فَلاَ تَضْرِبُواْ للهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
علمُ الغيب وأمر الساعة
الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميع إخوانه
من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين
وسلامُ الله عليهم أجمعين
يقولُ الله تبارك وتعالى: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ للهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {74} ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ وَمَن رَّزَقْنٰـهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ {75} وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَىْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {76} وَللهِ غَيْبُ السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ {77}﴾[1].
إنَّ الله سبحانه وتعالى نهى عبادَهُ عن أن يُشبّهوهُ بخلقِهِ فهوَ سبحانَهُ وتعالى لا يُشبِهُ شيئًا مِنْ مخلوقاتِهِ ولا يُشبِهُهُ شىءٌ بوَجهٍ مِنَ الوجوه، وقولُهُ: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ للهِ الأَمْثَالَ﴾ أي لا تَجعلُوا له مِثلاً فإنه لا مِثْلَ له أي فلا تجعلوا له شركاء، ﴿إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ﴾ أنه لا مِثلَ له مِنَ الخَلْقِ ﴿وَأَنتُمْ﴾ أيها المشرِكون ﴿لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك.
﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ وَمَن رَّزَقْنٰـهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا﴾ أي مَثَلُكُم في إشراكِكُم باللهِ الأوثان مِثلُ مَنْ سوّى بينَ عبدٍ مَملوكٍ عاجزٍ عنِ التّصرُّفِ وبينَ حُرٍّ مالِكٍ قد رزَقَهُ الله مالاً فهو يتصرَّفُ فيهِ ويُنفِقُ منهُ ما شاء، وقيَّدَ بالمملوك ليميِّزَهُ مِنَ الحرّ لأنَّ اسمَ العبدِ يقَعُ عليهما جَميعًا إذ هُما مِنْ عِبَادِ الله، وبـ ﴿لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ﴾ لِيَمتَازَ مِنَ الْمُكاتَبِ والمأذون فهما يَقدِرانِ على التصرُّف، ﴿وَمَن رَّزَقْنَاهُ﴾ أي وحُرًّا رزقنَاهُ ﴿هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ أي لا يستوي القَبِيلان، ﴿الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي أكثرُهُم لا يعلَمونَ بأنَّ الحمدَ والعِبادَةَ لله.
﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَىْءٍ﴾ والأبكَمُ هو الذي وُلِدَ أخرَس فلا يفهَمُ ولا يُفهِم، ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلـٰهُ﴾ أي ثِقَلٌ وعِيَالٌ على مَنْ يَلي أمرَهُ ويعولُهُ ﴿أَيْنَمَا يُوَجِّههُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ أي حيثُما يُرسِلُهُ ويصرِفُهُ في مَطلَبِ حاجَةٍ أو كِفَايةِ مُهِمٍّ لَم ينفَع ولَم يأتِ بنُجْحٍ ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ أي ومَنْ هو سليمُ الحواسّ نفَّاعٌ ذو كِفاياتٍ مع رُشْدٍ ودِيانَةٍ فهو يأمرُ النّاسَ بالعَدلِ والخيرِ ﴿وَهُوَ﴾ في نفسِهِ ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي على سيرَةٍ صالِحَةٍ ودِينٍ قويمٍ، وهذا مَثَلٌ ثانٍ ضربَهُ لنفسِهِ ولِمَا يُفيضُ على عبادِهِ مِنْ ءاثارِ رحمَتِهِ ونِعمَتِهِ، وللأصنامِ التي هي أمواتٌ لا تضرُّ ولا تنفع.
﴿وَللهِ غَيْبُ السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ أي يَختَصُّ به عِلْمُ ما غابَ فيهما عنِ العِبَادِ وخَفِيَ عليهِم عِلمُهُ، ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ﴾ في قُرْبِ كَونِها وسُرعَةِ قيامِها ﴿إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾ أي كرَجْعِ طَرْفٍ، وإنما ضُرِبَ به الْمَثلُ لأنه لا يُعرَفُ زمانٌ أقلَّ منه، ﴿أَوْ هُوَ﴾ أي الأمرُ ﴿أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ فهو يَقْدِرُ على أن يُقِيمَ السَّاعَةَ ويبعَثَ الخلقَ لأنه بعضُ المقدورات.
ربنا اغفر لنا وارحمنا وسدّدنا وءات كُلاًّ منا من الخيرِ سؤلهُ
وعافنا واعف عنا وءاتنا مِنْ خيرِ ما ءاتيتَهُ عِبادَك الصالحين
[1] – سورة النحل.