توضيح لبعضِ ما لا يجوزُ حملُه على ظاهرِه ممَّا ورد في القرءانِ والحديث

Arabic Text By Aug 30, 2010

توضيح لبعضِ ما لا يجوزُ حملُه على ظاهرِه ممَّا ورد في القرءانِ والحديث

.

01)يستحيلُ على الله أنْ يكونَ مُتَحَيِّزًا في الأماكنِ والْجِهَاتِ ، ولو كانَ الله يسكنُ السَّمَاءَ كما يَزْعُمُ بعضُ النَّاسِ لكانَ الله يُزَاحِمُ الملائكةَ ، وهذا مُحَالٌ . فقد ثَبَتَ عن رسولِ الله ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، أنه قال :” أَطَّتِ السَّمَاءُ وحُقَّ لَهَا أنْ تَئِطَّ ، ما فيها مَوْضِعُ أربعِ أصابعَ إلا ومَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ ساجدًا لله ” .. رواه التِّرْمِذِيُّ في[(سننه)/كتاب الزُّهْدِ عن رسول الله].. وفيهِ دليلٌ على أنه يستحيلُ على الله أنْ يكونَ ساكنَ السَّماء وإلَّا لكانَ مساويًا للملائكةِ مُزاحِمًا لهم ..

.

وكذلكَ حديث :” ألا تَأْمَنُونِي وأنا أمينُ مَنْ في السَّمَاءِ يأتيني خبرُ السَّمَاءِ صباحًا ومساءً ” ، فالمقصودُ بهِ الملائكةُ أيضًا .. وإنْ أُرِيدَ بهِ اللهُ فمعناهُ الذي هو رفيعُ القَدْرِ جدًّا .. والحديثُ ثابتٌ صحيحٌ رواه مسلمٌ في[(صحيحهِ)/كتاب الزَّكاة/باب ذِكْرِ الخوارجِ وصفاتهِم]..

قولُه :” وأنا أمينُ مَنْ في السَّماء ” أيْ مُؤْتَمَنٌ مُصَدَّقٌ عند الملائكةِ يعتقدونَ أنَّ مُحَمَّدًا أمينٌ صادقٌ في إبلاغِ الوحي ..

.

وأمَّا الحديثُ الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وهو :” الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمٰنُ ارحموا مَنْ في الأرضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السَّماء ” ، وفي روايةٍ عند أحمدَ وغيرِه :” يَرْحَمْكُمْ أهلُ السَّماء ” ، فهذه الرِّوايَةُ الثَّانِيَةُ تُفَسِّرُ الرِّوايَةَ الأولى لأنَّ خيرَ ما يُفَسَّرُ بهِ الحديثُ الواردُ بالواردِ كما قال الحافظُ العراقيُّ في (ألفيَّته) :” وخيرُ ما فَسَّرْتَهُ بالوارد ” .. ثمَّ المرادُ بأهلِ السَّماء الملائكةُ ، وليس المرادُ اللهَ تعالى لأنه لا يقالُ لله تعالى أهلُ السَّماء . ذَكَرَ ذلكَ الحافظُ العراقيُّ في (أماليه) عَقِيبَ هذا الحديث .. و ” مَنْ ” تَصْلُحُ للمفردِ وللجمعِ .. ويقالُ مِثْلُ ذلكَ في قول الله تعالى في سورةِ الْمُلْكِ (( أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ في السَّماء أن يرسلَ عليكم حاصبًا )) .. فـ (( مَنْ )) في هذه الآيةِ أيضًا أهلُ السَّماء ، فإنَّ الله يُسَلِّطُ على الكُفَّارِ الملائكةَ إذا أرادَ أنْ يُحِلَّ عليهم عقوبتَه في الدنيا كما حَصَلَ لقومِ لوطٍ وغيرِهم .

.
وأمَّا حديثُ زينبَ بنتِ جَحْشٍ زَوْجِ النبيِّ ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، أنها كانتْ تقولُ لنساء الرَّسول :” زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وزوَّجني الله تعالى من فَوْقِ سبعِ سماوات ” فمعناهُ أنَّ تَزَوُّجَ النبيِّ بها مُسَجَّلٌ في اللَّوْحِ المحفوظِ . وهذه كتابةٌ خَاصَّةٌ بزينبَ وليستِ الكتابةَ العَامَّةَ . الكتابةُ العَامَّةُ تكونُ لكلِّ شخصٍ ، فكلُّ زِوَاجٍ يَحْصُلُ إلى نهايةِ الدُّنيا مُسَجَّلٌ .. واللَّوْحُ فَوْقَ السَّماواتِ السَّبْعِ .. والحديثُ صحيحٌ رواه البُخَارِيُّ والتِّرْمِذِيُّ ، وهذا لفظُ البُخَارِيِّ .. وفي الحديثِ بيانُ أنَّ زينبَ تَزَوَّجَهَا النبيُّ بالوحيِ من غيرِ وليٍّ وشاهدَين .. أنظر[(الشَّرح القويم)/ط6/ص130]لمولانا الشَّيْخِ عبدِ الله الْهَرَرِيِّ ..

.

وأمَّا الحديثُ الذي فيهِ :” والذي نفسي بيدِه ما مِنْ رَجُلٍ يدعو امرأتَه إلى فِرَاشِهَا فتأبى عليهِ إلا كانَ الذي في السَّماء ساخطًا عليها حتَّى يرضَى عنها ” فيُحْمَلُ أيضًا على الملائكةِ بدليلِ الرِّوايَةِ الثَّانِيَةِ الصَّحِيحَةِ والتي هي أشهرُ من هذه وهي :” لَعَنَتْهَا الملائكةُ حتَّى تُصْبِحَ ” ..

الرِّوايَةُ الأُولى وَرَدَتْ عند مسلمٍ وغيرِه واللَّفْظُ المذكورُ لمسلم .. والرِّوايَةُ الثَّانِيَةُ رواها البُخَارِيُّ ومسلم .. ويُفْهَمُ من الحديثِ أنَّ المرأةَ إذا لم يَكُنْ لها عُذْرٌ شرعيٌّ كحَيْضٍ أو نِفَاسٍ أو مَرَضٍ تَتَضَرَّرُ مَعَهُ مِنَ الجِمَاعِ فلا يجوزُ لها أنْ تمنعَ زوجَها من أنْ يجامعَها إذا أرادَ ذلكَ فإنْ أَسْخَطَهُ صَدُّها صارتْ فاسقةً ملعونةً مسخوطًا عليها من الملائكة ..

.

وأمَّا حديثُ أبي الدَّرْدَاءِ أنَّ النبيَّ ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، قال :” رَبَّنَا اللهُ الذي في السَّماء تَقَدَّسَ اسمُك ” فلم يَصِحَّ ، بل هو ضعيفٌ كما حَكَمَ عليهِ الحافظُ ابنُ الْجَوْزِيِّ . ولو صَحَّ لكانَ معناهُ الذي هو رفيعُ القَدْرِ جِدًّا .. وهذا الحديثُ رواهُ أبو داودَ في[(سننهِ)/كتاب الطِّبِّ]بهذا اللَّفْظِ ، ولفظُ الإمامِ أحمدَ في (مسندِه) :” رَبَّنَا اللهُ الذي في السَّماواتِ تَقَدَّسَ اسمُك ” ..

.

وأمَّا حديثُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ عن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم :” إنَّ اللهَ فوقَ عرشهِ وعرشُه فوقَ سماواتهِ ” فقد رواهُ أبو داودَ في[(سننه)/كتاب السُّـنَّة/باب في الْجَهْمِيَّة]، ولم يُدْخِلْهُ البُخَارِيُّ في (الصَّحيح) فلا حُجَّةَ فيه ، وفي إسنادِه مَنْ هو ضعيفٌ لا يُحْتَجُّ بهِ ، ذَكَرَهُ ابنُ الْجَوْزِيِّ وغيرُه ..

وكذلكَ ما رواهُ في كتابهِ (خَلْقُ أفعالِ العِبَاد) عن ابنِ عبَّاسٍ أنه قال :” لَمَّا كَلَّمَ اللهُ موسَى كانَ نداؤُه في السَّماء وكانَ الله في السَّماء ” ، فهو غيرُ ثابتٍ فلا يُحْتَجُّ بهِ(1) ..

———-

(1)البُخَارِيُّ لم يَلْتَزِمْ أنْ لا يَذْكُرَ إلَّا الصَّحِيحَ في هذا الكتاب . لذلكَ لا يُكْتَفَى لتصحيحِ الحديثِ وُجُودُه فيه من دونِ تصحيحه ..

————–

وأمَّا القَوْلُ المنسوبُ إلى مالكٍ وهو :” الله في السَّماء وعِلْمُهُ في كُلِّ مكانٍ لا يخلو منهُ شيء ” فهو غيرُ ثابتٍ أيضًا عن مالكٍ غيرُ مُسْنَدٍ عنهُ . وأبو داودَ لم يُسْنِدْهُ إليهِ بالإسنادِ الصَّحِيحِ بل ذَكَرَهُ في كتابهِ (الْمَرَاسِيل) . ومُجَرَّدُ الرِّوايَةِ لا يَكُونُ إثباتًا ..

أنظر[(الشَّرح القويم)/ط6/ص131]لمولانا الشَّيْخِ عبدِ الله الْهَرَرِيِّ ..

 
 

وأمَّا قولُ الله تعالى في سورة فاطِر (( إليهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ )) فقد قال النَّسَفِيُّ في (تفسيرِه) :” ومعنى قولهِ (( إليهِ )) إلى محلِّ القَبُولِ والرِّضَا ، وكُلُّ ما اتَّصَفَ بالقَبُولِ وُصِفَ بالرِّفْعَةِ والصُّعود “ا.هـ.

وكذلكَ قولُ الله تعالى في سورة النِّساء (( بل رَفَعَهُ الله إليه )) فقد قال النَّسَفِيُّ في (تفسيرِه) :” معناهُ رَفَعَ عيسى إلى حيثُ لا حُكْمَ فيهِ لغيرِ الله ، أو إلى السَّماء ” ..

———————————————–

02)قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :” يَنْزِلُ ربُّنا ، تباركَ وتعالى ، كُلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدُّنيا حينَ يبقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فيقولُ مَنْ يدعوني فأستجيبَ له مَنْ يسألُني فأعطيَه مَنْ يستغفرُني فأغفرَ له ” .. رواه البُخَارِيُّ في[(صحيحه)/كتاب الجُمُعَة].. 

ورَوَاهُ الإمامُ مسلم في[(صحيحه)/كتاب صلاة المسافرينَ وقَصْرِها]بلفظ :” إذا مضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أو ثلثاهُ يَنْزِلُ الله ، تباركَ وتعالى ، إلى السَّماء الدُّنيا فيقولُ هل من سائلٍ يُعْطَى هل من داعٍ يُسْتَجَابُ له هل من مستغفرٍ يُغْفَرُ له حتَّى ينفجرَ الصُّبْحُ ” ..

ورَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ في[(سننه)/كتاب الدَّعَواتِ عن رسولِ الله]وصحَّحه بلفظ :” يَنْزِلُ ربُّنا كُلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدُّنيا حينَ يبقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فيقولُ مَنْ يدعوني فأستجيبَ له ومَنْ يسألُني فأعطيَه ومَنْ يستغفرُني فأغفرَ له ” ..

أهلُ الحَقِّ يقولون :” المضافُ محذوف ، والتقديرُ : يَنْزِلُ مَلَكُ ربِّنا بأمرٍ من الله ، ولا يَتَّصِفُ اللهُ بالحركةِ والسُّكون ” ..

وممَّا استدلُّوا بهِ على تأويلِهم ما رواه النَّسَائِيُّ في (عَمَلِ اليومِ واللَّيلة) بإسنادٍ صحيحٍ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقد رَوَى عنه أنه قال :” إنَّ الله يُمْهِلُ حَتَّى إذا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ الأَوَّلِ يأمرُ مناديًا فينادي .. ” إلى ءاخرِ الحديث ..

إنَّ روايةَ النَّسَائِيِّ فَسَّرَتْ معنى النُّزول .. فيكونُ معنى النُّزول أنَّ الْمَلَكَ يَنْزِلُ بأمرِ الله . قالَ الإمامُ مالك :” معناه تَنْزِلُ رحمتُه وأمرُه وملائكتُه كما يقالُ فَعَلَ السُّلْطَانُ كَذَا إذا فَعَلَهُ أتباعُه ” .. أنظر[(شرح صحيح مسلم)/ج6/ص279]للنَّوَوِيِّ ..

————————————————

03)رَوَى البُخَارِيُّ أَنَّ النبيَّ ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال :” إذا كانَ أَحَدُكُمْ في صلاتهِ فإنه يناجي رَبَّهُ فلا يَبْصُقَنَّ في قِبْلَتهِ ولا عن يمينهِ فإنَّ رَبَّهُ بينَه وبينَ قِبْلَتهِ ” . وهذا الحديثُ أقوى إسنادًا من حديثِ الجاريةِ السَّوداء الْمُشَارِ إليه سابقًا .. مُنَاجَاةُ الله معناه الإقبالُ على الله بدعائهِ وتمجيدِه .. والمعنى أنَّ الْمُصَلِّيَ تجَرَّدَ لمخاطبةِ رَبِّه ، إنقطعَ عَنْ مخاطبةِ النَّاسِ لمخاطبةِ الله . فليسَ من الأَدَب مَعَ الله أَنْ يَبْصُقَ أمامَ وَجْههِ . وليسَ معناه أَنَّ الله هو بذاتهِ تلقاءَ وَجْههِ . وأَمَّا قولُه ، عليه الصَّلاة والسَّلام :” فإنَّ رَبَّهُ بينَه وبينَ قِبْلَتهِ ” فمعناه أَنَّ رَحْمَةَ الله أمامَه . هي الرَّحْمَةُ الخَاصُّةُ التي تنزِل على الْمُصَلِّين . حُذِفَ المضافُ وبقيَ المضافُ إليه .. أنظر[(الشَّرح القويم)/ط6/ص125/ص126].. ..

————————————————

04)أخرج البُخَارِيُّ عن أبي موسى الأشعريِّ قال كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، فَكُنَّا إذا أَشْرَفْنَا على وادٍ هَلَّلْنَا وكَبَّرْنا وارْتَفَعَتْ أصواتُنا فقال النبيُّ :” يا أيُّها النَّاسُ ارْبَعُوا على أَنْفُسِكُمْ ـ أيْ هَوِّنوا على أنفسكم ـ فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غائبًا إنهُ مَعَكُمْ إنهُ سميعٌ قريبٌ تباركَ اسمُه وتعالى جَدُّه ” .. هذه روايةُ البخاريِّ في[(صحيحهِ)/كتاب الجِهَادِ والسِّيَر/باب ما يُكْرَهُ من رَفْعِ الصَّوْتِ في التكبير].
وروايةُ مسلمٍ في (الصَّحيح) :” والذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ ” .. أنظر[(صحيح مسلم)/كتاب الذِّكْرِ والدُّعاء والتوبة والاستغفار/باب استحباب خَفْضِ الصَّوْتِ بالذِّكْرِ]..

هذا الحديثُ يستفادُ منهُ فوائدُ ، منها أنَّ الاجتماعَ على ذِكْرِ الله كانَ في زَمَنِ الصَّحابة ، فقد كانوا في سَفَرٍ فوصلوا إلى وادي خيبرَ فصاروا يُهَلِّلُونَ ويُكَبِّرُونَ بصوتٍ مرتفعٍ فقال رسولُ الله ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، شَفَقَةً عليهم :” يا أيُّها النَّاسُ ارْبَعُوا على أَنْفُسِكُمْ “ ، أيْ هَوِّنوا على أنفسِكم ولا تُجْهِدُوها برفعِ الصَّوْتِ كثيرًا ، ” فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غائبًا ” ، أيْ اللهُ تعالى يسمعُ بسَمْعهِ الأَزَلِيِّ جميعَ المسموعاتِ قَوِيَّةً كانتْ أو ضعيفةً في أيِّ مكانٍ كانتْ وهو ليس غائبًا أيْ لا يَخْفَى عليهِ شيءٌ .. وأمَّا قولُه :” والذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ ” فليسَ معناهُ القُرْبَ بالمسافةِ لأنَّ ذلكَ مستحيلٌ على الله ، فالعَرْشُ الذي هو سقفُ الْجَنَّةِ والفَرْشُ الذي هو أسفلُ العَالَمِ بالنسبةِ إلى ذاتِ الله على حَدٍّ سواء ليسَ أَحَدُهُمَا أقربَ من الآخَرِ إلى الله بالمسافةِ وإنما معناهُ أنَّ الله أعلمُ بالعَبْدِ من نَفْسهِ وأنَّ الله مُطَّلِعٌ على أحوالِ عبادِه لا يَخْفَى عليهِ شيءٌ .

————————————————

05)ورُوِيَ عن النبيِّ ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، أنه قال :” والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لو أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ رَجُلا بحَبْلٍ إلى الأرضِ السُّفْلَى لَهَبَطَ على الله ” ..

رواهُ التِّرْمِذِيُّ في[(سننه)/كتاب تفسيرِ القرءانِ عن رسولِ الله/باب ومِنْ سورة الحديد]..

هذا الحديثُ ضعيفٌ .. لكنْ تَأَوَّلَهُ علماءُ الحديثِ على أنَّ عِلْمَ الله شاملٌ لجميعِ الأقطارِ وأنهُ مُنَزَّهٌ عنِ المكانِ . فالشَّاهِدُ هو في استدلالِ العلماء بهِ على نَفْيِ المكانِ عن الله .

قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ العسقلانيُّ :” معناهُ أنَّ عِلْمَ الله يَشْمُلُ جميعَ الأقطارِ . فالتقديرُ : لَهَبَطَ على عِلْمِ الله ، والله سبحانَه وتعالى تَنَزَّهَ عنِ الحلولِ في الأماكنِ . فالله سبحانَه وتعالى كانَ قبلَ أنْ تَحْدُثَ الأماكنُ ” .. نَقَلَهُ عنهُ تلميذُه الحافظُ السَّخَاوِيُّ في كتابهِ[(المقاصدُ الحَسَنَة)/رقم 86/ص342]..

وذَكَرَهُ أيضًا المحدِّث المؤرِّخ مُحَمَّدُ بنُ طولون الحنفيُّ وأقرَّه عليه .. أنظرِ[(الشَّذْرَة في الأحاديثِ المشتهِرَة)/ج2/ص72]لابنِ طولون//دار الكتب العلميَّة//بيروت//

وقال الحافظُ المحدِّث أبو بكرٍ الْبَيْهَقِيُّ الشَّافِعِيُّ الأشعريُّ بعد أنْ ذَكَرَ هذه الرِّوايَةَ ما نصُّه :” والذي رُوِيَ في ءاخِرِ هذا الحديثِ إشارةٌ إلى نَفْيِ المكانِ عنِ الله تعالى ، وأنَّ العبدَ أينما كانَ فهُوَ في القُرْبِ والبُعْدِ من الله سواء ، وأنه الظَّاهِرُ ـ يعني الله ـ فيَصِحُّ إدراكُه بالأدلَّة ، وأنه البَاطِنُ فلا يَصِحُّ إدراكُه بالكَوْنِ في مكان “ا.هـ.. أنظرِ[(الأسماء والصِّفات)/باب ما جاء في العرشِ والكُرْسِيِّ/ص400]للحافظِ الْبَيْهَقِيِّ//دار إحياء التراث العربي//بيروت//..

وكذلكَ استدلَّ بهِ أبو بكرِ بنُ العربيِّ المالكيُّ في شرحهِ على (سننِ التِّرْمِذِيِّ) على أنَّ الله مَوْجُودٌ بلا مكان . فقال ما نصُّه :” والمقصودُ مِنَ الخَبَرِ أنَّ نسبةَ البارئ مِنَ الْجِهَاتِ إلى فوق كنسبتهِ إلى تحت ، إذْ لا يُنْسَبُ إلى الكَوْنِ في واحدةٍ منهما بذاتهِ “ا.هـ.. أنظر[(عارضة الأحوذي بشرحِ صحيح التِّرْمِذِي)/كتاب التفسير/سورة الحديد/ج12/ص184]لابنِ العربيِّ//دار الفِكْر//بيروت//

أيْ أنَّ الله مُنَزَّهٌ عنِ الجهةِ فلا يسكنُ فوقَ العرشِ كما تقولُ المجسِّمة ولا يسكنُ الْجِهَةَ السُّفْلَى من العالمِ لأنَّ الله تعالى كانَ قبلَ الْجِهَاتِ السِّتِّ . ومَنِ استحالَ عليهِ الْجِهَةُ استحالَ عليهِ المكانُ . فالله تعالى لا يَحُلُّ في شيءٍ ولا يشبهُ شيئًا ، سبحانَه وتعالى عمَّا يقولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كبيرًا ..

——————————————–

06)عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يقولُ يومَ القيامةِ يا ابنَ ءادَمَ مَرِضْتُ فلمْ تَعُدْنِي قال يارَبِّ كيفَ أَعُودُكَ وأنتَ رَبُّ العَالَمِينَ قال أمَا عَلِمْتَ أنَّ عبدِي فلانًا مَرِضَ فلم تَعُدْهُ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عندَه يا ابنَ ءادَمَ استطعمتُك فلم تُطْعِمْنِي قال يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ وأنتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قال أَمَا عَلِمْتَ أنه اسْتَطْعَمَكَ عبدِي فلانٌ فلم تُطْعِمْهُ أمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لو أَطْعَمْتَهُ لوَجَدْتَ ذلكَ عندِي يا ابنَ ءادَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فلم تَسْقِنِي قال يا رَبِّ كيفَ أَسْقِيكَ وأنتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قال استسقاكَ عبدِي فلانٌ فلم تَسْقهِ أَمَا إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجدتَ ذلكَ عندِي ..

هذا حديثٌ قُدْسِيٌّ صحيحٌ رواه الإمامُ مسلم في[(صحيحه)/كتاب البِرِّ والصِّلة والآداب/باب فضلِ عيادةِ المريض]..

وقولُ الله تعالى :” مَرِضْتُ ” معناه : مَرِضَ عبدي ، أي على تقدير مُضاف ، وهذا كما في قولهِ تعالى في سورة الفَجْرِ (( وجاء رَبُّكَ )) .. هذا يقالُ له عندَ علماء البيان مَجَازُ الحَذْفِ ، ومعناه جاءتْ قُدْرَتُهُ ايْ ءاثارُ القُدْرَةِ العظيمةِ التي تَظْهَرُ ذلكَ اليومَ .

و ” استطعمتُك ” معناه اسْتَطْعَمَكَ عبدي ، أي طَلَبَ عبدي منك أنْ تُطْعِمَهُ ..

كذلكَ وَرَدَ في الحديث القدسيِّ :” فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به وبصرَه الذي يُبْصِرُ به ويدَه التي يَبْطِشُ بها ورجلَه التي يمشي بها ” . معناه كنتُ حافظَ رِجْلهِ .. المضافُ هنا مُقَدَّر .. والحديثُ رواه البُخَارِيُّ في[(صحيحه)/كتاب الرِّقاق]..

بعضُ غُلاةِ المتصوِّفة افْتَرَوْا حديثًا مَوْضُوعًا أرادوا أنْ يجعلوه من هذا القبيلِ فقالوا :” يقولُ الله تعالى فإذا أحببتُه كُنْـتُهُ ” .. وهذا من كلام الْمَلاحِدَةِ الذينَ ينتسبونَ إلى التصوُّف . هذا لا يُؤَوَّلُ بلْ يُحْكَمُ بكُفْرِ قائلهِ ..

————————————————

07)عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم قال الله عَزَّ وجَلَّ يُؤْذِينِي ابنُ ءادَمَ يقولُ يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فإنِّي أنا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ ليلَهُ ونهارَه فإذا شئتُ قَبَضْتُهُمَا ” .. رواه الإمامُ مسلمٌ في[(صحيحهِ)/كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها/باب النهي عن سَبِّ الدَّهْر]..

وقولُه تعالى في هذا الحديثِ القُدْسِيِّ ” أنا الدَّهْرُ ” معناهُ أنا خالقُ الدَّهْرِ ، ليسَ معناهُ أنَّ الله هو الدَّهْرُ نَفْسُهُ أي الزَّمَنُ لأنَّ الدَّهْرَ مُؤَلَّفٌ من أيَّامٍ وليالٍ وأَزْمِنَةٍ تتعاقبُ والله خالقُ الزَّمانِ وهو مَوْجُودٌ قبلَ الزَّمانِ مُنَزَّهٌ عنه لا يجري عليهِ وَقْتٌ ولا يَحُدُّهُ مكانٌ أو جِهَةٌ ..

وقولُه تعالى في الحديثِ القُدْسِيِّ :” فلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ ” فهو نهيٌ لأولئكَ الذينَ كانوا يقولونَ هذا الكلامَ من مشركي العَرَبِ يعتقدونَ أنَّ الدَّهْرَ هو الْمُتَصَرِّفُ في العَالَمِ الْمُدَبِّرُ للمخلوقات ..

————————————————

08)جاء رَجُلٌ إلى رسولِ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، وقد كانَ الرَّسُولُ يشكو من أَلَمٍ في ظهره ، فقال له :” أَرِني هذه التي بظَهْرِكَ فإني رَجُلٌ طبيب ” .

فقال له رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :” الله الطَّبيب . بل أنتَ رَجُلٌ رَفيقٌ . طبيبُها الذي خَلَقَهَا ” .

رواه أبو داوُدَ في[(سننه)/كتاب التَّرَجُّل/باب في الخِضَاب]، والإمامُ أحمدُ في[(مسندِه)/مسند الشَّامِيِّين]..

معناهُ أنتَ تَرْفُقُ بالمريضِ وتَتَلَطَّفُهُ والله يُبْرِئُهُ ويُعافيه .. ولا يُؤْخَذُ من الحديثِ جوازُ تسميةِ الله بالـ[[الطَّبيب]]، وإنما هذا من باب الوصفِ أيْ وَصْفِ الله بأنهُ خالقُ الشِّفاء ..

———————————————–

09)عن أبي هريرةَ قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّ الله قال مَنْ عادَى لي وليًّا فقد ءاذنتُه بالحرب وما تقرَّب إليَّ عبدِي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليهِ وما يزالُ عبدِي يتقرَّب إليَّ بالنوافلِ حتَّى أحبَّه فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ بهِ وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بهِ ويدَه التي يَبْطِشُ بها ورِجْلَهُ التي يمشي بها وإنْ سألني لأُعْطِيَنَّهُ ولَئِنِ استعاذَني لأُعِيذَنَّهُ ومَا تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه تَرَدُّدِي عن نفسِ المؤمنِ يَكْرَهُ الموتَ وأنا أكرهُ مَسَاءَتَهُ .. والحديثُ رواهُ البخاريُّ في[(صحيحه)/كتاب الرِّقاق]..

وعن أبي هريرةَ قال قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ الله تعالى أنا عند ظَنِّ عبدِي بي وأنا مَعَهُ إذا ذَكَرَنِي فإنْ ذَكَرَنِي في نفسهِ ذَكَرْتُهُ في نفسي وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلإٍ خيرٍ منهم وإنْ تَقَرَّبَ إليَّ شبرًا تَقَرَّبْتُ إليه ذِرَاعًا وإنْ تَقَرَّبَ إليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إليهِ باعًا وإنْ أتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلَةً .. . والحديثُ صحيحٌ متَّفق عليه رواه البُخَارِيُّ ومسلم .. ولا بُدَّ من إخراجهِ عن ظاهرِه تحاشيًا من الوقوعِ في التشبيهِ والتجسيم .

————————————

10)قولُه تعالى في سورة البَقَرَةِ (( هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أنْ يَأْتِيَهُمُ الله في ظُلَلٍ من الغَمَامِ )) فَسَّرَهُ الزَّجَّاجُ بإتيانِ اللهِ لَهُمْ بما وَعَدَهُمْ من العذاب والحِساب . وذلك في كتابه (تفسير القرءان) . وهو كتابٌ مخطوطٌ في مكتبة كوبريلي في إستانبول .. كما ذكر الزَّجَّاجُ نَفْسُهُ في كتابه (تفسير القرءان) تأويلَ أهلِ اللُّغَةِ لقول الله تعالى في سورة الحَشْرِ (( فأتاهمُ الله مِنْ حيثُ لم ‎‎يحتسبوا )) بخذلانهِ سبحانَه وتعالى إيَّاهم .

والظُّلَّةُ ، بالضَّمِّ ، أَوَّلُ سحابة تُظِلُّ ، وما أَظَلَّكَ من شَجَر . وقولُه تعالى في سورة الشُّعراء (( فأَخَذَهُمْ عذابُ يومِ الظُّلَّةِ )) معناه سَلَّطَ عليهم سحابةً أَمْطَرَتْهُمْ نارًا .. والظُّلَّةُ أيضًا شيءٌ كالصُّفَّةِ يُسْتَتَرُ بهِ من الحَرِّ والبرد .. وجمعُ الظُّلَّةِ ظُلَل .. وجمع الظِّلِّ ظِلالٌ وأَظِلَّةٌ وظُلولٌ وأظلالٌ ..

——————————————-

11)قلبُ العبدِ ليسَ للعبدِ سلطانٌ عليهِ وإنما الله تعالى هو وحدَه الْمُتَصَرِّفُ في قلب العبدِ كيفَ يشاء ، سبحانَه وتعالى ، من غيرِ أنْ تَتَغَيَّرَ مشيئةُ الله .

رَوَى الإمامُ مسلمٌ في[(صحيحه)/كتاب القَدَر]عن رسولِ الله أنه قال :” إنَّ قلوبَ بني ءادمَ كُلَّهَا بينَ إصْبَعَيْنِ من أصابعِ الرَّحْمٰنِ كَقَلْبٍ واحدٍ يُصَرِّفُهُ حيثُ يشاء ” .. وقال :” اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القلوبِ صَرِّفْ قلوبَنا على طاعتِك ” .

ورَوَاهُ ابنُ ماجهْ في[(سننه)/كتاب الْمُقَدِّمَة]بلفظ :” ما من قلبٍ إلا بينَ إصْبَعَيْنِ منْ أصابعِ الرَّحْمٰنِ ، إن شاء أقامَه وإن شاء أزاغَه ” . وكانَ كثيرًا ما يقول :” يا مُثَبِّتَ القلوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا على دينك ” . ومعنى الحديثِ أنَّ اللهَ الذي ليسَ كَمِثْلهِ شيءٌ هو وحدَه الذي له سلطانٌ على قلوبنا . يخلقُ الله الإيمانَ في قلوب مَنْ شاء اللهُ في الأزل لهم الإيمانَ ، ويخلقُ الله الكُفْرَ في قلوب مَنْ شاء اللهُ في الأزل لهمُ الكُفْرَ . ولذلكَ فإنَّ الْمُسْلِمِينَ المؤمنينَ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ يقولون (( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بعد إذْ هَدَيْتَنَا ))[ءال عِمْران/3].

وبعضُ الجهَّال يفسِّرون الحديثَ على حَسَبِ ما تُمْلِيهِ عليهِم أهواؤُهم ، فيظنُّون أنَّ لله تعالى أصابعَ مُحْدَثَةً كأصابعِ الإنسانِ فيَكْفُرُونَ لوقوعِهم في التشبيهِ والتجسيم . فالله سبحانَه ليسَ كَمِثْلهِ شيءٌ وهو مُنَزَّهٌ عنِ الأجسامِ والْمُحْدَثَاتِ . ومن المعروفِ أنَّ الأصابعَ تكونُ أعضاءً مُرَكَّبَةً من لحمٍ وعظمٍ وأعصابٍ وتشتملُ على الأناملِ والأظفارِ ، وهي نابتةٌ في الكَفِّ ، مخلوقةٌ مُحْدَثَةٌ قابلةٌ للفَناء . والله سبحانَه مُنَزَّهٌ عنِ التركيبِ والجوارح . فلا يجوزُ فَهْمُ الحديثِ على هذا المعنى ، بل يجبُ تأويلُه ، أي إخراجُه عن ظاهرِه ، لنَسْلَمَ من الانزلاقِ في التشبيهِ والتجسيم .

——————————————–

12)ورَوَى التِّرْمِذِيُّ في[(سننه)/كتاب الزَّكاة عن رسول الله]والإمامُ مسلمٌ في[(صحيحه)/كتاب الزَّكاة]واللَّفْظُ له أنَّ رسولَ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال :” ما تَصَدَّقَ أَحَدٌ بصَدَقَةٍ مِن طَيِّبٍ ، ولا يَقْبَلُ اللهُ إلا الطَّيِّبَ ، إلا أخذها الرَّحْمٰنُ بيمينهِ وإنْ كانتْ تمرةً فتَرْبُو في كَفِّ الرَّحْمٰنِ حتَّى تكونَ أعظمَ من الجبلِ كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أو فَصِيلَهُ ” ..

والفَلُوُّ الْمُهْرُ إذا فُصِلَ وعُزِلَ عن أُمِّهِ .. والفصيلُ وَلَدُ النَّاقةِ إذا فُصِلَ من إرضاعِ أمِّه .. والمرادُ أنَّ الله يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ ويُعْظِمُ أجرَها ..

*وفي (مختار الصِّحاح) ما نصُّه :” قولُ الله تعالى (( وما قَدَرُوا اللهَ حقَّ قَدْرِه )) معناه : ما عَظَّمُوا اللهَ حَقَّ تعظيمه “ا.هـ..

*يقولُ الله تعالى في سورة الزُّمَر (( وما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأرضُ جميعًا قَبْضَتُهُ يومَ القيامةِ والسَّمٰواتُ مَطْوِيَّاتٌ بيمينه ، سبحانَه وتعالى عمَّا يشركون )) . وليس معنى الآيةِ أنَّ لله تعالى عضوًا أو يدًا جارحةً . وذلك لأنَّ الله تعالى ليس كَمِثْلهِ شيء . فإمَّا أنْ يقالَ في شرح الآيةِ إنَّ السَّماواتِ تَفْنَى وتُبَدَّلُ بيمينِ الله على ما يليقُ بالله تعالى لا بمعنى الظَّاهِر . وإمَّا أن يقالَ إنَّ السَّماواتِ تَفْنَى وتُبَدَّلُ بيمينِ الله أي بقدرته .. فالسَّماواتُ يومَ القيامةِ تتكسَّر ويصيرُ فيها فُتُحَاتٌ .. السَّماواتُ ، اليومَ ، ليس فيها فُتُحَاتٌ ، بل فيها أبواب .. لكنْ يومَ القيامةِ تصيرُ مُتَشَقِّقَةً والملائكةُ على أطرافِها ثمَّ تُلَفُّ . وهذا الطَّيُّ الواردُ في الآيةِ هو الإفناء .. يقولُ الله تعالى في سورةِ الأنبياء (( يومَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ للكتب )) .. والسِّجِلُّ هو الصَّكُّ ..

*السَّماوات السَّبْعُ يومَ القيامةِ تَتَشَقَّقُ ويَتَغَيَّرُ لونُها وتَتَغَيَّرُ هيئتُها ثمَّ تُرْمَى في الجَنَّة ..

———————————————–

13)قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :” إنَّ الله يَغَارُ . وغَيْرَةُ الله أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ ما حَرَّمَ الله ” .. رَوَاهُ البخاريُّ في (صحيحه) ..

ورَوَاهُ مسلمٌ بلفظ :” إنَّ الله يَغَارُ وإنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وغَيْرَةُ الله أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ ما حَرَّمَ الله ” .

معناه : إنَّ الله لا يحبُّ المعصيةَ . لا يحبُّ من عبده أن يَعْصِيَهُ . واعلموا أنَّ الله لا يُوصَفُ بصفةٍ لا تَلِيقُ به . فلا يُوصَفُ بالانفعالِ والتَّأَثُّرِ لأنَّ الانفعالَ والتَّأَثُّرَ من صفاتِ الخَلْقِ ..

وفي روايةٍ عند البُخَارِيِّ ومسلمٍ والتِّرْمِذِيِّ :” لا أَحَدَ أَغْيَرُ من الله . ولذلكَ حَرَّمَ الفواحشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ ” .. معناه : ما أَحَدٌ أكثرَ زَجْرًا عن الفواحشِ من الله ..

—————————————–

14)السُّرُورُ والفَرَحُ اللَّذَانِ يَقَعَانِ للإنسانِ سَبَبُهُمَا انبساطُ النَّفْسِ من بعضِ الأمور . وهذه الأعراضُ عنِ الله تعالى مَنْفِيَّةٌ . وأمَّا حديثُ رسولِ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم :” الله أَفْرَحُ بتوبةِ عبدِه مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ على بعيرِه وقد أَضَلَّهُ في أرضِ فَلاة ” فقد قال أبو سليمانَ الخَطَّابِيُّ :” معناهُ أَرْضَى بالتَّوْبَةِ وأَقْبَلُ لَهَا . والفَرَحُ الذي يتعارفُه النَّاسُ مِنْ نُعُوتِ بني ءادَمَ غيرُ جائزٍ على الله عَزَّ وجَلَّ ” .. والحديثُ المذكورُ رواهُ البُخَارِيُّ في[(صحيحه)/كتاب الدَّعَوَات/باب التوبة]..

———————————————-

15)الْمَلَلُ الذي يَطْرَأُ على الإنسانِ أثناءَ القِيَامِ بعَمَلٍ ما إنما هو من علاماتِ ضَعْفهِ ، وهو لا يجوزُ في حَقِّ الله تعالى . وأمَّا قولُ رسولِ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم :” خُذُوا من العملِ ما تُطِيقُونَ فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا ” فقد قال أبو سليمانَ الْخَطَّابِيُّ :” الْمَلالُ ـ أي الذي هو حالةٌ نفسانيَّة تعتري النَّاس ـ لا يجوزُ على الله سبحانَه وتعالى بحالٍ ، ولا يَدْخُلُ في صِفَاتهِ بوَجْهٍ ، وإنما معناهُ أنهُ لا يتركُ الثَّوابَ والجزاءَ على العَمَلِ ما لم تتركوهُ . وذلكَ أنَّ مَنْ مَلَّ شيئًا تَرَكَهُ ، فكَنَّى عنِ التَّرْكِ بالْمَلالِ الذي هو سَبَبُ التَّرْكِ ” .. والحديثُ المذكورُ رواهُ البُخَارِيُّ في[(صحيحهِ)/كتاب الصَّوم/باب صَوْمِ شعبان]..

—————————————

16)رَوَى البَيْهَقِيُّ في كتابهِ[(الأسماء والصِّفات)/ص478]عن رسول الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، أنه قال :” لا يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ فيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ويُسْبِغُهُ ثمَّ يأتي المسجدَ لا يريدُ إلَّا الصَّلاةَ فيه إلا تَبَشْبَشَ اللهُ بهِ كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بطَلْعَتهِ ” .

ثمَّ نَقَلَ البَيْهَقِيُّ عن أبي الْحَسَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ تأويلَه لقولِ رسول الله :” تَبَشْبَشَ اللهُ ” بـ[[رَضِيَ الله]]، ثمَّ قال البَيْهَقِيُّ :” ولِلْعَرَبِ استعاراتٌ في الكلام . أَلَا تَرَى إلى قولهِ تعالى في سورة النحل (( فأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ والْخَوْفِ )) بمعنى الاختبارِ ، وإنْ كانَ أصلُ الذَّوْقِ بالفَمِ . والعَرَبُ تقولُ ناظِرْ فُلانًا وذُقْ ما عِندَه على معنى تَعَرَّفْ واختبرْ ” .

ورواهُ أيضًا أبو داودَ الطَّيالِسِيُّ في[(مسندِه)/ص307]، وابنُ حِبَّانَ في (صحيحهِ) ، أنظرِ[(الإحسان بترتيب صحيحِ ابنِ حِبَّانَ)/ج3/ص67]..

راجع[(صريح البيان)/ط1/ص74]و[(المقالات السُّـنِّـيَّة)/ط4/ص185]لمولانا الهرريِّ

.

وعن أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَجُلًا أتى النبيَّ ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، فبَعَثَ إلى نسائهِ فقُلْنَ ما مَعَنَا إلَّا الماءُ فقال رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ يَضُمُّ أو يُضِيفُ هذا فقال رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ أنا فانْطَلَقَ بهِ إلى امرأتهِ فقال أَكْرِمِي ضَيْفَ رسولِ الله فقالتْ ما عندَنا إلَّا قُوتُ صِبْيَاني فقال هَيِّئِي طَعَامَكِ وأَصْبِحِي سِرَاجَكِ ونَوِّمِي صِبْيَانَكِ إذا أرادوا عَشَاءً فهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا ونَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ثمَّ قَامَتْ كأنها تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فأَطْفَأَتْهُ فجَعَلا يُرِيَانهِ أنهما يأكُلانِ فباتا طَاوِيَيْنِ فلَمَّا أصبحَ غَدَا إلى رسولِ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ فقال ضَحِكَ الله اللَّيْلَةَ أو عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا فأنزلَ الله (( ويُؤْثِرُونَ على أنفسِهم ولو كانَ بهِم خَصَاصَةٌ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسهِ فأولئكَ هُمُ الْمُفْلِحُون ))[الحشر/9].. والضَّحِكُ الواردُ في الحديثِ واقعٌ بمعنى الرِّضَى وليسَ كَضَحِكِ البَشَرِ ، كما قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (الفتح) عند شرحهِ لهذا الحديث :” ونسبةُ الضَّحِكِ والتَّعَجُّبِ إلى الله مَجَازِيَّةٌ ، والْمُرادُ بهِما الرِّضَا بصَنيعِهِما ” .. أنظر[(فتح الباري)/كتاب فضائل الصَّحابة]..

ويقولُ ابنُ حَجَرٍ في موضعٍ ءاخَرَ من كتابهِ :” وأَوَّلَ البُخَارِيُّ الضَّحِكَ الوَارِدَ في الحديثِ بالرَّحمة . نَقَلَ ذلكَ عنهُ الخَطَّابِيُّ وهو قريبٌ ، وتأويلُه على معنى الرِّضَا أَقْرَبُ ” .. أنظر[(فتح الباري)/كتاب الجهاد والسِّيَر]..

.

ومِمَّا وَرَدَ عن تَعَجُّبِ الله تعالى ما رواهُ عبدُ الله بنُ مسعودٍ قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وجَلَّ من رَجُلٍ غَزَا في سبيلِ الله فانهزمَ يعني أصحابَه فعَلِمَ ما عليهِ فرَجَعَ حتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ فيقولُ اللهُ تعالى لملائكتهِ انْظُرُوا إلى عبدِي رَجَعَ رَغْبَةً فيما عندِي وشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي حتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ .. رواه أبو داودَ في[(سننه)/كتاب الجهاد/باب في الرَّجُلِ يَشْرِي نَفْسَه]..

————————————-
 

17)قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :” لا تَزَالُ جَهَنَّمُ تقولُ هلْ مِنْ مَزِيدٍ حتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فيها قَدَمَهُ فتقولُ قَطْ قَطْ ” .. هذه روايةُ البُخَارِيِّ ..

ورِوَايَةُ مسلم :” لا تزالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فيها وتقولُ هلْ مِنْ مَزِيدٍ حتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فيها قَدَمَهُ فينزوي بعضُها إلى بعضٍ وتقولُ قَطْ قَطْ ” ، أي اكْتَفَيْتُ اكْتَفَيْتُ ..

ولا يَصِحُّ حملُ القَدَمِ في الحديثِ على أنها صفةُ الله بلا كيفٍ لأنَّ صِفَةَ الله لا تفارقُ ذاتَه ولا تَلِجُ النَّارَ .. وإنما المرادُ بالقَدَمِ الفَوْجُ الأخيرُ من يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ الذي يُقَدَّمُ إلى جَهَنَّمَ حتَّى تمتلئَ بهم  .. لأنه قد ثَبَتَ في الأحاديثِ الصَّحِيحَةِ الواردةِ عن رسولِ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، أنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ لا يموتُ أحدُهم حتَّى يَلِدَ ألفًا من صُلْبهِ أو أكثرَ ، فيصيرُ عددُهم قبلَ خروجِهم كبيرًا جدًّا ، حتَّى إنَّ البشَر ، يومَ القيامة ، بالنسبةِ إليهم من حيثُ العددُ كواحدٍ من مِائَةٍ وفي روايةٍ كواحدٍ من ألف ..

وعند البُخَارِيِّ وَرَدَ الحديثُ السَّابِقُ المذكورُ بلفظ :” فأمَّا النَّارُ فلا تمتلئُ حتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فتقولُ قَطْ قَطْ فهنالكَ تمتلئُ ويُزْوَى بعضُها إلى بعض ” .. أنظر[(صحيح البُخَارِيِّ)/كتاب تفسير القرءان/باب قوله وتقولُ هل مِنْ مزيد]..

فقولُ رسول الله ” رِجْلَهُ ” يعني به الفَوْجَ الأخيرَ من يأجوجَ ومأجوجَ الذي يَدْخُلُ جَهَنَّمَ فتمتلئُ بهم  .. ومعروفٌ عند العَرَبِ أنهم كانوا يقولون :” غَزَانَا رِجْلٌ من جَرَادٍ ” ، أيْ فَوْجٌ من جراد ..

————————————————

18)الوَجْهُ واليَدُ والعَيْنُ وَرَدَ في القرءانِ الكريمِ إضافتُها إلى الله تعالى . فإذا أَنْكَرَ أَحَدٌ ذلكَ فلا نُكَفِّرُهُ إلَّا إذا كان اطَّلَعَ في القرءانِ عليها ومَعَ ذلكَ أنكرَها فعندئذٍ نُكَفِّرُهُ ، أي إنْ أَنْكَرَ أصلَ الإضافةِ بعد أنِ اطَّلَعَ في القرءانِ على ذلك فهذا يُكَفَّرُ .

وكلمة[[العين]]تأتي بمعنى الحِفْظِ كما في قولهِ تعالى في سورة طه (( ولِتُصْنَعَ على عينِي )) ، أي على حِفْظِي ، وهو خطابٌ لموسى . وكما في قولهِ تعالى في سورة القَمَر إخبارًا عن سفينةِ نوح (( تجري بأعيننا جزاءً لِمَنْ كان كُفِر )) .. فقولُه تعالى (( جزاءً لمنْ كانَ كُفِر )) أي جعلنا ذلك ثوابًا وجزاءً لنوحٍ على صبرِه على أذى قومهِ ، وهو المكفورُ به .. . . فاللام في (( لِمَنْ )) لامُ المفعولِ له ، و(( كُفِرَ )) معناهُ جُحِدَ ، و(( مَنْ )) كناية عن نوحٍ عليه السلام .. و(( تجري بأعيننا )) أي أنَّ سفينةَ نوحٍ تجري بحِفْظِنا ..

أمَّا قولُ الله تعالى في سورة المائدة (( بل يداهُ مبسوطتانِ يُنْفِقُ كيف يشاء )) فمعناه أنَّ الله واسعُ الكَرَمِ غنيٌّ . وأمَّا قولُ الله تعالى في سورة الفتح (( يَدُ الله فوق أيديهم )) فمعناه : عَهْدُ الله فوقَ عهودِهم . أي ثَبَتَ عليهم عَهْدُ الله لأنَّ مُعَاهَدَتَهُمْ للرسولِ تحتَ شجرة الرِّضْوَانِ في الْحُدَيْبِـيَةِ على أنْ لا يَفِرُّوا معاهدةٌ لله تعالى لأنَّ الله هو الذي أَمَرَ نبيَّه بهذه المبايعة .

قال الرَّازي في (مختار الصِّحاح) ما نصُّه :” الْيَدُ : القُوَّةُ .. وأيَّدَهُ الله : قَوَّاهُ .. ومالي بزيدٍ يدانِ أي طاقة .. وقولُه تعالى في سورة التوبة (( حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ )) معناهُ عن ذِلَّةٍ واستسلام . وقيل : معناه نَقْدًا لا نسيئة .. ولا أعرفُ أحدًا من أئمَّة اللُّغَةِ أو التفسيرِ ذَهَبَ إلى ما ذَهَبَ إليه الْجَوْهَرِيُّ مِنْ أنَّ كلمةَ أَيْدٍ المذكورة في قولهِ تعالى (( والسَّمَاءَ بنيناها بأيدٍ )) هي جمعُ يَدٍ ، بل هي مَصْدَرُ ءاد يئيدُ أَيْدًا إذا قَوِيَ . وإنما قولُه تعالى (( بأيدٍ )) أي بقوَّة “ا.هـ

ولعلَّ الجوهريَّ أخذ تفسيرَه للآية من قولهِ تعالى في سورة يس (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لهم مِمَّا عَمِلَتْ أيدِينا أنعامًا فهُم لها مالِكُون )) .. ولا يَصِحُّ حَمْلُ (( أيدِينا )) في الآيةِ على القُوَّةِ لأنَّ اللُّغَةَ لا تقبلُ ذلك لأنَّ القُوَّةَ في حال الرَّفْعِ يقالُ لها الأَيْدُ ولا يقالُ لها الأَيْدِي وإنما الأَيْدِي في حال الرَّفْعِ جمعُ يَدٍ ليس غير ..

#قولُه تعالى في سورة ص (( واذْكُرْ عبدَنا داودَ ذا الأَيْدِ ، إنه أَوَّاب )) معناه : أُذْكُرْ يا مُحَمَّدُ عبدَنا داودَ (( ذا الأَيْدِ )) أيْ ذا القُوَّةِ في العبادةِ والعملِ الصَّالح .. والأَيْدُ القُوَّةُ كما قلنا .. وكان داودُ ، عليه السَّلام ، ذا قُوَّةٍ عاليةٍ في عبادةِ الله وطاعتهِ وعَمَلِ الصَّالحات ، كان أوَّابًا مطيعًا لله تعالى .

————————————

19)ووَرَدَ في[(سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ)/كتاب الدَّعَوَاتِ عن رسولِ الله/باب في دعاء النبيِّ]ما نصُّه :” حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حدَّثنا ابنُ أبي عَدِيٍّ قال أنبأنا جعفرُ بنُ مَيْمُونٍ صاحبِ الأنماطِ عن أبي عثمانَ النَّهْدِيِّ عن سلمانَ الفارسيِّ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال إنَّ الله حَيِيٌّ كريمٌ يستحْيي إذا رَفَعَ الرَّجُلُ إليهِ يَدَيْهِ أنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خائبتَين ، قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ ورَوَاهُ بعضُهم ولم يَرْفَعْهُ “ا.هـ..

وفي[(الشرح القويم)/ط6152]يقولُ مولانا الْهَرَرِيُّ ما نصُّه :” ومعنى الحديثِ أنَّ الله لا يُخَيِّبُ مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ إليهِ أي إلى جهةِ السَّماء مَهْبِطِ الرَّحمة داعِيًا رَبَّهُ مُتَضَرِّعًا ، فإمَّا أنْ يُعْطِيَهُ الثَّوَابَ وإمَّا أنْ يُعْطِيَهُ ما طَلَبَ “ا.هـ..

————————————

20)وَرَدَ في[(سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ)/كتاب الأدب عن رسول الله/باب ما جاء في النَّظَافَةِ]ما نصُّه :” حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حدَّثنا أبو عامرٍ العَقَدِيُّ حدَّثنا خالدُ بنُ إلياسَ عن صالحِ بنِ أبي حَسَّانَ قال سمعتُ سعيدَ بنَ الْمُسَيَّبِ يقول إنَّ الله طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نظيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كريمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ فنَظِّفُوا أُرَاهُ قال أَفْنِيَتَكُمْ ولا تَشَبَّهُوا باليهود . قال فذَكَرْتُ ذلكَ لِمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ فقال حَدَّثَنيهِ عامرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ عن أبيهِ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مِثْلَهُ إلَّا أنه قال نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ . قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ وخالدُ بنُ إلياسَ يُضَعَّفُ ويقالُ ابنُ إيَاسٍ “ا.هـ..

.

وفي[(الشرح القويم)/ط679]يقولُ مولانا الْهَرَرِيُّ ما نصُّه :” وأمَّا الحديثُ الذي رواه التِّرْمِذِيُّ وهو :” إنَّ الله نظيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ” فمعناه مُنَزَّهٌ عن السُّوء والنَّقْصِ ، وقولُه :” يُحِبُّ النَّظَافَةَ ” أي يُحِبُّ لعبادِه نظافةَ الخُلُقِ والعَمَلِ والثَّوْبِ والبَدَنِ “ا.هـ..

و” الطَّيِّبُ ” كذلكَ ، إذا أُطْلِقَ على الله فهو من باب الوَصْفِ لا من باب التسميةِ ، وهو الْمُنَزَّهُ عن النَّقائص ، وهو بمعنى القُدُّوس .

———————————-

21)أخرجَ البَيْهَقِيُّ عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ اليهودَ أَتَوْا إلى النبيِّ فقالوا :” يا محمَّد صِفْ لنا رَبَّكَ الذي تَعْـبُدُه ” . فنَزَلَتْ (( قل هو الله أَحَد )) إلى ءاخِرِ السُّورَة . فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :” هذه صِفَةُ ربِّي عَزَّ وَجَلَّ ” ..

واحتجَّ بعضُ الْمُشَبِّهَةِ لإثباتِ الانفعال لله تعالى بما وَرَدَ في حديث الشَّفاعة من أنَّ ءادمَ ونوحًا وموسَى وعيسَى يقولونَ للنَّاسِ عند قصدِهم إياهُم ليشفعوا لهم :” إنَّ الله غَضِبَ اليوم غَضَبًا لم يَغْضَبْ قبلَه مِثْلَهُ ولا يَغْضَبُ بعدَه مِثْلَه ” . ولم يدروا أنَّ معنَى الحديثِ أنه يَظْهَرُ في ذلكَ اليومِ مِنْ ءاثارِ غَضَبِ الله ما لم يسبقْ مِثْلُهُ ولا يأتي بعدَه مِثْلُهُ . وغَضَبُ الله ورِضَاهُ عِندَ أهلِ الحَقِّ ليسَا انفعالًا ، بل يقولونَ إنَّ غَضَبَهُ ورِضاهُ ليسَا كما يَغْضَبُ أحدُنا ويرضَى . والحديثُ المذكورُ رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومسلم في (صَحِيحَيْهِمَا) .. فما وَرَدَ في حديثِ الشَّفاعة الذي رَوَاهُ مسلمٌ من أَنَّ ءادَمَ وغيرَه يقولونَ يومَ القيامة :” إنَّ الله قد غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لم يَغْضَبْ قبلَه مِثْلَهُ ولا يَغْضَبُ بعدَه مِثْلَه ” فهذا يُقْصَدُ به أَثَرُ الغَضَبِ وليسَ الغَضَبَ الذي هو صفةٌ ذاتيَّة لله .. وفي رواية :” إنَّ الله غَضِبَ غَضَبًا ” ..

————————————————–

22)وَرَدَ في (سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ) ما نصُّه :” حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يزيدُ بنُ هارونَ أخبرَنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عن يَعْلَى بنِ عطاءٍ عن وَكِيعِ بنِ حُدُسٍ عن عَمِّهِ أبي رَزِينٍ قال قلتُ يا رسولَ الله أينَ كانَ رَبُّنَا قبلَ أنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ قال كانَ في عَمَاءٍ ما تحتَه هواءٌ وما فوقَه هواءٌ وخَلَقَ عرشَه على الماء قال أحمدُ بنُ مَنِيعٍ قال يزيدُ بنُ هارونَ العَمَاءُ أي ليسَ مَعَهُ شيءٌ قال أبو عيسى هكذا رَوَى حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ وَكِيعُ بنُ حُدُسٍ ويقولُ شُعْبَةُ وأبو عَوَانَةَ وهُشَيْمٌ وَكِيعُ بنُ عُدُسٍ وهو أَصَحُّ وأبو رَزِينٍ اسْمُهُ لَقِيطُ بنُ عامرٍ قال وهذا حديثٌ حَسَنٌ “ا.هـ.. أنظر[(سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ)/كتاب تفسيرِ القرءانِ عن رسولِ الله/باب ومِنْ سورة هود]..

هذا الحديثُ تَفَرَّدَ به يَعْلَى بنُ عطاءٍ عن وَكِيعِ بنِ عُدُسٍ ، وليس لوكيعٍ راوٍ غيرَ يَعْلَى ، والعَمَاءُ في اللُّغَةِ السَّحَابُ .. وهذا الحديثُ لا يُحْتَجُّ به في العقائد ، لأسباب ، منها أنَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ لا تُقْبَلُ أخبارُه في الصِّفَاتِ البَتَّةَ ، وكذلك يُضَعَّفُ هذا الحديثُ بوَكِيعِ بنِ عُدُسٍ لأنه مجهولٌ غيرُ معروفٍ لم يَرْوِ عنهُ إلَّا يَعْلَى بنُ عطاء ..

————————————————

23)جاء في (سنن أبي داود) أنَّ رسولَ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، كانَ إذا خافَ قومًا قال :” اللَّهُمَّ إنَّا نجعلُك في نحورِهم ونعوذُ بكَ من شرورِهم ” .. والنَّحْرُ في اللغةِ موضعُ القِلادَةِ من الصَّدْرِ ، والحديثُ لا يُحْمَلُ على ظاهرِه لاستحالةِ التَّحَيُّزِ على الله ..

————————————————

أنظر (متن العقيدة المرشدة) المعروفة بـ (عقيدة ابن عساكر) مع شيء من سيرة المؤلف

 

********************************************

والحمدُ لله رَبِّ العالَمين