أهمية تعلم النحو لطالب الحديث
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلامُ على سيّدِ المرسلينَ سيدِنا محمّدٍ وعلى ءالِه الطّيبينَ الطّاهرينَ أمّا بَعدُ فإنّ أحسَنَ الحديثِ كتاب الله تعالى وأحسنَ الهَدْيِ هَديُ محمّد صلى الله عليه وسلم وشَرَّ الأمور محدثَاتُها وكلّ محدثةٍ بِدعَة وكلّ بِدعَةٍ ضَلالة وكلّ ضَلالةٍ في النّار.
المحدثاتُ التي هي ضَلالةٌ هي ما كانَ مخالفًا للكتابِ والسُّنّةِ أي القرءانِ والحديث والإجماع.
مَا أَحدَثَهُ النّاسُ في الدِّينِ قِسمَانِ،قِسمٌ مُوافِقٌ للقُرءانِ والسّنةِ وقِسمٌ مُخالِفٌ،فمَا كانَ مُوافِقًا للقُرءانِ والحديثِ فهوَ مَقبُولٌ ولَيسَ مَذمُومًا،بل قَد يكونُ واجِبًا وذلكَ مِثل عِلمِ النَّحْوِ،عِلمُ النَّحْوِ لم يكُن أيّامَ الصّحَابةِ،لم يكُن مَشروحًا مُوسَّعًا،الصّحَابةُ مَا كانُوا يحتَاجُونَ للنَّحْوِ لأنَّ لُغَتَهُم مُوافِقَة للنّحْو بدُونِ دِراسَةِ النَّحْو،الذّين كانوا أُمّيّينَ مِنَ الصّحابةِ كانَ نُطقُهُم بلُغَتِهم مُوافِقًا للنّحْو مِن دُونِ أن يتَعلَّمُوا النَّحْو،مِن طَبِيعَتِهم كانَ كلامُهم مُوافِقًا للنّحْو،ثم لما اختَلطَ العَربُ والعَجَمُ تَغيَّرتِ اللُّغَةُ فصَارَ اللّحنُ شَائعًا في أَفواهِ المسلمِينَ العَربِ وغَيرِهم،وصَارَ تعَلُّم النّحْوِ فَرضًا على الكِفاية،وأمّا مَن يَقرأ الحديثَ فمَعرفتُهُ بالنَّحْوِ فَرضُ عَينٍ،لأنّهُ إذا لم يَعرِفِ النَّحْوَ وأرَادَ أنْ يَقرأَ حَديثًا مِن أحَادِيثِ الرّسولِ عليهِ السّلام مِن كتابٍ قَد يَقرؤه على ما يُفسِدُ مَعنى الحديثِ على ما يُغيّرُ مَعنى الحديثِ فيكونُ كذّبَ الرسولَ ،الذي لم يتَعلّم النّحوَ لا يجوزُ لهُ أن يَقرأَ الحديثَ إلا أنْ يجِدَ كتابًا مَضبُوطًا حُروفُه وشَكلُه الضّمّةُ والفَتحَةُ والكَسرةُ والسّكون،والذي ضَبَطَه يكونُ عَالما ثِقَةً،فإنْ حَصَلَ على هَذا الكتابِ مِن كتُبِ الحدِيث يجُوز قِراءتُه فيقولُ قال رسول الله كذا وكَذا.
لأنّ اللّغةَ العَربيّةَ الكَلِمةُ الواحِدَةُ تَكونُ مَضمُومَةً ومَفتُوحَةً ومجرُورَةً على حَسبِ المعَاني،هَذا لا يُوجَدُ في غَيرِ اللّغةِ العَربيّةِ،مِثالُ ذلكَ مَا أحسَنَ زَيدْ،إنْ قُرئت هذِه الجملةُ بفَتحِ النّون والدّال أي ما أحسَنَ زَيدًا يكونُ مَعنَاهُ تَعجُّبًا مِن حُسنِ زيدٍ،وإنْ قُرأَت بضَمّ النّونِ وكَسرِ الدّالِ أي مَا أَحسنُ زَيدٍ يَكون المعنى ما هوَ الجُزءُ الذي مِن زَيدٍ أَحسَنُ،يكونُ سؤالا عن أحسَنِ جُزءٍ مِن زَيد،وإنْ قُرئ أحسَنَ بالفَتحَةِ وزَيدٌ بالرّفعِ أي بالضّمّةِ يكونُ المعنى نفيَ الإحسانِ مِن زَيدٍ ويكونُ اللفظُ مَا أَحسَنَ زَيدٌ،مَعناهُ مَا عَمِلَ زَيدٌ عَمَلا حَسنًا.
هذِه الجُملَةُ مَا أحسَنَ زَيدْ تحتَملُ ثلاثةَ أَوجُه مِنَ المعَاني،أمّا إذا سُكّنَت النونُ والدَّالُ لا يُفهَمُ مِنهُ واحِدٌ مِن هَذِه المعَاني الثّلاث،فإذا قِيلَ مَا أَحسَنْ زَيدْ بتَسكِينِ النّون وتَسكِين الدّال المعنى مُبْهَم،لا يُعرَفُ على أيّ مَعنًى يكون.