مَن أَحَبّ أنْ يُزَحزَحَ عَن النّارِ ويُدخَلَ الجنّةَ فَلْتَأتِه مَنِيَّتُهُ وهُوَ يؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِر ولْيَأتِ إلى النّاسِ بما يُحِبُّ أَن يُؤتَى إلَيه“
العفو والرفق والتطاوع
قال شيخنا رحمه الله كُلٌّ مِنّا لِيَعمَلْ بحدِيثِ رَسولِ الله صلى اللهُ عَليه وسلم:مَن أَحَبّ أنْ يُزَحزَحَ عَن النّارِ ويُدخَلَ الجنّةَ فَلْتَأتِه مَنِيَّتُهُ وهُوَ يؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِر ولْيَأتِ إلى النّاسِ بما يُحِبُّ أَن يُؤتَى إلَيه“رواه أحمد ومسلم والبيهقي وابن أبي شيبة.
هذهِ الجُملَةُ الأخِيرةُ :ولْيَأتِ إلى النّاسِ بما يُحِبُّ أنْ يُؤتَى إلَيه ” مَن عَمِلَ بها فَازَ ومَن لم يَعمَل بها فَلا يَكُونُ إلا في الحضِيضِ الأسفَلِ،هَذهِ الجملَةُ الأخِيرَةُ مَعنَاها أنّ مِن أَسبَابِ النَّجَاةِ أن يَكونَ المسلمُ يحِبُّ أن يُعامِلَه النّاسُ بالعَفوِ والمسَامَحةِ والإغضَاءِ والصَّبرِ على ما يَبدُو مِن أخِيهِ مِنَ الهفَواتِ وأنّه يَنبَغِي أن يُعامِلَ النّاسَ بالمثلِ أي يَصبِرَ على أذَاهُم ويَعملَ المعروفَ مَعهُم لمن عَرفَ لَهُ ولمنْ لم يَعرِف لهُ ،الواحِدُ مِنّا يُحِبُّ أن يَستُرَ عَليه أخُوه هَفوتَه فيَنبغي أن يُعامِلَ النّاسَ بمثلِ ذلكَ أي يتحَمّلَ هَفَواتِ النّاسِ،هَفواتِ إخوانِه،أمّا مَن لم يَعمَل ذَلكَ فلا يتَرقّى عندَ الله تَباركَ وتعالى وهَذا هو حُسنُ الخلُقِ الذي قال الرسول علَيه السلام :أنَا زَعيمٌ بِبَيتٍ في ربَضِ الجنّةِ لمن تَركَ الِمرَاءَ وإنْ كانَ مُحِقًّا وبِبَيتٍ في وسَطِ الجنّةِ لمن ترَكَ الكَذبَ وإنْ كَانَ مَازِحًا وبِبَيتٍ في أَعلَى الجنّةِ لمن حَسّنَ خُلُقَه “رواه البيهقي والحاكم والطّبراني وأبو داود.
وحُسنُ الخُلقِ أَمرٌ واسِعٌ لا بُدَّ للوُصُولِ إلى ذلكَ مِن تحَمُّلِ أذَى الغَيرِ وكَفِّ الأذَى عن الغَيرِ وبَذلِ المعرُوفِ لمن يَعرِفُ لَهُ ولمن لا يَعرِفُ لَهُ ،إذا التَزمتُم هذا الحديثَ فعَمِلتُم به صِرتُم منَ الفَائزِينَ تَكونُونَ ارتَقيتُم إلى المعَالي، ثم بمعنى هَذا الحديثِ في بعضِ نَواحِيهِ حَديثٌ ءاخَرُ “مَا كَانَ الرِّفقُ في شَىءٍ إلا زَانَهُ“رواه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان.
وفي لفظٍ ءاخَرَ “إنّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأَمرِ كُلِّهِ“رواه البخاري والطبراني والنسائي والبيهقيُّ وابنُ حبان.
مَعنى الرِّفقِ هوَ العَملُ بالوجْهِ الأحسَنِ كالصّبرِ على مُعَامَلةِ النّاسِ.
وقَد سَمعتُم قَبلَ هَذا الحَديثَ الذي أخرجَه البَيهقيُّ “المؤمنُ كالجمَلِ الأنِفِ إنْ قِيْدَ انْقَادَ وإنِ استُنِيخَ على صَخْرَةٍ استَناخَ”
الجمَلُ الأنِفُ أي الذي في أَنفِه قُرحَةٌ إنْ قَادَه الصّغِيرُ أو الكَبِيرُ يَنقَادُ لَهُ ،إن أثَارَهُ يَثُورُ وإن أَبْرَكَه يَبرُكُ لَو أَبْرَكَه على صَخْرةٍ يَبرُكُ،مَعنى الحديثِ أنّ المؤمنَ لِيَكُن لَيِّنًا في يَدِ أَخِيهِ فِيمَا لَيسَ فيه مَعصِيةُ اللهِ،يُطاوِعُهُ لا يترَفَّعُ عَليهِ،فيتَحَبّبُ إليه. مَن عَمِلَ بهذا فَازَ وبَلغَ إلى المعَالي.فأَلزِمُوا أَنفُسَكُم العَملَ بهذا،إنْ فَعلتُم ذلكَ تَبلُغوا المعَالي ،الدّرجاتِ العُلَى. وإنْ لم تَعمَلُوا بذَلكَ كانَ الأمرُ على العَكسِ، والأَولَى بهذا الذينَ هُم أَكبَرُكُم سِنًّا مِثلُ أبي حسن والحاج مُنذِر هؤلاءِ الكِبَارُ بالسِّن أَولى بالعَملِ بهذا، وهوَ مَطلُوبٌ مِنَ الكُلِّ مِن الشّابِّ والصّغِير والشّيخِ والكَهلِ، مَطلُوبٌ هذا مِنَ الجمِيع لكن الأولى بالتّخَلُّق بذلكَ الكِبار، أَنتُم الكِبارُ كُونُوا مَثَلا قُدْوةً لِغَيرِكُم في هَذهِ الخصَالِ المحمُودَةِ تَبلُغُوا المُنى إن شاءَ اللهُ تَعَالى.اه