نصائح ووصايا شيخنا العبدري رحمه الله
إخلاص النية والتواضع والتحاب
قال شيخنا رحمه الله : أَخلِصُوا النّيةَ للهِ ،اللهُ تعَالى لا يَقْبَلُ عَمَلا إلا ما كانَ خَالصًا لهُ ،أخلِصُوا النّيةَ للهِ وتَواضَعُوا ،كلٌّ منكُمْ يتَواضَعُ ويُعامِلُ أخَاهُ بما يحبُّه لنَفسِه ،لا يَذهَبْ أحدُكُم مَذهَبَ الاستِبْدادِ والتّرفّعِ ،هذا خَرابٌ،هذا لا يُناسِبُ الدّعْوةَ إلى اللهِ ،الدّعوةُ إلى اللهِ تحتاجُ إلى التّواضُع والتّوافُقِ والتّحَاب ،اسلكُوا هذا المسْلَكَ حتى تَنجَحُوا في عمَلِ الدّعْوَةِ.
نصيحة(2)
ترك التنعم
الاستمرارُ كلَّ اليَوم على الطّعامِ اللّذيذ لا خيرَ فيه ،أهلُ اللهِ لا يُشَكّلُون، شَكْلا واحدًا منَ الطّعَام يأكلُون .تَعْوِيدُ النّفسِ على ذلك فيه خيرٌ ،الرسولُ صلى الله عليه وسلم كانَ أيّامًا عدِيدةً يُواصِلُ على التّمرِ والماءِ ،الغداءُ والعَشاءُ تمرٌ وماءٌ تمرٌ وماءٌ ،وأحيانًا خبزٌ مفتُوتٌ والمرَقُ ،هذا في الأقلّ ،خبزُه كانَ منَ الشّعِير، ما أكلَ قطُّ خُبزًا مُرَقَّقًا .والخبزُ المرقَّقُ هو الصّافي اللّينُ الخفيفُ .
يُروى عن سيدنا عيسى أنه قال :لُبسُ المُسُوحِ واستفافُ الرّمادِ والنّومُ على المزَابلِ كثيرٌ على مَن يمُوتُ “معناه النّومُ على المزَابلِ أهونُ من القَبر ،القبرُ بيتُ ظلْمةٍ ووحْشَةٍ وأشياءَ أُخرَى ،على مَنْ ينتَظِرُه القبر ُالنّومُ على المزْبَلَةِ كثيرٌ.
ما بنَى بيتًا سيدُنا عيسى ،كان ينَامُ في المسجدِ أو في مكانٍ صَادفَهُ .
وصية(3) في طاعة الآباء والمعلمين
وأن دين الأنبياء الإسلام
قال شيخنا رحمه الله:أوصيكم بأن تُطيعوا آباءكم وأمهاتِكم وتحترموا معلِّمِيكُم وتحتَرموا إخوتَكُم وأخواتِكم الذين أكبرَ منكم .
وعَلّموا بيانَ الكُفر ،سبُّ الله كفرٌ ،سبّ الأنبياء كفرٌ ،سبّ الملائكةِ كفرٌ ،سبّ دينِ الإسلام كفرٌ ،سبّ الصلاةِ والصّيام كفرٌ ،سبّ القرءانِ كفرٌ يُخرِجُ منَ الإسلام، يكونُ كافرًا مَن قال هذه الكلمات .
ومما ينبغي تعليمُه أنّ كُلّ دِينٍ سِوى الإسلام باطِلٌ لا يُحبُّه الله، وأنّ الأنبياء كلَّهم دِينُهم الإسلامُ، موسى وعيسى وءادمَ وغيرَهم كلَّهم دينُهم الإسلامُ ،
بعضُ الناسِ ينشَأُونَ وهم يظُنُّون يعتقدونَ أنّ عيسَى لم يكن على الإسلام بل كانَ على ما عليه هؤلاء النّصارى، هذا لا ينفعُه الشهادتان ولا صلاةٌ ولا صيامٌ مع هذا الاعتقادِ.
هذه فائدةٌ :سيدُنا محمدٌ له اسمانِ محمدٌ وأحمدُ وسيدنا عيسى له اسمان عيسَى والمسيحُ.
ثم قال شيخنا رحمه الله للمعلمات:
أوصِيكُنّ بالحِلْم والصّبر ،كما قال سيدُنا عيسى عليه السلام،لما قال له الحواريّون :يا رُوحَ الله هل بعدَنا مِن شىءٍ قال:نعم ،أمّةُ أحمدَ علماءُ حكماءُ برَرةٌ أتقياءُ كأنّهم منَ الفِقْه أنبياءُ .وفي رواية :عُلَماءُ حُلماءُ .
الحلمُ منْ أحسَنِ الخِصَالِ،الأنبياءُ لَولا أنّهم حُلَماءُ ما نَفَعُوا أقوامَهُم هذا النفع العظيم، لكنْ التَزَمُوا الحِلْمَ والصّبرَ فنفَعُوا أُمَمَهُم ،فالحِلمُ مِنْ أفضلِ الخِصَال ،مَنْ فقَدَ الحِلمَ لا يَكثُرُ نَفعُه.
قولُ الحواريِّينَ هل بعدَنا مِنْ شَىء أي هل بعدَنا مِنْ مؤمنين.
التحابّ والتناصح(4)
قال الشيخ رضي الله عنه:
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أمّا بعد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حِكايةً عن ربّه : حَقَّتْ مَحَبّتي للمُتَحابِّين فيَّ وحَقّت محَبَّتي للمُتَناصِحِينَ فِيَّ وحَقَّتْ مَحَبَّتي للمُتَواصِلينَ فيّ وحَقَّت مَحَبَّتي للمُتبَاذِلينَ فيّ” رواه الحاكم وصححه.
فكُونُوا عبادَ اللهِ إخوانًا مُتَناصِحِينَ كمَا أَمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَلْيتَفَقّدْ بَعضُكُم بَعضًا فإذا مَضتْ مُدّةٌ لم يرَ فيها أَحدُكم أخَاهُ فَلْيَسأَلْ عَنهُ أو لِيَزُرْه،وبهذَا تَقوَى المحبَّةُ وتَقوَى الدَّعوةُ .
وفّقكُم الله وباركَ الله فِيكُم وعلَيكُم.
نصائح وفوائد4
مَن تجَشّأَ يُسَنُّ لهُ أن يقولَ:الحمدُ للهِ على كُلّ الأحوالِ
قال الشيخ رحمه الله:
لا يحصُل بمجَرَّد صَلاةِ العِشاء والفَجْر جماعةً إحياءُ لَيلةِ القَدْر،الإحياءُ أن يَقُومَ كلَّ اللّيلِ أو مُعظَمَه أو نِصفَ اللّيلِ ،ليسَ شَرطًا بقراءةِ القُرءان ،لَو اقتَصَر على سَبعِ ركَعاتٍ ثم نامَ قَليلا ثم قامَ فصَلّى هذا يقالُ لهُ إحياءٌ، لا بُدّ أن يكونَ مُستَيقِظًا أَكثَر مِن نِصفِ اللّيل ولَو بقَلِيل.
نصيحةعظيمة النفع(5)
قال شيخنا رحمه الله:
الشّابُّ لا يجوزُ لهُ أن يَقتَرِنَ بما يُبعِدُهُ عن التّقوى لأنَّه يجُرُّه إلى ما فيه فسَادٌ،لا تَصَاحِبُوا إلا إنسَانًا يُسَاعِدُ على الدّينِ ،ولا تُكثِرُوا مِنَ النّظَرِ في التّلفزيون ،التلفزيون يُعَلّمُ الفسَادَ اليومَ ،يُشَوّشُ الخَاطِرَ ،الذي يدَاوِمُ النّظَرَ فيه نَفسُه تَنجَرُّ إلى الملاهِي وإلى المعاصِي،يَنجَرُّ فِكرُه عن المحافظةِ على الدّين،تَسُوءُ حَالُه،ثم قَد يَصِلُ إلى حَدّ بَعيدٍ في الفَساد،لذلكَ الرسولُ قال :لا تُصاحِبْ إلا مؤمنًا“رواه البيهقي والترمذي وأبو داود.
أي إلا مؤمنا تَقيّا لا يأخذُك إلى المعاصِي،لا يأخُذُك إلا إلى الخَير،بَعضُ التلاميذِ فيما يرَوْنَه في التلفزيون نفوسُهم تَفسُد،قُلوبُهم تَفسدُ فينجَرُّونَ إلى هَلاكٍ،فإنْ صَاحَبَ إنسَانًا لا يصاحبْ إنسانًا يُفسِدُ عليه دِينَه، انتَقُوا مِن بَينِ الطّلَبةِ مَنْ حَالُه حَسَنٌ فإنْ وَجَدْتُم وإلا فلا تُصَاحِبُوا واحِدًا مِنهُم .
ثم حَافِظُوا على الصّلواتِ الخمسِ، حَافِظُوا على صلاةِ الصّبحِ في وَقتِها ،بسَبَبِ التّلفزيون أكثَرُ الناسِ لا يُصَلُّونَ الصّبحَ في وقتِها ،بسبب السّهَر على التّلفزيون حُرِمُوا خَيرًا كَثيرًا ،اتّباعُ عَاداتِ الكّفار هو الذي جَرَّ أكثَرَ المسلمينَ إلى هذه الحالةِ ،المسلمونَ في الماضِي يُصَلّون العِشاءَ ثم يَنامُونَ، قَبلَ الفَجْرِ يَستَيقِظُونَ ثم لا يَنامُونَ إلا إلى الليلةِ القَابِلةِ ،خَيْرَاتٌ كثيرةٌ في وقتِ الصُّبحِ ،الذي يصَلّي صلاةَ الصّبحِ في وَقتِها ثم يقرَأ: بِسم اللهِ الذي لا يضرُّ معَ اسمِه شَىءٌ في الأرضِ ولا في السّماءِ وهوَ السّميعُ العَليمُ“. ثلاثَ مَرّاتٍ، أو يقرَأُ وهوَ ثانٍ رِجْلَيه: لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ لهُ المُلْكُ ولهُ الحَمدُ يُحْيى ويُمِيتُ وهوَ على كلِّ شَىءٍ قَديرٌ “،عَشْرَ مَرّاتٍ هذا يَلقَى خَيْرًا في يَومِهِ إلى الغُروبِ، وإنْ قَرأ بعدَ المغرِبِ اللهُ يحفَظُه في هذه الليلةِ مِنَ الشّيطانِ مِنْ أذَى الجنِّ.
اليَومَ بعدَ العشاءِ يُطِيلُونَ السّهَرَ إمّا على التّلفزيون وإمّا في حديثِ الدُّنيا فيُحرَمُون صَلاةَ الفَجْرِ في وَقتِها.
الرسولُ عَليهِ الصّلاةُ والسّلامُ يَكْرَهُ الحديثَ بَعْدَ العشاءِ بالكلامِ في أمور الدنيا، بعد صلاةِ العشاء الرسولُ كانَ يَنامُ ثم لما يَنتَصِفُ الليل يَقُوم فيَتوضّأ ثم يُصَلّي، ثم ينامُ ثم يَستَيقِظُ فيَتوضّأ ويُصَلّي ويَنامُ.ثم المؤذّنُ عِندَما يؤذِّنُ لصَلاةِ الفَجر يقومُ عندَ الأذانِ ثم لا يَنام إلا إلى الليلِ، إلى مِثلِ تلكَ السّاعة.هكذا كانتِ العاداتُ في الماضي، كانَ الناسُ يُصَلّونَ العشاءَ ثم بعدَ قليلٍ يَنامُونَ.
أمّا الذي يُطالِعُ دَرسَهُ قَبلَ أذانِ الفَجْرِ تِلكَ السّاعةُ مُبارَكةٌ يَقْوَى ذِهْنُه ،قبلَ الفَجْرِ قَبلَ أذانِ الصّبح يَستيقِظُ قبلَ ساعةٍ يُطالع درُوسَه تَقْوى قَرِيحتُهُ للحِفظ.اه
(روى أبو داود والترمذي من حديث عثمان بن ابن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ما مِنْ عَبدٍ يقولُ في صَباحِ كُلِّ يَومٍ ومسَاءِ كُلِّ ليْلةٍ بِسم اللهِ الذي لا يَضُرُّ مَع اسْمِهِ شَىءٌ في الأرضِ وَلا في السّمَاءِ وهوَ السَّميعُ العَلِيم ثلاثَ مَرَّاتٍ إلا لم يَضُرَّه شَىءٌ” وقال الترمذي حديث حسن صحيح .
وفي لفظ :مَنْ قالَ حِينَ يُمسِي بِسْم الله الذي لا يَضُرُّ مَع اسمِه شَىءٌ في الأرضِ ولا في السّماءِ وهوَ السّميع العَليمُ ثلاثَ مَرّاتٍ لم يُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاءٍ حتى يُصبِحَ ومَن قَالهَا حِينَ يُصبِحُ ثلاثَ مَرّاتٍ لم يُصِبْهُ فَجْأةُ بلاءٍ حتى يمسِيَ” رواه ابن حبان وغيره.وفي لفظٍ:لم يُصِبْهُ في يَومِه ولا ليْلتِه شَىءٌ“رواه ابن أبي شيبة.)
(وروى البخاري في الأدب المفرد عن أبان بن عثمان قال سمعت عثمان قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:مَنْ قالَ صَباحَ كلِّ يَومٍ ومَسَاءَ كلِّ ليْلةٍ ثلاثًا ثلاثًا بِسْم الله الذي لا يَضُرُّ معَ اسمِه شَىءٌ في الأرضِ ولا في السّمَاءِ وهوَ السّميعُ العَليمُ لم يَضُرَّهُ شَىءٌ “وكانَ أصَابه طَرفُ فَالج، فجَعلَ يَنظرُ إليه ففَطِنَ لهُ ،فقال إنّ الحديثَ كما حدَّثْتُكَ ولكنِّي لم أقُلْهُ ذلكَ اليومَ ليَمضيَ قَدَرُ اللهِ.)
(عن عبد الرحمن بن غنم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَنْ قالَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ وهوَ ثانٍ رِجْلَهُ قَبْلَ أنْ يَتكَلَّمَ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ لهُ الملْكُ ولهُ الحَمْدُ يُحيِى ويميتُ وهوَ على كلِّ شَىءٍ قَدِير، عَشْرَ مَرّاتٍ كَتَبَ اللهُ لهُ بكُلِّ واحِدَةٍ عَشْرَ حَسَناتٍ وحَطَّ عنه عَشْرَ سيِّّئاتٍ ) وفي لفظ عشرَ سيئاتٍ مُوبِقاتٍ) ،ورَفَعَ لهُ عَشْرَ دَرجاتٍ وكانَ لهُ بكُلِّ واحِدَةٍ قَالها عَدْلُ رَقَبةٍ مِنْ وَلدِ إسماعيلَ وكُنَّ مَسْلَحَةً وحَرَسًا مِنَ الشّيْطانِ وحِرْزًا مِنْ كُلِّ مَكرُوهٍ ولم يَعمَلْ عَمَلا يَقْهَرْهُنّ إلا أن يُشرِكَ بالله“رواه النسائي وعبد الرزاق في مصنّفه ورواه الطبراني ورواه أحمد.).
وصية6)
الحلم والصبر على التعليم
قال شيخنا رضي الله عنه ورحِمَه رحمةً واسِعة للمعَلِّمَات:
أوصِيْكُن بالصّبْرِ على مشَقّةِ التعليم والحِلْم، فالحليمُ هو الذي لا يَستَفِزُّه الغضبُ .
اليومَ في هذا الزمنِ تعليمُ علمِ أهلِ السّنةِ ازدادَ أهمّيةً لأنّ المنحرفينَ كثُروا ،اليوم فيما بَينَكُم في هَذا البَلدِ وفي غَيرِه تُوجَدُ ثَلاثُ فِرَقٍ كُلٌّ تَدعُو إلى الضّلالِ باسْم أَهْلِ السُّنةِ فالنّاسُ إذا تعَلّمُوا عِلْمَ أهلِ السّنةِ لا يُفتَتَنُون بهم ،يُحفَظُونَ مِنَ الافتِتانِ بهذه الفِرقِ الثّلاث.
بعِلم أهلِ السّنة والجماعة هؤلاء يُحذَرُونَ ولا يَدخلُ الشّخصُ مَعهُم ،لذلكَ لا بُدَّ مِن عِلمِ أَهلِ السّنةِ حتى يَحذَر الشّخصُ مِن هؤلاء الضّالين ولا يَنجرَّ معهُم لأنّ انجِرارَ الناسِ مع هؤلاء سَببُه الجهلُ ،لما جَهِلُوا بعِلمِ أهلِ السّنةِ والجماعةِ انجَرَّ كثيرٌ مِنَ الناسِ إلى هذِه الفِرق الثلاثِ ،وعِلمُ أهلِ السّنة والجماعةِ هوَ الذي يَحفَظُ الناسَ منَ الانجِرارِ معَ الوهابيةِ وحزبِ الإخوان وحزبِ التّحرير وغيرِهم منْ أهلِ الضّلال فَلْيَحذَروا هؤلاء .
فهنِيئًا للصّغار الذين تعلَّمُوا عِلمَ أَهلِ السّنةِ مِن أوّلِ نَشأَتهِم وهنِيئًا لمن يُعلِّمهُم هذا العِلمَ باركَ اللهُ في الجميعِ الذين يُعلِّمونَ والمتعَلِّمينَ ،المعلِّمينَ والمتعلِّمين.
نصيحة7
قال شيخنا رحمه الله:
واجِبٌ عَليكُم أن تَبذُلُوا جُهدَكُم لنَشرِ العَقيدَةِ فَقد انتَشرَ الفَسادُ بَينَ النّاسِ.
وقالَ رضي الله عنه: بالعِلْمِ يُعرَفُ العَملُ الذي يُحِبُّه اللهُ والعَملُ الذي لا يُحِبُّه اللهُ .
وقال: اللهُ يُصلِحُ أحْوالَ المسلمينَ ابتعادُهُم عن الدِّينِ هوَ الذي أوصَلَهُم إلى هذا الانحِطاطِ.
وقال ناصحًا أحدَهم :لا تُقصِّر في أدَاءِ الفَرائضِ كيفَمَا كانَ الحالُ.
وصيّة8
في إيثار الآخرة على الدنيا)
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه أمّا بعدُ يا إخوانَنا أوصِيكُم بإيثارِ الآخِرةِ على الدّنيا الفَانيةِ وذلكَ بمخَالفَةِ النّفسِ وإيثارِ مَا يَبقَى على ما يَفنى، فلِذَلكَ أَدْعُوكُم إلى بَذلِ الجُهدِ لمكافحَةِ الجَهْلِ بالضّرورياتِ وتَعليمِ العقِيدةِ التي هيَ أَساسُ الدّينِ، والأحكامِ التي يُميَّز بها الكفرُ منَ الإيمانِ بالأقوالِ والأفعالِ لأنّ مَن تَركَ الأمرَ بالمعروفِ وبيَانَ المنكَرِ هَالِكٌ.
وقَد صَحّ حديثُ :إذَا رأَيتَ أُمّتي تهَابُ الظَّالم أنْ تَقُولَ لهُ يا ظَالمُ فقَد تُوُدِّع مِنهُم ” رواه الحاكم
فإنْ تمَادَيتُم على الجِدّ والاجتِهَادِ لمكافَحةِ الكُفرِ الاعتقاديِّ والفِعليّ والقَوليّ غَايةَ وُسعِكم صِرتم مِنَ الذينَ يُجَاهِدُونَ الكفرَ والفسَادَ.مَن كانَ كذلكَ كانَ بمنزِلةِ المجاهِد في سبيلِ اللهِ .أنتُم تَعلَمُونَ أنّهُ انتشَرَ أُناسٌ يدْعُونَ إلى الكفرِ ومِنهُم الفِرقُ الثّلاثةُ نُفاةُ التّوسّل والقُطبيةُ والتّحريرية،يَدعُونَ باسْمِ الدّعوةِ إلى الدِينِ والرّشَادِ والإصْلاح.أكبَرُ وسِيلةٍ على أن تُحَقّقُوا هذا الأمرَ مخَالفَةُ النّفسِ والقَناعَةُ بالقَليلِ مِنَ الرّزقِ.
اذكُروا أحوالَ السّلَف الصّالح واقتَدُوا بهم ولا تَنظُروا إلى الرّاحَاتِ واللّذاتِ ،فقَد كانَ عمرُ بنُ الخطّابِ في سفَرِه إلى بيتِ المقدِس لِيُصالح أهلَ الكِتابِ المستَعصِينَ بإغلاقِ بابِ الحِصن في بيتِ المقدِس الذينَ طلَبُوا أن يُصَالحُوا أميرَ المؤمنينَ زَادُه سَويقَ الشّعِير والتّمرُ والزَّيت، وكانَ يَلبَسُ ثِيابًا رَثّةً، فقِيلَ لهُ لَوْ لَبِسْتَ غَيرَ هذَا فلَبِسَ ثمّ خلَعَهُ وعادَ إلى لِبَاسِه الأوَّل، فلمّا رأَوهُ قالوا هذا الذي نَعرِفُه في كتبُِنا فاستَسْلَمُوا ،كانَ بإمكانِه أن يَلبَسَ أَفْخَرَ الملابِس ويتَزَوّدَ غَيرَ هذا الزّادِ، لأنّ بيتَ المالِ في أيّامِه كانَ غنِيّا ولعَلّكُم سمعتُم أنّه قالَ: إذَا احتَجْتُ مِنْ بَيتِ المالِ أَخَذتُ مَا احتَجْتُ ثمّ قَضَيتُ مَا أخَذْتُ وإنْ لم أَحْتَجْ لم ءاخُذْ.
وإيّاكُم أنْ يَشْغلَكُم مُراعَاةُ خَواطِرِ نِسائِكُم في التّنعُّم،
إنّي والحمدُ لله لمّا كنتُ في سُوريّا قَبلَ أَنْ أَسْكُنَ لبنانَ كانَ طعَامِيْ الخُبزَ والشّاي واللّبنَ الرّائِب وأَحْيانًا البَندُورَة، ولم أشتَرِ قَطُّ اللّحمَ .
وقَد قال المسيحُ عيسَى عليه السلام :لُبْسُ المُسُوحِ واسْتِفَافُ الرّمَادِ والنّومُ علَى المزَابِلِ كثِيرٌ على مَن يمُوتُ”
الشّيخ حسّان كانَ يأتي إليّ لمّا كُنتُ في الشّام كانَ يَقولُ لي على وَجْهِ المُباسَطة :لا يُوجَدُ إلا الشّاي والخُبزُ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصيةمهمة9)
قال شيخنا رحمه الله:أمّا بعدُ فإنّي أُوصِي إخْوانَنا بالتّحَابّ فيمَا بينَهُم والتَّواصُل والتّناصُح والتَّزَاوُر والتّبَاذُل في اللهِ تعالى،فإنّ المسلِمَ إذَا أحَبَّ أخَاهُ وأخُوهُ أحبَّهُ للهِ لا لغَرضٍ دُنْيَوِيّ ولا لِقَرابَةٍ يَكونُ في ظِلّ العَرشِ يَومَ القِيامَةِ ،يومَ القِيامةِ لا يُصِيبُهُ حَرُّ الشّمسِ ،والتّباذُلُ مَعناهُ أنْ يُعطِيَ هَذا شَيئًا وأنْ يُعطِيَ هَذا شَيئًا فإنّ هَذا يُقَوّي المحبّةَ ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :تهَادَوا تحَابُّوا ” معناه إنْ تهَادَيتُم فهذا أَعْطَى شَيئًا لأخِيْهِ وهَذا أعطَى شَيئًا تَزدَادُ المحبَّةُ ،وأُوصِيكُم بالإقبالِ على العِلمِ بالتّعلّمِ والتّعلِيمِ فإنَّ عِلمَ أَهلِ السّنةِ حَياةُ الإسلام .وعَليكُم بتَجنُّب الكفريّاتِ التي شَاعَت في كثيرٍ مِنَ البِلادِ ولاسِيّمَا في هَذا القَرْنِ ،وقَد قالَ الحافِظُ محمّد مُرتضَى الزّبِيديّ في شرح إحياءِ علُومِ الدّين: فقَدْ ألّفَ جَمْعٌ مِنْ أئِمّةِ المذاهِب الأربعَةِ رسَائلَ في بيانِ الكلماتِ الكفريّة.اه .
فعَليكُم بالحِلم فإنّ الحِلمَ زَينُ العِلمِ .
والسّلامُ علَيكُم ورحمَةُ اللهِ وبرَكاتُه،وباركَ الله فيكُم وسَدّدَ خُطَاكُم .
وصية ونصيحة 10
قال شيخنا رحمه الله كلٌّ مِنَّا عَليه أن يَعمَلَ بحديثِ:الدّينُ النَّصِيحَة“النّصيحةُ هي أن يُعينَ الرّجُلُ أخَاهُ على ما يُرضِي اللهَ ويَبتَعدَ عمّا يُسخِطُ اللهَ فمَن عَمِلَ بهذا فَهوَ مِنَ المفلِحِينَ ومَن لم يَعمَلْ فهوَ منَ الخاسِرينَ ،واذكُروا حديثَ:إنّكُم لَتَغفُلونَ عن أفضَلِ العِبادةِ التَواضُع“فلْيُلْزِم أحَدُكُم نَفسَه أنْ يَتوَاضَع لأخِيه لا أنْ يَكُونَ مُتَرَفّعًا عَليه رئيسًا عَليه قائِدًا لهُ إلى ءارائِه ،
واعمَلُوا بحديث“حَقَّتْ مَحبَّتي للمُتَحَابِّينَ فِيَّ والمتَناصِحِينَ فيّ وحقَّتْ مَحبّتي للمُتَواصِلينَ فيّ وحَقّتْ مَحبّتي للمُتَزاوِرينَ فيّ وحَقّت محبَّتي للمتبَاذلِينَ فيّ”ولْيَبذُل بعضُكُم لبعضٍ شَيئًا ما ولوْ عُوْدَ سِواكٍ،ليسَ مِن شَرطِ التّباذُلِ أن يكونَ بالمثلِ بل لو أهْدَى أحَدُكم أخاهُ ألفَ دِينار فمَطلُوبٌ منَ الآخَر أن يُهدِيَه بما في وُسْعِه ولو سوَاكًا مِنْ أرَاكٍ عَملا بهذا الحديثِ وبحديثِ: تهَادَوا تحَابُّوا” رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي،وعليكُم بمخَالَفةِ النّفسِ فإنّ النّفسَ تحِبّ التّرَفُّعَ والتَّعَالي.
وصية11
في ترك الغضب والتنعم
قال شيخنا رحمه الله أُوصِيْكُم بتَركِ التّنعُّم، الأنبياءُ ما كانُوا يتَنعَّمُونَ التّنعُّم يَدعُو إلى الغَفلَةِ وتَركُه يَدعُو إلى الخَشيَةِ والاستعدادِ للآخِرَة، ثم تَرك الغضب، ثم إطالَةِ الصّمْتِ
في صُحفِ إبراهيمَ عليه السلامُ التي أنزَلها الله علَيه التّوصِيةُ بتَركِ الكَلامِ إلا فيما يَعنِيكَ
الكَلامُ الذي لا يحتَاجُه الشّخصُ في دِينِه ومَعِيشَتِه تَركُه فيه سَلامَةُ الدِّينِ
أصحابُ رسولِ الله لو كانُوا مُتَنعّمِين ما انتشَر الإسلامُ في الشّرقِ والغَرب،الصحابةُ كانوا يَذهَبُونَ لنَشر الدّين وأحيَانًا لا يكونُ مع الواحِدِ مِنهُم إلا تَمرةً واحدةً يمُصُّونهَا كُلَّ النّهار، التّنعُّم لا خيرَ فيه ، التَّنعُم يُقعِدُ الشّخصَ عن التَّرقّي
ثم لِيَكُن التّعلِيمُ بحِلْمٍ قالَ العُلماءُ الحِلمُ زَينُ العِلمِ،المعَلّمُ إذا كانَ حَليمًا يَنفَعُ أكثَرَ مما إذا لم يَكُن حَلِيمًا، الأنبياءُ لَولا حِلمهُم ما انتَفعَ النّاسُ بهم هذا النّفعَ العَظِيمَ.
نصيحة للمعلّمات(11)
قال شيخنا رحمه الله:ذَكَرَ أَهلُ العِلمِ أنّ مِنْ ءادابِ المعَلّم أنْ يكونَ حَلِيمًا ،لأنّهُ بالحِلم يتَحقّقُ معنى التّعلِيم .كذلكَ تحَمّلُ المتاعِب مِنَ المتعَلّمِينَ والمتعَلِّماتِ هَذا أيضًا يُيسّرُ فائِدةَ التَّعلِيم والتَّحصِيلِ ،فكُونوا على هذِه الحالِ معَ النيّةِ الخَالصَةِ للهِ تعَالى فإنَّ الأعمالَ بالنيّاتِ .فمَهما كانَ العَملُ شَاقًّا مِن أعمَالِ العِباداتِ لا يَقبَلُهُ اللهُ إلا بنيّةٍ خَالصَةٍ للهِ تَعالى ،اللهُ لا يَقبَلُ عَملاً أَشركَ العَبدُ فيهِ غَيرَه ،المجاهِدُ في سبيلِ الله يتَعرّضُ لأنْ يُقتلَ فإذَا كانَت فيهِ نِيّتُه خالصَةً فهذَا إنْ قُتِلَ فهوَ شَهيدٌ وإنْ رجَعَ سَالمًا فلَهُ أَجرٌ عظِيمٌ أمّا إنْ نَوى أنْ يقولَ الناسُ عنهُ فلانٌ بطَلٌ فليسَ لهُ شَىءٌ إنْ قُتِلَ وإنْ لم يُقتَلْ .
باركَ اللهُ بكنَّ ونفَع اللهُ بكُنّ.
وصية12
قال الشيخ رحمه الله موصِيًا كِبارَ السّنِ في طرابلسَ
الحمدُ لله ربّ العالمينَ والصّلاة والسلام على سيدنا محمدٍ سيد المرسلينَ وءالِه الطّيبينَ:أما بعدُ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قالَ الله تعالى حَقَّتْ مَحَبَّتي للمُتَحابِّينَ فيّ وحَقَّتْ مَحبَّتي للمُتَناصِحينَ فيّ وحَقَّتْ مَحبَّتي للمُتَواصِلينَ فيّ وحَقَّتْ محبَّتي للمُتزَاوِرينَ فيَّ وحَقّتْ محبَّتي للمُتَباذِلينَ فيّ”رواه الحاكم
فلْيحمدِ الله مَن وفّقَهُ اللهُ للعَملِ بهذا الحديث .فيا إخْوانَنا اثبُتُوا على هذا فإنّمَا قَوِيَ هذا الدِّينُ في الصّدْر الأوّلِ بالتّواصُلِ والتّزاورِ والتّباذُلِ فِيمَا بينَهُم، وهَذا كانَ عمَلُ الصّحابةِ ،كانَ المهاجِرونَ مِن مّكةَ إلى المدينةِ يُؤوِيْهِم أهلُ المدينة،يُعطُونَ المهاجِرينَ قِسمًا مِنْ أموالهِم،حتى إنّ بعضَهم تنَازَل لمهاجِرِيٍّ عن إحْدَى امرَأتَيه ،يُطلِّقُها لِيَتزَوّجَها المهاجِريُّ برِضَاها، فبِهذا التّعَاونِ والتَّواصُلِ والتّزاورِ والتَّباذُل وَصَلُوا إلى تلكَ القُوّةِ القَوِيّة ،في رُبْعِ قَرنٍ وصَلُوا إلى المغربِ الأقصَى.
فيَا أيّها الإخوانُ هذَا الفَلاحُ ،هذَا النّجَاحُ ،اعمَلُوا بهِ وفَّقكُمُ اللهُ لذلكَ ءامينَ.وسبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .
والسلام عليكم ورحمة الله.
نصيحة عظيمة النفع(13)
حماية عقيدة أهل السنة
قال الشيخ رحمه الله :الذي يقُومُ اليومَ بحمَايةِ عقِيدةِ أهلِ السّنةِ والجمَاعةِ والدّفاعِ عنها ونَشْرِها بينَ النّاسِ وبمحَاربةِ فِرَقِ الضّلالِ والتَّحذيرِ مِن كفريّاتهِم ويأمُر بالمعروفِ ويَنهَى عن المنكرِ ويَلتزِمُ مَذهَبَ أهلِ السُّنّةِ والجمَاعةِ لهُ أَجرُ خمسينَ منَ الصحابةِ في الأمرِ بالمعروف والنّهيِ عن المنكَر لحديثِ أبي ثَعْلبَة الخُشَنِيِّ الذي رواه الترمذي. وثَوابُه أكبَرُ مِن مائةِ ألفِ حَجّةٍ نافلةٍ وأكثرُ مِن ثوابِ مِائَتي ألفِ ركعةٍ نافلةٍ ومِن بناءِ خمسِمِائةِ مَسجِدٍ إن لم تَدْعُ الضرورةُ لِبنائها وأكثرُ مِن ثوابِ مائةِ خَتْمةٍ مِنَ القرءان. وإنْ ماتَ ولَو على فِراشِه لهُ أَجرُ شَهيدٍ ولهُ في الجنّةِ مسَافةُ خمسينَ أَلفَ سنةٍ.
ولَو كانَ مرتَكبًا لبَعضِ الكبائر تُغفَرُ لهُ ويكونُ لهُ شَأنٌ ومَرتَبةٌ عَاليةٌ في الجنّةِ.
والذينَ يُدَرِّسونَ بمدارِسنا (كتدريسِ اللّغة العربية) بنِيّةٍ حسَنةٍ كيْ يتَعلَّم الأولادُ عِلْمَ الدّينِ ويُحذّروا مِنَ الكفرِ ولِكَي لا يَذهَبُوا إلى أهلِ الضّلال داخِلُونَ في هَذا أيضًا، وكلُّ العَامِلينَ في مؤسّسَاتِ الجمعيّةِ إنْ كانُوا على هذِه الصّفةِ داخِلونَ في هَذا أيضا، والذينَ يُدرّسونَ على هذِه الآلةِ الكمبيوتر الإنتِرنت ويُحذّرون مِن أهلِ الضّلالِ ويأمرونَ بالمعروفِ ويَنهَونَ عن المنكَر داخِلونَ في هَذا أيضًا .
نصيحة ووصيّة(14)
الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم
قال شيخنا رحمه الله:الله تعالى يجعَلُكم مِنَ العَاملِينَ بحديثٍ قُدسيّ رواه الحاكم وصححه “حَقَّتْ مَحبَّتي للمُتَحابّينَ فيّ وحَقّتْ محبّتي للمُتنَاصِحينَ فيّ وحَقّت مَحبّتي للمُتواصِلينَ فيّ وحَقَّتْ مَحبَّتي للمُتَزاوِرينَ فيّ وحَقّتْ مَحبّتي للمُتَباذِلِينَ فيَّ”.
حَقَّت مَعناه ثَبَتَت، ووَردَ فيمَن اتّصَفَ بهذا بأنّهم يكُونُونَ على مَنابرَ مِن نُورٍ يَومَ القِيامةِ.أمّا معنى المتنَاصحِينَ هوَ أن يَدُلَّ بَعضُهم على الخَير الذي يُحبُّه لنَفسِه ويُحذِّرَه مِنَ الشّرّ ،وأمّا مَعنى المتواصِلينَ في الله فهوَ أنْ يزُورَ بَعضُهم بعضًا ،وأمّا مَعنى المتَباذلِينَ فهو أن يتَهادَوا فيما بَينَهُم فإنّ الهديّةَ تُقوّي المحبّةَ ويَنبغي التّباذُل ولَو بشَىءٍ خفِيفٍ كالسّواكِ وما أشبهَ ذلكَ ،وأَهَمّ هذا كُلِّه التّنَاصُح وهوَ أن يَرغَب لأخيهِ ما يَرغَبُ لنَفسِه مِنَ الخَير وأن يُبعِدَه عمّا يَكرهُه لنَفسِه ممّا هوَ شَرّ عندَ اللهِ ،ومَن لم يتيَسّر لهُ التّزاور لبُعْدِ المسَافةِ يُراسِلُه بالكتابةِ معَ إرسالِ السّلامِ مِن غَيرِ طُولِ العَهدِ.
هذَا وأُوصِيكُم بتَقليلِ الكلامِ ِوأن تُوصُوا غَيرَكُم أيضًا بذلكَ فإنَّ في تَقليلِ الكلامِ سَلامَةً مِنْ كثِيرٍ مِنَ المهَالِك، وأوصِيكُم بعَدمِ التّسَرّع في الحكمِ على مَن بَلَغَه بأنّ فُلانًا قالَ كذَا بأنّهُ كفرٌ ،مَن سَألَهُ سَائلٌ عن كلِمَةٍ لِيَسأَلْهُ ماذَا تَفهَمُ مِن هذِه الكلمةِ أيَّ معنًى تَفهَمُ ،لأنّ الكلِمةَ قَد تكونُ صَريحةً في معنًى كُفريّ لكنّ قائلَها لا يفهَمُ منها ذلكَ المعنى بل يَفهَمُ منها مَعنًى ليسَ كفرًا ،أمّا إنْ سَألهُ فذَكَرَ مَا هوَ كفرٌ فلْيقُلْ لهُ تشَهّدْ منهُ إنْ كنتَ قُلتَه بإرادةٍ. وكثيرًا مَا يَبلُغُني عن بعضِ المدرّسينَ أنّهُ أَفتى بأنّ كلمةَ كذَا كفرٌ فكفّرَ قائلَها ويكونُ ذلكَ التّكفيرُ في غيرِ محلّهِ إمّا لكَونِ تلكَ الكلمةَ تحتَملُ مَعنَيينِ مَعنًى كفريّا ومَعنًى غَيرَ كُفرٍ فيتَسرّع المدرّسُ فيقولُ هَذا كفرٌ فيكونُ أَهْلَكَ نَفسَهُ وأَهلَكَ السّائلَ .الحذَر الحذرَ مِن هذا التَّسرّع .وأوصِيكُم بالتزامِ التَّواضُع ونَبْذِ التّرفّع على النّاسِ .علَيكُم بتَحسِين الظنّ مِن بعضِكم في بَعضٍ وأن يَرى الواحِدُ مِنكُم الفَضْلَ في أخِيهِ .
هَذا وأسألُ الله لي ولكُم أن يُوفّقَنا لِلُزوم سُنّةِ نَبِيّنا محمّدٍ اللهم أَحْيِنَا على السُّنّةِ وأَمِتْنَا على السُّنّةِ وابْعَثْنا على السّنةِ والحَمدُ للهِ ربّ العالمينَ وأستغفرُ الله لي ولكم وفّقَنا الله جميعا لما يُحِبُّ ويَرْضَى.
نصيحة15)
التحاب والتناصح والتزاور
قال شيخنا رحمه الله أُوصِيكُم بالتّحَابِّ والتَّوادِّ والتّنَاصُحِ والتّواصُلِ والتّزاوُرِ والتّبَاذُلِ ولَو بشَىءٍ قَلِيلٍ، يَبذُلُ هَذا لأخِيهِ سِوَاكًا أو شَيئًا سَهلا ثم الآخَرُ يَبذُلُ ما تَيسّرَ لَهُ، إنّ التّباذُلَ يُقَوِّي المحبَّةَ، والتّزاوُرُ مهِمٌّ جِدًّا لا يَمضِي على أحدِكُم مُدّةٌ واسِعةٌ لم يرَ فيها أخَاهُ ولا سألَ عنه، وإنِ استَطاعَ أنْ يَزُورَه زَارَه وإن لم يَستطِع يُرسِلُ سَلامًا لهُ أو يُكالِمُه بواسِطةِ التّلفُون، إن عَمِلتُم بهذا فأَنتُم كَثِيرٌ وإنْ لم تَفعَلُوا فأَنتُم قلِيلٌ، إنْ فَعَلتُم فأَنتُم أَقوياءُ وإلا فأَنتُم ضُعفَاءُ، والذي يُسهّلُ هذا التّواضُعُ، والتّواضُع يَدعُو إلى التَّطَاوُعِ .
وصية نافعة16)
لزوم مجالس العلم
قالَ شَيخُنا رحمه الله: أُوصِيكُم بِلُزُومِ مجَالِسِ عِلمِ الدّينِ وتَبلِيغ العِلم،العَالمُ إذَا عَلّمَ النّاسَ أُمورَ الدّينِ فاستَفَادَ بِه خَلقٌ لَهُ أَجْرُه وأَجرُ الذينَ اتّبَعُوهُ،الرسولُ صلى الله عليه وسلم لهُ أَجرُه وأَجرُ ما عَمِلَتهُ أُمّتُه مِنَ الخيرِ لأَنّه هوَ الذي عَلّمَهم.اه
قالَ أبو العَتاهِية
رَغيفُ خُبزٍ يَابسٌ تَأكُلُهُ في زَاوِيَه
وَكُوزُ مَاءٍ بَاردٍ تَشرَبُه مِن صَافِيَه
وغُرفَةٌ ضَيّقَةٌ نَفسُك فيها خَالِيَه
ومَسجِدٌ بمَعزِلٍ عن الوَرَى بنَاحِيَه
تَدرُسُ فِيها دَفتَرًا مُستَنِدًا بِسَارِيَه
مُعتَبِرًا بمنْ مَضَى مِنَ القُرُونِ الخَالِيَه
خَيرٌ مِنَ السّاعَاتِ في فَىءِ القُصُورِ العَالِيَه
تَعقُبُها نَدامَةٌ تَصلَى بِنَارٍ حَامِيَه
فَاسمَع لِنُصْحِ مُشفِقٍ يُدعَى أبا العَتاهِيَه
نصيحة17)
الجرأة في قول الحق والزهد
قال الشيخ رحمه الله : كُونُوا جُرَءاءَ في قَولِ الحقِّ فالأمرُ بالمعروفِ والنّهيُ عن المنكرِ لا يُقرِّبُ أجَلا ولايؤخّرُ رِزْقًا
وقال رضي الله عنه : الذي لا يتَعلَّمُ عِلْمَ الدِّينِ يكونُ مُذَبْذَبًا
وقال رضي الله عنه عند ذكرِ حديث :إزهَد في الدُّنيا يُحبّك الله“،الزُّهدُ هوَ تَركُ تَعلُّقِ القَلبِ بالمالِ وتَركُ تَتبُّعِه وليسَ معناه تركُ الأسْبابِ بالمرّة.
نصيحة18)
أهمية نشر العقيدة وكيفية ذلك
اليومَ نَشرُ عقيدةِ أهلِ السّنة وبيانُ الكفرياتِ أفضلُ مِن بِناءِ مَليون مَسجدٍ ،الاشتغالُ بالتّعلِيمِ هوَ الأهَمُّ .
قولُوا لإخوانِنا إذا أرادُوا أن يُعلّمُوا الناسَ أنّ اللهَ مَوجُودٌ بلا مَكانٍ، قبلَ أن تَقُولُوا بلا مَكانٍ قولُوا للنّاسِ في الأزلِ لم يَكُن شَىءٌ إلا اللهُ ،اللهُ لا بدايةَ لوجُودِه . كانَ اللهُ ولم يكنْ شَىءٌ غَيرُه ما كانَ نُورٌ ولا ظَلامٌ ولا عَرشٌ ولا سماءٌ ولا هَذِه الجِهاتُ السِّتُّ ما كانت، ثمّ بعدَ أن خَلقَ العَرشَ والأرضَ والسّمواتِ لم يَحُلّ فيها هذا مَعنى موجُودٌ بلا مَكانٍ.
في الحبشةِ قيلَ ليْ إنّ رجُلا لمّا قيلَ لهُ اللهُ مَوجُودٌ بلا مكانٍ قالَ إذًا هو متنَقِّلٌ .لأنّه يُخشَى على بعضِ النّاسِ قُولُوا لهم ذلكَ قبلَ أن تَقُولوا بلا مكانٍ.
نصيحة19)
العناية في طلب العلم
قال شيخنا رحمه الله لبعض طُلابهِ ممّن يقرأ في الكتُب: لَنْ تجِدَا العِلْمَ بَينَ صَفَحاتِ الكتُب .
وقالَ: مَن يعتَمِدُ على مُطَالعَةِ الكتُب وحْدَه يَطْلَعُ ضَالا مُضِلا.
وقال: الوَقتُ أغلَى منَ الذّهَب إن لم تَصرِفْهُ في طَاعةِ الله ذَهَب.
وقالَ مَرّةً لزَوجَتِه:أَجْلِسُ خمَسَ دقائقَ ثم أقومُ ،ثم حمَلَ كِتابًا ،فقالَت له زَوجتُه أليسَ قلتُم لي خمسَ دقائقَ ،فقال الشّيخ:الصُّوفيُّ ابنُ وَقتِه“أي يَدُورُ حيثُ تَدُورُ المصْلَحَةُ.ثم قال الشيخُ: قَرأتها في كتُبِهم،فقالت لهُ زَوجَتُه أنتَ منهُم ،فقال الشيخُ مُتَواضِعًا:لا، لا ،أنا أُقلِّدُهُم.
وقال شيخنا رحمه الله لمن أُقِيْم عندَها درسٌ:هذا خيرٌ كبِيرٌ ،خيرٌ منَ الدّنيا وما فيها، الدّنيا للزّوال ،كانَ في قَومِ عَادٍ مَلِكٌ اسمُه شدّادُ بنُ عاد ،هذا حَكَمَ الدّنيا كلَّها كانَ تحتَ يدِه مائتانِ وسِتُّونَ مَلِكًا هو يَحكُمُهم عاشَ تِسْعَمِائةِ سنةً ،كان كافرًا ،لمّا سمعَ أنهُ توجَدُ الجنّة وصِفَتُها كذا وكذا لمَّ الجواهرَ والذّهَبَ وقال أنا أَعْمَلُ مِثلَها، ثم لما انتَهَى مِنْ بنائِها بعدَ ثلاثِمائةِ سنَةٍ ماتَ قبلَ أنْ يَدْخُلَها .
ثم قال الشيخ لِسَاكِنةِ البيتِ اللهُ أرادَ بكِ خَيرًا أنْ يسَّرَ لكِ دَرسًا في البيتِ ،هذا خَيرٌ كثيرٌ احمَدِي اللهَ احمَدِي الله.
نصيحة20)
مخاطر الغضب
قال الشيخ رحمه الله: عَليكُم بتَركِ الغضَب ،عَليكُم بتَركِ الغضَب ،الغضَبُ يَهدِمُ الدّين ،بعضُ النّاسِ بسَببِ الغضَب يَكفرونَ،بعضُ الناسِ يَغضَبُونَ على اللهِ فيَكفُرون ،حكَتْ لنَا امرَأةٌ تعِيشُ هُنا في بيروتَ قالَت لي أُختٌ في سُوريّا تُوفّيت فذَهبْتُ إلى الشّام ووصَلْتُ بعدَ العَصر وكانَت دُفِنَت قَبلَ وصُولِنَا ،ولحِقَ بي أَولادِي ووَصَلُوا بعدَ المغرِب فذَهَبْنا إلى القَبرِ لَيلاً معَ أولادِ التي تُوفّيت ،فصَارَ القَبرُ يَدُقّ ،صارَ يَطلَعُ صَوتٌ والتُّرابُ يتَحرّك،أولادُ أُختي لمّا رأَوا ذلكَ حَفَروا القَبرَ قَالُوا لعَلّها دُفِنَت وهيَ حيّة ،لعَلّها تكُونُ بَعدُ حَيّةً فوَجَدُوا الجثّةَ سَوداءَ فأعَادُوا التّرابَ علَيها ،وبعدَ أنْ أعَادُوا التّرابَ علَيهَا عادَ التّرابُ إلى الرّجّ،إلى التّحرّكِ ،كانت دُفِنَت على صَلاةِ العصرِ والقَبر فُتح قريبَ العِشاء .ثمّ بعدَ ذلكَ جاءَهُم إلى البيتِ الحفّارُ وقالَ إنّ الصّوتَ مَا زالَ يَخرجُ منَ القَبر .
ولمّا سُئلت أختُها عن حَالها كيفَ كانَت قالَت كانَت تُصَلّي ولكِنّها أَسقَطَت الحملَ خمسَ مَرّاتٍ فقَالت لم أصلّي ،يَقتُلُ لي أولادِي لا أُصَلّي له.وهذا الكلامُ كفر ،مَن يقول هذا خَرجَ منَ الإسلام .هذهِ المرأةُ غَضِبَت على ربّها مَا صَبَرت فكفَرت ،لَو قالَت الحمدُ للهِ كانَ كتبَ لها أجرٌ لكنْ اعتَرضَت فكفَرت ،الاعتراضُ على اللهِ كُفرٌ ،جعَلَتِ اللهَ ظَالما .اللهُ حَكَمٌ عَدْلٌ مَنْ وَصَفَه بالظُّلم كفَر .صارَت مِن أهلِ النّارِ ،في القَبر تتَعذّبُ وفي الآخرَةِ أشَدَّ.
الله يُحسِنُ عاقِبتَنا ،الله يُحسِن عاقِبَتَنا ،الله يحسن عاقبتنا.
نصيحة21)
كيفية الدراسة وتحضير الدرس
ومِن وصَايا بُرهَان الإسلام الزَّرْنُوجِي لِطَلبةِ العِلم ،ويَنبَغي لطَالِب العِلم أن يُكرّرَ سَبْقَ الأمسِ خمسَ مَرّاتٍ والسَّبْقُ هوَ تحضِيرُ الدّرسِ ومُدَارسَتُه قبلَ الحضُور بينَ يَدَي المدرّس، أو المرادُ التَّلقّي مُطْلَقًا ،وسَبقُ اليوم الذي قَبلَ الأمسِ أَربعَ مَرّاتٍ والسَّبق الذي قَبلَهُ ثَلاثَ مَرّاتٍ والذي قَبلَهُ اثنَتَين والذي قَبلَه مَرّةً واحدةً فهذا أدْعَى إلى الحِفظِ.
ويَنبغِي أن لا يَعتادَ المخَافَتةَ في التّكرارِ لأنّ الدّرسَ والتّكرارَ يَنبغِي أن يكونَا بقُوّةٍ ونشَاطٍ ،ولا يجهَرُ جَهْرًا يُجهِدُ نَفسَهُ كَي لا يَنقَطِعَ عن التّكرَار .
وينبَغِي أن لا يكونَ لطَالِبِ العِلم فَتْرةٌ أي انقِطَاعٌ عن التّحصِيلِ والمذاكَرةِ فإنَّها ءافَتُه ،وكانَ أُستَاذُنا شيخُ الإسلام بُرهانُ الدّين رحمه الله تعالى يقولُ إنّما فُقْتُ على شُركائِي بأنّي لم تَقَعْ ليَ الفَتْرَةُ في التّحصِيلِ .اه
قال شيخنا رحمه الله لمّا عُرِضَ عليه هذا الكلام:جيّد.
وحُكي أنّ أبا يوسُف رحمه الله تعالى كان يذاكر الفِقه مع الفقهاء بقوّة ونشاط وكان صِهرُه عنده يتعجّب من أمره ويقول أنا أعلم أنّه جائع من خمسةِ أيّامٍ ومع ذلك يُناظر بقُوّة ونشاط.
نصيحة22)
الجد في الطاعة
قال شيخنا رحمه الله الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ وصلّى الله على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه الطّيبينَ الطّاهِرين أما بَعدُ فينبَغي لطَالبِ الآخِرةِ أن يَكونَ يَومُه خَيرًا مِن أَمسِه أي أنْ يَكونَ دَائمًا في ازدِيادٍ مِن عَملِ الخَيرِ والصّبرِ على المكَارِه ومشَقّاتِ الطّاعاتِ والصّبرِ على المصَائبِ ونَوائبِ الدَّهرِ وهذا يَحتَاجُ إلى تَركِ الكَسلِ، وإيّاكُم وطُولَ الأمَل،فكَم مِن مُستقبِلٍ يَومًا لا يَستَكمِلُه ،وجِدُّوا واجتَهِدُوا في كلِّ ما تَقتَضِيه مَصلحَةُ الدّعوةِ،وإيّاكُم والكَسلَ فإنّ الكَسلَ ممّا استَعاذَ مِنهُ رسولُ الله صلى الله علَيه وسلّم،ففِي الدّعوة المأثُورة الثّابتةِ عن رسولِ الله:وأَعُوذ بكَ منَ العَجزِ والكَسل “رواه البخاري ومسلم. والعَجزُ هوَ عَدَمُ الاهتِدَاءِ للمَصَالح.فتَعاوَنُوا على هذَا الأمرِ فِيمَا بَينَكُم، وفّقكُمُ الله وبَلّغَكُم إلى الدّرجَاتِ التي يَقصِدُهَا الفَائزُونَ وقَوّى يَقينَكُم في الآخِرةِ التي هيَ دَارُ القَرارِ.
نصيحة23)
العفو والرفق والتطاوع
قال شيخنا رحمه الله كُلٌّ مِنّا لِيَعمَلْ بحدِيثِ رَسولِ الله صلى اللهُ عَليه وسلم:مَن أَحَبّ أنْ يُزَحزَحَ عَن النّارِ ويُدخَلَ الجنّةَ فَلْتَأتِه مَنِيَّتُهُ وهُوَ يؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِر ولْيَأتِ إلى النّاسِ بما يُحِبُّ أَن يُؤتَى إلَيه“رواه أحمد ومسلم والبيهقي وابن أبي شيبة.
هذهِ الجُملَةُ الأخِيرةُ :ولْيَأتِ إلى النّاسِ بما يُحِبُّ أنْ يُؤتَى إلَيه ” مَن عَمِلَ بها فَازَ ومَن لم يَعمَل بها فَلا يَكُونُ إلا في الحضِيضِ الأسفَلِ،هَذهِ الجملَةُ الأخِيرَةُ مَعنَاها أنّ مِن أَسبَابِ النَّجَاةِ أن يَكونَ المسلمُ يحِبُّ أن يُعامِلَه النّاسُ بالعَفوِ والمسَامَحةِ والإغضَاءِ والصَّبرِ على ما يَبدُو مِن أخِيهِ مِنَ الهفَواتِ وأنّه يَنبَغِي أن يُعامِلَ النّاسَ بالمثلِ أي يَصبِرَ على أذَاهُم ويَعملَ المعروفَ مَعهُم لمن عَرفَ لَهُ ولمنْ لم يَعرِف لهُ ،الواحِدُ مِنّا يُحِبُّ أن يَستُرَ عَليه أخُوه هَفوتَه فيَنبغي أن يُعامِلَ النّاسَ بمثلِ ذلكَ أي يتحَمّلَ هَفَواتِ النّاسِ،هَفواتِ إخوانِه،أمّا مَن لم يَعمَل ذَلكَ فلا يتَرقّى عندَ الله تَباركَ وتعالى وهَذا هو حُسنُ الخلُقِ الذي قال الرسول علَيه السلام :أنَا زَعيمٌ بِبَيتٍ في ربَضِ الجنّةِ لمن تَركَ الِمرَاءَ وإنْ كانَ مُحِقًّا وبِبَيتٍ في وسَطِ الجنّةِ لمن ترَكَ الكَذبَ وإنْ كَانَ مَازِحًا وبِبَيتٍ في أَعلَى الجنّةِ لمن حَسّنَ خُلُقَه “رواه البيهقي والحاكم والطّبراني وأبو داود.
وحُسنُ الخُلقِ أَمرٌ واسِعٌ لا بُدَّ للوُصُولِ إلى ذلكَ مِن تحَمُّلِ أذَى الغَيرِ وكَفِّ الأذَى عن الغَيرِ وبَذلِ المعرُوفِ لمن يَعرِفُ لَهُ ولمن لا يَعرِفُ لَهُ ،إذا التَزمتُم هذا الحديثَ فعَمِلتُم به صِرتُم منَ الفَائزِينَ تَكونُونَ ارتَقيتُم إلى المعَالي، ثم بمعنى هَذا الحديثِ في بعضِ نَواحِيهِ حَديثٌ ءاخَرُ “مَا كَانَ الرِّفقُ في شَىءٍ إلا زَانَهُ“رواه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان.
(عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إنّ الرِّفقَ لا يَكونُ في شَىءٍ إلا زَانَهُ ولا ينزَعُ مِن شَىءٍ إلا شَانَهُ“)الشَّين العيب.
وفي لفظٍ ءاخَرَ “إنّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأَمرِ كُلِّهِ“رواه البخاري والطبراني والنسائي والبيهقيُّ وابنُ حبان.
مَعنى الرِّفقِ هوَ العَملُ بالوجْهِ الأحسَنِ كالصّبرِ على مُعَامَلةِ النّاسِ.
وقَد سَمعتُم قَبلَ هَذا الحَديثَ الذي أخرجَه البَيهقيُّ “المؤمنُ كالجمَلِ الأنِفِ إنْ قِيْدَ انْقَادَ وإنِ استُنِيخَ على صَخْرَةٍ استَناخَ”
الجمَلُ الأنِفُ أي الذي في أَنفِه قُرحَةٌ إنْ قَادَه الصّغِيرُ أو الكَبِيرُ يَنقَادُ لَهُ ،إن أثَارَهُ يَثُورُ وإن أَبْرَكَه يَبرُكُ لَو أَبْرَكَه على صَخْرةٍ يَبرُكُ،مَعنى الحديثِ أنّ المؤمنَ لِيَكُن لَيِّنًا في يَدِ أَخِيهِ فِيمَا لَيسَ فيه مَعصِيةُ اللهِ،يُطاوِعُهُ لا يترَفَّعُ عَليهِ،فيتَحَبّبُ إليه. مَن عَمِلَ بهذا فَازَ وبَلغَ إلى المعَالي.فأَلزِمُوا أَنفُسَكُم العَملَ بهذا،إنْ فَعلتُم ذلكَ تَبلُغوا المعَالي ،الدّرجاتِ العُلَى. وإنْ لم تَعمَلُوا بذَلكَ كانَ الأمرُ على العَكسِ، والأَولَى بهذا الذينَ هُم أَكبَرُكُم سِنًّا مِثلُ أبي حسن والحاج مُنذِر هؤلاءِ الكِبَارُ بالسِّن أَولى بالعَملِ بهذا، وهوَ مَطلُوبٌ مِنَ الكُلِّ مِن الشّابِّ والصّغِير والشّيخِ والكَهلِ، مَطلُوبٌ هذا مِنَ الجمِيع لكن الأولى بالتّخَلُّق بذلكَ الكِبار، أَنتُم الكِبارُ كُونُوا مَثَلا قُدْوةً لِغَيرِكُم في هَذهِ الخصَالِ المحمُودَةِ تَبلُغُوا المُنى إن شاءَ اللهُ تَعَالى.اه
وَصِيّة مُهِمّة15)
التحاب والتناصح والتزاور والعفووحسن الظن
قال شَيخُنا رحمَه الله نُوصِيْكُم بالتّطاوع فإنّ القليلَ معَ التّطاوُعِ كَثيرٌ ،والكثيرُ معَ عدَمِ التّطاوُعِ قَليلٌ ،وأُوصِيكُم بالتَّحابّ في اللهِ والتّزَاورِ فيهِ، فإنَّ للمُتَحَابّينَ في اللهِ درجةٌ عظيمَةٌ،.ثبَتَ في الحديثِ القُدسيِّ:وجَبتْ محبَّتي للمتَحابّينَ فيّ والمتزاوِرينَ فيَّ والمتجالسِينَ فيَّ”رواه الحاكم والبيهقي والطبراني وغيرهم.
ولْينصَح بعضُكُم بعضًا بالرِّفقِ والحِكمةِ ولْيتفَقّدْ بَعضُكُم بعضًا ولاسِيّما إذا طالتْ غَيبةُ أخيكَ أو نزَلتْ به مُصِيبةٌ أو اشتَدَّ به مرَضٌ ،ونُوصِيكُمْ بالحِلْمِ والعَفْوِ ،وأنْ يُعامِلَ أحَدُكُم أخاهُ بما يُحِبُّ أن يُعامِلَه به أخوهُ منَ الصّفْحِ والعَفْوِ ومقابلَةِ الإساءةِ بالإحسان،وهذا شرطُ الإيمانِ الكاملِ الذي يكونُ بهِ الانسانُ منَ الذينَ لا خوف عليهِمْ ولا همْ يحزنُونَ .
وصحَّ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:” إيّاكُم والظنَّ فإنَّ الظّنَّ أكْذَبُ الحديثِ ولا تَحَسّسُوا ولا تَجَسَّسُوا ولا تنافَسُوا ولا تحَاسَدُوا ولا تباغَضُوا ولا تدَابرُوا وكونُوا عبادَ اللهِ إخْوانًا“رواه مسلم والبيهقي والطبراني وغيرهم.
والتَّحَسُّسُ هوَ التّفتِيشُ عن عيُوبِ النّاسِ بالعَينِ.
ووردَ مَرفُوعًا :تصَافَحُوا يَذهَبِ الغِلُّ وتهَادَوا تحَابُّوا وتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ “.رواه مالك في الموطإ من حديث أبي مسلم عبد الله الخُراساني.
ورواه ابن عساكر بلفظ:تهادَوا تحابُّوا وتصافحوا يذهب الغِلُّ عنكم”
قال في المنتقى شرح الموطأ قولُه يذهبِ الغِلّ يريد والله أعلم العداوة. نصيحة25)
الاستعداد للآخرة ومحاسبة النفس
قال شيخنا رحمه الله :الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدِنا محمدٍ وعلى ءادمَ ونوحٍ وإبراهيمَ وموسى وعيسى ومَن بينَهُم مِنَ النّبِيّين وعلى ءاله الطّيبين الطاهرينَ أمّا بعدُ
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لا يَشْبَعُ مؤمِنٌ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حتّى يَكُونَ مُنْتَهاهُ الجَنّة“رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي. في هذا الحديثِ الصّحيح حثٌّ أكِيدٌ على عمَلِ الخَيرِ وعلى إدامةِ النّيّةِ والسّعْيِ في عمَلِ البِرِّّ ويُعِينُ على ذلكَ إكثارُ ذِكْرِ الموتِ فإنّ مَنْ يُكثِرُ ذِكْرَ الموتِ يكونُ أكثَرَ استِعْدَادًا للآخِرَةِ فعلَيكُم بأنْ لا تَنقَطِعُوا عن مجَالِسِ العِلْمِ وأنْ يُنَبِّهَ بَعضُكُم بَعضًا على هذا الأمر فإنّ التّعاونَ على الخيرِ خيرٌ عَظِيمٌ.
اللهَ اللهَ ،لا تصرِفُوا أوقَاتَكُمْ في اللّهْوِ والباطِلِ ،حَاسِبُوا أنفُسَكُم قبلَ أن تُحاسَبُوا ،لِيُفَكّر كلُّ واحِدٍ مِنْكُم إذا أمسَى ماذا عمِلَ في نهارِه هذا،عمِلَ عمَلا يُسخِطُ اللهَ أم عمِلَ عَمِلا يَرضَاه اللهُ فيَتدارَكُ نفسَه،ما أفسَدَه بالنّهار يتَداركُه بالليلِ هذا شأنُ مَنْ يحبُّ الآخِرةَ ،فخالِفُوا أنفُسَكُم واقهَرُوها لمِا ينْفَعُكُم في غَدِكُمْ أيْ لمِا بعدَ مُفارقَةِ هذه الحياةِ الدنيا .
الله اللهَ لا تغرَّنَّكُمُ الدُّنيا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته