بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله علي مُحَمَّدٍ وسلم
يَجِبُ التَّحْذيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُنْشِدِين (رَبِّي خَلَقْ طَهَ مِنْ نور)
يَجِبُ التَّحْذيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُنْشِدِين (رَبِّي خَلَقْ طَهَ مِنْ نور) فَهَذَا فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلَهُ تَعَالى “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُم” فَجَسَدُ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم خُلِقَ مِنْ نُطْفَةِ أَبَوَيْهِ أمَّا رُوحُهُ عَلَيْهِ السَّلام فَلَمْ يَرِدْ في الْقُرْءانِ وَلا في الْحَديثِ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نُورٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَصْلَ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ يَرْجِعُ إِلى الْمَاءِ. وَمِمَّا يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهُ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ (إِنَّ الرَّسُولَ في لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ دَنَا مِنَ اللهِ فَتَدَلَّى كَقُرْبِ الْحَاجِبِ مِنَ الْحَاجِبِ) فَهَذَا كَلامٌ فاسِدٌ فيهِ إِثْبَاتُ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ للهِ، وَمَنْ أَثْبَتَ الْجِهَةَ وَالْمَكَانَ للهِ تعالى فَقَدْ كَفَرَ، لأَنَّ عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اللهَ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ لأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْمَكَانِ وَالْجِهَة، قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الْجِهَاتُ السِّتُّ وَالأَمَاكِنُ كُلُّهَا كَانَ مَوْجُودًا بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَة وَاللهُ لا يَتَغَيَّرُ، وَعَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الرَّسُولَ رَأى اللهَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ لا كَمَا يُرَى الْمَخْلُوقُ، الْمَخْلُوقُ يُرَى في جِهَةٍ وَمَكَانٍ مِنَ الرَّائي إِمَّا مِنْ جِهَةِ فَوْقٍ أَوْ جِهَةِ تَحْتٍ أَوْ مِنْ يَمِينٍ أَوْ شِمَالٍ أَوْ أَمَامٍ أَوْ خَلْفٍ واللهُ يُرَى لا كَمَا يُرَى الْمَخْلُوقُ، يُرَى بِلا مَكَانٍ وَلا مَسَافَةٍ لا قَرِيبَةٍ وَلا بَعِيدَةٍ. وَيَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ أَدْعِيَاءِ التَّصَوُّفِ عَنِ اللهِ (حَضْرَةُ الْحَقِّ وَحَضْرَةُ اللهِ وَجَنَابُ الْحَقِّ وَجَنَابُ اللهِ) فَقَدْ مَنَعَ مِنْهَا الْعُلَمَاءُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ شِهَابُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ صَاحِبُ حَاشِيَةِ كِتَابِ أَسْنَى الْمَطَالِبِ شَرْحُ رَوْضِ الطَّالِبِ للشَّيْخِ زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيّ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْجَنَابُ بِالْفَتْحِ الْفِنَاءُ وَمَا قَرُبَ مِنْ مَحَلَّةِ الْقَوْمِ وَقَالُوا حَضْرَةُ الرَّجُلِ قُرْبُهُ وَفِنَاؤُهُ. وَفِنَاءُ الدَّارِ مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهَا وَجَمْعُهَا أَفْنِيَةٌ، فَظَهَرَ لَكَ عِلَّةُ الْمَنْعِ مِنْ قَوْلِ (جَنَابُ اللهِ أَوْ حَضْرَةُ اللهِ) لأَنَّ الْحَضْرَةَ وَالْجَنَابَ مِنْ صِفَاتِ الأجْسَامِ. وَمِمَّا يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ (كُلُّهُ شُغْلُهُ) يَعْنُونَ أَنَّ كُلَّ شَىْءٍ شُغْلُ اللهِ تعالى وَاللهُ تعالى لا يُوصَفُ بِالشُّغْلِ إِنَّمَا الْشُّغْلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ في اللهِ “لا يَشْغَلُهُ شَأَنٌ عَنْ شَأنٍ” كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ في عَقِيدَتِهِ الْمَشْهُورَة. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ كُلُّهُ بِفِعْلِ اللهِ أَيْ بِخَلْقِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى “كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شأنٍ” فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ تعالى يَتَغَيَّرُ كُلَّ يَوْمٍ لأَنَّ التَّغَيُّرَ أَقُوى عَلامَاتِ الْحُدُوثِ وَتَفْسِيرُ الآيَةِ الَّذي وَرَدَ عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم “يَغْفِرُ ذَنْبًا وَيَكْشِفُ كَرْبًا وَيَرْفَعُ قَوْمًا وَيَضَعُ ءاخَرِين” مَعْنَاهُ اللهُ تعالى كُلَّ يَوْمٍ يُغَيِّرُ في خَلْقِهِ على حَسَبِ مَا شَاءَ في الأَزَلِ. وَيَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْجُهَّالِ (الَّذي لا يُصَلِّي في الدُّنْيا يُصَلِّي في الآخِرَةِ عَلَى بَلاطِ جَهَنَّمِ) فَإِنَّهُ مِنْ أَشْنَعِ الْكَذِبِ. وَيَجِبُ الْحَذَرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ جَهَلَةِ الْعَوامِّ لِمَنْ يَرْمِي قَلِيلاً مِنَ الْمِلْحِ (تَلَمُّهُ في الآخِرَةِ بِرُمُوشِ عُيُونِكَ) فَهَذَا كَذِبٌ لأَنَّ مَنْ رَمَى شَيْئًا لا قِيمَةَ مَالِيَّةَ لَهُ كَكِسْرَةِ خُبْزٍ أَوْ قِطْعَةِ خُبْزٍ مُتَعَفِّنَةٍ وقليل من الملح أو السّكر لَيْسَ عَلَيْهِ إِثْمٌ.ومن اعتقد ان عليه إثما فقد كفر والعياذ بالله. وَيَجِبُ تَحْذِيرُ النَّاسِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْجُهَّالِ (حَرَامٌ أَنْ تَقُومَ عَنِ الطَّعَامِ وَأَنْتَ جَائِعٌ) فَإِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِسَنَنِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحينَ الَّذينَ مِنْ شَأنِهِمْ أَنَّهُمْ يَجُوعُونَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “مَا مَلأَ ابْنُ ءادَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ بِحَسْبِ ابنِ ءادَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ”. ومن حرم على من ترك ألأكل وهو جائع فقد كفر. وَمِمَّا يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْعَوَامِّ (اخْلُقْ لي كَذَا كَمَا خَلَقَكَ رَبُّكَ) وَهَذَا مِنَ الْكُفْرِ الصَّرِيحِ لأَنَّهُ يُعَارِضُ قَوْلَ اللهِ تعالى “قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ”. وَمِمَّا يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ (إِنَّ الطَّرِيقَةَ فَرْضٌ) فَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لأَنَّ فِيهِ إيْجَابَ شَىْءٍ لَيْسَ وَاجِبًا بِإجْمَاعِ الْمُسْلِمينَ وَفيهِ نِسْبَةُ الإثْمِ لأَصْحَابِ النَّبِيِّ وَمَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمينَ إِلى يَوْمِنَا هَذَا مِمَّنْ لَمْ يَأخُذُوا الطَّرِيقَةَ، وَهَذَا رِدَّةٌ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تعالى