من معجزات النبي في الإسراء
الحمد لله وصلى الله على رسول الله وسلم
إنَّ نبيَّنا لمّا رجَع مِن ذلكَ المكانِ الذي سمِعَ فيهِ كلامَ اللهِ الذي لا يُشبِهُ كلامَ العَالمينَ كانَ مِن جملَةِ مَا فَهِمَه مِن كلامِ اللهِ الأزليّ أنّه فُرِضَ عَليهِ خمسُونَ صَلاةً ثم رجَعَ فوَجدَ موسَى في السّماءِ السّادسَة فقَالَ لهُ سيّدُنا موسَى مَاذا فَرضَ اللهُ على أُمّتِكَ فقَالَ لهُ سيّدُنا محمدٌ “خمسِينَ صلاةً“قال ارجِع وسَل التّخفيفَ، أي ارجِع إلى حَيثُ كنتَ وسَل ربَّكَ التّخفِيفَ، فإنّي جَرّبْتُ بَني إسرائيلَ فُرِضَ علَيهِم صَلاتَانِ فلَم يقُومُوا بهِمَا، فرَجَع فطَلبَ التّخفيفَ مَرّةً بعدَ مَرّةٍ إلى أن صَارُوا خمسَ صَلواتٍ.
ثم بَعدَ أن نَزلَ رسولُ اللهِ مِنَ السّماءِ مَرّ في طَريقِه بإبلٍ لقُرَيشٍ مَعهَا رُعَاتُها مِن أَهلِ مَكّةَ رءاهُم ووَجدَهُم فقَدُوا إبلا لهم،ناقةً حمراءَ،ثم لما جاءَ مَكّة صَباحًا أَخبَرهُم،أخبَر النّاسَ،قالَ لأمّ هانىء فخَافَت أن يُخبِرَ قَومَه حتى لا يزِيدُوا تكذِيبًا لهُ وأذًى،وهوَ لا يُبالي لأنّه يُريدُ تَنفِيذَ أَمرِ الله،وهوَ أشجَعُ خَلقِ الله،قَلبُه ثَابتٌ مِثلَ الجبلِ الرّاسِخ،حَدّثَهُم وقالَ لأبي جَهل وهوَ رأسُ المشركينَ في ذلكَ الوقتِ،فلَمّا بلَغَ الخبر لأبي جَهلٍ قال أنتَ هذهِ الليلةَ رُحتَ إلى بيتِ المقدِس قالَ”نَعم ،قال تُخبِرُ قومَكَ بذلكَ، قال”نَعم،قال أبو جَهل تَعالَوا يا ناس،قال قل لهم،فأَخبَرهُم النّبيُّ،فقَالوا مِن هنا إلى بيتِ المقدِس مَسيرة شَهر،وكانَ فِيهِم مَن يَعرِفُ بيتَ المقدِس،قالوا له كَم بابًا ببيتِ المقدِس،كانَ هوَ بالليلِ ما تأكّدَ عدَدَ الأبواب،تَضَايَقَ،ثم اللهُ تَغالى كَشفَ لهُ،فصَارَ يَعُدّ لهم وهوَ يَنظُر إلى الأبوابِ واحِدًا فواحِدًا،فما استَطاعُوا أن يقُولُوا لهُ كذَبتَ،وهُم يَعلَمُونَ أنّه قَطُّ ما راحَ قَبلَ ذلكَ إلى بيتِ المقدِس،ثم أبو بكرٍ قِيلَ لهُ صَاحِبُكَ يَدّعِي أنّه أُسرِيَ به،قالَ: إنّه صَادقٌ في ذلكَ،عن خبرِ السّماءِ أنا أُصَدّقُه فكيفَ لا أصَدّقُه عن خَبرِ الأرضِ .
وكانَ مما رءاهُ النّبيُّ في مِعراجِه البيت المعمُور وهوَ في السّماء السّابعَة يَدخُلُه كلّ يَومٍ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ ثم لا يعودُونَ إليه وهوَ بَيتٌ مُشَرّفٌ في السماءِ كما أنّ الكعبةَ بيتٌ مُشَرّفٌ في الأرضِ.