وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ
الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميع إخوانه
من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين
وسلامُ الله عليهم أجمعين
يقولُ الله تباركَ وتعالى: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {78} أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {79} وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ {80} وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {81}﴾[1].
إنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى يُخبرُنا بأنه أخرَجَنا مِنْ بطونِ أمّهاتِنا لا نعلَمُ شيئًا أي غيرَ عالِمينَ شيئًا مِنْ حقِّ المُنعِمِ الذي خلَقنا في البطون، قال ابنُ الجوزِيِّ في تفسيرِهِ: ((ومقصودُ الآيةِ: أنَّ الله تعالى أبانَ نِعَمَهُ عليهم حيثُ أخرَجَهم جُهَّالاً بالأشياء وخلَقَ لَهم الآلاتِ التِي يتوصّلونَ بِها إلَى العلم)).
﴿وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي وما ركَّبَ فيكم هذهِ الأشياءَ إلا ءالاتٍ لإزالَةِ الجهلِ الذي ولِدتُم عليه، واجتلابِ العِلْمِ والعمَلِ به مِنْ شُكرِ الْمُنعِم وعِبادَتِهِ والقيامِ بحقوقِهِ.
﴿أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ﴾ أي مُذلّلاتٍ للطّيرانِ بِما خَلَقَ لَها مِنَ الأجنِحَةِ والأسبابِ المواتِيَةِ لذلك ﴿فِي جَوِّ السَّمَاء﴾ وهو الهواءُ الْمُتباعِدُ مِنَ الأرضِ في سِمْتِ العُلْوِ ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ أي في قَبضِهِنَّ وبَسطِهِنَّ ووقوفِهِنَّ ﴿إِلاَّ اللهُ﴾ بقُدرَتِهِ، وفيه نفيٌّ لِما يُصوّرُهُ الوَهمُ مِنْ خاصيّةِ القوى الطّبيعيّة، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ بأنَّ الخلقَ لا غِنَى به عَنِ الخالِقِ.
﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا﴾ أي ما يُسكَنُ إليهِ ويُنقطَعُ إليهِ مِنْ بيتٍ أو إلْفٍ ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا﴾ وهي قِبَابُ الأَدَم ﴿تَسْتَخِفُّونَهَا﴾ أي ترونَها خَفيفَةَ الْمَحمَلِ في الضَّربِ والنَّقضِ والنَّقل، ﴿يَوْمَ ظَعْنِكُمْ﴾ أي ارتِحَالِكم ﴿وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾ أي قرارِكُم في منازِلكُم والمعنَى أنها خفيفَةٌ عليكم فِي أوقاتِ السَّفرِ والحضَر على أنَّ اليومَ بِمعنَى الوقت، ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا﴾ أي أصوافِ الضَّأنِ ﴿وَأَوْبَارِهَا﴾ أي أوبارِ الإبلِ ﴿وَأَشْعَارِهَا﴾ أي وأشعَارِ الْمَعزِ ﴿أَثَاثًا وَمَتَاعًا﴾ أي متاعَ البيتِ وشيئًا يُنتَفَعُ بهِ ﴿إِلَى حِينٍ﴾ أي مُدَّةٍ مِنَ الزَّمان.
﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً﴾ كالأشجارِ والسُّقوف ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا﴾ جَمعُ كُنٍّ وهو ما ستَرَكَ مِنْ كَهْفٍ أو غار، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ﴾ وهي القُمصَانُ والثّيابُ مِنَ الصّوفِ والكَتَّانِ والقُطنِ ﴿تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ أي والبردَ إلا أنه اكتفى بأحدِ الضِّدَّين ولأنَّ الوِقايةَ مِنَ الحرّ أهمُّ عندَهُم لكَونِ البردِ يسيرًا مُحتَمَلاً، ﴿وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ﴾ أي ودروعًا مِنَ الحديدِ تَرُدُّ عنكُم سِلاحَ عدوِّكُم في قتالِكم، والبأسُ شِدَّةُ الحرّ، والسِّربالُ عامٌّ يقَعُ على ما كانَ مِنْ حديدٍ أو غيرِهِ.
﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ أي تنظرونَ في نعمتِهِ الفائضَةِ فتؤمنونَ به وتَنقادونَ له.
ربنا ءاتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرةِ حسنة وقنا عذاب النار
ربنا لا تُزِغ قلوبَنا بعد إذ هديتَنا وهب لنا مِن لدنك رحمة إنك أنت الوهّاب
اللهم اجعنا هداةً مَهديين غير ضالّين ولا مُضِلّين
واستر عوراتنا يا كريم
[1] – سورة النحل.