رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
قال الشيخ الأزهري نبيل الشريف الحسيني الرفاعى حفظه الله تعالى:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النَّعِمَةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسن، والصَّلاةُ والسَّلامُ الأ َتمَّانِ الأكْمَلاَنِ على سيدِنَا محمّدٍ وعلى ءَالِهِ وأصْحَابِهِ الطَّيبينَ الطَّاهِرِينَ أما بعدُ،
فَيَا أيُّهَا الأَحِبَّةُ هَذَا الدّرسُ نافعٌ جدًا في رُؤْيَةِ النَّبيِّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنَامِ فقد روى البُخَارِيُّ بالإِسْنَادِ المتصلِ من حديثِ أبي قتادةَ رضي اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ “منْ رَءَانِي في المنَامِ فقد رَأى الحق فإنَّ الشَّيطانَ لا يتزيَا بي” وعندَهُ أي عندَ البخاريِّ منْ حديثِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قال “قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهِ عليهِ وسلمَ منْ رَءَانِي في المنامِ فَسَيرَانِي في اليَقَظَةِ” وبيانًا لهذَا الموضوع يجبُ أنْ يُعلمَ مَا يجُوزُ على الرَّسولِ ومَا لا يجُوزُ فإن الإنسانَ قد يرى الرّسولَ في المنامِ ويظنُّ أنَّهُ قَالَ لَهُ كذَا وكذَا والعملُ بذلكَ يكونُ بمَا وَافَقَ قولَهَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في اليَقَظَةِ قبلَ مَوْتِهِ مِنَ القَواعِدَ الشَّرْعِيةِ التي تقرَّرت في حياتِهِ ومَا خَالفَ ذلكَ لا يعملُ به ويُرَّدُ سببُهُ إلى حَالِ الرَّائِي. فالأنبياءُ يجبُ لهُمْ الأَماَنَة وتستحيلُ عَلَيْهُمُ الخِيَانَة وهم معصومونَ عن السفاهةِ ويستحيلُ عليهُمُ الكفرُ أو الكبيرةُ مِنَ الكبائرِ أو الصغيرةُ منْ صَغَائِرِ الخِسةِ ويجبُ لهُم التبليغ(1) فلا يتركونَ شيئًا أمرَهُمُ اللهُ بتبليغِهِ وذلكَ مَهْمَا لَقَوْا مِنَ العبادِ أذىً أو ضررًا. فالسفَاهَةُ هي ارتكابُ قولٍ لا يليقٌ بأهلِ الرّزَانَةِ والحكمةِ إلاَّ للسفهاءِ فالسفاهةُ مِثْلَمَا يرويهِ بعضُ النَّاسِ منَ الكذِبِ على بعضِ الأنبياءِ يقولونَ كانَ(2) مع أمِهِ ِيشربُ الخمر ثمُّ طلبَ منها أنْ تمُِدَهُ بالخمرِ بطريقِ المعجزةِ فقالَ لها اسكتي أيتُهَا المرأةُ فهذِهِ سفاهةٌ مخاطبةُ الرجلُ لأمِهِ بيا أيتُهَا المرأةُ سفاهةٌ، فإذنً هذا مستحيلٌ على نبيٍ منَ الأنبياءِ. وأمَّا الخِيانَةُ فمِثَالُهَا أنْ يخونَ أحدهُمُ بالكيلِ فهذا مستحيلٌ على الأنبياءِ ولو كانَ النّبيُّ مِنَ الأنبياءِ تجوزُ عليهِ السفاهَةُ أو الخيانةِ لكانَ ذلكَ نقصًا للهِ تعالى لأنَّهُ يُحَّسِنُ لعبادِهِ السفاهَةُ والخيانةُ وهذا نسبةُ القبيحِ إلى اللهِ تعالى والله منزهٌ عن القبائحِ فلذلكَ يجبُ تبرِئَةِ ساحةُ الأنبياءِ منْ هذِهِ النقَائِصِ. أمَّا الأمَانةُ بمعنى السلامةِ منَ الكفرِ(3) والكبائرٍِ فذلكَ متفقٌ عليهِ عندَ أهلِ الحقِ فالنَّبيُ مِنَ الأنبياءِ لا يجوزُ عليهِ أنْ يرتكبَ (4)كبيرةً منَ الكبائِرِ لا قبلَ النُّبُوةِ ولا بعدَهَا فإِذَا قَالَ قَائِلٌ أليْسَ جَاءَ في حقِ إبراهيم في القرءان أنه قال لقومه لما رأى الكوكب “هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين أليس هذا دليلاً على أن إبراهيم كان يعبد الكوكب قبل ذلك أي قبل أن يعلمه الله تعالى ويفهمه الجواب: أن معنى قول إبراهيم هذا ربي ليس إثبات لربوبية القمر عليه لا، إنما معنى قول إبراهيم هذا ربي” أنكم يا قوم تعبدون الكوكب وتثبتون له الربوبية أي الألوهيه وهو لا يصلح لذلك لكن بما أن هذه العقيدة متمكنة فيهم أراد أن يستدرجهم إلى تفهيمهم إن هذا الكوكب لا يصلح أن يكون ربًا لأنه شىء يتغير في أول الأمر قال لهم “هذا ربي” معناه على زعمكم هذا ربي!، كيف يصلح أن يكون رباً لي، ثم لم يقل لهم في اللحظة هذا يأفل والشىء الذي يأفل لا يصلح أن يكون إله بل سكت وانتظر حتى أفل أي غاب فلما غاب قال: “لا أحب الأفلين” معناه هذا الكوكب الذي تعبدونه وتعتقدون أنه ربكم شىء يغيب وكل شىء يطرأ عليه التغير لا يصلح أن يكون إله لكن من شدة بلادتهم لم يفهموا مقصود إبراهيم الذي هو أن يخرجهم من عبادة الكوكب إلى عبادة رب الكوكب وخالقه. إبراهيم عليه السلام كان فاهما عارفا أن هذا الكوكب لا يصلح أن يكون إله لأنه شىء يتغير ويتطور من حال إلى حال يحصل له حال غير الذي كان عليه وكل شىء يطرأ عليه حال غير الحال الذ ي كان عليه فهو متغير وكل متغير يحتاج إلى مغير إذن الله تبارك وتعالى لا يجوز عليه التطور والتغير لأن المتطور يحتاج إلى من يغيره والمحتاج إلى غيره لا يصلح إن يكون إله. كذلك قول إبراهيم بالنسبة للشمس هذا ربي معناه إنكار عليهم وتسفيه لرأيهم الفاسد، وإلا فإن ابراهيم عليه السلام لم تمر عليه فترة أو لحظة اعتقد فيها أن شيئا غير الله يستحق أن يعبد بل كان من أول نشأته عارفًا. هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يوم ألست بربكم كانوا أعرف الخلق بالله لما كانوا أرواحًا قبل خلق الأجساد الله تبارك وتعالى أخرج الأرواح كلها من ظهر ءادم وجمعهم في أرض تسمى نعمان في عرفات هناك استنطقهم قال: “ألست بربكم؟ قالوا بلى” حتى الذي هو اليوم كافر والأنبياء عليهم السلام لم يتغيروا عن ذلك الحال. بعد أن نزّهنَا الأنبياء عن الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها نعود لشرح الحديثين اللذين هما متفقان في المعنى حيث إن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم فيها بشارة كبيره وهي أنه لا بد أن يراه صلى الله عليه وسلم في اليقظة وهو مؤمن حتى لو كان حين رؤية لرسول الله كافرًا في المنام فانه لا بد أن يؤمن. فمن رءاه في المنام فليحمد الله تعالى لأن في ذلك ضمانا له أنه يموت على الايمان. وفي هذا الحديث أيضا بيان أن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بصورته صلّى الله عليه وسلّم ومن رءاه عليه الصلاة والسلام على صورته الأصلية أكمل وأعظم في البشرى من الذي رءاه على غير صورته. فصورته صلى الله عليه وسلم الخلقيه كما في كتب الحديث أنه كان ربعة لم يكن قصيرًا بل هو إلى الطول وكان بعيد ما بين المنكبين، وكان أبيض مشربا بحمرة وكان مشرق الوجه قال واصفه كان أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا وكان دقيق الحاجبين وكان أهدب الأشفار أي كثير شعر الجفون وكان طويل الذراع مع اعتدال وكان عليه الصلاة والسلام سواء البطن والصدر أي لم يكن فيه بطن كبير ناتئ عن صدره ولم يكن نحيف اليد ولا نحيف القدمين وكان صلى الله عليه وسلم في صوته جهيرًا لم يكن ضعيف الصوت حتى قال أحد الصحابة وهو جبير بن مطعم رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ والطور فكاد قلبي يطير أي من حسن صوته صلى الله عليه وسلم وكان عليه السلام أشكل العينين أي في بياض عينيه خطوط حمر يقول واصفه أبو هريرة رضي الله عنه ما رأيت قبله ولا بعده مثله وكان أقنى الأنف أي لم يكن أعلاه منخفضاً بالنسبة للطرف بل كان مرتفعًا أعلاه كما أن طرفه مرتفع. هو صلّى الله عليه وسلّم أجمل الخلق فمن رءاه في المنام على صورته الأصليه يكون رأى اجمل من رأى وأجمل من يرى. وكان صلى الله عليه وسلم واسع الجبين عظيم الجبهه من غير نتوء ولا صلع كان أجلى الجبهه وكان شعره عليه السلام شديد السواد ولم يظهر في شعره من الشيب سوى عشرين شعره وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم إن تطيب وإن لم يتطيب طيب الرائحه حتى إنه كان صحابي أصابه الشرى واسمه عقبة بن غزوان فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم تجرد فخلع ثوبه فوضع الرسول يده على ظهره فعبق به الطيب إلى ءاخر حياته حتى كان لهذا الصحابي أربع زوجات كانت كل واحدة تجتهد في أن تتطيب أكثر من الأخرى من ظهره من أثر كف النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الشرى ورم كالدرهم حكاك مزعج فمن رءاه عليه الصلاة والسلام على صورته هذه كان ذلك دليلاً على كمال حال الرائي في دينه أما رؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظه لمن رءاه في المنام التي وعد بها الرسول فقد قال بعض العلماء عنها إنها اليقظة في الآخرة وهذا التفسير لم يوافق عليه بعض العلماء فقال رؤيته عليه الصلاة والسلام في الآخره تحصل لمن مات على دينه من أمته إن كان رءاه في المنام وإن لم يكن رءاه في المنام لأنه يوم القيامة يكون الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند حوضه يذود من ليس من أمته عن حوضه لأن أولئك يشربون من حوض نبيهم هناك. هناك يراه الذي رءاه في الدنيا في المنام والذي لم يره في المنام لا بد أن يراه هناك، فإذن ما مزية الذي رءاه في المنام في الدنيا؟ فاختار بعض العلماء أنها في هذه الدنيا قبل أن يفارق روحه جسده فان كان من أهل التقى والكمال فإنه يراه وهو صحيح على غير فراش الموت يراه في اليقظه لأنه صلى الله عليه وسلم ثبت أن الله أحياه بعدما أماته. قال صلى الله عليه وسلم الانبياء أحياء في قبورهم يصلون وقد ورد بالاسناد المتصل أن رجلاً في عصر السلف بعد نحو مائة وخمسين سنه من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى الحسن بن حي كان من المحدثين من العلماء وله أخوان مثله هذا الحسن لما كان على فراش الموت سمعه أخوه يقول مع النبيين والصديقين والشهداء قرأ الآيه ( ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا) فقال له أخوه الذي بجانبه يا أخي تتلو تلاوة أم ماذا قال لا بل أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك إلي ويبشرني بالجنه وأرى الحور العين وأرى الملائكة. فبالنسبة لأولياء الله هذه الأشياء المستعصيه على العاده إن شاء الله للولي يريه. وقال العلماء لا يبنى حكم شرعي على رؤيا منامية يراها الرجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما لو رأى شخص الرسول وقال إنه قال له رمضان بعد ثلاثة أيام فصوموا فلا يجوز له أن يعتبر ذلك المنام حكمًا ويبنى صيامه على ذلك إلا بعد استكمال شعبان ثلاثين يومًا أو رؤية الهلال لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعطي حكمًا يناقض الحكم الذي أعطاه في اليقظه عندمًا كان على وجه الأرض فيتهم الرائي نفسه بالقصور ويقول أنا ما وعيت كلام رسول الله. ولزيادة الفائده نذكر لكم صيغة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ورد ذكرها في الحديث وقد جربت فحصل لكثير ممن جربها أن رأى النبي صل الله عليه وسلم في الرؤيا وهي تقال كل يوم مائة مره أو أكثر صباحاً او مساء وهي هذه الصيغه “أللّهُمَّ صل على محمّدٍ النَّبيِ وأزواجِهِ أمهاتِ المؤمنينَ وذريتِهِ وأهلِ بيتِهِ كمَا صليتَ على ءالِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ” نسال الله تبارك وتعالى ان يرزقنا وإياكم رؤية حبيبه محمد عليه الصلاة والسلام على صورته الأصليه ءامين وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________________________________________ _______________
وإني سائل أخًا أو اختًا استفاد أو استفادت من هذا الدرس
الدعاء لي برؤية الحبيب محمد في المنام على صورته الحقيقة
وأن يجعلني الله من خدام سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام