وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا
النحلُ والعسَل
الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميع إخوانه
من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين
وسلامُ الله عليهم أجمعين
يقولُ الله تبارَكَ وتعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {69}﴾[1].
إنَّ اللهَ تبارَكَ وتعالى يُخبِرُنا بأنهُ أوحَى إلى النَّحلِ وحيَ إلهامٍ أي ألهَمَها أنْ تتّخِذَ ﴿مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ أي يرفعونَ مِنْ سقوفِ البيتِ أو ما يَبنِيهِ الناسُ للنَّحلِ في الجِبالِ والشَّجَرِ والبيوت مِنَ الأماكنِ التي تَعسِلُ فيها. ﴿ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ أي ابنِي البيوتَ ثُمَّ كُلي كُلَّ ثَمَرةٍ تشتَهينَها فإذا أكلتِها ﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ﴾ أي فادخُلي الطُّرُقَ التي ألهَمَكِ وأفهَمَكِ في عَمَلِ العسَل، أو إذا أكلتِ الثّمَارَ في المواضعِ البعيدةِ مِن بيوتِكِ فاسلُكي إلَى بيوتِكِ راجِعَةً سبُلَ ربِّكِ لا تَضِلّينَ فيها، ﴿ذُلُلاً﴾ لأنَّ الله تعالى ذلَّلها وسهَّلَها، أو وأنتِ ذُلَلٌ مُنقادَةٌ لِما أُمِرْتِ بهِ غيرَ مُمتَنِعةٍ.
﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ﴾ وهو العسَلُ لأنه مِمَّا يُشرَب، تُلقيهِ مِنْ فِيها أي مِنْ فَمِهَا لا مِنْ دُبُرِها إذِ الموضِعُ الذي تَحفَظُ فيه العسَلَ في بَطنِها غيرُ الموضِعِ الذي تُخْرِجُ منهُ قذَرَها، كما أنه مِنْ شأنِها أنها لا تتبَرَّزُ في بيتِها أي لا تُخرِجُ قذرَهَا في بيتِها، فتبارَكَ اللهُ أحسَنُ الخالِقين[2]. يقولُ الله تعالى: ﴿مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ منهُ أبيضُ وأصفَرُ وأحمرُ على ألوانِ أغذيتِها، ﴿ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ﴾ لأنه مِنْ جُملَةِ الأدويةِ النافِعَةِ، وقَلَّ معجونٌ مِنَ المعاجين لَم يذكُرِ الأطباءُ فيه العسَل، وليسَ الغَرضُ أنه شِفاءٌ لكلِّ مريض، وتنكيرُهُ أي الشَّراب لعظيمِ الشّفاءِ الذي فيه.
وشكا رجلٌ استطلاقَ بطنِ أخيهِ[3] فقال عليه الصّلاةُ والسَّـلام: ((اسقِهِ عسَلاً)) فجاءَهُ وقال: زادَهُ شرًّا، فقالَّ عليهِ الصّلاة والسَّـلام: ((صَدَقَ الله وكَذَبَ بطنُ أخِيك، اسقِهِ عسَلاً)) فسَقَاهُ فصَحَّ[4]، ويقولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: ((عليكُم بالشفاءين القرءانِ والعسَل))[5] وعن ابنِ مَسعودٍ رضي الله عنه: ((العسَلُ شفاءٌ مِنْ كلِّ داء والقرءانُ شفاءٌ لِمَا في الصُّدور، فعلَيكم بالشّفاءين القرءانِ والعسَل)).
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في عَجِيبِ أمرِها فيعلَمونَ أنَّ اللهَ أودعَها عِلمًا بذلك وفطَّنَها كما أعطى أولِي العقولِ عقولَهُم.
اللهم ارحمنا وسدّدنا واغفر لنا يا أرحمَ الراحمين،
واجعلنا من عبادِكَ الشكورين يا أكرمَ الأكرمين
[1] – سورة النحل من ءاية ٦٨ إلى ٦٩.
[2] – معناه أحسن الْمُقدرين.
[3] – أي الإسهال.
[4] – رواه البخاريُّ ومسلم.
[5] – رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي والحاكم.