تنزيه الله عن فوقية المكان
فوائد في العقيدة
قالَ ابنُ حجَرٍ العَسقلاني في فتح البَاري، شَرح صحيح البخاري، المجلد الثّالِث عشَر، كِتَاب التَّوْحِيدِ، باب:: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
عن أنسِ بنِ مَالكٍ – رضي الله عنه – قال: « نزَلَت ءايةُ الحِجابِ في زَينَب بنتِ جَحشٍ، وأطعم عَليها يومئذٍ خُبزًا ولَحْمًا، وكانَت تَفخَر على نساءِ النّبي – صلى الله عليه وسلم – وكانت تقول: « إنّ الله أَنكَحَني في السّماء »:
« قالَ الكَرماني قوله « في السّماء » ظاهرُه غيرُ مُراد، إذ الله منَـزّهٌ عن الحلُولِ في المكان، لكن لما كانَت جِهةُ العُلو أشرَف مِن غَيرِها أضافَها إليه إشارةً إلى عُلو الذاتِ والصِّفاتِ، وبنَحْو هذا أجابَ غَيرُه عن الألفاظِ الواردةِ منَ الفَوقِيّة ونحوِها، قال الراغِب « فوق » يُستَعمَلُ في المكانِ والزّمان والجِسم والعدَد والمنـزِلة والقَهر، فالأولُ: باعتبارِ العلو ويُقابِلُه تحت نحوُ (قُل هوَ القَادرُ على أن يَبعَثَ عَليكُم عذَابًا مِن فَوقِكُم أو مِن تحتِ أَرجُلِكُم) والثّاني: باعتِبارِ الصّعُود والانحِدار، نحوُ (إذْ جَاءوكُم مِن فَوقِكُم ومِن أَسفَلَ مِنكُم)، والثّالثُ: في العدَد نحو (فإنْ كُنّ نِساءً فَوقَ اثنَتَين)، الرابعُ في الكِبَر والصِّغَر، كقوله (بعُوضةً فمَا فَوقَها)، والخامِسُ: يَقَعُ تَارةً باعتِبارِ الفَضِيلةِ الدُّنيويةِ، نحوُ (ورَفَعْنا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرجَات)، أو الأُخرَوية نحوُ (والذينَ اتَّقَوا فَوقَهُم يومَ القِيامةِ)، والسّادسُ: نحوُ قولِه (وهوَ القَاهِرُ فَوقَ عِبادِه – يخَافُونَ ربّهُم مِن فَوقِهم) انتهى ملخّصًا».
قالَ ابنُ حَجر العَسقلاني: فتح الباري، شرح صحِيح البخاري، المجلَّد السابع، كِتَاب الْمَغَازِي، بابُ مَرْجِعِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الأحْزَابِ وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ :
« قالَ السُّهَيليّ: قوله: « مِن فَوقِ سَبعِ سماوات » معناهُ أنّ الحُكمَ نزَلَ مِن فَوق، قالَ ومِثلُه قَولُ زَينَب بنتِ جَحش « زَوّجَني اللهُ مِن نَبِيِّه مِن فَوقِ سَبعِ سمواتٍ » أي نزَلَ تَزويجُها مِن فَوق، قالَ ولا يَستَحِيلُ وصْفُه تَعالى بالفَوق على المعنى الذي يَليقُ بجَلالِه لا على المعنى الذي يَسبِقُ إلى الوَهْم مِن التّحديدِ الذي يُفضِي إلى التّشبِيه».