وقَضَى رَبُّكَ أَن لا تَعبُدُوا إلا إيّاهُ وبالوالِدَينِ إحسَانًا
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله
قال الله تعالى:وقَضَى رَبُّكَ أَن لا تَعبُدُوا إلا إيّاهُ وبالوالِدَينِ إحسَانًا إمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لهُمَا أُفٍّ ولا تَنهَرْهُمَا وقُلْ لهُمَا قَولا كَريمًا واخفِضْ لهُمَا جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرّحمةِ وقُل ربِّ ارحَمهُمَا كمَا رَبّيَاني صَغِيرًا”سورة الإسراء\23\24.
وقَضَى رَبُّكَ، أي أَمَرَ رَبُّكَ. أَن لا تَعبُدُوا إلا إيّاهُ،أي أنْ لا تَعبُدُوا غيرَه، فمَن عَبَدَ غَيرَ اللهِ فَقد أَشرَكَ،فمَن عَبدَ جِسمًا تخَيّلَه فقَد أَشرَكَ لأنّ اللهَ مَوجُودٌ لا يُشبِهُ الموجُوداتِ،ليسَ جِسمًا لطِيفًا كالهواءِ والرّوحِ والنّور وليسَ جِسمًا كَثيفًا كالإنسانِ والشّجَر والحجَر والسّماء،لا يَمَسُّ ولا يُمسُّ ولا تُدرِكُه تَصوُّراتُ العِبادِ كمَا قال الإمام أحمدُ بنُ حَنبل:مَهمَا تصَوّرتَ ببالِكَ فاللهُ بخِلافِ ذلكَ.أي لا يُشبِهُ ذلكَ.
وبالوالدينِ إحسَانًا،أمَرَ اللهُ بالإحسانِ للوالدَينِ والإحسانُ هوَ البِرُّ والإكرَام،قال ابنُ عبّاسٍ رضيَ الله عنهُما يُريدُ البِرَّ بهمَا معَ اللُّطفِ ولِينِ الجَانِبِ فَلا يُغلِظُ لهمَا في الجَوابِ ولا يُحِدُّ النّظَرَ إلَيهِمَا،ولا يَرفَعُ صَوتَهُ علَيهِمَا بل يَكونُ بَينَ يَدَيهِمَا مِثلَ العَبدِ بَينَ يَديِ السَّيّدِ تَذلّلا لهمَا.
إمّا يَبلُغَنّ عِندَكَ الكِبَرَ أحَدُهما أو كِلاهُما،أي إذا صَارَا عِندَكَ بَعْدَ كِبَرِهِما ولا كافِلَ لهما غَيرُك.فلا تَقُلْ لهمَا أُفّ،أي فلا تقُلْ لهمَا أَدنى كَلمَةٍ تَنفَلِتُ مِنَ المتَضَجّرِ معَ مُوجِباتِ الضَّجَر ومعَ أَحوالٍ لا يَكادُ يَصبِرُ الإنسانُ مَعَها، أي ولو وُجِدَت الأسبابُ التي تؤدِّي بالإنسانِ للتّضَجُّر وقِلّةِ الصَّبرِ إيّاكَ أن تَقولَ لهمَا كَلِمةَ أُفّ أو كلِمةً أُخرى تَدُلُّ على تَضَجُّرِكَ وانزعَاجِكَ مِنهُمَا.ولا تَنهَرهُمَا، أي ولا تَزجُرْهُما عَمّا يتَعاطَيانِه مما لا يُعجِبُكَ ولا مَعصِيةَ للهِ فيه،وقُل لهما قَولا كَريما،أي لَيّنًا لَطِيفًا أَحسَنَ مَا تجِدُ كمَا يَقتَضِيْه حُسنُ الأدَبِ.واخفِضْ لهمَا جنَاحَ الذُّلِّ منَ الرّحمةِ،أي أَلِنْ لهُمَا جَانِبَكَ مُتَذَلّلا لهمَا مِن فَرْطِ رَحمَتِكَ إيّاهُما وعَطْفِكَ علَيهِمَا،ولِكِبَرِهما وافتقَارِهما اليومَ إلى مَن كانَ أَفقَر خَلقِ اللهِ إلَيهِمَا بالأمسِ،أي ارفُق بهمَا ولا تَغلُظْ علَيهِما.وقلْ رَبِّ ارحمهُمَا كمَا رَبّيَاني صَغِيرًا،أي ادعُ اللهَ أن يَرحمَهُما كمَا رحِمَاكَ في صِغَرِك حتى ربَّياك،أي ولا تَكتَفِ برَحمَتِكَ علَيهِمَا التي لا بقَاءَ لهَا وادْعُ اللهَ بأنْ يَرحمَهُما رَحمتَهُ البَاقيةَ،واجْعلْ ذلكَ جَزاءً لرَحمَتِهما عَليكَ في صِغَركَ وتَربِيَتِهما لكَ،والدعاءُ مختَصٌّ بالأَبَوينِ المسلِمَين إذ الكافرُ لا يُرحَمُ في الآخِرة.