أبرهة الأشرم ، كان تابعا للنجاشي
أبرهة اسمه أبرهة الأشرم ، كان تابعا للنجاشي هو وقائد الجيش اسمه أرياط ، تنازعوا على الزعامة ، أرياط ضرب أبرهة فشرم له هذا الموضع (شفتيه) فسمي أبرهة الأشرم .العسكر الذي وراء أبرهة ضرب أرياط فقتله فبقي أبرهة وهو تابع لملك الحبشة ، واسترضاه لأنه قاتل عنه ببلاد اليمن فبنى مكانا ليصرف العرب عن الكعبة في مكة المكرمة الذين كانوا يقصدونها ويطوفون حولها فلذلك جهز جيشا من ستين ألفا ومعهم الفيلة وتوجه إلى مكة المكرمة .
يقول ابن كثير : قال ابن اسحاق : ثم إن أبرهة بنى القليس (المحل الذي يريد أن يجمع الناس عليه بدل الكعبة ) بصنعاء كنيسة لم ير مثلها في زمانها وكتب إلى النجاشي (قبل أن يسلم ) اني قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب (يريد أن يحول لهذه الكنيسة العرب الذين يقصدون الكعبة المشرفة ) فاستذل أهل اليمن في بناء الكنيسة الخسيسة ومن تأخر عن العمل حتى تطلع الشمس يقطع يده لا محالة ، ونقل إليها من قصر بلقيس ( التي ذكر الله قصتها في القرآن الكريم ) رخاما وأحجارا وأمتعة عظيمة وركب فيها صلبانا من ذهب وفضة وجعل فيها منابر من عاج وأبانوس (خشب الأبانوس وهو غالي الثمن ) وجعل ارتفاعها عظيما ، وبعد أن أهلك الله أبرهة بالطير الأبابيل تركها أهل اليمن على حالها ، خافوا منها لأنها كانت مسكونة بالجن تؤذي من كان يأتي إليها فلم تزل كذلك إلى زمن السفاح أول حلفاء بني العباس فبعث إليها جماعة من أهل العزم والحزم والعلم فقضوها (أي دمروها ) حجرا حجرا ودرست (أنتهت) آثارها إلى يومنا هذا .
ما السبب أنه هجم على الكعبة ، الذي أزعجه أن واحد من بني كنانة راح على القليس وقعد فيها أي أحدث فيها لأنه يريد أن يصرف حج العرب إلى بيته هذا . فغضب أبرهة عند ذلك وحلف ليسيرنّ إلى البيت حتى يهدمه ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ثم سار وخرج معه بالفيل وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام. بطريقه من بلاد اليمن إلى مكة المكرمة ثلاثة من زعماء العرب اعترضوه ولكنه هزمهم، الأول واحد من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر، والثاني يقال له نفيل بن حبيب الخثعمي من بني خثعم، والثالث بالطائف قبل مكة يقال له مسعود بن مالك بن عمرو بن معتّب واحد منهم قال له لا تقتلني أنا أعمل لك دلاّلا. وواحد منهم قال له احبسني عندك ماذا ستستفيد من قتلي.
الذي عمل له دلالا بقي معه دلال حتى يدخله من بين شعاب مكة، مكة تكتنفها جبال تحيط بها جبال. واحد من الثلاثة حتى يرضى عنه أبرهة قال له أنا أعمل لك دلالا وأدخلك الكعبة وأعمل الذي تريده لكن لا تقتلني، فحتى وصل إلى مكان يسمى المغمّس فنزل أبرهة بالمغمّس وبعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود ، قال له اذهب عند عبد المطلب هذا زعيم قريش ، حتى انتهى إلى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش ، جمع منه مائتان من الإبل نفض له كل ثروته لعبد المطلب أخذ له كل الإبل الذي عنده ، خوفا من أبرهة سلمّه الإبل وهو يومئذ كبير قريش وسيدها , فهمّت قريش وكنانة وهزيم ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك ، لا يقدرون عليه ، فلما أصبح أبرهة تهّيأ لدخول مكة الدليل الثاني إسمه نفيل بن حبيب الذي قال له لا تقتلني أنا أمشي معك وأدلّك على شعاب مكة ، فلما أصبح أبرهة تهيّأ لدخول مكة وهيّأ فيلة وعبّاء جيشه ستين ألف جلب معه . وكان اسم الفيل يقول ابن إسحاق محمودا ، فلما وجّهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ بأذنه وقال إبرك (محمود) وارجع راشدا من حيث أتيت فإنك في بلد الله الحرام ، وترك أذنه فبرك الفيل ، يقولون إنه ليس من عادة الفيل أن يبرك مثل الجمل يقعد ، أي سقط إلى الأرض وخرج نفيل الدليل الذي خاف على نفسه لما رأى أن أبرهة قاصد مكة ولن يتركها، هرب على رؤوس الجبال ، وأهل مكة أيضا خافوا وطلعوا على رؤوس الجبال ، جاء أبرهة يقاتلهم ويهدم الكعبة على زعمه وخرج نفيل بن حبيب يشتدّ حتى أصعد في الجبل ارتفع كثيرا من خوفه ، وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا رأسه بالطبرزين (وهو الفأس من السلاح ) ليقوم فأبى فأدخلوا محاجل (حديد مثنى) لهم في مراقّه (المواضع المثنيّة منه) فبزغوه بها ليقوم فأبى ، استخدموا الوسائل كلها ليقوم ما كان يقوم، فوجهوه راجعا إلى اليمن فهرول ومشى، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك وأرسل الله عليهم طيرا من البحر (مكة بعيدة عن البحر حوالي 85 كيلومتر تقريبا ) أمثال الخطاطيف والبلكان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، واحدة بمنقاره والثانية برجله اليمنى والثالثة بالشمال، أمثال الحمّص والعدس لا تصيب منهم أحدا إلا هلك، تدخل به تصيبه، المكان الذي تدخل فيه تطلع من الناحية الأخرى، وأرسل الله ريحا حتى تقوي من ضربة هذه الأحجار التي تنزل من الفضاء، ليس كلّهم أصابتهم، الذين بقوا أخبروا جماعة أبرهة حتى يثيرهم الرعب، ليس كلهم ماتوا الذي لم تصبه هرب الذي هرب أخبر.الذي أخبر خاف.
قال ابن اسحق فخرجوا يتساقطون بكل طريق الذين أصيبوا يموتون ويهلكون بكل مهلك على كل منهل، وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة مثل المصاب جذام، كلما سقطت أنملة تبعتها منه مدّة تمد حتى قدموا به صنعاء من مكة إلى جنوب الجزيرة العربية على صنعاء وهو مثل فرخ الطائر (منتوف) فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه انفتح وتشقق، هذا الذي قال الله فيه:
” ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ”
طيرا أبابيل :أي جماعات، ترميهم بحجارة من سجيل: شديد الصّلب، فجعلهم كعصف مأكول: كورق الزرع. وقال كثيرون من السلف طيرا أبابيل: أي الفرق من الطير التي يتبع بعضها بعضا من ههنا وههنا، فيها تخويف أشدّ. وعن ابن عباس: الطيور هذه قال كان لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكفّ الكلاب. وعن عكرمة: كانت رؤوسها كرؤوس السباع خرجت عليهم من البحر وكانت خضرا، فما يقع حجرعلى رأس رجل، الذي يطلع على رأسه يخرج من دبره، من شدة الإصابة وما يقع على شىء من جسده إلا خرج من الجانب الآخر وبعث الله ريحا شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة فأهلوا جميعا وليس كلهم أصابتهم حجارة يعني بل رجع منهم راجعون إلى اليمن حتى أخبروا أهلهم بما حل بقومهم من النكال، من العذاب، وذكروا أن أبرهة رجع وهو يتساقط أنملة أنملة فلما وصل إلى اليمن انصدع صدره فمات لعنة الله عليه. ويروى أن أحدهم رأى ما حصل فقال لقد رأيت قائد الفيل وسائسه (الذي يمشّيه) بمكة أعميين مقعدين يستطعمان. وتقدم أن سائس الفيل كان اسمه أنيس. زيد بن عبد المطلب ارسل واحد نفيل وقال له قل لسائس الفيل اسمه أنيس أخبره أن لا يوجهه إلى الكعبة المشرفة فأنيس هو الذي قال له هذا بيت الله الحرام لا تتوجه إليه, وذكر النقاش في تفسيره أن السيل احتمل جثثهم فألقاها في البحر يعني السيل حملها إلى البحر.