مَا كَانَ للنَّبيّ والذينَ ءامَنُوا أنْ يَستَغفِرُوا للمُشرِكينَ ولَو كَانُوا أُولى قُربَى مِن بَعدِ ما تَبيَّنَ لهم أنهم أَصحَابُ الجَحِيم
اعلم رحمَكَ اللهُ أنّ الكافرَ لا يجوزُ الصّلاةُ علَيهِ بعدَ مَوتِه ولا التّرحمُ علَيهِ ولا الاستغفَارُ لهُ.قال الله تعالى:مَا كَانَ للنَّبيّ والذينَ ءامَنُوا أنْ يَستَغفِرُوا للمُشرِكينَ ولَو كَانُوا أُولى قُربَى مِن بَعدِ ما تَبيَّنَ لهم أنهم أَصحَابُ الجَحِيم”سورة التوبة\113.دلّت الآيةُ على حُرمة الاستغفار للكَافرِ بعدَ مَوتِه.وقال الله تعالى:ورَحمتي وسِعَت كُلَّ شَىءٍ فسَأكتُبُها للذينَ يتَّقُون“سورة الأعراف\156.فدلّت الآيةُ على أنّ رحمةَ اللهِ وسِعَت في الدُّنيا كلَّ مؤمِنٍ وكافِر أمّا في الآخِرة فقد جعَلَها اللهُ خاصّةً بالمؤمنينَ.فقولُه فسَأكتُبُها للذينَ يتّقُون معناهُ أخُصُّها في الآخرةِ لمن اتّقَى الشِّركَ وسَائرَ أَنواعِ الكُفر.وفي ذلكَ دليلٌ على حُرمةِ التّرحُّمِ على مَن عُلِمَ مَوتُه على الكُفرِ.
فإن قيلَ إن كانتِ الصّلاةُ على الكافرِ لا تجوزُ كيفَ صَلّى رسولُ اللهِ على المنافِق فالجوابُ أنّ الرسولَ حِينَ صَلّى علَيه كانَ ظنَّه أنّه رجَع عن نفَاقِه ثم نزلت الآيةُ التي بيَّنت بأنّه ماتَ كافِرًا،الذي يقولُ إنّ الرسولَ صلّى علَيه وهوَ يَعتقِدُ أنّه على الكُفرِ كفَر والعياذُ بالله.عمرُ بنُ الخطّاب لما قالَ للرّسولِ كيفَ تُصَلّي علَيه وهو كافرٌ مَعناه ما هوَ الذي حدَث فيه حتى قُمتَ تُصَلّي عَليه وقَد سَبقَ لهُ ما سَبق،قولُ عمرَ استِكشَافٌ عن الحقِيقةِ فَقط.
عبدُ الله بنُ أُبيّ بنِ سَلُول كانَ مُنافِقًا والمنافقُ هوَ الذي يُبطِنُ الكُفرَ ويتَظاهَرُ بالإسلام،فإنّه معَ ما ظَهرَ مِنهُ مِن النّفاقِ كانَ يتشَهدُ ويُصلّي خلفَ الرسولِ،ولما سئل أنتَ قلتَ كذا أي ليُخرجنّ الأعزُّ منها الأذلّ،أنكَر،قال لم أقل،ومُرادُه بالأعزّ نفسَه وبالأذلّ الرسول.الرسولُ كانَ يُجري عليه أحكامَ المسلم لأنّه لم يعتَرف بل بقي متَظاهِرًا بالإسلام،وعندَما ماتَ الرسولُ كانَ يظُنُّ أنّه زالَ عنه النّفاق، بناءً على هذا الظّنّ صلّى عليه،هذا هوَ الصّوابُ كما قالَ الحافظُ ابنُ حجَر وغَيره،وأما مَن قالَ إنّ الرسولَ كانَ يَعلَم أنه بعدُ مُنافقٌ كافرٌ ثم صَلّى علَيه فقَد جعَلَ الرسولَ متلاعِبًا بالدّين،جعَله كأنّه يقولُ في صلاتِه عَليه اللهم اغفر لمنْ لا تَغفِرُ لهُ.
(زيدُ بنُ أَرقَم غزَا معَ النّبي صَلى اللهُ عَليه وسلم سبعَ عشْرةَ غَزوة روَى عنه أبو عثمان النّهدِي وعبد الرحمن بنُ أبي لَيلى وطاوس ومن غَريب ما وقع له أنّه سمع عبد الله بن أُبي بنِ سَلول يقول:لا تُنفِقُوا على مَن عِندَ رسُولِ الله حتى يَنفَضّوا وقال لئن رجَعنا إلى المدينة ليُخرجَنّ الأعزّ منها الأذَلّ، فأَخبر الرسول صلى الله عليه وسلم،فسأل عبدَ الله فأنكَر،فأنزلَ الله تصديقَ زَيد بنِ ثابت فقامَ عمر فقالَ يا رسولَ الله دَعني أضرب عُنق هذا المنافِق فقال النبي “دَعهُ لا يتَحدّث الناسُ إنّ محمّدًا يَقتُلُ أَصحَابَه”
،ثبتَ ذلكَ في الصحيحين.)
(قال الله تعالى:يقولونَ لئن رجَعنا إلى المدينة ليُخرِجَنَّ الأعَزُّ مِنهَا الأذَلّ“الآية.
روى الترمذي أن عبد الله بن أبي المنافِق لما قالَ ما ذكر جاءه ولدُه عبد الله الصّحابي الجليل وقال لهُ واللهِ لا تَنقَلبُ (يعني إلى المدينة)حتى تقولَ إنّك أنتَ الذّليل ورسولُ الله العزيز ففَعل).
(وأخرج ابن جرير وغيرُه عن قتادة رضي الله عنه قال ذكِر لنا أن رجلينِ اقتتَلا أحدُهما مِن جُهَينة والآخرُ من غِفَار وكانت جُهينة حلفاء الأنصار، فظَهَر الغِفاري على الجهني فقال عبد الله بن أبي للأوس أُنصُروا أخاكُم واللهِ ما مَثَلنا ومثَل محمدٍ إلا كما قال القائل سمّنْ كَلبَكَ يأكُلْك والله لئن رجَعنا إلى المدينةِ ليُخرجَنّ الأعزُّ منها الأذَلّ.فسَعى بها رجلٌ منَ المسلمين إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلَ إليه فسألَه فجعَل يحلِفُ بالله ما قالَه فأَنزل الله: يحلِفونَ باللهِ ما قالُوا ولَقد قالُوا كلمةَ الكفرِ” الآية.(كذا في الدر المنثور) .)
وفي فتح البارئ لابنِ حجَر عن ابنِ عَباس رضي الله عنهما قال لما مَرِضَ عبدُ اللهِ بنُ أُبيّ جاءه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فكلَّمَه فقال قد فهِمتُ ما تقولُ فامنُن علَيّ فكفّنّي في قمِيصِك وصَلّ عليّ ففعَل،وكأنّ عبدَ الله بن أبيّ أرادَ بذلك رفْعَ العَارِ عن ولَدِه وعشِيرتِه بعدَ مَوتِه فأظهَر الرّغبةَ في صَلاةِ النبي صلى الله عليه وسلم عليه ووقَعت إجَابتُه إلى سؤالِه بحسَب ما ظهَرَ مِنْ حَالِه إلى أن كشَف اللهُ الغِطاءَ عن ذلكَ كما سيَأتي وهذا مِن أحسَنِ الأجوبةِ فيما يتَعلّقُ بهذِه القِصّة.)