شرح لمتنِ الغايةِ والتقريبِ /متنِ أبي شجاعٍ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلواتُ اللهِ البرِّ الرّحيمِ والملائكةِ المقرَّبينَ على سيّدِ النّبيّينَ وأشرفِ المرسَلينَ سيِّدِنا محمدٍ وعلى جميعِ إِخوانِهِ مِنَ النبِّيينَ والـمُرسَلينَ أمَّا بعدُ…
فبالإسنادِ مِنْ شَيْخِنا عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ الهرريِّ رحمه الله إلى القاضي أبي شُجاعٍ أحمدَ بنِ الـحُسَينِ بنِ أحمدَ الأصْفَهانيِّ قالَ:
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلَّى اللـهُ وسلَّمَ على سيّدِنا محمّدٍ النّبيِّ الأمّيِّ وءَالِهِ الطّاهِرِينَ وصحابَتِهِ أَجمعِينَ أمَّا بعدُ …
فقدْ سَألَني بعضُ الأصْدِقاءِ – حَفِظهُمُ اللهُ تعالى- أنْ أعمَلَ مختَصَرًا في الفِقهِ عَلى مَذهَبِ الإمامِ الشّافِعيِّ- رَحْـمَةُ اللهِ تعالى عليه ورِضوانُهُ- في غَايةِ الاِختِصَارِ ونهايَةِ الإيجازِ ، لِيَقْرُبَ على الـمُتعلِّمِ درسُهُ ، ويَسهُلَ على المُبتَدِي حِفظُهُ وأنْ أُكْثِرَ فيهِ مِنَ التّقْسيماتِ وحَصْرِ الخِـصَالِ . فَأَجَبتُهُ إلى ذلكَ طالبًا للثَّوابِ راغباً إلى اللهِ تعالى في التَّوفِيقِ للصَّوابِ إنَّهُ على ما يَشاءُ قَدير ٌ، وبِعِبادِهِ لَطِيفٌ خَبيرٌ .
الشرح: مؤلِّفُ هذا المتنِ المشهورِ بمتنِ الغايةِ والتقريبِ و بمتنِ أبي شجاعٍ، هوَ الشيخُ أبو الطيِّبِ وأبو شجاعٍ أحمدُ بنُ الحسَينِ ابنِ أحمدَ الأصفهانيُّ نسبةً لأصفهانَ منْ بلادِ العجمِ في إيرانَ وكانَ ناسكًا عابدًا صالحًا اشتُهِرَ بالعِلمِ وتولَّى القَضاءَ ثُمَّ الوِزارةَ ثُمَّ اعتَزَلَ ذلِكَ وجاوَرَ في المدينةِ الشريفةِ .عاشَ مائةً وسِتِّينَ سنَةً ، ولم يَختَلَّ لهُ عُضْوٌ ،فَسُئِلَ عَن ذلِكَ فقالَ : حفِظناها في الصِّغَرِ فحَفِظَها اللهُ لنا في الكِبَرِ ، ماتَ سنَةَ ثمانٍ وثَمانينَ وأربَعِمائةٍ.
وابتَدأَ كِتابَهُ بالبسملَةِ اقتِداءً بالقُرءانِ والتقديرُ بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ أبتدِئُ أو بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ أُصَنِّفُ .
واللهُ :اسمٌ للذَّاتِ الواجبِ الوجودِ وهوَ اسمُ اللهِ الأَعظمِ المُفرَدُ كمَا نَصَّ على ذلِكَ عددٌ مِنَ العلماءِ.وهو أفضل لفظ وأحسن كلمة
والرحمن: معناهُ الذي يرحَمُ المُؤمنينَ والكافِرِينَ في الدنياوالمؤمِنينَ فقط في الآخِرَةِ.
أمَّا الرحيمُ: فمعناهُ الكثيرُ الرحمةِ للمؤمنينَ خاصَّةً.فلفظُ الرحمن أبلغُ مِنَ الرحيمِ لأنَّ زيادةَ الحروفِ تدُلُّ على زيادة المعنى غالبًا.
والحمدُ للهِ: معناهُ الثَّناءُ باللسانِ على الله تعالى بالجميلِ الاختياريّ ِ مع التعظيم.
ومعنى ربِّ العالمينَ : مالك الإنسِ والجِنِّ كما روى الطَّبَريُّ عنِ ابنِ عباسٍ في تفسيرِها.
ثُمَّ بعدَ حَمْدِ اللهِ تعالى صلَّى المؤَلِّفُ على سيِّدِنا محمدٍ النبيِّ الأمِّيِّ مستَعمِلاً لفظَ صلَّى اللهُ وليسَ مُرادُهُ بذلِكَ الإخبارَ إنَّما مرادُهُ بذلِكَ الإنشاءُ ، والمعنى يا ربُّ صَلِّ على سيِّدِنا محمَّدٍ أي زِدهُ شَرَفًا وتعظيمًا.
والنَّبِيُّ: بالهمزِ وبِترْكِ الهَمزِ رجُلٌ أوحى اللهُ إليهِ ،فإنْ أوحِيَ إليهِ بِشَرعٍ جَديدٍ أو بِنَسخِ بعضِ أحكامِ شرعِ مَن قبلَهُ فهو نبيٌّ رسولٌ وإلا بأن أوحِيَ إلَيهِ باتِّباعِ شرعِ مَن قَبلَهُ فهوَ نبيٌّ غيرُ رسولٍ ، كما قالَ بذلِكَ الإمامُ عبدُ القاهِرِ التَّميمِيُّ وَغَيرُهُ.وما قالَهُ بعضُ المتأخِّرينَ بأنَّ النَّبِيَّ غَيرَ الرَّسولِ إنسان أوحيَ إلَيهِ بِشرعٍ وإنْ لم يُؤمَرْ بِتَبليغِهِ فغلط شنيع وقولٌ غيرُ معتَمَدٍ .و مُحمَّد: معناهُ مَن كثُرَ حمدُ الناسِ لهُ لِكَثرَةِ خِصالِهِ الحَميدةِ.وقولُهُ النبيِّ نعتٌ لِمُحمَّدٍ.
وقَولُهُ الأمِّيِّ :نعتٌ ءاخَرُ وهوَ الذي لا يَقرَأ المكتوبَ, والمُرادُ بذلكَ مَدحُ رسولِ اللهِ لأنَّهُ معَ كونِهِ أمِّيًّا أعطِيَ كِتابًا يُعجِزُ الفُصَحاءَ وجاءَ بِهَديٍ يَتبَعُهُ فيهِ العُلَماءُ والحُكَماءُ.
وءالُ النَّبِيِّ الطاهِرونَ فى مقام الصلاة عليه هم أتباعه الأتقياء.والطاهِرونَ المرادُ بِهِ ما يَشمَلُ الطاهِراتِ، والطَّاهِرُ السَّالِمُ مِنَ الدَّنَسِ .وأمَّا في مَقامِ الزكاةِ فَيُفَسَّرُ الآلُ بِالمؤمِنينَ مِن بني هاشِمٍ وبني المُطَّلِبِ دونَ بَني عبدِ شَمسٍ ونَوفَل لأنَّ النَّبِيَّ شبَكَ بينَ أصابِعِهِ وقالَ: “نحنُ وبنو المُطَّلِبِ كشَيءٍ واحِدٍ لم يفارقونَا في جاهِلِيَّةٍ ولا إسلامٍ” رواهُ البخاريُّ وغَيرُهُ. وأمَّا صحابَةُ النَّبِيِّ فجمعُ صاحِبٍ والمُرادُ بِهِ هُنا مَنِ اجتَمَعَ بِالنَّبِيِّ مُؤمِنًا بِهِ بعدَ نُبُوَّتِهِ على سبيلِ العادةِ وماتَ على الإيمانِ.
ثُمَّ ذَكَرَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ أنَّهُ لَم يُصَنِّفْ مُختَصَرَهُ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ أي مِن غَيرِ أنْ يَسأَلُهُ فيهِ أحَدٌ بَل صَنَّفَهُ بِسُؤالِ بَعضِ أصدقائِهِ لَهُ أنْ يَعمَلَ مُختَصَرًا:وهُوَ ما قَلَّ لَفظُهُ وَكَثُرَ مَعناهُ.
في الفِقهِ:والفِقهُ في اللُّغَةِ هُوَ الفَهمُ ، وفي الاصطِلاحِ: العِلمُ بالأحكامِ الشَّرعِيَّةِ العَمَلِيَّةِ المُكتَسَبُ مِن أدِلَّتِها النَّقلِيَّةِ .
وَهَذا المُختَصَرُ ألَّفَهُ أبو شُجاعٍ علَى مَذهبِ الإمامِ المجتَهِدِ ناصِرِ السُّنَّةِ المُجَدِّدِ على رَأسِ المِائةِ الثَّانِيَةِ أبي عبدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إدريسَ بنِ العَبَّاسِ بنِ عُثمانَ بنِ شافِعٍ بنِ السَّائِبِ بنِ عُبَيدِ بنِ عبدِ يَزيدَ بنِ هاشمِ بنِ عبد المُطَّلِبِ ابنِ عَبدِ مَنافٍ جَدِّ النَّبِيِّ ،ولِذلكَ قِيلَ للإمامِ مُحمَّدِ بنِ إدريسَ الشَّافِعِيُّ نِسْبةً لِشَافِعٍ جَدِّهِ الثَّالِثِ وَكانَ صَحابِيًّا بنَ صحابِيٍّ .وُلِدَ الإمامُ الشَّافِعيُّ بَغَزَّةَ على الرَّاجِحِ سنةَ مِائَةٍ وخَمْسينَ ونَشَأَ في الحجازِ وطَلَبَ العِلمَ فيه مِنَ الإمامِ مالِكٍ وغَيرِهِ ورَحَلَ إلى اليَمَنِ والعِراقِ، وفي العِراقِ صَنَّفَ مَذهَبَهُ القَدِيمَ ثَمَّ عادَ إلى مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ إلى بغدادَ فَمِصرَ وهُناكَ صَنَّفَ مَذهَبَهُ الَجَديدَ، ورَجَعَ الشَّافِعِيُّ عن مَذهبِهِ القديمِ وصارَ يَعمَلُ بِمَذهَبِهِ الجَديدِ ويَقولُ لا تَعمَلوا بالمَذهَبِ القَديمِ، ثُمَّ لَم يَزَلْ بِمِصرَ ناشِرًا لِلعِلمِ ناصِرًا لأهلِ السُّـنَّةِ حتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ بِها.فماتَ يومَ الجُمُعَةِ ءاخِرَ رَجَب سَنَةَ أَربَعٍ ومِائَتَينِ ،فجُملَةُ عُمُرِهِ أربَعٌ وخَمسُونَ سَنَةً، بارَكَ اللهُ لهُ فِيهِ ونَشَرَ مَذهَبَهُ فِي بِلادِ المُسلِمِينَ حتَّى حُمِلَ وفُسِّرَ بِهِ حَدِيثُ التِّرمِذِيِّ:”عالِمُ قُرَيشٍ يَملأُ طِباقَ الأَرضِ عِلمًا” . ووَصَفَ المُصَنِّفُ مُختَصَرَهُ بِأنَّهُ في غايَةِ الاختِصارِ ونِهايَةِ الإيجازِ ،والغايَةُ والنِّهايَةُ مُتَرادِفانِ وكذلكَ الإيجازُ والاختِصارُ مُتَرادِفانِ وإنَّما قالَ ذلِكَ على سبيلِ المُبالَغَةِ والتَّأكيدِ في صِفَةِ هذا المُختَصَرِ وقَد فَعَلَ ذلِكَ لِيَقرُبَ على المُتَعَلِّمِ لِفُروعِ الفِقهِ دَرسُهُ أي لِيَسهُلَ على مُريدِ العِلمِ قِراءَتُهُ على الِشَّيخِ لِتَعَلُّمِهِ مَعناهُ ولِيسْهُلَ على المُبتَدِئِ استِحضارُهُ على ظَهرِ قَلبٍ إذا رَغِبَ في حِفظِ مُختَصَرٍ في الفِقهِ، والمُبتَدئُ هوَالآخِذُ في صِغارِ العِلمِ.ومَن كانَ حَظُّهُ حِفظَ أقوالِ عُلَماءِ المَذهَبِ مِن غيرِ قُدرَةٍ على ترجيحِ بعضِها على بَعضٍ فَهو مِنَ النَّقَلَةِ كابنِ حَجَرٍ الهَيتَمِيِّ وطَبَقَتِهِ ،فَإن قَدَرَ على التَّرجيحِ فهُو المُرَجِّحُ كالنَّوَوِيِ وَ الرَّافِعيِّ ،وَإن قَدَرَ على استِنباطِ الفُروعِ مِن قواعِدِ إمامِهِ فَهوَ مِن أصحابِ الوُجوهِ أو مُجتَهِدُ المَذهَبِ كالمُتَوَلِّي وإمامِ الحَرَمَينِ ،وإن قَدَرَ على استِنباطِ الأحكامِ مِنَ الكِتابِ والسنةِ فهُوَ مُجتَهِدٌ اجتِهادًا مُطلَقًا كإمامِنا الشَّافِعِيِّ والإمامِ مالِكٍ وأبي حنيفَةَ، فإنْ وافَقَ اجتِهادُهُ اجتِهادَ الشَّافِعِيِّ نُسِبَ إلَيهِ فهوَ مجتَهِدٌ معدودٌ في أهلِ المَذهَبِ كالمُزَنِيِّ وإلا فهوَ مُجتَهِدٌ غَيرُ مُنتَسِبٍ كَالإمامِ أحمَدَ.وذكَرَ أبو شُجاعٍ رَحِمَهُ اللهُ أنَّهُ أكثَرَ في مُختَصَرِهِ مِنَ التَّقسيماتِ للأحكامِ الفِقهِيَّةِ ومِنْ حَصرِ الخِصالِ أي مِن ضَبطِ الحالاتِ الواجِبةِ والمندوبةِ وغيرِهِما فهوَ يَذكُرُ عَدَدَها مَعَ بيانِها كَما فَعَلَ في مواضِعَ كثيرةٍ مِن كِتابِهِ وإن كانَ لا يَستَوعِبُها في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ أي لا يَحصُرُها كَما فَعَلَ في سُنَنِ الوُضوءِ فإنَّهُ قال : وَسُنَنُ الوضوءِ عَشَرَةُ أشياءَ، وإنَّما فَعَلَ ذلِكَ تسهيلاً على المُبتدئِ طالِبًا للثَّوابِ مِنَ اللهِ في تَصنيفِهِ هذا المُختَصَرَ على ما قالَ وراغِبًا إلى اللهِ سُبحانَهُ أن يُوَفِّقَهُ للصَّوابِ في بيانِ ما هوَ مذهَبُ الشَّافِعِيِّ في الواقِعِ إنَّهُ تعالى على ما يَشاءُ قَديرٌ أي تامُّ القُدرَةِ وبِعِبادِهِ لطيفٌ خَبيرٌ أي رَحيم بِهِم عالِمٌ بِبَواطِنِ الأشياءِ كظَواهِرِها.
مَتنُ الغايةِ والتَّقريبِ
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
كِتابُ الطَّهارة
المياهُ التي يَجُوزُ التَّطهيرُ بها سَبعُ مِياهٍ : ماءُ السَّماءِ وماءُ البَحرِ وماءُ النَّهرِ وماءُ البِئرِ وماءُ العَينِ وماءُ الثَّلجِ وماءُ البَرَدِ.ثُمَّ المِياهُ
على أربَعَةِ أقسامٍ : طاهِرٌ مُطَهِّرٌ غَيرُ مَكروهٍ وهُوَ الماءُ المُطلَقُ ، وطاهِرٌ مُطَهِّرٌ مكروهٌ وهوَ المَاءُ المُشَمَّسُ ، وطاهِرٌ غيرُ مُطَهِّرٍ وهُوَ الماءُ المُستَعمَلُ والمُتَغَيِّرُ بما خالطَهُ مِنَ الطَّاهِراتِ ، وماءٌ نَجِسٌ وهو الذي حَلَّتْ فيهِ نَجاسَةٌ وهو دونَ القُلَّتَينِ أو كان قُلَّتَينِ فَتَغَيَّرَ، والقُلَّتانِ خمسُمائةِ رِطلٍ بَغداديٍّ تقريبًا في الأصَحِّ.
الشَّرحُ: كِتابُ الطَّهارةِ :أي هذا الكتابُ في أحكامِ الطَّهارَةِ.والكِتابُ لُغَةً : الضَّمُّ والجَمعُ ،واصطِلاحًا:اسمٌ لِجِنسٍ مِنَ الأحكامِ (كَكِتاب الطهارَةِ وكِتابِ الصيامِ) .أمَّا البابُ: فهوَ اسمٌ لِنوعٍ داخِلٍ تَحتَ الجِنسِ المُتَقَدِّمِ (كبابِ التَّيَمُّمِ وبابِ الوُضوءِ)، وهو أيِ البابُ أعَمُّ مِنَ الفَصلِ ، والفَصلُ أعَمُّ مِنَ المَسألَةِ.
والطَّهارَةُ لُغَةً :النَّظافَةُ ورَفعُ الأدناسِ والأوساخِ الحِسِّيَّةِ (كالأنجاسِ )والمَعنَوِيَّةِ (كَالعُيُوبِ). وأمَّا شرعًا:فالطَّهارةُ (بِفَتحِ الطَّاءِ):هيَ رفعُ حَدَثٍ (كرَفعِ الحَدَثِ الأصغَرِ)أو إزالةُ نَجَسٍ (كإزالةِ النجاسَةِ عَنِ الثَّوبِ) أوما في معناهما (كالتَّيَمُّمِ) أو على صُورتِهِما (كالاسستِنجاءِ بالحَجَرِ).{ أمَّا الطُّهارةُ ِبضَمِّ الطَّاءِ فاسمٌ لِبَقِيَّةِ الماء}.
قال المؤلف رحمه الله
المياهُ التي يَجُوزُ التَّطهيرُ بها سَبعُ مِياهٍ ماءُ السَّماءِ وماءُ البَحرِ وماءُ النَّهرِ وماءُ البِئرِ وماءُ العَينِ وماءُ الثَّلجِ وماءُ البَرَدِ. الشرح:لَمَّا كانَ الماءُ ءَالَةً لِلطَّهارَةِ ذَكَرَ المُصَنِّفُ أنواعَ المِياهِ. والمِياهُ جَمعُ ماءٍ، والتي يَجوزُ أي يَصِحُّ التَّطهِيرُ(أي رَفعُ الحَدَثِ وإزالَةُ النَّجَسِ) بِها سَبعُ مِياهٍ.أوَّلُها : ماءُ السَّماءِ أيِ النَّازِلُ مِنها وهو طهُورٌ أي طاهِرٌ بِنَفسِهِ مُطَهِّرٌ لِغَيرِهِ لِقَولِهِ تعالى:{ويُنَزِّلُ علَيكُمْ مِنَ السَّمآءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } الآيةَ سورةَ الأنفالِ .
والثَّاني : ماءُ البَحرِ أيِ المَالِحُ لِحَديثِ أصحابِ السُّنَنِ الأربَعَةِ وهُمُ التِّرمِّذِيُّ وابنُ ماجَه وأبو داوُدَ والنَّسائِيُّ):“هُوَ الطَّهُورُ ماؤُهُ الحِلُّ مَيتَتُهُ “قالَه عليهِ السَّلامُ في البحرِ.والثَّالِثُ: ماءُ النَّهرِ أيِ العَذْبُ للإجماعِ على طُهورِيَّتِهِ. وماء البِئرِ أيِ النَّابِعُ مِنها،لِقَولِ النَّبِيِّ في بِئرِ بُضَاعَةَ :” الماءُ طَهورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَىءٌ“رواهُ أبو داوُدَ.أي إلاَّ ما غَلَبَ على لونِهِ أو طَعمِهِ أو رِيحِه
قال المؤلف رحمه الله : وماء العين .
الشرح : أن ماء العين طهورٌ أي طاهرٌ مُطهر يَصْلُحُ لإزالةِ النجاسةِ ولرفعِ الحدثِ، والعينُ أصلُ النهرِ وهو المكانُ الذي يخرجُ منه الماء .
قال المؤلف رحمه الله : وماء الثلج .
الشرح : أي الماء الحاصل بعد ذوبان الثلج، أما الثلج نفسه قبل الذوبان فلا يصح التطهير به .
قال المؤلف رحمه الله : وماء البرد .
الشرح : وهو الماء الحاصل من ذوبان البرد، أما قبل ذلك فلا يصلح لطهارة، ولم يذكر المؤلف الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم وهو طهورٌ توضاء منه الصحابة وشربوا قال بعض الفقهاء شعرا من الرجز :
أفضل المياه ماء قد نبع بين أصابع النبي المتبع
قال المؤلف رحمه الله : ثم المياه .
الشرح : أي حسبَ استعمالها ووضعها .
قال المؤلف رحمه الله : طاهرٌ مطهرٌ غيرُ مكروه وهو الماء المطلق .
الشرح : أي طاهرٌ بنفسه مُطهرٌ لغيرِه وهو الماءُ المُطلَقُ أي الذي بقي على صِفَتِهِ الأصليه ويسمى ماء بلا قيد وهذا غيرُ مكروه استعماله، أما الماء المقيد فهو كماء الورد هذا لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس، الماء المطلق هو الذي يرفع ُ الحدثَ ويزيل النجسَ .
قال المؤلف رحمه الله : وطاهر مطهر مكروه وهو الماء المشمس .
الشرح : الماء المشمس يرفع الحدث ويزيل النجس، لكنه مكروه تنزيها أي تركه خير يجوز استعماله لكن ليس فيه ثواب والماء المشمس هو الذي يَسْخُنُ في وعاء منطبع أي يطرق بالمطرقة كنُحاس مثلا غير الذهب والفضة، والماء المشمس هو الذي اجتمعت فيه ثلاثة شروط: أن يكون وضع في وعاء منطبع، وأن يكون في البلاد الحارة كمكة مثلا، وأن يَسخن بفعل حرارة الشمس، وأن لا يكون من المعدِنَينِ النادرين الذهب والفضة وذلك لصفاء معدِنيهما، وسبب الكراهة أنه يخشى أن تصيب من استعمله الزهومةُ فيتعرض مستعمله للبرص وهو مرض شديد يبيض منه الجلد فتذهب دمويته. وهذا الماء طاهر في نفسه مطهر لغيره وتزول كراهة استعماله إذا بردَ .
فائدة : يكره فى رفع الحدثين استعمال الماء الذي هو شديد البرودة أو شديد السخونة .
قال المؤلف رحمه الله : وطاهر غير مطهر وهو الماء المستعمل .
الشرح : أي لا يَصلُح لرفع الحدث ولا لإزالة النجاسة، الماء المستعمل وهو ما رفع به حدث أو أزيل نجس ولم يتغير بعد أن طهر المحل ولا زاد وزنه وهو طاهر في نفسه غير مطهر لغيره، فلو دخل جنب في ماء أقل من قلتين ونوى رفع الحدث ثم خرج فهذا الماء يسمى ماء مستعملا لا يصلح لرفع الحدث ولا لإزالة النجس لأن الحدث الذي ارتفع انتقل إليه . أما لو استعمل الماء في نفل كغسلة ثانية أو وضوءٍ مجدَدٍ فهو ماء طهور أي طاهر مطهر .
قال المؤلف : والمتغير بما خالطه من الطاهرات .
الشرح : أن الماء إذا اختلط به شىء طاهر فغير إحدى صفاته الثلاث مجتمعة أو منفردة وهي لونه وريحه وطعمه فحكم هذا الماء أنه طاهر في نفسه غير مطهر كماء دخل فيه الحليبُ فغيرَه أو تغير بالملح تغيرا كثيرا إلا الملح المستخرج من البحر فإن تَغيرَ الماء به لا يؤثر.
وظهر أنا الماء الطاهر غير المطهر نوعان : ماء تغير تغيرا كثيرا بالأشياء الطاهرة التى تنحل فيه كالسكر وغيره، وماء استعمل في رفع حدث أو إزالة نجس ويستثنى من ذلك تغير الماء بما لا يستغنى عنه كشىء في مقره أو ممره كذلك الماء الذي تغير لونه بسبب سقوط أوراق الأشجار فيه لأنه لا يمكن التحرز منه ولو وقع في الماء شىء موافق له في صفاته كماء مستعمل قدرناه بأوسط الصفات كلون العصير وطعم الرمان وريح اللاذنِ أما لو وقع فيه نجاسة كبول انقطع ريحه واختلط بماء كثير ولم يظهر به تغير فنقدره بأشد الصفات كلون الحبر وطعم الخل وريح المسك. وإذا أدخل المحدث يده بعد غسل وجهه في الماء ولم ينو الاغتراف فإذا أخرج يده من الماء صار الماء مستعملا إذا كان قليلا أى دون القلّتين .
قال المؤلف رحمه الله: وماء نجس وهو الذي حلت فيه نجاسة وهو دون القلتين.
الشرح: أي أقل من نحو عشرِ تنكات من الماء هذا إذا وقعت فيه نجاسة كبول صار نجسا أما قطرة بول لا ترى بالعين فلا تنجسه والماء القليل يتنجسُ إذا وقعت فيه نجاسة غير معفو عنها سواء تغير أم لم يتغير .
قال المؤلف: أو كان قلتان فتغير .
الشرح: إذا وقعت في ماء قدرِ قلتين فأكثر نجاسة غيرته صار الماء نجسا أما إذا لم تغيره فيبقى طهورا صالحا لرفع الحدث وإزالة النجس وللشرب .
قال المؤلف رحمه الله : والقلتان خمسمائة رِطل بغدادى تقريبا في الأصح .
الشرح: معناه لو نقص رطل أو رطلان لا يؤثر هذا القدر هو ما يملأ حفرة مدورة قطرها ذراع وعمقها ذراعان أو ما يملأ حفرة مربعة عمقها ذراع وربع وكذلك عرضها وطولها.
فصلٌ
الشرح : أي هذا فصلٌ
البهائمُ منها مأكولٌ أي حلالُ الأكلِ ومنها غيرُ مأكول أي حرامٌ أكلهُ فالمأكولُ يحلُ إذا ذكي ذكاة شرعيةً وتكونُ بقطعِ مجريي الهواء والطعام والشرابِ بآلةٍ حادةٍ كالسكينِ بيدِ مسلمٍ أو كتابيٍّ وأما البهيمةُ التي لا يحلُ أكلُها فإن ماتت تسمى ميتةً ولا ذكاة لها ولو ذبحت بالطريقة المذكورة وغيرها كذلك المأكولُ إن مات بغير تذكيةٍ ولا صيدٍ حلالٍ يكونُ ميتاً والميتةُ نجسةٌ لقولهِ تعالى :” حُرمت عليكم الميتةُ والدم” وكذلك جلدُها .
قال المؤلف رحمه الله : وجلودُ الميتة تطهُر بالدِّباغ
الشرح : أن جلد الميتةِ سواءٌ كان من مأكول ِ اللحمِ وغيرهِ نجسٌ ويطهرُ بالدباغِ أي باستعمالِ حريفٍ كقشرِ الرُمانِ والعفصِ وزرقِ الحمامِ ويشترطُ لذلك ثلاثةُ أمورٍ : نزع الفضلاتِ بالحرّيفِ واللحمِ والشعرِ والصوفِ عن الجلدِ ويعفى عن القليلِ من الشعرِ الذي يعسرُ نزعهُ كما قال النوويُّ فإذا دُبغ الجلدُ صار طاهراً متنجساً فإذا غُسلَ طهرَ.
قال المؤلف رحمه الله : إلا جلدَ الكلب والخنزير وما تولدَ منهما أو من أحدهما
الشرح:الكلبُ نجسٌ لقولهِ صلى الله عليه وسلم :[ إذا ولغَ الكلبُ في إناءِ أحدكم فليغسلهُ سبعَ مرات إحداهن ممزوجةٌ بالتراب] . ويقاس ُ الخنزير على الكلب لأنهُ أخبثُ منهُ وما يتولدُ من الخنزيرِ والكلبِ أو من أحدهما من حيوانٍ طاهرٍ فجلدهُ نجسٌ لا يطهُر .
قال المؤلف رجمه الله : وعظم الميتة وشعرها نجسٌ
الشرح: أن عظمَ الميتةِ وشعرها نجسٌ لا يطهرهُ شئ وعندَ الحنفيةِ عظمُ الميتةِ طاهر، أما المأكولُ كالبقرة والخروف والإبلِ فشعرهُ طاهر ولو أنفصلَ عنهُ وهو حي.
وهناك قاعدةٌ أن ما انفصلَ عن الحيوانِ وهو حيٌّ حكمهُ حكمُ ميتةِ الحيوان فلو قطعت يدُ الخروفِ مثلاً وهو حيٌّ تكون نجسةً لأن ميتةَ الخروفِ نجسة وذلك لحديثِ : [ ما قُطِع من الحي كميتتهِ ] والميتةُ نجسةً أيضاً ويُرادُ بها الزائلةُ الحياةِ بغير ذكاة شرعية، وميتتانِ من البهائمِ طاهرتانِ وهما السمكُ والجرادُ لقوله صلى الله عليه وسلم : [ أُحِلَّت لنا ميتتان ودمان السمكُ والجرادُ والكبدُ والطحالُ ] . وعَرَقُ الحيوانِ الطاهرِ ودَمْعُهُ وريقهُ ووَبَرُهُ ورِيشُهُ وشعَرُهُ وصوفهُ طاهرٌ وكذلكَ المسكُ وفأرتهُ وهي الكيسُ الذي يكونُ فيه المسك، والدليلُ على طهارة المسكِ والعنبر الذي يخرجُ من الحوتِ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتطيبُ بهما وقال : [ أطيبُ الطيب المسك ] .
قال المؤلف رحمه الله : إلا الآدمي
الشرح : لقوله تعالى :” ولقد كرمنا بني ءادم ” يُفهمُ من ذلك أن ميتة الآدمي ليست نجسةً ولو كان الميتُ كافراً أما قوله تعالى : ” إنما المشركون نجس ” فمعناهُ عقيدتهُم خبيثة تُتَجنب كما أن النجاسةَ تُتجنب.
الآنية
قال المؤلف رحمه الله: فصل
ولا يجوز استعمال أواني الذهب والفضة
الشرح: الأواني جمع آنية وآنية جمع إناء وهو ما يستعملُ للأكلِ فيهِ أو الشرب فيجوزُ استعمالُ الأواني غير آنية الذهب والفضة وهذا التحريمُ على الرجالِ والنساءِ وكما يحرمُ استعمالُ ما ذكر يحرم اتخاذه من غير استعمال في الأصح ويحرمُ استعمالُ الآنيةِ المسروقة. روى مسلمٌ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :[ لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما] وقد انعقدَ الإجماعُ على تحريمِ الأكلِ والشربِ فيهما وسائرِ الاستعمالاتِ حتى الميلُ والمخْيطُ ,ويحرمُ الإناءُ المطلي بذهبٍ أو فضةٍ إن حصل من الطلاءِ شىء بعرضهِ على النار.
قال المؤلف رحمه الله: ويجوز استعمال غيرهما من الأواني
الشرح:أي غيرِ الذهبِ والفضةِ ولو كانَ نفيساً كالزبرجدِ والياقوتِ.
ويحرمُ الإناء المضببُ بضبةِ فضةٍ كبيرةٍ عرفاً لزينةٍ فإن كانت كبيرةً لحاجةٍ جاز مع الكراهة أو صغيرةً عرفاً لزينة كرهت , أو لحاجةٍ فلا تكره , أما ضبة الذهب فتحرمُ مطلقاً
قال المؤلف رحمه الله :فصل
السواكُ مستحبٌ في كل حال إلا بعد الزوال للصائم
الشرح : السواكُ لغةً: الدّلكُ وآلتهُ, وشرعا: استعمال عودٍ أو نحوه لدلك الأسنانِ, ويصحُ السواك بكل شئٍ طاهرٍ خشن وهو سنةٌ لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : [السواكُ مطهرةٌ للفمِ مرضاةٌ للربِ ] وقد قال بعض الشافعيةِ إنهُ يكره للصائمِ بعد الزوالِ تنزيهاً لحديث :[ لَخُلُوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من ريحِ المسكِ ] رواهُ البُخاري.الخُلوف تغيّر ريحه لخلو المعدة عن الطعام، لَخُلُوفُ فَمِ الصّائِم أَطْيَبُ عِندَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْك” اختُلِفَ في ذَلكَ مَع أنّ اللهَ مُنَزّه عن استِطَابةِ الرّوائحِ إذْ ذاكَ مِنْ صِفاتِ الحَوادِث ومَع أنّه يَعلَمُ الشّىءَ على ما هوَ عَليهِ، فقَالَ المازِريّ هوَ مجَازٌ لأنّهُ جَرت العَادةُ بتَقريبِ الرّوائحِ الطّيبةِ مِنّا فاستُعِيرَ ذلكَ للصّوم لتَقريبِه منَ الله، فالمعنى أنّه أطيَبُ عندَ الله مِن رِيحِ المِسك عندَكُم، أي يُقَرِّبُ إليهِ أكثر مِن تَقريبِ المِسكِ إليكُم )ذكَرَهُ السّيوطيُّ في شَرح سُنن النّسائي.اه.وتزولُ الكراهةِ عندهم بغروبِ الشمسِ ،وصحح بعضُ الأئمةِ عدم الكراهة مطلقاً لأنهُ ثبتَ في الحديثِ أن الرسول صلى الله عليه وسلم استاكَ بعدَ الزوالِ وهو صائمٌ وأحسنُ ما يُستاكُ به خشبُ الأراك .
قال المؤلف رحمه الله: وهو في ثلاثة مواضع أشد استحباباً عند تغير الفم من أَزْمٍ وغيره.
الشرح : الأزمُ قيل هو طول السكوتِ وقيل تركُ الأكلِ عندئذٍ تتأكدُ السُنية وقولهُ وغيرهِ أفادَ أنهُ لوتغيرَ الفمُ من غيرِ ذلكَ كأكلِ شئٍ كريهِ الريحِ كالثؤمِ والبصلِ وغيرهما يتأكدُ استحبابهُ.
قال المؤلف رحمه الله: وعند القيامِ من النومِ
الشرح: وذلك لحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قامَ من النومِ يَشُوصُ فاهُ بالسِواكِ ومعنى يشوصُ : يدلكُ.
قال المؤلف رحمه الله :وعند القيام إلى الصلاةِ.
الشرح:فرضاً كانت أو نفلاً وذلك لحديثِ الشيخينِ : [لولا أن أشُقَ على أمتي لأمرتهم بالسِواكِ عند كل صلاة] وكذلك يسنُ للوضوءِ ومحله بعد غسلِ الكفينِ وقال بعضهُم قبل ذلك ,وللتيمم ولقراءةِ القرءانِ ولصفرةِ الأسنانِ وللطوافِ ولسجدة التلاوة والشكر وعند إرادةِ النومِ وعند الاحتضارِ وفي السّحرِ وفي الحرّ إذا وجد فيهِ تخفيفاً لهُ, ويسن باليد اليمنى وعرضاً وأن يبدأ بالجانبَ الأيمنِ من فمه وأن يمره على سقفِ حلقهِ إمراراً لطيفاً وعلى لسانهِ وعلى كراسيّ أضراسهِ.
فائدة:قال صلى الله عليه وسلم:ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بدون سواك.معناه أن الصلاة بالسواك يضاعف أجرها إلى سبعين.والحديث رواه البيهقى وابن أبى شيبة وغيرهما.
فائدةٌ : قال صلى الله عليه وسلم :[ خمسٌ من الفطرةِ الختانُ والاستحدادُ وقصُ الشاربِ وتقليمُ الأظافرِ ونتفُ الإبطِ ]رواه الترمذىّ, فيستحبُ تقليمُ الأظافرِ إذا طالت ويبدأُ بسبابةِ اليدِ اليمنى كما يستحبُ نتفُ شعرِ الإبطِ وحلقُ العانةِ أما الختانُ فهو واجبٌ على البالغ عند الشافعي .
ويسنُ الاكتحالُ لخبر:” اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر”. أي شعر الجفون.والحديث رواه الترمذىّ.
قال المؤلف رحمه الله: فصل
وفروض الوضوء ستة أشياء
الشرح:الوضوءُ بضم الواو في الأشهَر اسمٌ للفعل وبفتحِ الواوِ اسمٌ لما يُتَوضأٌ به والوضوءُ شرعاً : استعمالُ ماءٍ في أعضاءٍ مخصوصةٍ مفتَتحٌ بنية, وهو من جملةِ ما شُرِع للأنبياء الذين كانوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس خاصاً بهذه الأمة وقد ورد في البخاري وغيرهِ أن سارةَ زوجة إبراهيم عليه السلام توضأت حين أتى إبراهيم عليه السلام إلى أرضِ الجبار الذي كان يرتكبُ الفاحشة بالنساء الحِسان اللاتي يدخلن أرضهُ. لكن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم خصوصية الغرّة والتّحجيل.
قال المؤلف رحمه الله : النية عند غسل الوجه
الشرح : النية شرعاً: قصدُ الشىء بالقلبِ مقترناً بفعلهِ, ومحلها في الوضوء عند الشافعي عند إصابةِ الماء الوجه وذلك لحديثِ: [إنما الأعمال بالنياتِ] والطهارة أمرٌ تعبدي يفتقر إلى نية كسائر العبادات, وتجزئ نية رفع الحدث أو فرائض الوضوء أو الوضوء أو الطهارة من الحدث أو استباحة الصلاة أو فرضِ الوضوءِ, ولو نوى ما يعتبر من النيات وشرك معه نية تنظّف أو تبرّدٍ صحّ وضوؤه, وحدُّ الوجه طولاً ما بين منابت شعر الرأس غالباً إلى ما أقبل من الذّقنِ وعرضاً ما بين الأذنينِ،من وتِد الأذن إلى وتِد الأذن, وإذا كان على الوجهِ شعرٌ خفيف أو كثيف وجب إيصال الماء إليه مع البشرة التي تحتهُ إلا لحية الرجل الكثيفة بأن لم يرَ المُخاطِب البشرة من خلالها فيكفي غسل ظاهرها بخلاف الخفيفةِ وهي ما يرَى المخاطِب بشرته من خلالها فيجبُ إيصالُ الماء إلى بشرته, وبخلاف لحية امرأة وخنثى فيجب إيصالُ الماء لبشرتهما ولو كَثُفا, ولا بدّ مع غسلِ الوجه من غسل جزء من الرأس وما تحت الذقن للتيقّن من وصول الماء إلى كل الوجه.
قال المؤلف رحمه الله :غسل اليدين إلى المرفقين
الشرح: أي من رؤوس الأصابع إلى المرفقين, والبدء بالأصابع أفضل ويجب غسل ما على اليدين من شعر وسلعة وأصبع زائدة وأظافير ويجب إزالة ما تحتها من وسخٍ يمنع وصول الماء إليها,
قال المؤلف رحمه الله : ومسح بعض الرأس
الشرح : بما يسمى مسحا ولو بعض شعرةٍ في حدّ الرأسِ ولا تتعين اليدُ للمسح بل يجوز بخرقة وغيرها، ولو غسل رأسه بدل مسحه جاز ولو وضع يده المبلولة ولم يحركها جاز.
قال المؤلف رحمه الله : وغسل الرجلين إلى الكعبين
الشرح :الكعبان هما العظمان الناتئان من جانبي القدم ويدخل فيما يجب غسله شقوق القدم ،ويكفي بدل غسل الرجلين المسح على الخفين بشروطه.
قال المؤلف رحمه الله: والترتيب على ما ذكرناه
الشرح: وهذا هو الركن السادس، فلو غسل أربعة أعضاء دَفعة واحدة ارتفع حدث وجهه فقط.
قال المؤلف رحمه الله : وسننه عشرة أشياء
الشرح:أي سنن الوضوء، وما ذكره المؤلف ليس جميع السنن بل ترك كثيرا منها
قال رحمه الله: التسميةُ
الشرح: وتحصل بقول بسم الله فإن قال بسم الله الرحمن الرحيم حصلت وإن ترك التسمية في الوضوء كره وإن نسي فتذكر أثناءه قال بسم الله أوله وءاخره فإن فرغ منه لم يأت بها.
قال المؤلف: وغسل الكَفَّينِ قَبلَ إدخالهِما الإناء
الشرح :وهذا سنة فيغسلهما قبل المضمضة إلى الكوعين ثلاثَ مرّاتٍ قبل أن يغمسهما في الإناء . وإن شك بطهارة يديه وغمسهما بماء قليل قبل غسلهما كره ذلك .
قال رحمه الله :والمضمضة
الشرح :أي بعد غسل الكفين، ويحصل أصل السنة فيها بإدخال الماء الفم سواء أداره فيه ومجّه أم لا وإن أراد الأكمل مجَّه والمبالغة في المضممة أحسن لغير الصائم.
قال المؤلف: رحمه الله والاستنشاق
الشرح:أي بعد المضمضة وهو جذب الماء بالنفس إلى داخل الأنف بعضه أو كله، وإيصاله إلى الخيشوم إن لم يكن صائما أحسن، وتحصل السنة بالجمع بين المضمضة والاستنشاق بثلاث غُرف.
قال رحمه الله: ومسح جميع الرأس
الشرح : حدّ الرأس من منبت الشعر عادة إلى نقرة القفا وليست الرقبة من الرأس، وغسل الرأس بدل مسحه خلاف السنة، وتثليث مسح الرأس سنّة، والرد في مسح الرأس سنة، يضع المتوضىء إبهاميه فوق أذنيه ثم يُلصِقُ سَبّابتَيه برأسه ويذهب بهما إلى مؤخَّرِ الرأس ثم يردُّهما إلى مقَدَّمِه .
قال المؤلف رحمه الله: ومسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد
الشرح :أي يمسح جميع الأذنين بماء جديد أي غير بلل الرأس، والسنة في كيفية المسح أن يدخل مسبِّحَتيهِ في صِماخَيهِ ويُديرهما على المعاطف ويمرَّ إبهامَيه على ظهُورهما ثم يلصِقَ كفَّيهِ وهما مَبلُولتَانِ بالأذُنَين، والظّاهر منَ الأذنين هو ما يلي القفَا والباطنُ مَا يَلِي الوجه .
قال المؤلف رحمه الله : وتخليل اللحية الكثة
الشرح :أي من الرَّجُل، أمّا لحيةُ الرجل الخفيفةِ ولحيةُ المرأة والخُنثى فيجبُ تخليلُها وكيفِيتُه أن يُدخِلَ أصابعَه من أسفلِ اللحية ثم يخرجها .
قال المؤلف رحمه الله وتخليلُ أصابعِ اليدينِ والرِّجْلَين
الشرح :وكيفيةُ ذلك في تخليلِ اليدين بالتّشبيك والرِّجلين بأن يبدأ بخِنصَر يده اليسرى من أسفلِ الرِّجْل مُبتَدِأً بخِنصَرِ اليُمنى خَاتما بخِنصَرِ اليُسرَى .
قال المؤلف رحمه الله وتقديم اليمنى على اليسرى
الشرح: فلو خالفَ ذلكَ كُرِهَ.
أمّا في الوجه والرأس فلا بل يطهران دفعة واحدة
قال المؤلف رحمه الله : والطهارة ثلاثا ثلاثا
الشرح :فى الغسل والمسح، والزيادة على الثلاث مكروهة، ففي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا رواه مسلم .أما إن زاد على الثلاث بنية التبريد فلا يكره هذا إن كان من ماء البيت ونحوه أما من ماء المسجد فليس له حق في ذلك لأنه موقوفٌ لاستعمالاتِ مخصوصَةٍ.
قال المؤلف رحمه الله: والموالاة
الشرح: أي أن يغسل العضو قبل أن يجفَّ الذي قبلَه وإن تركَها فقد خالَف السُّنةَ، والموالاة في مذهبِ أحمد فرض ولا تنقطِعُ الموالاة إذا جفَّفَ العُضو بنَحوِ المنشَفة لكن تَرك التّنشِيف أحسن وفِعْلُه مُباحٌ غَيرُ مَكروه .
مسألة: يصح عند الإمام محمد بن جرير الطبري في الوضوء مسح جميع القدَمَين بدلَ غَسلِهما .
وبقي للوضوءِ سُننٌ أُخرى لم يذكُرْها المؤلف كالتّشهد عقِبَه بقَولِ أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وهوَ رافعٌ بصَرَه إلى السماء وقد وَرد في الحديثِ الصحيح أن مَن فعَلَ ذلكَ فُتِحَت له أبوابُ الجنةِ الثّمانية ليَدخُلَ مِن أَيُّها شَاءَ .
الاستنجاء
قال المؤلف رحمه الله : فصلٌ
والاستنجاءُ واجب من البول والغائط
الشرح: إنما يجبُ الاستنجاءُ عند إرادةِ القيام للصلاة فلو بالَ الشخصُ أو تغوطَ ولم يستنج على الفور لا إثمَ عليهِ طالما أنه لا يلوث نفسه بالنجاسة، ووجوبُ الاستنجاءِ إنما يكون من الملوثِ للمخرجِ من النجاسات بخلافِ اليابسِ فلا يوجبُ الاستنجاء وأما الريح فإنه يكره الاستنجاءُ منهُ.
قال المؤلف رحمه الله : والأفضلُ أن يستنجي بالأحجار ثم يتبعها بالماءِ
الشرح: أن الأفضل أن يجمع في الاستنجاءِ بين الحجرِ والماء فيستنجي أولاً بالحجرِ ثم يتبعهُ بالماءِ ولا كراهةَ إذا استنجى بالأحجارِ أو بما يقوم مقامها كمنديلِ الورق يمسحُ بكلِ حجرٍ جميع محل الخروجِ هذا الأفضلُ، وقالَ بعضُ الشافعيةِ يمسحُ بالحجرِ الأول الصفحة اليمنى من المقعدةِ وبالثاني الصفحة اليسرى وبالثالثِ جميعَ محل الخروجِ، قال ابن المقري في تمشيته : (لكن الراجحَ أنه يعم بكل حجر محل الخروج ,ويكفي لو استنجى بحجر واحد له ثلاثة أطراف.
قال المؤلف رحمه الله: ويجوز أن يقتصر على الماء أو على ثلاثة أحجار يُنقي بهنّ المحل
الشرحُ : وإن لم يحصلِ الإنقاءُ بهنّ زاد رابعةً فإن أنقى برابعةِ زاد واحدةِ ليكون وِتراً
قال المؤلف رحمه الله : فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء ُ أفضل
الشرحُ : لأنه يزيل عين النجاسة وأثرها، روى البيهقي وغيره أن قول الله تعالى :{ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطّهّرين} نزل في أهل مسجد قباء وهو مسجد معروف بالمدينة له فضلٌ أثنى الله على أهلهِ لأنهم كانوا يستنجونَ بالماء وكان كثيرٌ غيرهم يستنجون بالحجر.
وشرط إجزاء الاستنجاء بالحجر أن لا يجف الخارجُ النجسُ ولا ينتقلَ عن محلِ خروجه ولا يطرأَ نجسٌ أخرُ أجنبي عنهُ فإن انتفى شرطٌ منها تعين الماءُ .
يحرم عند الشافعي تعمدُ التلوثِ بالنجاساتِ ويحرمُ بالاجماعِ تعمدُ التلوث بالبول وهو من الكبائرِ وهو مع الغيبة والنميمة أكثر ما يكون سبباً لعذاب القبر للمسلمِ، روى الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: [ استنزهوا من البولِ فإن عامةَ عذابِ القبرِ منهُ.
قال المؤلف رحمه الله : ويجتنب استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء
الشرح: يجتنب قاضي الحاجة وجوباً استقبال القبلةِ واستدبارها ببولٍ أو غائطٍ وذلك حرام إن لم يكن بينه وبين القبلةِ ساترٌ مرتفعٌ ثلثي ذراع فأكثر ويشترط أن لا يبعد عنهُ أكثر من ثلاثةِ أذرع وذلك في البريةِ أما في الأماكن المعدة لقضاء الحاجة فلا يحرم مطلقاً قال صلى الله عليه وسلم :[ لا تستقبلوا القبلة ببول أو غائط ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا .
قال المؤلف رحمه الله : ويجتنب البول في الماء الراكد
الشرح: أي ويجتنب الغائط أيضا في الماء الدائم في مكانه غير الجاري لورود النهي عن ذلك في الحديث وهذا ندباً وليس وجوباً، لكن إن كان الماءُ لمسلمٍ لا يرضى حرم أن يبول أو يتغوط فيه، أما إن كان له فلا يحرم
قال المؤلف رحمه الله : وتحت الشجرة المثمرةِ
الشرح: وقت الثمرِ وغيرهِ هذا إن كانت الشجرةُ له أو لا مالك لها من المسلمين، وأما إن كانت لغيره فحرام إلا أن يستأذنهُ والحكمةُ من ذلكَ الخوف من وقوع الثمارِ فتتنجس فتعافها الأنفس
قال المؤلف رحمه الله : وفي الطريقِ
الشرح: كذلك يجتنب قضاء الحاجة في الطريق المسلوك لأن ذلك يسبب اللعنة من الناس قال صلى الله عليه وسلم:[ اجتنبوا اللَّعانين قيل وما اللّعانانِ يا رسول الله قال : الذي يبولُ أو يتغوط في طريقِ الناسِ أو في ظلهم.رواه ابن الجارود
عن أبي هريرة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال اتقوا اللاعنين” قالوا وما اللاعنان قال الذي يتخلى في طريق الناس أوفي ظلهم“رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم
قال المؤلف رحمه الله : والظل
الشرح: وهو المكان الذي يقصده الناس في الصيف لظله فلا يقضي حاجتهُ هناك لأن هذا يسببُ اللعنة لفاعلهِ من بعضِ الناسِ ومواضع الشمس في الشتاء كمواضعِ الظل في الصيف .يكره قضاء الحاجةِ فيها.
قال المؤلف رحمه الله: والثُّقب
الشرح:وهو الشَّقُ المستديرُ النازل في الأرضِ إن كان صغيرا أو كبيرا لأنها قد تكون مأوى الهوام أو مأوى الجن فيؤذونه، روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجُحَرِ لأنها مساكن الجن .العقربُ يسكنُ الثقب وورد أنه قرص النبي صلى الله عليه وسلم مرةً. وقتلُهُ سنةٌ وقد أذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم للمصلي بقتلهِ. كأن يكون معه نحوُ عصى فيقتله ُولا تفسدُ صلاتهُ بذلك.
قال رحمه الله: ولا يتكلم على البول والغائطِ
الشرح: أي لا بذكر ولا بغيرهِ أدباً لغير ضرورةٍ ،أما إن دعتِ الضرورة كمن رأى حية تقصد إنسانا لم يكره الكلام حينئذ.
قال المؤلف رحمه الله : ولا يستقبل الشمس والقمر ولا يستدبرهما.
الشرح: لم يرد حديث بكراهة ذلك وفعله أقل من المكروهِ .
مسألة: يحرمُ البولُ والغائطُ على قبرِ مسلمِ ويحرمُ البولُ في المسجدِ ولو في إناءٍ، وفي موضع نُسكٍ ضيقٍ كموضع الجمرات أما إن كان واسعاً كأرض عرفات فلا يحرم البولُ فيها، ويكرهُ البولُ واقفاً لغير عذرٍ.
فصل في نواقض الوضوء
قال المؤلف رحمه الله : فصلٌ والذي يَنقُضُ الوضُوءَ سِتّةُ أشياءَ: مَا خَرجَ مِنَ السّبِيلَين
الشرحُ: مُعتادًا كانَ أو غَيرَ مُعتادٍ فمَا خَرجَ مِنَ القُبُلِ والدُبُرِ كبَولٍ أو غَائطٍ ولَو نَادرًا كدَمٍ أو حَصى نجِسًا كانَ أو طَاهرًا كدُودٍ إلا المنيَّ الخارجَ باحتِلامٍ مِن مُتَوضِّئٍ ممكّنٍ مَقعَدَتهُ فلا يَنقُضُ وقَالَ مَالِكٌ : إنّ خُروجَ الدُّودِ لا يَنقُض الوضُوءَ.
قال المؤلف رحمه الله : والنّومُ على غَيرِ هَيئَةِ المُتمَكِّنِ
الشرحُ:مِن نَواقِضِ الوضُوءِ النّوم على غَيرِ هَيئَةِ المتمَكِّنِ فلَو نامَ متَوضِّئٌ ممكِّنٌ مَقعَدتَهُ بالأرضِ أو نحوها فإنّ وضُوءَهُ لا يَنتقِضُ والدّليلُ على نَقضِ النّومِ الوضوءَ حديثُ : العَيْنانِ وِكَاءُ السَّهِ فمَن نامَ فَلْيتَوضّأْ.” أمّا الأنبياءُ فلا يَنقضُ النّومُ وضُوءَهُم لأنّ قُلوبهُم لا تَنام , والنّومُ حقِيقَتُهُ استِرخَاءُ البَدنِ وزَوالُ شُعُورهِ وخَفاءُ كلامِ مَن عِندَهُ وليسَ في مَعناهُ النُعَاسُ فإنّهُ لا يَنقُضُ الوضُوء.
قال المؤلف رحمه الله : وزَوالُ العَقلِ بسُكْرٍ أو مَرضٍ
الشرح : مَن زَالَ عَقلهُ انتقَضَ وضوؤهُ حتى الوَليّ إذا غَابَ بالوَجْدِ انتقَض وضوؤهُ لأنّهُ يصِيرُ كالمجنونِ فلَو فعَل فِعلاً قَبِيحًا أو قالَ قَولاً قَبِيحًا أثناءَ ذلكَ لا يُكتَبُ عليهِ.
قال المؤلفُ رحمه الله: ولمسُ الرّجلِ المرأةَ الأجنبِيّةَ مِن غَيرِ حَائلٍ
الشرحُ : أي غَير المحرمِ فلا يَنقُضُ لمسُ المحرَم بالنَّسَبِ أو الرّضَاعِ أو المصَاهَرةِ، والمرادُ بالرّجُلِ أو المرأة ذَكرٌ وأُنثَى بلَغَا حدَّ الشّهوةِ عُرْفًا , ولا يَنقُضُ لمسُ السِّنِّ أو الشّعَر أو الظُفرِ .وينتقضُ وضُوءُ اللامِسِ والملمُوسِ، وعلى قَولٍ وضُوءُ الملمُوسِ لا يَنتقضُ , وفي قَولٍ للشّافِعيّ إذا لمس الرّجلُ محرمهُ انتقَض وضُوؤهُ , واحتَرز بقَولِه مِن غَيرِ حَائلٍ مَا لو كانَ هناكَ حَائلٌ فلا نَقْضَ حِينَئذٍ , ويَنقُض الوضوءَ أَيضًا شِفاءُ دَائِم الحَدثِ كمَن بهِ سَلسُ بولٍ فزَالَ عنهُ وكان توضأ أثناء نزول البول منه، وكذلكَ المُستحاضَةُ، ويَنقُضُ الوضوءَ أيضًا أَكلُ لحمِ الجَزُور على أحَدِ القَولَين .
قال المؤلف رحمه الله: ومَسُّ فَرْجِ الآدَمِيِّ ببَاطِن الكَفِّ
الشرح : مِن نَفسِه أو غَيرِه ذَكَراً أو أُنثَى صَغِيرًا أو كبِيرًا حَيًّا أو مَيِّتًا أمّا بظَاهِر الكَفِّ فلا يَنقُض
قال المؤلف رحمه الله : ومَسُّ حَلْقَةِ دُبُرِه على الجديدِ
الشرح : أي على القَولِ الجَديدِ الذي قالَهُ الشّافعيُّ بمصرَ , أمّا لَو مَسّ بحَرفِ الكَفِّ أو رؤوسِ الأصابِع ومَا بَينَها فَلا نَقْضَ بذَلك .
مسألةٌ: إذَا شَكّ الشّخصُ هَل تَوضّأ بعدَ أَن أَحْدَثَ أم لا فيَحكُم أنّه غَيرُ متَوضِّئ .
مسألةٌ : مَن أَمسَكَ نجَاسَةً لا يَنتَقِضُ وضُوؤه .
مسألةٌ : إذَا اشتَبه على الشّخصِ أيُّ كُمَّي ثَوبِه نجِسٌ يَغسِلُ الكُمَّينِ وإذا اشتَبه علَيهِ مَا في وِعَاءَينِ مِنَ الماءِ أَيُّهُما نجِسٌ ولا يُوجَدُ سِواهُما يخلِطُهما ثم يتيَمّم ولا يصِحُّ إن تَيمَّم قَبلَ ذلكَ لوجُودِ الماءِ أمّا إذَا شَكَّ أيّ الوِعاءَينِ فيهِ الماءُ المستَعمَلُ تَوضّأَ مِن كُلٍّ وصَلَّى.
قال المؤلف رحمه الله فصل : والذي يوجب الغسل ستة أشياء
الشرح: الغسل لغةً سيلان الماء على الشئ وشرعاً سيلان الماء على جميع البدن بنية، ووجوب الغسلِ يكونُ إذا أرادَ القيامَ إلى الصلاةِ وذلك بدخول الوقتِ، ولا يوجب مجردُ حصولِ أحدِ المذكوراتِ الستة الغسل على الفور، فلو أجنب بعد طلوع الشمسِ وكان نائما قبل ذلك فلم يصلّ الصبح لا يجبُ عليه الاغتسال فورا، إنما يجب عليه الاغتسال إذا أراد أن يصلي
فائدة : يجوز للجنب حضور مجلس العلم وله ثواب ولا يجوز لهُ المكث في المسجد قبل الاغتسال
قال المؤلف رحمه الله : ثلاثةٌ تشتركُ فيها الرجالُ والنساءُ وهي التقاء الختانين
الشرح: والمراد بالختانين موضعهُما، أي تَحاذي الفرج والحشفة وليس مجرد المس بدون إيلاجٍ، بل المقصود دخولُ رأس الذكرِ أو قدره من مقطوعها في فرجٍ، ويصبح الآدمي المولجُ فيهِ جُنباً بإيلاجِ ما ذُكر، أما الميت فلا يعاد غسلهُ بإيلاجٍ فيهِ، ويجب على المرأةِ الغُسلُ إذا دخلَ في فرجها ذكرُ البهيمة
قال المؤلف رحمه الله : وإنزالُ المني
الشرح:خروجُ المني يوجبُ الغُسلَ إن كان بتفكيرٍ أو نظرٍ أو مباشرةٍ بجماعٍ أو غيرهِ في يقظةٍ أو نوم بشهوةٍ أو غيرها، والمني يعرف بإحدى أربع علاماتٍ اللذةِ بخروجهِ وريحِ العجينِ إن كان رطباً وريحِ بياض البيضِ إن كان جافاً والتدفقِ واستعقابهِ فتور الذكر وانكسار الشهوة، ولا يشترطُ اجتماعُ العلامات بل تكفي واحدةٌ، أما المذي والودي فلا يوجبان الغسل لكنهما نجسانِ يجبُ غسل ُ المحل من خروجهما
قال المؤلف رحمه الله : والموت
الشرح : إذا مات مسلم وجب غسلهُ ما لم يكن شهيدَ معركة، وقال بعض الأئمةِ من مات بإحدى أنواع الشهادة لم يجب غسله كشهيد المعركة
قال المؤلف رحمه الله : وثلاثة تختص بها النساء وهي : الحيض
الشرح : أي الدم الخارج من امرأة بلغت تسع سنين قمرية تقريبا أو أكثر.
قال المؤلف : والنفاس .
الشرح : وهو الدم الخارج عقب الولادة فإنه موجب للغسل قطعاً .
قال المؤلف رحمه الله : والولادة
الشرح : كذلك الولادة توجب الغسل ولو بلا بلل، ولو لم يخرج الجنين كاملاً. ذكر بعض الفقهاء المصريين في بعض الحواشي أن نساء الأكراد يلدن بلا بلل .
قال المؤلف رحمه الله : وفرائض الغسل ثلاثة أشياء : النية
الشرح :أي ينوي الجنب رفع الجنابة أو الحدث الأكبر أو نحو ذلك، وتنوي الحائض أو النفساء رفع حدث الحيض أو النفاس، فتكون النية مقرونة بأول الفرض وهو أول ما يغسل من أعلى البدن أو أسفله، فلو نوى بعد غسلِ جزءٍ وجب إعادة غسله.
قال المؤلف رحمه الله : وإزالة النجاسة إن كانت على بدنه
الشرح: أي المغتسِل، وهذا ما رجحه الرافعي، وعليه فلا يكفي غسلة واحدة عن الحدث والنجاسة ورجح النووي الاكتفاء بغسلة واحدة عنهما، ومحله ما إذا كانت النجاسة حكمية أما إذا كانت عينية وجبت غَسلتان عنهما
قال المؤلف رحمه الله : وإيصال الماء إلى جميع البشر والشعر
الشرح: المراد بالبشرة ظاهر الجلد فيجب غسل ظاهر الشفتين وهو ما يبدو عند إطباقهما، ويجب غسل ما ظهر من خماصي أذنيه ومن شقوق بدن، ويجب إيصال الماء إلى ما تحت القلفة من الأقلَف، وإلى ما يبدو من فرج المرأة عند قعودها لقضاء حاجتها وإلى ما يظهر من المقعَدة عند القعود لقضاءِ الحاجة، ومن العينين ما يظهر من الجفن عند إطباقه فلا يجب إيصال الماء إلى داخل العين .
قال المؤلف رحمه الله: وسننه خمسة أشياء: التسمية
الشرح : أي قول بسم الله، وتركها مكروهٌ
قال المؤلف رحمه الله : والوضوء قبله
الشرح : أي يتوضأ وضوءا كاملا قبل الغسل، ولا يكره تركه، وينوي به المغتسل سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الحدث الأصغر، وإلا نوى به رفع الحدث الأصغر
قال المؤلف رحمه الله : وإمرار اليد على الجسد
الشرح :أي أن يدلك جسده بيده ولو بواسطة خرقة
قال المؤلف : والموالاة
الشرح : أي أن يغسل العضو قبل أن يجفّ الذي قبله
قال المؤلف : وتقديم اليمنى على اليسرى
الشرح: فيغسل رأسه ثم شقّه الأيمن المقدَّم ثم المؤخَّر ثم شِقَّه الأيسر المقَدَّم ثم المؤخَّر، وبقِيَت سننٌ تَركَها المؤلف منها استصحاب النّيةِ إلى ءاخِر الغُسْل والبَدء بأعضاءِ الوضُوء والتّثليث وتخليل الشعَر وتقليل الماء، ومنْ مكروهات الغُسل الاسرافُ بالماء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل أكثَر الأحيان بصاعٍ من الماء وثبَت أنه اغتسل بأكثرَ من ذلك ففي صحيح مسلم أنه اغتسل بمكُّوك وهو ستةُ أمداد.
قال المؤلف رحمه الله: فصل
والاغتسالات المسنونة سبعة عشر غسلا
الشرح: هذا على حسب ما ذكره المؤلف ويوجد أكثر
قال المؤلف رحمه الله: غسل الجمعة
الشرح : الاغتسال في يوم الجمعة سنة لمن يقصد حضورها سواء كان ممن فرضت عليه أم لا، ووقته من الفجر الصادق، ومن تركه بلا عذر كرهت صلاته اي صلاة الجمعة، ومن عجز عنه سُنّ له التيمم، ومن كان جُنبا في يوم الجمعة أجزأه غُسل واحد لرفع الحدث وسنةِ الغُسل،وقد قال صلى الله عليه وسلم: غُسلُ الجمعة واجبٌ على كل محتلمٍ.” أي استحبابه مؤكَّد.
قال المؤلف رحمه الله : والعيدين
الشرح : أي الفطرِ والأضحى ويدخل وقتُ هذا الغسل بنصفِ الليل
قال المؤلف رحمه الله : والاستِسقاءِ
الشرح : يسنُ الغسل قبل صلاة الاستسقاءِ أي طلبِ السقيا من الله
قال المؤلف رحمه الله : والخسوفِ والكسوفِ
الشرح: كذلك يستحبُ الاغتسالُ لخسوف القمر وكسوفِ الشمس قبل الصلاة
قال المؤلف رحمه الله : والغسلُ من غسل الميت
الشرح : يَغتسلُ ندبا وقيل وجوبا وهو مذهب الإمام الأوزاعي لحديث الترمذي : من غسل ميتا فليغتسل ومن حملَه فليتوضأ .قال الإمام أحمد إنه موقوف على أبي هريرة لذلك لم يقل بوجوبه، وقال الإمام الشافعي لو صح الحديث لقلت بوجوبه .
قال المؤلف رحمه الله : والكافرِ إذا أسلمَ
الشرح : يُسَنّ للكافر إذا اسلم أن يغتسل أي بعد إسلامه، ولا يجوز أن يقال للكافر اغتسل ثم أسلم لأن فيه تأخيرا له عن الدخول في الإسلام وهو كفر والعياذ بالله، واستحباب هذا الغسل إن لم يُجنب في حالِ كفرهِ أو لم تحضِ الكافرة، أما إذا أجنب في حال الكفر وجبَ عليه الغسلُ بعدَ الاسلام لرفع الحدث لأن حدث الكافر لا يرتفع لعدم صحة نيته وهو على كفره .
قال المؤلف رحمه الله :والمجنونِ والمغمى عليه إذا أفاقا
الشرح : يستحبُ للمجنونِ والمغمى عليه الاغتسالُ بعد الافاقة إن لم يتحقق منهما إنزال، فإن تحقق منهما الإنزالُ وجَبَ عليهما الغُسل .
قال المؤلف رحمه الله : والغسلُ عند الإحرام
الشرح: يستحب لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن يغتسلَ قَبْلَه ولا فَرقَ في هذا الغسلِ بَينَ بالِغٍ وغيرِه ولا بين طَاهِر وحائض، فإن لم يجد المحرمُ الماء تيمم.
قال رحمه الله : والغسلُ لدُخولِ مكةَ
الشرح : يستحب لمن يريدُ دخولَ مكةَ أن يغتَسلَ, ولو دخلَها بلا إحرام
قال المؤلف رحمه الله : وللوقوفِ بعَرفة
الشرح : يستحب لمن أرادَ الوقوف بعرفة أن يغتسل في تاسِع ذي الحِجّة ما بينَ الفَجر والزوال
قال المؤلف رحمه الله : وللمَبِيتِ بمزدَلِفَةَ
الشرح: يسن الاغتسال لمن أرا د المبيتَ في مزدلفة
قال المؤلف : ولرميِ الجِمار الثلاثِ
الشرح:أي في أيام التشريق الثلاثة فيَغتسل لرَمي كلِ يوم منها غُسلا إلا جمرة العقبة فلا يسن الاغتسالُ لهُ لقُرب زمنه من غُسل الوقوف
قال رحمه الله : وللطّواف
الشرح : كذلك يسن الاغتسال للطوافِ قبلَه فيغتَسل لطوافِ القدوم والإفاضة والوداع
قال المؤلف رحمه الله : وللسّعي
الشرح : يستحَبّ الاغتسال للسعي، قبلَه
قال المؤلف رحمه الله : ولدخولِ مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الشرح : يستحب الاغتسال قبلَ دخول مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبقِيَت اغتسالاتٌ مسنونةٌ تَركَ ذكرها المؤلفُ منها الاغتسال عندَ تغَيّر رائحة الجسَد، وفي كلِّ يوم مِن رمضانَ بعدَ الزّوالِ قبلَ الغروب، والاغتسالُ لمن أراد الوقوفَ في المشعر الحرام، وهو مكانٌ في مزدلفة، ويسن الاغتسالُ لحضور مجتَمع خير، ويُستَحب الاغتسال لمن أراد الاعتكافَ في المسجد، وأفضل الاغتسالات المسنونةِ غُسل الجمعة حتى قال بعضُ الأئمة بوجوبِه، وكل من عجز عن غسل مَسنون سُنّ له أن يتيَمّم .
قال المؤلف رحمه الله: فصلٌ
والمسح على الخفينِ جائزٌ
الشرح : وذلك عند أهل السنة بلا خلاف في الوضوء لا في غسل الفرض ولا في إزالة نجاسة فلو أجنب أو دميت رجله وأراد المسح بدلاَ عن الغسل لم يجز وأحاديث المسح على الخفين متواترة ومع ذلك لا يكفرُ منكرُ المسح جهلاً وحكم المسح ليس معلوما من الدين بالضرورة وقد روى حديث المسح على الخفين سبعون من الصحابة من بينهم علي بن أبي طالب .
قال المؤلف رحمه الله : بثلاثة شرائط أن يبتدئ لبسهما بعد كمال الطهارة
الشرح : فلو لبس الخفين على حدثٍ لم يجز له المسح ولو غسل رجله وألبسها خفها ثم فعل بالأخرى كذلك لم يكف.
قال المؤلف رحمه الله : وأن يكونا ساترين لمحل غسل الفرض من القدمين
الشرح:مع كعبيهما فلو كانا دون الكعبين كالمداس لم يكفِ المسح عليهما والمراد بالساتر هنا الحائل لا مانع الرؤية وأن يكون الستر من أسفل ومن جوانب الخفين لا من أعلاهما ولا يصح ما فيه خرقٌ ولو كان صغيرا أما إذا كان مفتوحا بشرَجٍ فيصح إن ربطه وستر القدم .
قال رحمه الله : وأن يكونا مما يمكن تتابع المشي عليهما أي لتردد مسافر في حوائجه من حطٍ وتَرحالٍ فلو كان الخف غليظا كخشب لا يستطيع أن يمشي عليه مشيا متتابعا لا يصح ويشترط أيضا أن يكونا طاهرين فإن كانا من جلد ميتةٍ لا يصحُّ ولو لبس خفاَ فوق خف فإن كان الأعلى صالحا للمسح دون الأسفل صح المسح على الأعلى وإن كان الأسفل صالحا للمسح دون الأعلى فمسح الأسفل صح أو مسح الأعلى فوصل البلل للأسفل صح إن قصد الأسفل أو قصدهما معا أو لم يقصد واحدا منهما بل قصد المسح في الجملة.
قال المؤلف رحمه الله : ويمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيامٍ بليالهن
الشرح :وللشافعي قول قديم إن المسح لا يتأقت وهو قول مالك
قال المؤلف رحمه الله : وابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخفين
الشرح: أي من انقضاء الحدث الحاصل بعد تمام لبس الخفين والعاصي بالسفر والهائم يمسحان مسح مقيم .
قال المؤلف رحمه الله : فإن مسح في الحضر ثم سافر أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم .
الشرح : أي إن بدأ المسح في الحضر ثم سافر قبل أن تنتهي مدة الحضر يتم مدة مقيم لا مدة مسافر أما إن بدأ المسح في السفر ثم دخل البلد قبل أن يتم يوما وليلة فيقتصر على مدة المقيم احتياطا للعبادة . والواجب في مسح الخف ما يطلق عليه اسم المسح إذا كان على ظاهر الخف ولا يجزئ المسح على باطنه ولا على عقب الخف ولا على حرفه ولا على أسفله والسنة في مسحه أن يكون خطوطا بأن يفرج الماسح بين أصابعه ولا يضمها.
قال المؤلف رحمه الله : ويبطل المسح بثلاثة أشياء بخلعهما
الشرح: أو أحدهما فلو خلع الخف بعد الوضوء لا يصلي حتى يغسل رجليه وكذلك يبطل إذا خرج الخف عن صلاحية المسح عليه لضعفه أو تخرقه
قال المؤلف رحمه الله : وانقضاء المدة
الشرح : من يوم وليلة لمقيم وثلاثة أيام بلياليها لمسافر
قال المؤلف رحمه الله : وما يوجب الغسل
الشرح : من جنابة أو حيض أو نفاس للابس الخف.