الحكمةُ في الوَعظِ والجدالِ
والمعاقبة بالمثل
الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميع إخوانه
من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين
وسلامُ الله عليهم أجمعين
يقولُ الله تبارَكَ وتعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {125} وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126}﴾[1].
إنَّ اللهَ سبحانَهُ أمرَ بالدَّعوةِ إلى الإسلامِ ﴿بِالْحِكْمَةِ﴾ أي المقالَةِ الصَّحيحةِ المُحكَمَةِ وهوَ الدَّليلُ المُوضِحُ للحقِّ المُزيلُ للشُبهة، ﴿وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ وهيَ التي لا يَخفَى عليهم أنَّكَ تُناصِحُهُم بها وتقصِدُ ما ينفعُهُم فيها، أو بالقرءان أي ادعُهُم بالكتابِ الذي هوَ حِكمَةٌ وموعِظَةٌ حسنة، أو الحِكمةُ المعرفَةُ بِمراتبِ الأفعال، والموعظةُ الحسنةُ أن يَخلِطَ الرَّغبةَ بالرَّهبةِ والإنذارَ بالبِشَارَةِ، ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي بالطَّريقَةِ التي هي أحسَنُ طُرُقِ المجادَلَةِ مِنَ الرّفقِ واللّين مِنْ غيرِ فظَاظةٍ، أو بِمَا يوقِظُ القلوب ويَعِظُ النّفوس ويَجلو العقول وهو ردٌّ على مَنْ يأبى المناظَرَةَ في الدّين. ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ أي هوَ أعلَمُ بهم فمَن كانَ فيهِ خيرٌ كفَاهُ الوَعظُ القليل ومَنْ لا خيرَ فيه عَجزت عنهُ الحِيل.
﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ﴾ والمعنى إنْ صُنِعَ بكُم صَنيعُ سُوء مِنْ قَتلٍ أو نحوهِ فقابلوهُ بِمثلِهِ ولا تزيدوا عليه، رُويَ أنَّ المشركينَ مثّلوا بالمسلمينَ يومَ أُحد بَقروا بطونَهم، فرأى النبِيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام حمزةَ مبقورَ البطن فقال: ((أمَا والذي أحلِفُ به لأُمثّلَنَّ بسبعينَ منهُم مكانك))[2] فنزلَت فكفَّرَ عن يَمينِهِ وكَفَّ عمَّا أرادَهُ مع أنَّ المُثلةَ بالكافِرِ في مُقابَلَةِ مُثلَتِهِ بالمسلمينَ جائزة لكنَّ اللهَ أرشَدَ نَبِيَّهُ إلى الأفضَل، وليسَ في هذهِ الآيةِ حُجَّةٌ لِمَن يقولُ إنَّ الرسولَ يجتهدُ فيُخطىء، إنما الآيةُ فيها إرشادُ النبيّ إلى الأفضل ليسَ نسخًا ولا ردًّا على الرسولِ بِرَدّهِ مِنَ الخطأِ إلى الصَّواب.
﴿وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ أي ولئن صبرتُم لصبرُكُم خيرٌ لكم لأنهم صابرونَ على الشَّدائد، وقد أرشَدَ رسولُ اللهِ أمّتَهُ إلى العفو فقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام لسُلَيمِ بنِ جابرٍ: ((ولا تَسُبَّنَّ أحدًا فإنْ عيّرَكَ أحدٌ بما يعلمُ فيك فلا تُعيّرْهُ بِما تعلَمُ فيه))[3] معناهُ: خيرٌ لكَ أن لا تُقابِلَهُ بالمِثْلِ وهوَ حالُ أهلِ الكمَال وإن كان الردُّ بالمِثلِ جائزًا لكن مِنْ غيرِ زيادة، أمّا إنْ كانَ في سبّهِ كَذِبٌ فلا يجوزُ لهُ الردُّ بالمِثلِ ولا يَجوزُ لهُ ضَربهُ بَدَلَ السَّب، ويَدلُّ على جَوازِ الردِّ بالمِثلِ قولُهُ تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[4] معناهُ لكم رُخصَةٌ فِي ذلك وإن كانَ تركُ الردّ أفضَل.
ربنا ءاتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النا
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات اللهم فرّج كرباتِنا واقضِ حوائجنا
وعافنا واعف عنا وعافِ مرضانا
يا أرحم الراحمين
[1] – سورة النحل.
[2] – رواهُ الحاكمُ والطبرانيُّ والبيهقي.
[3] – رواهُ ابن حِبان.
[4] – سورة البقرة.