المسَافةَ لا تجوزُ على اللهِ. قال الرسولُ:لا تُفضّلوني على يُونُسَ بنِ مَتّى
الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا محمد
قال شيخنا رحمه الله:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:مَن قالَ أنَا خَيرٌ مِن يُونُسَ بنِ مَتّى فقَد كَذَبَ”رواه البخاري ومسلم والترمذي.
مَعنى هذا الحديثِ أنّه لا يجوزُ تَفضِيلُ نَبيّ علَى نبي بلا دليلٍ.يُونُسُ عَليه السّلامُ هو الذي ابتَلعَهُ الحوتُ في البَحرِ فمَكثَ في بطنِه ما شاءَ اللهُ(قيلَ ثلاثة أيام) وحفظَه اللهُ تعالى مِن أن يَهلِك، ثمّ أخرَجَه الحوتُ مِن جَوفِه فعَاشَ بعدَ ذلكَ زَمانًا.ابتَلعَه الحوتُ عُقوبةً لهُ على شىءٍ فَعلَه مِن دُونِ إذنٍ سَماويّ وهوَ أنّه غضِبَ على قومِه فتَركَهُم.
معنى الحديثِ أنّ يونسَ عليه السلامُ الذي حصَلَ لهُ هذهِ العقوبة في الدّنيا لا يجوزُ أن يقولَ الواحدُ عنه إنّ فُلانًا منَ الأنبياءِ أفضَل منه لأنّ ذلكَ قَد يؤدّي إلى تَنقِيصِ بعضٍ منهُم لأنّ الأنبياء كلَّهم كاملُونَ ما فيهم نبيٌّ ناقِص .
ومنَ الدليل على أن الأنبياءَ بعضُهم أفضل مِن بَعضٍ قولُه تعالى:تِلكُمُ الرّسُلُ فضَّلنَا بَعضَهُم على بعضٍ مِنهُم مَن كَلّمَ اللهُ ورفَعَ بَعضَهُم درجَات”
وقال أبو هريرة رضي الله عنه:خِيارُ الأنبياءِ خمسةٌ محمدٌ وإبراهيمُ وموسَى وعيسَى ونُوحٌ وخِيارُهم محمدٌ“رواه الحاكم في المستدرك.فيُعلَم مِن هذا أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم أرادَ بحديثهِ المذكورِ تَركَ تَعيِينِ اسمِ يُونُسَ بنِ مَتّى في التّفضِيلِ أي في كونِه أفضَل منه،وإلا فالرسولُ لا يَنهانَا عن اعتقادِ أنّه خَيرٌ مِن يُونُسَ بنِ مَتّى ولكنَّه نهى عن التّسميةِ بالتّعيِين .
وقد استَنبطَ بعضُ العُلماءِ مِن هذا الحديثِ أنّ اللهَ مُنزّهٌ عن المكانِ لذلكَ قال الرسولُ:لا تُفضّلوني على يُونُسَ بنِ مَتّى“أي حيثُ إنّه كانَ في قَعر البَحر والرسولُ عُرِجَ بهِ إلى السّمواتِ السّبع وإلى ما فَوقَ ذلكَ فهوَ أي الرسولُ لم يكُن أقربَ إلى اللهِ تَعالى قُربًا مَسَافيّا مِن يُونُسَ بنِ متَّى لأنَّ المسَافةَ لا تجوزُ على اللهِ.
بعضُ الفقهاءِ مِن أهلِ السّنةِ استَنبطَ مِن هذا الحديثِ هذا المعنى،أي لا تجعَلُوني أقربَ إلى اللهِ مِن يونُسَ بنِ مَتّى حيثُ إنّه كانَ في قاموسِ البَحرِ وأنا وصَلتُ إلى مُستَوًى فَوقَ السّمواتِ السّبع فلَم أكُن أقربَ إلى اللهِ تعالى بوُصُولي إلى ذلكَ المُستَوى مِن يُونُس مِن حَيثُ المسَافةُ،كِلانا على نِسبةٍ واحِدةٍ بالنّسبةِ إلى ذاتِ الله،فهوَ تباركَ وتعالى منزّهٌ عن القُربِ المسَافي .