معنى الرحمن على العرش استوى قهر وحفظ وأبقى
أما الجلوس والقعود والاستقرار فهو من صفة الخلق ولا يجوز على الخالق الموجود بلا جهة ولا مكان
الحمد لله تعالى
فائدةٌ في تَنزيهِ اللهِ تَعالى :
ــ ذَكَر العَالِمُ النِّحْرِير النّحْوِيّ اللّغَويّ الفَقيه المالكِيّ أبو عَمرو عثمان بنُ عُمَر الكُردي الأصل المِصري المولِد والممَات المعروف بابنِ الحاجِب (ت 646 هـ.) وكانَ منَ القَائمِينَ بالأمرِ بالمعروف والنّهي عن المنكر رحمه الله، مِن طبقة سلطانِ العلماء العِزّ بنِ عبد السلام المتوفى سنة 660 هـ.:
“وأما قوله تعالى “فإذَا استَويتَ أنتَ ومَن مَعكَ عَلى الفُلْكِ” فَإنما أَتَى بـ”على” لما في الاستِواءِ مِن مَعنى الاستِعلاء، أَلا تَرى إلى قولِه تعالى “ثمّ استَوى على العرش“، وقوله (يعني أحَد الشّعراء) قد استَوى بِشْرٌ علَى العِراق”.
(من كتاب أمالي ابن الحاجب، ج1 ص 256، طبع دار عمار، الأردن، سنة 1989)
ــ وفي كتاب المفردات في غريب القرآن للراغب الأصبهاني (502 هـ.) في مادة “سوا” عند شرحه كلمة استوى ص 251: “واستوى فلان على عمالته واستوى أمر فلان، ومتى عدّي بـ”على” اقتضى معنى الاستيلاء كقوله تعالى “الرحمن على العرش استوى”، وقيل معناه استوى له ما في السموات وما في الأرض، أي استقام الكلّ على مراده بتسوية الله تعالى إياه كقوله “ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ سبع سموات“، وقيل معناه استوى كلّ شيء بالنسبة إليه فلا شيء أقرب إليه من شيء إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان”. اهـ.
ــ هذا ولا يمتنع تفسير الاستواء بالغلبة والقهر لورودهما نصاً في حق الله تعالى، والعجب ممن ينكر تفسير الاستواء بالقهر والغلبة والاستيلاء ومن أسماء الله تعالى المهيمن العزيز الجبار والواحد القاهر القهار.
فلو كان تفسير الاستواء بالاستيلاء ممنوعاً لأن الاستيلاء إنما يكون بعد مغالبة، لكان أصل ذلك وهو الغلبة لله تعالى ممنوعاً بالأولى، وهذا باطل بنص القرآن ففي كتاب الله تعالى: “والله غالب على أمره” (سورة يوسف، الآية 21)، وفي ترجمة معاوية بن معبد في الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني: “قال كعب بن مالك
زعمت سخينة أن ستغلب ربها * وليُغلبن مغالبُ الغلاب
فقال النبي صلى الله عليه وسلّم شكر الله قولك”.
فمن منع والحال كذلك أن يوصف الله بما به تمدّح من القهر والغلبة لسائر الخلق تبارك وتعالى عن مشابهة المحدثات سبحانه، فقد تحكم برأيه الذي لا يوافقه فيه لغة ولا شرع، وإن لم يكن تفسير الاستواء بالاستيلاء تعييناً واجباً إلا انه لا مانع منه.
ــ وقال الإمام اللغوي عبدالرحمن بن إسحق الزجاجي (340 هـ.) في كتاب اشتقاق أسماء الله ما نصه: “العزيز الغالب القاهر”، وفي شرح جمل الزجاجي لابن عصفور الاشبيلي (669 هـ.): “وأما “على” فتكون بمعنى فوق حقيقة أو مجازاً، فمثال على بمعنى فوق حقيقة قولك: زيدٌ على الفرس أي فوقه، ومثال كونها بمعنى فوق مجازاً قوله: قد استوى بشر على العراقِ من غير سيف ودم مهراق، وذلك أنه قد قهر العراق ودخل تحت أمره فصار قهره له ارتفاعاًً منه عليه”.
وقال: “ومما يدل على أن القهر علوّ وارتفاع على المقهور إطلاقهم “تحت” في حق المقهور فتقول: فلان تحت قهر فلان وتحت ملكه، فإذا كان المقهور يستعمل في حقه “تحت” تبيّن استعمال العلو والارتفاع في حق القاهر”، اهـ.
وسبحان الله تعالى فهذا شيء في غاية الجمال والبيان في الرد على من شبه الله بخلقه تعالى عن ذلك الواحد القهار علواً كبيراً
أرجوكم الدعاء رحمكم الله تعالى لي ولمن أحب بالرحمة الواسعة في الدنيا والآخرة
وإن أمكن برؤية النبي صلى الله عليه وسلم عاجلاً على صورته الحقيقية والعافية في الدين والدنيا.