و يَوْمَ نبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء
الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميع إخوانه
من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين
وسلامُ الله عليهم أجمعين
يقولُ الله تبارَك وتعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {89} إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَـٰنِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {90}﴾[1].
إنَّ الله يخبِرُنا بأنهُ يبعَثُ على كلِّ أُمَّةٍ ﴿شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ يعنِي نَبِيَّهَم لأنهُ كانَ يبعَثُ أنبياءَ الأمَمِ فيهِم منهُم، ﴿وَجِئْنَا بِكَ﴾ يا محمّد ﴿شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء﴾ على أُمَّتِكَ، ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا﴾ أي بيانـًا بليغًا ﴿لِّكُلِّ شَىْءٍ﴾ أي مِنْ أمورِ الدّين، أما في الأحكامِ المنصوصَةِ فظاهر، وكذا فيما ثبَتَ بالسنَّةِ والإجماع أو بقولِ الصَّحابَةِ أو بالقياس لأنَّ مَرجِعَ الكلِّ إلى الكِتاب حيثُ أمرَنا فيهِ باتّباعِ رسولِهِ عليهِ السَّلام وطاعَتِهِ بقولِهِ: ﴿أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرَّسولَ﴾[2] وحثَّنا على الإجماعِ فيهِ بقولِهِ: ﴿ويَتَّبِعْ غيرَ سبيلِ المؤمِينَ﴾[3]، وقد رَضِيَ رسولُ اللهِ لأُمَّتِهِ باتّباعِ أصحَابِهِ وقد اجتَهدوا وقاسوا ووطّؤوا طُرَقَ الاجتِهادِ والقِياسِ مع أنه أمرَنا به بقولِهِ: ﴿فاعتَبِروا يا أُولِي الأبْصَار﴾[4] فكانت السنَّةُ والإجماع وقولُ الصَّحابِيّ والقِياسُ مُستَنِدَةً إلى تِبيَانِ الكتابِ، فتبيَّنَ أنه كانَ تِبيَانـًا لكلِّ شىء، ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ أي وَدِلالَةً إلى الحقّ ورَحمَةً لهم وبِشَارَةً لهم بالجنَّة.
﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ أي بالتَّسوِيَةِ في الحقوقِ فيما بينكُم وتركِ الظُّلمِ وإيصَالِ كلِّ ذي حقّ إلى حقّهِ، ﴿وَالإِحْسَـٰنِ﴾ أي إلى مَنْ أساءَ إليكم، ﴿وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى﴾ أي وإعطاءِ ذي القَرابَةِ وهو صِلَةُ الرَّحِم، ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾ أي عنِ الذُّنوبِ الْمُفرِطَةِ في القُبحِ ﴿وَالْمُنكَرِ﴾ أي ما تُنكِرُهُ العقول ﴿وَالْبَغْيِ﴾ أي طَلَبِ التَّطاوُلِ بالظُّلـمِ والكِبْر، ﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي تتَّعِظونَ بِمواعِظِ الله، وهذهِ الآيةُ سَبَبُ إسلامِ عثمَانَ بنِ مَظعون فإنه قالَ: ((ما كنتُ أسلَمتُ إلا حياءً منه عليه السّلام لكثرَةِ ما كانَ يَعرِضُ عليَّ الإسلام، ولَم يستَقِرَّ الإيمانُ في قلبي حتى نزلَت هذهِ الآية وأنا عندَهُ فاستقرَّ الإيمانُ في قلبي، فقرأتها على الوليدِ بنِ المغيرَة فقال: والله إنَّ له لَحلاوَة وإن عليهِ لطَلاوَة وإنَّ أعلاهُ لَمُثمِر وإنَّ أسفَلَهُ لَمُغدِق وما هو بقَولِ البشَر)) أرادَ بقولِهِ: ((وإنَّ أسفلُهُ لَمُغدِق)) أنه كثيرُ المعانِي فيهِ ما يحتاجُ الناسُ لأمرِ دينِهِم ودُنياهُم، وقال أبو جَهلٍ: ((إنَّ إلـٰهَهُ ليأمرُ بِمَكارِمِ الأخلاق)).
وهي أجمَعُ ءايةٍ في القرءانِ للخيرِ والشرّ، ولِهذا يقرؤها كلُّ خطيبٍ على المِنبر في ءاخرِ كلِّ خُطبَة لِتكونَ عِظَةً جامِعَةً لكلِّ مأمورٍ ومَنهِيّ.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات وأصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا
واجعلنا هُداةً مهديين غير ضالين ولا مُضلّين وستر عوارتنا
يا أرحم الراحمين
[1] – سورة النحل.
[2] – سورة النور.
[3] – سورة النساء.
[4] – سورة الحشر.