التحاب في الله و أحباب الله

Arabic Text By Sep 09, 2010

التحاب في الله و أحباب الله

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله

قال شيخنا رحمه الله:الذينَ يتَحَابُّونَ في اللهِ تبَاركَ وتعَالى يومَ القِيامةِ يُظِلّهم اللهُ في ظِلِّ العَرشِ، يومَ القِيامَةِ لا يُوجَدُ إلا ظِلُّ العَرشِ،هذِه الأَرضُ تتَبدّلُ لا يَبقَى جَبلٌ ولا وهْدَةٌ،كُلُّها هكَذا،كُلُّ الأرضِ هكَذا لا يُوجَدُ عَليهَا شَجرٌ ولا كُهُوفٌ هذِه الأرضُ تُدَكُّ دَكًّا،الجِبالُ تَصِيرُ كالغُبارِ تَطِيرُ في الجَوّ،اللهُ تَعالى يَنقُلُ البَشرَ في ذلكَ الوقتِ إلى ظُلمَةٍِ في جِهةِ الصّراط،يُحمَلُونَ بقُدرةِ اللهِ تبَاركَ وتعالى،ثم بَعدَما تُبدَّلُ الأرضُ غَيرَها يَرُدُّهم اللهُ إليهَا،فلا يكونُ على الأرضِ مَكانٌ مُنخَفِضٌ ولا مكَانٌ مُرتَفِعٌ ولا أَشجَارٌ ولا مَساكِنَ،ولا يُظِلُّ الإنسانَ ذلكَ اليومَ إلا عَملُه،الذينَ أرَادَ اللهُ لهم الرّاحةَ والسّلامةَ مِن حَرّ الشّمسِ ذلكَ اليوم يكونونَ تحتَ ظِلّ العَرشِ مُنفَصِلين عن الناس،الناسُ الذينَ في الدّنيا يتَحابُّون لوجهِ الله ليسَ للمَال ولا للهَوى ولا للقَرابةِ بل حُبّا في اللهِ،اللهُ تَعالى يُسلّمهُم مِن حَرّ الشمسِ،ذلكَ الحَرُّ على الكُفّار يصِلُ عَرقُ كلِّ واحدٍ مِنهُم إلى فمِه لا يتَجاوَزُ عرَقُه إلى غيرِه يَكادُ يموتُ،لكن لا يموتُ لا يُوجَد مَوتٌ في الآخِرةِ، مَهمَا تَعذّب الإنسانُ يَبقَى وهوَ في عذَابِه في ألَمِه لا يُوجَدُ مَوتٌ،في الدُّنيا إذا إنسانٌ أَحرَقَتْهُ نارٌ يمُوتُ وإذَا قُطِعَ بحَدِيدَةٍ يموتُ وإذا ضُرِبَ برصَاصَةٍ يمُوتُ،وبعضُ المسلِمينَ العُصَاة الذينَ مَاتُوا بلا تَوبةٍ يَحصُل لهم ذلكَ لكن ليسَ إلى حَدّ عَرقِ الكَافر.

“تَحابُّوا في الله“مَعناهُ يتَعاونُونَ على الخيرِ ليسَ على الشّرّ، على المعصية،أولئكَ همُ الذينَ يَكونُونَ في ظِلِّ العَرش،وبعضُهم الله تعالى يُجلِسُهم على كُرسِيّ مِن نُور،لباسُهم نُورٌ ووجُوهُهُم نُورٌ وكَراسِيُّهم نُورٌ،هؤلاء مِن خَواصّ عِبادِ الله الأتقياء،التّحابُّ في الله فيهِ خَيرٌ عَظِيم في الآخِرة،بالمصَافاة ليسَ بالغَشّ.هذا لا يُشجّعُ أخَاه على الشّر، على المعصية وهَذا لا يُشجّعُه بل يَنهاه،هؤلاء الذينَ يتَحابُّونَ في الله الذينَ تكُون لهم هذه الدّرجةُ في الآخرة.

أمّا الذينَ تحابُّوا على معصيةِ الله والهَوى أو لأجلِ المالِ ليسَ لهم هذا الفَضلُ،الذينَ يتحَابُّونَ للمَالِ أو للهَوى أو لتَوافُقِ هَواهُم هؤلاءِ لا يجِدُونَ في الآخِرةِ ما يَسُرُّهم على تحَابّهِم في الدُّنيا،بل كانُوا يتَعاونُونَ على المعصيةِ فعَلَيهِم عذابٌ أَليمٌ،ذلكَ اليوم يفِرُّ هذَا مِن هَذا وهذَا يَفِرّ مِن هَذا،ذلكَ الأبُ إن كانَ ظَلَم ابنَه يومَ القيامةِ يَفِرّ حتى لا يؤاخَذ بحقّ ابنِه والعكسُ بالعكس،وإن كانَ الابنُ ظَلَم أبَاه هذا الابنُ يفِرّ،لكن أينَ المخلَص،أينَ المَخْلَص،لا بُدَّ أن يؤخَذ مِنه حَقُّه،والزّوجُ والزوجةُ هكذا،والأخُ معَ الأخ هكذا.

قال الله تبارك وتعالى:الأخِلاءُ يومَئذٍ بَعضُهُم لبَعضٍ عَدُوٌّ إلا المتَّقِين”معنى هذِه الآيةِ أنّ الأخلاءَ الذين يكونونَ أصدقاءَ في الدُّنيا يكونُ بعضُهم لبَعضٍ عَدُوّ إلا المتقينَ أي إلا الذينَ يتَعاونُونَ على الخير، أي إلا الذينَ يتَمسّكُونَ بشريعَةِ الله تمَامًا فلا يغُشُّ بَعضُهُم بعضًا.

سِوى هؤلاء النّاس الذينَ يتَعاونُونَ في الدنيا على المعصِية بَعضُهم لبعض عدوٌّ،مَهمَا كانت صدَاقتُهم في الدنيا قويّةً يومَ القيامةِ عَدُوٌّ،هذا عدُوٌّ لهذا وهَذا عَدُوٌّ لهذا لأنّه يَعرفُ هناك،كلُّ بعضٍ لبعضٍ عدُوّا.      

الأتقياءُ في كلِّ زَمنٍ مَوجُودُونَ بينَ المسلمينَ إلى يومِ القِيامة،ثمّ هؤلاءِ الأتقياءُ كثيرٌ مِنهُم لا يُعرَفونَ بينَ النّاسِ لرَثاثةِ ثِيابهِم،اللهُ أَخفَاهُم،وبعضُهم اللهُ يُظهِرُهم يكونُ لهم عندَ النّاسِ شُهرةً لكنْ أَغلبُهم أخفياءُ وهُم عندَ الله لهم شأنٌ عظِيمٌ،لذلكَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إنَّ اللهَ يُحِبُّ الأتقِياءَ الأخفِياءَ الذينَ إذَا حَضَرُوا لم يُعرَفُوا وإذَا غَابُوا لم يُفتَقدُوا قُلوبُهُم مَصَابِيحُ الهُدَى يَخرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبراءَ مُظلِمَة“رواه الحاكم من حديثِ مُعاذ بنِ جبل.

ونص رواية الحاكم قال(خرَجَ عمرُ بنُ الخطّاب رضي الله عنه إلى مسجدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فإذَا هو بمعاذِ بنِ جَبلٍ رضي الله عنه يَبكِي عندَ قبرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم  فقالَ ما يُبكِيكَ يا مُعاذُ قال يُبكِيني شىءٌ سمعتُه مِن صاحبِ هذا القَبر قال وما سمعتَ قال سمعتُه يقولُ: إنَّ اليَسِيرَ مِنَ الرِّياءِ شِركٌ وإنّ مَن عادَى وليَّ اللهِ فَقد بارزَ اللهَ تعالى بالمحاربَة …إلى ءاخرِ الحديث)هذا الحديثُ فيهِ أنّ منَ الأولياءِ مَن لا يُعرفونَ إذا حَضروا مجالِسَ النّاسِ،وإن غَابُوا لا يُسأَلُ عنهُم،لذلك إذا رأيتَ مُسلِمًا فحَسّن الظّنَّ به قُل لعَلَّه أحسَنُ منّي،مَطلُوبٌ أنْ تُحِبّه وتحتَرِمَه ولو كانت هَيأتُه رثّةً وشعَرُه مُغْبَرًّا،ثمّ إذا رأيتَ مِنه ما يُخالِفُ الشّرعَ تُعامِلُه على حَسبِ الشّرعِ،تُرشِدُه إلى الصّوابِ،وإن وجَدْتَه على حَالَةٍ حَسنَةٍ تَستَفِيدُ منه،تَكتَسِبُ مِنهُ وتَقتَدِي به.

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد فقد روى البخاري وغيرُه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:إنّ للهِ عِبادًا لَو أَقسَمُوا على اللهِ لأَبَرَّهُم “أي يُعطيهِم ويُحقِّقُ مُرادَهم كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم وغيرُه:رُبَّ أَشعَثَ أَغْبرَ ذِي طِمْرَينِ مَدفُوعٍ بالأبوابِ لَو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ“مَعناه كثيرٌ منَ المؤمنينَ أَشعَثُ أي لا يتَمكّنُ مِن خِدمةِ جَسدِه،مِن شِدّةِ البؤسِ والفَقر يَترُكُ شَعَره مُنتَفِشًا لا يُسرّحُه،لا يتَمكّنُ مِن تَسريحِه على حَسبِ العادةِ،وقولُه أغْبرَ أي ثِيابُه لا يَستَطيعُ أن يَتعَهّدَها بالغَسلِ والتّنظِيف من شِدّةِ البؤسِ والفَقرِ بل تَعلُوهَا الغبَرةُ،وقولُه ذِي طِمرَينِ أي يَلبَسُ طِمرينِ أي ثَوبَينِ ثَوبًا للنّصفِ الأعلَى وثوبًا للنِّصفِ الأسفَل،وقولُه مَدفُوعٍ بالأبوابِ معناه الناسُ لا يُقدّرونَه يُدفَع بالأبواب،إذا جاءَ لحاجةٍ إلى بابِ إنسانٍ يُدفَع مِن رثَاثةِ ثيابهِ وهيئتِه ولا يُمكّنُ منَ الدُّخُولِ لأنَّ شَعَرَهُ أَشعثَ وثيابَه مُغبرّة،هذا العَبدُ لهُ عندَ اللهِ مَنزلةٌ عَالية بحيثُ لوأَقسَم على اللهِ لأبَرَّه،أي لو قالَ يا ربّ أُقسِمُ علَيكَ أن تَفعلَ بي كَذا أو أن تفعلَ بفلان كذا يُنفّذُ له إقسَامَه أي يُعطِيْه مُرادَه،لكنْ هؤلاءِ قُلوبُهم متعلّقةٌ بالآخرة،قَلّ أن يَطلُبوا أمرًا دُنيَويّا يتعَلّقُ بالمعيشةِ،فهؤلاء لو أَقسَمُوا على الله فهو لمصلحَةٍ دِينيّة لا لشَهواتِ أَنفُسِهم .      

وممن عُرِفَ بإجَابةِ الدّعوةِ مُطَرّفُ بنُ عبدِ اللهِ التّابِعي فَقد رَوى الحَافظُ الخَلالُ بإسنادِه أنّهُ وقَعَ بَينَ مُطَرِّف وبَينَ بعضِ بَني عَمّهِ كلامٌ فكَذَبَ عليهِ، فقالَ إن كنتَ كاذِبًا فأمَاتَكَ اللهُ،قالَ فخَرّ مَيّتًا.فاستَعدَى بنُو عمِّهِ وقَومُه علَيه إلى زِياد،(أي طَلبُوا مقَاضَاتَه عندَ زيادِ بنِ أَبيه الذي كانَ واليًا لمعاويةَ على العراق)

فقال هَل مسَّ صَاحِبَكُم بيَدِه أو ضرَبَه، قالُوا لا،قالَ كلِمَةُ عَبدٍ صَالحٍ وافَقَت قَدَرًا.

وممن عُرف بإجَابةِ الدّعوةِ عبدُ اللهِ بنُ شَقِيق كانَت تمُرُّ به السّحَابةُ فيقولُ اللهُمّ لا تجُزْ مَوضِعَ كذا وكذَا حتى تُمطِرَ فلا تجُوزُ ذلكَ الموضِعَ حتى تُمطِرَهُم.

وممن عُرِفَ بإجَابةِ الدّعوةِ أبو مسلِم الخَولانيّ فقَد كانَ إذا انصَرفَ لا يزَالُ يُكبّرُ اللهَ عَزّ وجَلّ حتى إذا دَنا سمّعَ امرأتَه فتُكَبّرُ بتَكبِيره فدَخلَت علَيها امرَأةٌ فأفسَدَتها علَيه فجَاء أبو مسلِم فكَبّرَ فلَم تُكبّر،فقال اللهُمّ أَفسِد مَن أَفسَد عَليّ أَهلِي اللهُمّ فأَذهِبْ بصَرَه فعَمِيَت المرأةُ فعَرفْتُ مِن أَينَ أُتِيتُ،فسَأَلتُه أن يَدعُوَ اللهَ عزّ وجلّ أن يَرُدّ بصَرَها، فدَعا اللهَ فردَّ بصَرها،قال المحدثُ سعيدُ بنُ عبدِ العزيز فرأَيتُها عمياءَ ورأيتُها بصِيرةً.

وممن عُرِفَ بإجَابةِ الدّعاء سعدُ بنُ أبي وقاص رضي الله عنه فقد روى البخاري ومسلم أنّ رجُلا مِن بني عَبْس يقالُ له أسامةُ بنُ قتَادة يُكْنَى أبا سعْدةَ قال في سعدِ بنِ أبي وقّاص إنّه لا يَسِير بالسّريّة(أي لا يخرُج مع سريّةِ الجيش) ولا يقسِمُ بالسّويّة(أي يؤثرُ بالعَطاء من شَاءَ لغَرض)ولا يعدِلُ في القضِيّة.فقال سعدٌ أمَا واللهِ لأَدعُوَنّ بثلاث اللهُمّ إن كان عَبدُك هذا كاذِبًا قامَ رِياءً وسُمعَةً فأطِلْ عُمُره وأطِلْ فَقره وعرّضْهُ للفِتَن.وكانَ بعدَ ذلكَ إذا سئل يقول شيخٌ كبيرٌ مَفتُونٌ أصَابتني دَعوةُ سَعد.