الدُّنيا ليسَت دارَ الجزاء إنما هيَ دارُ المرور
الحمد لله ربِ العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أما بعدُ فإنّ الدُّنيا لو كانت هيَ دارَ جزاءٍ ما أُصِيبَ نَبيٌّ مِنَ الأنبياءِ بمرَضٍ ولا فَقْر،البلاءُ على الأنبياءِ في الدُّنيا أكثرُ مِنْ غَيرِهم،فلو كانتِ الدُّنيا دارَ جزَاءٍ لهم كانُوا يَعيشُونَ أحسَنَ عِيشةٍ في الرّفاهِية والرّاحةِ،اللهُ تعالى أحبُّ الخلقِ إليه يُنزّلُ عليهِمُ المصائِبَ والبَلايا لأنّ الدُّنيا ليسَت دارَ الجزاء إنما هيَ دارُ المرور،بعضُ الجُهّالِ يظُنُّونَ أنَّ الكُفّارَ في رخَاءٍ وقُوّةٍ وأنّ الذي يلجَأ إليهم يُسكِنونَه ويُعطُونَه المالَ فيظُنّ أنهم على خَير،لا يَدري أنّ كلَّ نِعمَةٍ تكونُ وبالا علَيهم في الآخرة،الكافرُ يُسأَلُ في الآخِرة عن صِحّتِه وعن الماءِ البارِد،يقالُ لهُ ألم أُصِحَّ جِسمَكَ وأُروِك منَ الماءِ البَارد،فكيفَ هذه النِّعَم التي فاضَت علَيهِم كالسّيلِ.أما المسلمونَ الدُّنيا بالنّسبةِ لهم كالسِّجن،مهما كانَ المسلمُ في الدُّنيا غنِيّا بالنّسبةِ لما بعدَ الموتِ كأنّه كانَ في سِجن ثم انطَلقَ مِنه،وكأنّه كان في مجَاعةٍ وجَدبٍ ثم انطلَقَ إلى الرّخاء والبَسْط،ثم الأنبياءُ لا يَتنعمُون،عيسى عليه السلام ما بنى بَيتًا،لو كان بَنى بيتًا كانت النّصارى عبَدُوا هذا البيتَ،ثم أكلُه من بقُولِ الأرضِ شِبهِ الخُبّيزةِ والهِندَباء،ولِباسُه شَعَر الغَنم،ليسَ الصُّوف الذي دخَلتهُ الصِّناعةُ فصَار لَيِّنًا،والرسولُ عليه الصلاةُ والسلام كانَ يمضِي علَيه الشّهرُ والشّهران ولا يُوقَد في بَيتِه نارٌ للطّبخ،كان يأكلُ التّمرَ والماءَ،وأمّا زَوجاتُه كان يُعطِيهِنّ النّفقةَ فكُنَّ يُنفِقنهَا ويأكُلنَ مِثلَه التّمرَ والماءَ إيثارًا للآخِرة،وكانَ بعضُ النّاسِ أحيانًا يُهدِي النبيَّ الحليبَ وغيرَه،وكانَ نبيُّ الله سليمانَ عليه السلام يَذبح كلَّ يومٍ للنّاس مائَة ألفِ شاةٍ وثلاثينَ ألفَ بقرةٍ،أما لنَفسِه كانَ يَأكُل خُبزَ الشّعير معَ اللّبن الحامِض،كان يُطعِم أحيانًا مائةَ ألفِ نفسٍ وأحيانًا سِتّينَ ألفَ نفس.وأَكثرَ الزّواجَ لأنه كان يُحبّ الجهادَ،مرّةً دارَ على مائةِ امرأةٍ في ليلةٍ واحدةٍ لكن ما وَلَدْنَ لهُ إلا واحدةً ولَدَت نِصفَ إنسانٍ،قالَ لأَطُوفَنّ الليلةَ على مائةِ امرأةٍ تلِدُ كلُّ واحِدةٍ منهُنَّ بفَارِسٍ يُجاهِدُ في سبيلِ الله،فقالَ لهُ صَاحِبُهُ قل إن شاءَ اللهُ فلم يقُل،اللهُ ما شاءَ لهُ أن يقولَ.
لهذَا الغَرضِ طافَ على مائةِ امرأةٍ ليسَ لإشباعِ شهوةِ النّفسِ،وكانَ يُطعِمُ أهلَه القمحَ الخَشِنَ حتى يُعوّدَهم الزهدَ،أما الناسُ الآخَرونَ كانَ يُطعِمُهُم الخبزَ المعمُولَ منْ لُبّ القَمحِ الصَّافي.
وسيدُنا محمدٌ عدَّد الزّواجَ حتى تَنتشرَ أحكامُ شَريعَتِه في النساءِ لأنّ تَعلُّمَ النّساءِ منَ النّساءِ أسهَلُ،ولِحِكَمٍ أُخرَى،وكانَ كُلّمَا كانَ دَورُ عائشةَ وهي ليلةٌ مِن تِسعٍ يترُكُها ويذهَبُ إلى الجبّانةِ يَستغفِرُ لأهلِ البَقيع،وكانت عائشةُ شابّةً جميلةً،لمّا ماتَ الرسولُ كانَ عمرُها ثمانيةَ عَشَر سنةً.