احفَظْ لِسانَكَ أَيُّهَا الإنسَانُ لا يَلدَغّنَّكَ إنّهُ ثُعبَانُ
والأمرُ الرّابعُ هوَ أنّهُ لا بُدّ مِن سَاعةٍ يَأكُلُ فيهَا ويَشربُ وهَذهِ الرّابعَةُ قَد يُغني اللهُ تَبارَك وتعالى بعضَ الصّالحِينَ عَنها فلا يحتَاجُونَ للأكلِ والشُّربِ،بعضُ أولياءِ الله في أَيامَ الحَجّاج بنِ يوسُف واسمه عبد الرحمن بنُ أبي نُعُم أخَذَه الحجّاجُ ليَقتُلَهُ بالجُوع،قال احبِسُوهُ وأَغلِقُوا علَيهِ البابَ،فحَبسَه خمسةَ عشَرَ يَومًا ثم فُتِحَ البابُ وعلى ظَنِّهِم أنّهُ مَاتَ فوَجَدُوهُ قَائمًا يُصَلّي فتَخَوّف الحجّاجُ مِن قَتلِه فأَطْلقَهُ،وقالَ لهُ اذهب فأَنتَ راهِبُ العَرب.بعضُ الأولياء هَكذا اللهُ تَعالى لا يُحوِجُهم إلى الأكلِ والشُّربِ،يُعطِيهِم قُوّةً بلا أكلٍ ولا شُربٍ وصِحّتُهُم محفُوظَةٌ،لكنْ أغلبُ الناسِ لا بُدّ لهم مِن أن تكونَ لهم سَاعةٌ للأكلِ والشُّرب .
الحجّاجُ سَبعَةٌ منَ الأكَابِر كَفّرُوه ،كانَ مِن أشَدّ الظُّلامِ،قَتَل مائةً وعِشرينَ أَلفَ نَفسٍ ظُلمًا بالحَبسِ مِن غَيرِ مَعركةٍ.
ثم في هَذِه الجُملُ الأمرُ بحِفظِ اللِّسانِ عن كلّ مَا فيهِ شَرٌّ وعَن بعضِ مَا ليسَ فيه شَرٌّ،لأنّ كَثرةَ الكَلامِ تُسَبِّبُ الوقُوعَ في كَلامٍ فيهِ مَعصِيةٌ ،لأنّ اللِّسانَ كمَا وصَفَهُ بعضُ العُلَماءِ ثُعبَانٌ
احفَظْ لِسانَكَ أَيُّهَا الإنسَانُ
لا يَلدَغّنَّكَ إنّهُ ثُعبَانُ
فإذَا لم يحفَظِ الشّخصُ لِسانَهُ فإنَّهُ يُهلِكُه كما يُهلِكُ الثُّعبانُ بِسُمِّه مَن لَسعَه،كذلكَ هذا اللسانُ إذا لم يحفَظْهُ صَاحِبُه عن الشّرّ،عن الكفرِ والمعاصِي يُهلكْه.
ثم السّبيلُ إلى حِفظِ اللِّسانِ والقَلب مِنَ المعَاصِي بتَعلُّمِ عِلمِ الدِّين عِلمِ أَهلِ السُّنّة الذي يُعرَفُ به ما يحِلُّ مِنَ الكَلامِ ومَا يحرُم ومَا يحِلُّ منَ النّظَرِ ومِنَ المَشْيِ ومِنَ الاستمَاعِ وما يحرُم،
الكلامُ مِنه ما يحِلُّ استِماعُه ومنه ما يَحرُم استماعُه ،
لأنّ الإنسانَ مَا خُلِقَ لِيَأكُلَ ويَشرَبَ ويَنامَ،لأنّ الأكلَ والشُّربَ والنّومَ يُشاركُ الإنسانَ فيهِ البهائم،الحِمار همُّه بالنّهارِ الأكل ثم إذا رُدَّ إلى مأواه يَنام، والإنسانُ إذا كانَ حَالُه حَالَ الحِمارِ لا يَكسِبُ مِن حياتِه هذه ما يُنجِيْهِ في الآخِرة مِنَ الهلاك.
فعِلمُ الدّينِ هو السّبِيلُ الذي يُعرَفُ به ما يضُرُّ في الآخِرةِ ومَا ينفَعُ في الآخِرة.
وطَريقَةُ حِفظِ اللِّسانِ أن يَتفَكّر الإنسانُ في عاقِبَةِ ما يَخطُرُ لهُ أنْ يتَكلَّمَ بهِ ثم إنْ لم يكُن فيهِ خطَرٌ يَنطِقُ بهِ،هَذا طَريقُ السّلامةِ وقَد قالَ بَعضُهم
كَم في المقَابِرِ مِن قَتِيلِ لِسَانِهِ
كانَت تَهابُ لِقاءَهُ الشُّجعَانُ
وقوله وعلى العَاقلِ أن يَكونَ بَصِيرًا بزَمانِه مُقبِلا على شَأنِه ،
مَعناهُ مَطلُوبٌ منَ المؤمِنِ أن يكونَ يَعرِفُ ما يَصدُر في الوقتِ حتى إذَا عَلِمَ بمُنكَرٍ يُحاولُ أن يُزِيلَهُ وإنْ عَرفَ بمعرُوفٍ يُبادِرُ إلى تَشيِيعِ أَهلِه،بِناءً على هذا يكونُ أهَمُّ الأمور في هَذا الوقتِ العِناية بمذهبِ أَهلِ السّنةِ والجَماعة في العقِيدةِ والذّبّ عنها المحرّفينَ،وأن تكونَ العِنايةُ بذلكَ فَوقَ العِنايةِ بالمندُوباتِ.
وفي هذِه الجُمَل النّصِيحَةُ بأن يُقبِلَ المسلِمُ على شَأنِه أي يتفَقَّدَ حالَ نَفسِه ليُصْلِحَها،إذا رأَى مِن نَفسِه عمَلا حَسَنًا لِيَثبُت علَيهِ وليزدَاد فيه،وإنْ رأى مِن نَفسِه عَملا سيّئًا حتى يُغيّرَ حَالَهُ إلى الأحسَن.
فمَن حسَبَ كلامَهُ مِن عمَلِه قَلّ أن يتَكلّمَ إلا فيمَا يَعنِيْه،معناه مَن علِمَ أنّ كلامَهُ يُكتَبُ علَيهِ كمَا أنّ عمَلَهُ يُكتَبُ علَيهِ لا يتكَلّم كثِيرًا إنما يُقلّلُ الكَلامَ.