أوصيكُم بأصحابي ثُمَّ الذينَ يَلونَهُم ثُمَّ الذينَ يَلونَهُم،
قال شيخنا رحمه الله رحمة واسعة: الحمدُ للهِ ربّ العالمين له النِّعمَةُ وله الفَضْل وله الثَّناءُ الحسَن، صلَواتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيم على سيّدِنا مُحمَّدٍ أشْرَفِ المُرسَلين وعلى ءالِهِ الطيِّبينَ الطاهِرين
أما بعد؛
فقد رُوِّينا في جامِعِ التِّرمِذِيِّ بالإسنَادِ المُتَّصِلِ الصَّحيح أنَّ عُمَر بنَ الخَطَّابِ رضِيَ الله عنه قامَ في الجَابِيَةِ في جَمْعٍ كانوا معهُ حينَ تَوَجَّهَ مِنْ المَدينةِ إلى الشَّامِ فقَالَ: قامَ فينا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّم فقال: ((أوصيكُم بأصحابي ثُمَّ الذينَ يَلونَهُم ثُمَّ الذينَ يَلونَهُم، ثُمَّ يَفْشو الكَذِب يَحلِفُ الرَّجُلُ ولا يُستَحْلَف ويَشْهَدُ الشَّاهِدُ ولا يُستَشهَد)) قالَ عليهِ السَّلام: ((ألا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأةٍ إلا كانَ ثالِثَهُما الشَّيطان)) وقالَ: ((مَنْ أرَادَ بُحبوحَةَ الجنَّةِ فَلْيَلزَمِ الجماعة)). في بَرِّ الشامِ أرضٌ يُقالُ لها الجابِيَة، اليوم لا أدري هل هي بهذا الاسمِ معروفَة أم لا، هذه مِنْ جِهَة سورِيّا، في دِمشقَ يوجد بابُ الجابِيَة لكن الجابِيَة هي بَلدة بعيدة مِنْ دِمشقَ. هؤلاءِ أهلُ المئاتِ الثَّلاث مِنْ تاريخِ الهِجرة المائةُ الأولى والمائة الثانية والمائة الثالثة هؤلاءِ أفضَلُ الأُمَّة، أفَضلُ أُمَّةِ محمّد أولئكَ، الذين جاءوا بعدَهم ليسوا مِثلَهُم، قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام بعدَ هؤلاءِ: ((يَفشو الكَذِب)) يَفشُو بينَ النَّاسِ الكَذِب معناهُ قبلَ ذلكَ الكَذِبُ قليل، في المئاتِ الثلاث لا يَفْشو إنما يَفشُو الكَذِب بعدَ ذلك. قالَ: ((يَحْلِفُ الرَّجلُ ولا يُستحلف)) مِنْ دونِ أنْ يُطلَب منه يَحلِف، ويشهَدُ الرَّجُلُ مِنْ غَيرِ أنْ يُستَشْهدَ. ثم قالَ: ((ألا لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كانَ الشَّيطان ثالِثَهُما)) معناهُ إذا انفرَدَ رجلٌ واحد بامرأةٍ ليسَت مَحرَمًا له يكونُ الشَّيطانُ معَهُما لِيُوقِعَهُما في الشَّرِّ، معناهُ أنَّ الخَلْوَةَ خَلْوَة الرَّجُلِ الواحِد بالمرأةِ الواحِدَة إنْ لَم يكُنْ بينَهما مَحرَمِيَّة حرام، وهذا الأمر اليوم الناس تساهلوا فيه كثيرًا خَلْوة الرَّجلِ الأجنبيِّ بالمرأةِ الأجنبيَّةِ ليسَ بينَهُما ثالثٌ “شخصٌ ثالث” هذا حرامٌ بالإجماعِ في كل المذاهبِ لأنَّ الرَّسول قالَ: ((لا يَخلونَّ رجُلٌ بامرأةٍ إلا كان ثالِثَهُما الشَّيطان)) إلا لضرورة، إذا قالَ العلماءُ: إذا وَجَدَ مُسلمٌ إمرأةً مُسلِمَةً في بَرِّيَّةٍ بِحَيثُ لا يوجَدُ أناسٌ وكانُ يُخْشَى عليها مِنَ الهَلاكِ يُلازِمُها هذا الشَّخصُ يُرافِقُها حتى يوصِلَها إلى حَيثُ تأمَنُ فيهِ “هذا جائز بل فيه ثواب”. ثم قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: ((فمَنْ أرادَ بُحبوحَةَ الجنَّةِ فَلْيَلزَمِ الجماعة)) المعنى الذي يُريد أنْ يكون يومَ القيامَة في وَسَطِ الجنَّة فَلْيَلْزَمِ الجماعة، معناهُ لا يَخرُجْ عَنْ جُمهورِ المُسلمين عَن عقيدَتِهِم عن عقيدَةِ جُمهورِ المسلمين لا يَخرُج، لا يترُكْ عقيدَةَ الجُمهور ويتْبَع فِكرَة جديدة، هكذا يجب على المُسلم أنْ يتْبَع ما كان عليهِ المُسلمون المُتقَدِّمون والمُتأخِّرون لأنَّ مَنْ شَذَّ عن الجُمهور شَذَّ في النَّار، اللهُ لَمَّا قال: ﴿لَيسَ كَمِثْلِهِ شَىء﴾ أفهَمَنا أنهُ لَيسَ كَشَىءٍ مِنَ الأشياء لا هو كالأجسَامِ الجامِدة “الإنسان والحجر والشجر” ولا هو كالأجسامِ اللَّطيفة “الهواء والنور والظَّلام والرُّوح”، ليسَ كهذا ولا كهذا إنما هو موجودٌ لا نستطيع أن نتصَوَّرَهُ لا نُدرِكُهُ بالتَّصوُّرِ مهمَا أشغَلْنا أفكارَنا لا نستطيع لأنه ليسَ له شَبِيه، الذي يُريد أنْ يتصَوَّرَ اللهَ تعالى كشَىءٍ جامِد أو كشَىءٍ لطيف كالنّور والهواء ما عَرَفَ الله، فهُؤلاءِ الذينَ يعتَقِدون أنَّ الله شَىءٌ قاعِدٌ على العرشِ وله أعضَاء وله عيون بِمعنَى الجِسم وله يَد بِمعنى الجسم وله وَجه بِمعنى الجِسم هؤلاءِ ما عرفوا الله. فعليكُم بهذِه العقيدة عقيدَةِ أهلِ الحقِّ، هذا الإمام أبو جَعفرٍ الطَّحَاوِيّ قبلَ ألفٍ ومائةِ سنَة له كتابٌ مشهور في الشَّرقِ والغَرب الناس يتداوَلونَهُ للقرءاةِ للدّراسةِ يقولُ فيهِ: ((تعالَى “أي الله” عنِ الحُدودِ)) الله ليسَ له كَميَّة ليسَ شيئًا له كَميَّة صغيرة ولا كبيرَة لأنَّ الشَّىءَ الذي له كَميَّة يحتَاجُ إلى خالِقٍ خَلقَهُ على تِلكَ الكَميَّة واللهُ تعالى موجودٌ بلا حَدٍّ ولا جِهَةٍ ولا مكان ولا شَكْل، لا يستطيع الإنسان أنْ يتصوَّرَهُ لأنه لا شَبِيهَ له، لا يُشبِهُ الأشياءَ التي رأينَاها ولا الأشياءَ التي لَمْ نرَها والأشياء التي في الجنّةِ والعرش والكرسيّ لا يُشبِهُ شيئًا مِنَ الأشياء، لا يجوزُ أنْ يُحاوِلَ الإنسَان أنْ يَتَمَثَّلَهُ ويَتَصَوَّرَهُ هذا معنى: ((تعالى عَنِ الحُدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضَاءِ)) مُنزَّه عَن أنْ يكون له أعضاء، وجهٌ جسمِ ويَدٌ وعينٌ بمعنى الجسم، منزَّهٌ عن هذا. والقرءان بعضُ الآيات الذي ما عندَهُ فَهْم يُفَسِّرُها على ظاهِرِها فَيَضِلّ ويَهْلِك، الذي يُفَسِّر ﴿الرَّحمٰنُ على العَرشِ استَوى﴾ بِمَعنى جَلَسَ على العَرشِ كَفَرَ، ليسَ معناها جلَسَ، معنى “استَوى” قهَرَ وسَيطَرَ وهَينَم، العَرشُ أكبرُ ما خلَقَ الله، اللهُ يُخبِرُنا بأنهُ قاهِرُ هذا العرش الذي هو أعظَمُ المخلوقات أعظَمُ مِنَ الأرض والسَّمٰوات فإذًا هو قاهِرُ كُلِّ شَىء هذا معنى الآية، ولا يوجدُ شَىء حَيٌّ عليمٌ قادِرٌ فَوق العَرشِ لا يوجد، يوجدُ فَوق العرشِ كتابٌ كتَبَ اللهُ فيه: ((إنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي)) هذا الكتاب يوجد فوقَ العرش أما غيرُ ذلكَ لا يوجَد، الملائكة هكَذا حافُّونَ حَولَ العرش لا يَعلَمُ عدَدَهُم إلا الله لكن لَيسُوا فوقَ العَرشِ. ثم هذا العَرشُ له قوائم كالسَّريرِ لا يعلمُ قَدْرَ عِظَمِهِ إلا الله “عِظَم هذهِ القوائِم” يَحمِلُهُ أربعَةٌ مِنَ الملائكة في الدُّنيا وفي الآخِرَة ثَمانِيَة، أحَدُ هؤلاءِ الذينَ يَحمِلونَ العرش خِلْقَتُهُ عظيمة جِدًّا ما بَينَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عاتِقِهِ مَسيرَةُ سَبْعِمائة عام بطَيرانِ الطَّيرِ المُسرِع هكذا قالَ الرَّسول، هؤلاءِ الملائكة اللهُ كلَّفَهُم بأنْ يَحمِلوا هذا العَرش ليعلمُوا كمَالَ قُدرَةِ اللهِ تعالى معرِفَةً تامًّا كامِلَةً. كيفَ يكونُ رَبُّ العالمين الذي خَلَقَ العرشَ وما تَحتَهُ مَحْمولاً للملائكة؟! سخافَةُ عَقل. جُمهورُ الأُمَّةِ المُحمَّدِيَّة في الشَّرقِ والغرب على هذهِ العقيدة أنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكان بلا جِهَة بلا شَكل بلا حَدّ ليس شيئًا يتحرُّكُ تارَةً ثم يسكنُ تارَةً. ولا يجوزُ عليه التَّنقُل مِنْ عُلوٍ إلى سُفل، القرءانُ الكريم الذي فَهْمُهُ سقيم يَفْهم منه شيئًا يُهلِكُهُ يضرُّهُ، اللهُ تعالى أنزَلَ القرءان لِيَسْعَدَ به أُناسٌ ويَهْلِكَ به أُناس. بارك الله فيكم