قصة عزير وهو رجل مسلم صالح من بني إسرائيل
وردت قصة عزير وهو رجل مسلم صالح من بني إسرائيل موجزة في سورة [البقرة] من القرءان الكريم، وها نحن نوردها مفصلة بإذن الله وتوفيقه لما فيها من إظهار لعظيم قدرة الله تعالى… انقسم بنو إسرائيل إلى عدة أقسام، فمنهم من كان مؤمنا مسلما متبعا للإسلام حق الاتباع، ومنهم من كفروا وأدخلوا التحريف على الدين زاعمين أن هذا هو الحق، ممـا أدى إلى حدوث فتن عظيمة كانت تودي أحيانا بحياة بعض الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام الذين قتلوا على أيدي هؤلاء اليهود.
ولما تكاثر فسادهم وطغوا وبغوا وكانوا قد قتلوا نبيين كريمين على الله هما سيدنـا زكريا وولده سيدنا يحيى عليهما السلام، سلط الله عليهم حاكما كافرا هو بختنصر، أتى من ناحية العراق بجيش جرار إلى بيت المقدس في فلسطين فغزا بني إسرائيل في عقر دارهم وقتل منهم الكثير وأسر الباقين وهرب القليلون، ثم أمر جنده بجلب كميات كبيرة من الأتربة ووضعها على المدينة حتى صارت كالجبل العظيم إمعانـا في إذاقتهم الـذل والهون.
وأخذ بختنصر الأسرى إلى بابل وكان بينهم بعض علماء بني إسرائيل الذين كانوا على الإسلام وقد دفنوا التوراة الأصلية قبل خروجهم من بيت المقدس في مكان عرفـوا موضعه وحدهم، وكان منهم “عزير بن شرخيا ” الذي استطاع العودة إلى بيت المقدس بعد فترة، لكنه وجده على حالته البالية،وقد دمر ما بقي من بيوت ودور وحولها الجثث الممزقة والأطراف المتفرقة والعظام المقطعه، فمر بينهم متعجبا من حالهم وكان يجر وراءه حماره، ولما وصل إلى بساتين هذه المدينة رءاها عامرة بالفاكهة النضرة الطرية فزادت دهشته إذ الأشجار مثمرة والناس ميتون، فقال وقد أثرت فيه العبرة: “سبحان الله القادر على إحياء هذه المدينة وأهلها بعدما أصبحوا على هذه الحال”.
ثم تناول من تلك الأشجار عنبا وتينا وملأ منهما سلة له ثم عصر عنبا في وعاء وشرب منه قليلا وقعد يستريح تحت ظل شجرة وما هي إلا لحظات حتى أماته الله وحجبه عن عيون الناس والسباع والطيور. وبعد سبعين سنة من موت عزير أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس يقال له: لوسك فقال له: “إن الله يأمرك أن تنهض فتقصد بيت المقدس لتعمره وما حوله من الأراضي حتى يعود أحسن مما كان”، فأمر الملك لوسك عشرات الألوف من مملكته بالخروج لتعمير المدينة، وعاد من بقي من بني إسرائيل إليها، فعمروها في ثلاثين سنة وكثروا حتى كانوا كأحسن حال فى رخاء عيش.
وبعد اكتمال مائة عام على موت عزير أحياه الله تعالى بقدرته العظيمة،وكان قد أماته صباحا ثم بعثه قبل الغروب بعد مرور هذه الفترة الطويلة، فأحيا منه أول ما أحيا قلبه ليدرك به وعينيه ليرى بهما كيفية بعث الأجساد فيقوى يقينه، ثم رأى عزير سائر جسده كيف يركب من جديد، ثم أتاه ملك كريم من الملائكة فقال له “كم لبثت؟” فأجابه “عزير” على حسب ما توقعه “لبثت يوما” ثم رأى أن الشمس لم تغرب كلها بعد فقال: “أو بعض يوم” فأوضح له الملك الكريم قائلا: “بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك” فنظر إلى سلة التين والعنب ما زالت كما قطفها طازجة نضرة، وإلى الشراب في الوعاء لم يتعفن.
ثم قال له الملك: “وانظر إلى حمارك” فنظر إليه حيث ربطه بالشجرة، فوجده ميتـا وعظامه قد أصبحت بيضاء نخرة، وقد تفرقت أطرافـه وبليت، وسمع صوت ملك من السماء يقول: “أيتها العظام البالية تجمعي بإذن الله”، فانضمت أجزاء العظام إلى بعضها، ثم التصق كل عضو بما يليق به، الضلع إلى الضلعِ، والذراع إلى مكانه، ثم جاء الرأس إلى موضعه، وركبت الأعصاب والعروق ثم أنبت الله اللحم الطري على الهيكل العظمي، وكساه بالجلد الذي انبسط على اللحم، ثم خرج الشعر من الجلد.
وعندها جاء ملك فنفخ الروح بإذن الله في منخري الحمار فقام ينهق، فهبط عزير إلى الأرض ساجدا لله بعد أن شاهد ءاية من ءايات الله تعالى العجيبة الباهرة وهي إحياء الموتى وقال: “أعلم أن الله على كل شئ قدير”.
وروي أنه لما خرج عزير قبل مائة عام كان عمره أربعين عاما، أسود الشعر، قوي البنية، وقد ترك زوجته حاملا، فلما مات ولد له ولد كان عمره مائة عام عندما عاد أبوه إلى الحياة،فركب عزير حماره وأتى محلته حيث كان يسكن فلم يعرفه أحد من أهله ولم يعرفهم، إذ قد ولد أناس ومات أناس، وقصد منزله فوجد عجوزا عمياء مقعدة كانت خادمة عندهم وهي بنت عشرين عاما، فقال لها: “أهذا منزل عزير؟” قالت: “نعم”، وبكت بكاء غزيرا وأكملت قائلة: “لقد ذهب عزير منذ عشرات السنين ونسيه الناس، وما رأيت أحدا منذ زمن بعيد جدا ذكر عزير إلا الآن. قال: أنا عزير أماتني الله مائة عام وها قد بعثني، فاضطرب أمر هذه العجوز، ثم قالت: “إن عزيرا” كان رجلا صالحا، مستجاب الدعوة لا يدعو لمريض أو صاحب بلاء إلا تعافى بإذن الله، فادع الله أن يعافي جسدي ويرد بصري”، فدعا الله تعالى، فإذا هي ذات بصر حاد، ووجه مشرق قد قامت واقفة على رجليها كأنه ما أصابها ضـر قائلة: “أشهد أنك عزير”.
ثم انطلقت به إلى بني إسرائيل، وبينهم أولاده وأحفاده ورءوسهم ولحاهم أبيض من الثلج، منهم من بلغ الثمانين، ومنهم من قارب الخمسين، وبين القوم بعض أصدقائه الذين أتعب الزمان أجسادهم فانحنوا، وأذاب جلودهم، وصاحت: “إن عزيرا” الذي فقدتموه منذ مائة عام قد رده الله تعالى رجلا قويا يمشي مشية الشباب الكاملين، وظهر لهم عزير بهي الطلعة، سوي الخلق، شديد العضلات، أسود الشعر، فلم يعرفوه ولكنهم أرادوا أن يمتحنوه ، فأتى ابنه وقال له: “لقد كانت أمي تخبرني أنه كان لآبي شامه سوداء مثل الهلال بين كتفيه، فأرنا إياها، فكشف عزير عن ظهره فظهرت الشامة، ثم أرادوا أن يتيقـنوا أكثر فقال رجل كبير بينهم: “أخبرنا أجدادنا أن بختنصر لما هاجم بيت المقدس أحرق التوارة ولم يبق ممن حفظه إلا القليل ومنهم عزير، فإن كنت هو فاتل علينا ما كنت تحفظ، فقال اتبعوني ولحقوا به إلى الموضع الذي دفن فيه التوارة عند هجوم بختنصر، فأخرجها وكانت ملفوفة بخرقة فتعفن بعض ورقها، وجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله، فأمسكوا بالتوراة يتابعون ما سيتلو ،وتلا التوراة لم يترك ءاية منها، ولم يحرف جزءا، ولم ينقص حرفا.
عند ذلك صافحوه مصدقين، وأقبلوا عليه يتبركون به، ولكنهم لجهلهم لم يزدادوا إيمانا، بل كفروا وقالوا:له عزير ابن الله والعياذ بالله تعالى.