الحمد لله تعالى
فائدة عظيمة النفع في تفسير قول الله “وكُلُّ شَىءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ”
قال الله تعالى “وكُلُّ شَىءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ” هذه الآية معناها أنّ الله خلق كل شىء على كميّة مخصوصة أي على حجمٍ، فالعرشُ له حجمٌ وهو أكبرُ جسمٍ خلقه الله تعالى من حيث المِساحة.
والذرّة لها حجمٌ فالله تعالى الذي خلق كل شىءٍ على حجمٍ مخصوصٍ لا يجوزُ أن يكون ذا حجمٍ، ويُفهم من هذه الآية أيضًا: أنّ الله لا يجوزُ أن يُوصف بصفاتِ الأحجامِ، وصفاتُ الأجسامِ كثيرةٌ التي منها الحركةُ والسكونُ والاتصالُ والانفصالُ واللونُ والبرودةُ والحرارةُ واليُبوسةُ والجلوسُ والاستقرارُ والتغيّرُ.
والله تعالى جعل الأجسامَ على أحوالٍ منها ما هو ساكنٌ على الدوامِ كالعرشِ والسماواتِ السبعِ والأرضينِ السبعِ ومنها ما هو متحركٌ أحيانًا وساكنٌ أحيانًا كالإنسان والملائكةِ والجنِ ومنها ما هو متحركٌ دائمًا كالنجومِ.
فالله الذي خلق هذه الأشياء لا يجوز أن يكون مُشبهًا لها ولا متصّفًا بصفةٍ من صفاتها.
وهذا العرش المجيد خلقه الله ليكون قِبلةً للملائكة الحافّين حوله يتوجهون إليه ويطوفون به كما أنّ المؤمنين في الأرض يتوجهون إلى الكعبة ويطوفون حولها ويُعظّمونها.
فكما أنّه لا مناسبةَ بين الله وبين الكعبةِ لا مناسبةَ كذلك بين اللهِ وبين العرشِ، ثم فوق العرش يوجدُ مكانٌ والله لا يجوز عليه أن يكونَ في مكانٍ فقد ورد في صحيح البخاري وصحيحِ ابن حِبّان أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: “إنّ الله كتبَ في كتابٍ فهو مرفوعٌ فوق العرش إنَّ رحمتي سبقت غضبي” معناه: يوجدُ كتابٌ فوق العرش مكتوبٌ فيه هذه الجملة “إنّ رحمتي سبقت غضبي” ومعناها: أنّ مظاهرَ رحمةِ الله كالجنّةِ والملائكةِ أسبق وجودًا وأعظمُ من مظاهرِ الغضبِ كالنارِ والشياطينِ.
ليس معناه أن الله لهُ صفة تسبقُ صفة، اللهُ تعالى صفاتُهُ كلها أزليّة ليس فيها سابقٌ ومسبوقٌ.