الكثيرةَ في اللَّحظَةِ الواحِدة، وإما أنْ يكونَ له أشباح، عَزرائيلُ خِلقَتُهُ عظيمةٌ لكنهُ يأتِي الأتقياءَ بصورةٍ جميلة ويأتِي الكفّارَ بصورةٍ مُخوّفة، يُبشّرُ المؤمنَ التقيَّ برحمَةِ اللهِ ورضوانِهِ ويبشّرُ الكافِرَ بسَخَطِ الله وعذابِهِ.
﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ أي إلى أخَسّهِ وأحقَرِهِ وهو خمسٌ وسبعونَ سنة أو ثَمانونَ أو تِسعون، ﴿لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ أي لينسَى ما يعلَم، أو لئلا يعلمَ زِيادَةَ علمٍ على عِلمِهِ، ﴿إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ﴾ بحُكمِ التحويلِ إلى الأرذَلِ مِنَ الأكمَل، أو إلى الإفنَاءِ مِنَ الإحياء، ﴿قَدِيرٌ﴾ على تبديلِ ما يشَاءُ كما يشاءُ مِنَ الأشياء.
﴿وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ﴾ أي جعلَكُم مُتفَاوِتينَ في الرّزقِ فرزَقَكُم أفضَلَ مِمَّا رَزَقَ مَماليكَكُم وهم بشرٌ مِثلُكم، ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ﴾ أي في الرّزقِ يعنِي الْمُلاّك ﴿بِرَآدِّي﴾ أي بمعطِي ﴿ رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ فكان ينبغي أن تَرُدّوا فضلَ ما رُزِقتُمُوهُ عليهم حتى تتَساوَوا في الْمَلبَسِ والْمَطعَم ﴿فَهُمْ فِيهِ سَوَاء﴾ أي فَيسْتووا معَ عبيدِهم في الرّزقِ، وهو مَثَلٌ ضَربَهُ الله للذينَ جَعلوا له شُركاء فقال لَهم أنتُم لا تُسوّونَ بينَكم وبينَ عبيدِكم فيما أنعمتُ به عليكُم ولا تَجعلونَهم فيهِ شركاءَ ولا ترضونَ ذلك لأنفُسِكُم فكيفَ رضِيتُم أن تَجعلوا عبيدي لي شركاء ﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾.
﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ أي مِنْ جِنسِكُم ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ جَمعُ حافِد وهو الذي يَحفِدُ أي يُسرِعُ في الطّاعَةِ والخِدمَة، ومنه قولُ القانت: ((وإليكَ نسعَى ونَحفِد))، واختُلِفُ فيه فقيلَ همُ الأختانُ على البنَات وقيلَ أولادُ الأولاد والمعنى: وجعلَ لكم حَفدَةً أي خدَمًا يَحفِدونَ في مصالِحِكم ويُعينونَكُم، ﴿وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ أي بعضَها لأنَّ كلَّ الطيّباتِ في الجنَّة وطيّباتُ الدّنيا أُنموذَجٌ مِنها.
﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ﴾ وهو ما يعتقدونَه مِنْ منفَعَةِ الأصنَامِ وشفاعَتِها، ﴿وَبِنِعْمَتِ اللهِ﴾ أي الإسلام ﴿هُمْ يَكْفُرُونَ﴾.
ربنا ءاتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرةِ حسنة وقنا عذاب النار
اللهم لا تجعل الدّنيا أكبر هَمنا ولا مبلغَ علمِنا ولا تُسلّط علينا مَنْ لا يَرحَمُنا
ونقنا من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثوبُ الأبيضُ من الدّنس
اللهم فرّج كُرُباتِنا واقضِ لنا حوائجَنا وعافنا يا كريم
وءاتِ كُلاُّ منا من الخير سؤلَهُ
يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين
[1] – سورة النحل.