بسم الله الرحمن الرحيم
في فضل الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم
رَوى أحْمَدُ أَنَّ زَيْدَ بنَ سَهْلٍ الأَنْصَارِيَّ قالَ دَخَلْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَسارِيرُ وَجْهِهِ تَبْرُقُ فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُكَ بِأَطْيَبَ نَفْسًا وَلا أَظْهَرَ بِشْرًا مِنْ يَوْمِكَ قَال “وَمَا لي لا تَطِيبُ نَفْسِي وَيَظْهَرُ بِشْرِي أَتَاني ءاتٍ مِنْ عِنْدِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ صَلاةً كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ” قَوْلُهُ “صَلاةً” أَيْ طَلَبَ لَكَ مِنَ اللهِ دَوَامَ التَّشْرِيفِ وَمَزِيدَ التَّعْظِيمِ، وَقَوْلُهُ “مِنْ عِنْدِ رَبِّي” هِيَ عِنْدَيَّة التَّشْرِيفِ لأَنَّ الْمَلائِكَةَ يَسْكُنُونَ السَّمَاءَ وَالسَّمَاءُ لا يُعْصَى اللهُ فيها فَهِيَ مُشَرَّفَةٌ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ مَعْنَاهَا أَنَّ اللهَ لَهُ مَكَانٌ تَأتي الْمَلائِكَةُ مِنْهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلى عِنْدِيَّةِ التَّشْرِيفِ مَا جَاءَ في الْقُرْءانِ الْكَريمِ عَنْ ءاسيةَ أَنَّها قَالَت “رَبِّ ابْنِ لي عِنْدَكَ بَيْتًا في الْجَنَّةِ” أَيْ في الْمَكَانِ الْمُشَرَّفِ عِنْدَكَ وَهُوَ الْجَنَّةُ دَارُ السَّلامِ، فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ “كَتَبَ اللهُ لَهُ” أَيْ كَتَبَ الْمَلَكُ في صَحِيفَتِهِ، وَإِضَافَةُ الْكِتَابَةِ لِلذَّاتِ الْمُقَدَّسِ لِلتَّشْرِيفِ، إِذِ الْكَاتِبُ الْمَلَكُ بِأمْرِ اللهِ، وَقَوْلُهُ “عَشْرَ حَسَنَاتٍ” أَيْ يُضَاعَفُ ثَوَابُهَا إِلى عشر الى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ لأَنَّ الصَّلاةَ لَيْسَتْ حَسَنَةً وَاحِدَةً بَلْ حَسَنَاتٌ، وَقَوْلُهُ “وَمَحَا” أَيْ أَزَالَ مِنْ صُحُفِ الْحَفَظَةِ الَّذِينَ يُسَجِّلُونَ مَا يَعْمَلُ الإنْسانُ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ قَضَى اللهُ لَهُ مِائَةَ حَاجَةٍ ثَلاثِينَ في الدُّنْيا وَسَبْعِينَ في الآخِرَةِ” رَواهُ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ.
وَمِنَ الْفَوَائِدِ الْعَظِيمَةِ أَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلى صِيغَةٍ في الصَّلاةِ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَهَا في الْيَومِ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ رُؤيَتِهِ صلى الله عليه وسلم في المنامِ وَقَدْ وَرَدَتْ هذهِ الصِّيغةُ في الحديثِ وهي “اللهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأزْواجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤمنينَ وَذُرِّيَتِهِ وأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلى ءالِ إِبْرَاهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ“. وَقَدْ جَرَّبَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمينَ ذَلِكَ وَحَظَوْا بِرؤيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلَّم في الْمَنَامِ. وَقَدْ روى الْبَيْهَقِيُّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْري سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا أُبْلِغْتُهُ“. مَعْنَاهُ أَنَّهُ تُوجَدُ مَلائِكَةٌ مُوَكَّلُونَ بِنَقْلِ الصَّلاةِ والسَّلامِ على الرَّسُولِ إِلَيْهِ فَيَبْلُغُهُ ذَلِكَ.
وَأَفْضَلُ صِيغَةٍ في الصَّلاةِ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم هي الصَّلاةُ الإبْرَاهِيمِيَّةُ الَّتي عَلَّمَها الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لِلصَّحابَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ في الْحَديثِ أنَّهُ قيلَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله فقالَ قُولُوا “اللهُمَّ صلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءالِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلى إِبْرَاهيمَ وعلى ءالِ إِبْرَاهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللهُمَّ بَارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وعلى ءالِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهيمَ وعلى ءالِ إبْرَاهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ“. وَقَدْ ذُكِرَ إِبْرَاهيمُ في هذِهِ الصَّلاةِ لأَنَّهُ أَفْضَلُ نَبِيٍّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ وَكَانَ قَبْلَهُ فإِنَّ أَفْضَلَ الأَنْبِياءِ خَمْسَةٌ مُحَمَّدٌ ثُمَّ إِبْرَاهيمُ ثُمَّ مُوسى ثُمَّ عيسى ثُمَّ نُوحٌ. وَمَعْنَى قَوْلِنَا إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللهِ أَنَّهُ بَلَغَ الْغَايَةَ بَعْدَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ في الانْقِطَاعِ إِلى اللهِ بِالْعِبَادَةِ.ومقام الخلّة هذا لم يصل اليه الاّ سيّدنا محمّد وسيّدنا ابراهيم عليهما السّلام.
وقد ورد في الحديث:من صلّى عليّ في يوم الجمعة مائة مرّة غفرت له ذنوب ثمانين سنة.معناه بتقدير لو عاش الى ذلك العمر لو لم يعشه.