أراد الله تبارك وتعالى أن يكونَ محمدصَفوةَ خَلقِه
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلواتُ اللهِ البَرِّ الرحيم والملائكةِ المقرّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءالِه الطّيبين الطاهرين وصلّ اللهمّ وسلِّم على سائر إخوانه من النّبيين ءادمَ ونوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ومَن بينهم منَ النّبيين وعلى ءاله الطاهرين
أما بعد فإن الله تبارك وتعالى أرسل نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ءاخرَ الأنبياء ،وقد أراد الله تبارك وتعالى أن يكونَ هوَ صَفوةَ خَلقِه لأنّ مَن قَبلَه منَ الأنبياء مُقدّمَةٌ لإظهارِ صَفوتهِم والدليلُ على ذلك أنّ الله تبارك وتعالى أخَذ العَهدَ والميثاقَ على ءادمَ ومَن بَعدَه مِنَ النّبيينَ أنّه إنْ ظهَر محمّدٌ وهُم أحياء لَيُؤمنُنَّ به ولَيَنصُرُنَّه ،قال الله تعالى:”وإذْ أخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ لَمَا ءاتَيتُكم مِن كتَابٍ وحِكمةٍ ثم جاءَكُم رسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا مَعكُم لَتُؤمِنُنَّ بهِ ولَتَنصُرُنَّهُ قال أَأَقرَرتُم وأخَذتُم على ذلك إِصْري قالوا أَقرَرنا قال فاشْهَدُوا وأنَا مَعكُم مِنَ الشّاهِديِن”سورة ءال عمران 81_.(الميثاقُ العَهدُ)(مُصَدِّقٌ لما مَعكم أي للكتابِ الذي معَكُم)قوله تعالى(وأخَذتُم على ذلكَ إصِْري أي قبلتم عهدي)(قال فاشهَدوا أي فلْيشهد بعضُكم على بعضٍ بالإقرار)
وجَعلَ شَريعَته صلى الله عليه وسلم أيسرَ الشّرائع،وذلكَ لأنّ مَن قَبلَهُ مِنَ الأنبياءِ لا تصِحُّ صَلاتُهم إلا في مَوضِعٍ مُعَيّنٍ مخصُوصٍ للصّلاةِ إن بَعُدَ المكانُ أو قَرُبَ مِن مَنازِلهم،وفي ذلكَ مَشقّةٌ كبِيرةٌ،وأمّا لسيدنا محمد فقَد جعَل لهُ ولأمّتِه المكانَ الذي أدرَكتهُم فيهِ الصّلاةُ أي وقتُها مَسجِدًا لهم وفي ذلكَ يُسْرٌ كبِيرٌ.
ثم إنّ مَن قبلَنا مِن الأنبياءِ كانت مِقدَارُ الزّكاة ربع أَموالهِم وأمّا في هذِه الشّريعة فقد جَعل اللهُ زكاةَ أموالهم في النقُود في الأثمانِ ربعَ العُشر أي مِن مائتي دِرهم خمسة دَراهم.
وجَعل صيامَهم أي صيامَ هذه الأمة لِمَا بَينَ الفَجر وغُروبِ الشمس،أمّا بعضُ الأمم الذينَ قَبلَ هذِه الأمّةِ كانُوا يُواصِلُون اللّيلَ والنّهار بلا أكلٍ ولا شُرب.
وأحَلّ لهم الغنائمَ ولم يُحِلّ اللهُ الغنَائمَ لنَبيّ منَ الأنبياء،كانُوا إذا قاتَلُوا الكفّارَ فغَلبُوهم فما كانَ مِن أموالِ الكفار النّقدِ وغيرِه إلا ذَوي الأرواح أي البهائم يُجمع في مكانٍ فيَنزل نارٌ من السّماء فتأكلها،أمّا في هذِه الأمة الله تعالى علِمَ ضَعفَها فأحَلّ لهم أن يأكلُوها وحرَّم عليهم أن يُحرقُوها بالنار،وقد كان في بعضِ مَن مَضى منَ الأمم أي أمم الأنبياء مَن فُرِضَ عليهم خمسونَ صلاةً،وأمّا بنو إسرائيلَ فُرض علَيهم صلاتان لكن هاتانِ الصّلاتان لا بُدّ أن يؤدُّوهما بالوضوء،وأمّا هذه الأمة فقد أحَلّ لهم التّيمم لمن فقَد الماء،والمريض الذي يضُرُّه الماء يتيمّم فيُصلّي.
هذا بعضُ ما فضّلهم اللهُ به في الدنيا أما في الآخرةِ فإنهم يكونون يومَ القيامة غُرّا مُحَجَّلِين أي تكونُ وجُوهُهم وأيديهِم وأرجُلُهم مُنوّرة قبلَ دخول الجنّة،يميَّزُون بها عن سائِر الأمم وذلكَ مِن أثَرِ الوضُوء،الذي صلاتُه صحيحة بتَمام شُروطها من الطهارة وغيرِ ذلك،هذه علامةُ المسلمين مِن أُمّةِ محمّد.