كُنَّا نَعُدُّ الاجتِمَاعَ إلى أهلِ الميِّتِ وصَنِيعَةَ الطّعَامِ بَعدَ دَفنِه مِنَ النِّياحَةِ”رواه أحمدُ
سئل شيخنا رحمه الله عن قولِ بعضِهم في حديثِ جَريرِ بنِ عبدِ الله البَجَليّ رضي الله عنه أنّه قال :كُنَّا نَعُدُّ الاجتِمَاعَ إلى أهلِ الميِّتِ وصَنِيعَةَ الطّعَامِ بَعدَ دَفنِه مِنَ النِّياحَةِ“رواه أحمدُ بسَندٍ صَحِيح.والنِّياحَةُ مِن أَعمالِ الجَاهِليّةِ التي نهَى النّبيُّ صلى الله عليه وسلم عنها فبِنَاءً على هذا الحديثِ نَعتَذِرُ عن الاجتِمَاعِ للتّعزيةِ.
فقال الشيخ:هذا الحديثُ لا تعَلُّقَ لهُ بالتّعزيةِ،هذا فيه النّهيُ عن صُنعِ الطّعامِ مِن أهلِ الميّتِ لإطعامِ الزّائرينَ،أمّا أصلُ التّعزيةِ ليسَ مَورِدَ الحديثِ،ثمّ إنّ هَذا محمُولٌ عمّا إذا هَيّأوهُ للنّائحَاتِ والنّادِباتِ،أو للفَخرِ كعَادةِ الجَاهِليةِ الذينَ لا يؤمنونَ بالآخِرةِ إنما مُرادُهم الفَخرُ.
أمَّا أهلُ الميِّتِ إنْ قَدّمُوا للزّائرِ شَيئًا فلا يتَناوَلُه الحديثُ،لأنّ إكرامَ الضّيفِ مَطلُوبٌ شَرعًا،فمَثَلُكُم في هذا الحُكمِ الذي ابتَدَعتُمُوه كَمَثَلِ إنسانٍ يقولُ لا يجوزُ دُخولُ السُّوقِ لأنّ فيها مَن يتعَامَلُ بالغَشِّ والخِيانةِ والرّبا،فكيفَ يُحرَّم على مَن يَقصِدُ السُّوقَ لبَيعٍ حَلالٍ وشِراءٍ حَلالٍ أو ليَنظُر ما في السُّوقِ مِن غَيرِ بَيعٍ وشِراءٍ دخُولُ السُّوقِ،فأَنتُم كمَن حَرّم كُلَّ هَذا فقَد نادَيتُم على أَنفُسِكُم بالجَهلِ وبتَحرِيم ما أحَلّ اللهُ،فما ذَنبُ هذا الزّائرِ الذي قَصْدُه أنْ يُعزّيَ وليسَ قَصدُه أن يأكلَ،فالسُّوقُ معَ ما فيها مِن أنواعِ المعامَلاتِ المحرّمَةِ والكذبِ والخيانةِ ما حَرَّمَ الشّرعُ دخُولهَا،قالَ اللهُ تعالى:ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”،فإنْ كانَ في البَيتِ أُناسٌ يَعمَلُونَ الطّعامَ للفَخرِ حتى يُقالَ عنهُم إنهم عمِلُوا طعَامًا وأَطعَمُوا النّاسَ فَهُم كُرماءُ وأَهلُ مُرُوّة،يُريدُونَ أن يُبرِزوا أنفُسَهم حتى يُوصَفُوا بالفَهمِ والمعرفةِ فالذّنبُ على هؤلاء.
ثم إنّ الوهّابيةَ ليس فِيهِم فَقِيهٌ ولا محدِّثٌ ولا مفسّرٌ ولا لُغَويّ،زعيمُهم محمدُ بنُ عبد الوهّاب ورؤوسُهُم الذين جَاءوا بَعدَه بهذه الصّفَةِ،لذلكَ ما ترجمَه مَن ألّفَ في طبقَاتِ الحنَابلةِ،وتُرجِم أبُوه.لو كان فقيهًا حنبَليًّا لَذَكَروه،وقد ذكَروا نِساءً فقيهَاتٍ حنبليّاتٍ،وأمّا إن افتخَرُوا بالألبانيّ ناصرِ الدّين فهيهَاتَ هَيهَاتَ أن يكون محدِّثًا مَن لا يَحفَظُ عَشَرةَ أحاديثَ بأسانيدِها،كيفَ يُعتبَرُ محدّثا وهوَ قالَ أنا محدِّثُ كتابٍ لستُ محدّثَ حِفظٍ،والمعتَبَرُ عندَ أهلِ الحديثِ هوَ محدّثُ الحِفظِ،لا يُسمَّى من يَشتَغِلُ بمطالَعةِ كُتبِ الحديثِ كبارِها وصغارِها بلا حِفظٍ محدّثا باصْطِلاحِ أهلِ الحديث.ومَن سِواه مِنكُم فهو أقصَرُ منه،فإذا هذا الرأسُ فيكُم فمَاذا تكونُ الأذنابُ،وهل ترَكَ لكُم ابنُ عبدِ الوهّاب إلا هَذا التّأليفَ الذي سمّاه الأصولَ الثلاثةَ وشَيئًا مما كتَب،لا يُعتبَر كِتابا فِقهيّا ولا كِتابا حَدِيثيّا ولا كتابا نَحْوِيّا،ماذا ترَك لهم هذا الجاهِلُ بهذا الكِتاب الأصولُ الثلاثة،الذي لا يتَجاوزُ حَجمُه عَشَرةَ أوراقٍ منَ القِطَعِ الصِّغار،الذي هوَ نحوُ عشَرةِ أوراقٍ منَ القِطعِ الصّغارِ،حَجمُه كحَجْم الآجُرُّومِية.