خلقَ اللهُ كُلَ شئٍ لحكمة.ومن ذلِك العرش
اعلم أن اللهَ تعالى لم يخلُق شيئا عبثا بل خلقَ كُلَ شئٍ لحكمةٍ يعلمُها ولقد خلقَ اللهُ تعالى المُتضادات كالحلو والمُرِ والفرحِ والحزن والكُفرِ والإيمان والطاعاتِ والمعاصي كلُ ذلِك دليلٌ على كمال قُدرةِ الله ولا يجوزُ أن يُعترضَ على الله قال تعالى : {لا يُسأل عما يفعل وهُم يُسألون}.
ولقد خلقَ الله تعالى العرشَ الكريم وهو أعظمُ جرمٍ خلقهُ الله ليزدادَ الملائكةُ الحافونَ حولَ عرشهِ تعظيماً لله ولم يخلقه لأنهُ بحاجةٍ إليه أو ليجلسَ عليه تنزه الله عن ذلك ولقد روى الإمام عبدُ القاهر التميمي في كِتاب (الفرق بينَ الفرق) :أن علي بنِ أبي طالبٍ قال : إن اللهَ تعالى خلقَ العرشَ إظهاراً لِقدرتهِ ولم يتخذهُ مكاناً لذاتهِ وروى عنهُ أنهُ قال :[كانَ اللهُ ولا مكان وهو الآن على ما عليهِ كان]وأما قولهُ تعالى :{الرحمنُ على العرشِ استوى} فليسَ معناهُ ان الله جلسَ على العرش إنما المقصود الإخبارُ عن أن اللهَ قاهر العرش كما قال الله تعالى عن نفسهِ : {الواحدُ القّهار}وكما قال الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم : [لا إله إلا الله الواحدُ القّهار]وقد خص اللهُ تعالى العرش بالذكر مع أنهُ قاهرُ كُلِ شئ لأنَ العرشَ أكبرُ جسمٍ خلقهُ الله كما قال الله تعالى :{ وهو ربُّ العرش العظيم} مع أنهُ ربُّ كُلِ شَئ وقد مُنعنا عن التفكر في ذات الله لأن ذات الله ليسَ شيئاً نتصورهُ روى البيهقي أن عبد الله ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: [تفكروا في كُلِ شئ ولا تفكروا في ذات الله] وروي هذا الحديث مرفوعاً إلى النّبي صلى الله عليه وسلم وهو منسجمٌ مع قولِ الله تعالى: {ويتفكَرُونَ في خَلقِ السَمَواتِ والأرض رَبنّا مَا خَلَقت هذا باطلاً سُبحانك}ولم نُؤمَر في القُرءانِ ولا في الحَديث بِأن نتَفكرَ في ذاتِ الله أو صِفاتِ الله وقد روى القاضي حُسين عن الإمامِ الشافعي رضي اللهُ عنهُ أنهُ قال :من قالَ إن اللهَ جالسٌ على العرشِ كَفر روى ذلِك عنهُ ابنُ المُعلم القُرشي في كتابه (نجمُ المُهتدي ورجمُ المُعتدي) في الصحـ551يفة وروى الحافظُ السُيوطي في كِتابه (الأشباه والنظائر )أن الشافعي قال: المُشبهُ كافر.
وأما قولهُ تعالى : {وجوهٌ يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة} فمعناه :أن المؤمنين في الجنةِ يرونَ الله تعالى الذي ليسَ كمثلهِ شئ وهو موجودٌ بلا مكانٍ ولا جهة وهم في مكانهم في الجنة, وهذهِ الرؤيه لا يكونُ عليهم فيها اشتباه لِذلكَ قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلم : [إنكم سترونَ ربَكُم يومَ القيامة كما ترونَ القمرَ ليلةَ البدر لا تضامون في رؤيته] شَبه الرَسُولُ رؤيتنا من حيثُ عدم الشك برؤيةِ القمرِ ليلةَ البدر فإن رائي القمر ليلة القمر لا يشكُ أن الذي رءاه هو القمر أم لا كذلك المؤمن حين يرى اللهَ وهو-أي المؤمن- في الجنة واللهُ موجودٌ بلا مكان وهو لا يُشبهُ شيئاً لا شكلَ لهُ ولا صورة لا يشكُ أن الذي رءاهُ هو الله أم لا.
أما حديث ينزلُ رَبُنا كل ليلةٍ إلى السَماءِ الدُنيا فمعناهُ: أن المَلك ينزلُ كُلَ ليلةٍ بأمرِ الله إلى السَماء الدُنيا فيقولُ مُبلغاً عن الله: إن ربكم يقول : هل من مستغفرٍ فأغفر له هل من داعٍ فاستجيبَ له هل من سائلٍ فأُعطيه وهذا التفسيرُ للحديث وردَ في حديثٍ رواه الحافظُ النسائي في كتاب (عملِ اليومِ والليلة) من حديثِ أبي هُريرة رضي اللهُ عنه قال : قال رسول الله : إن الله يمهلُ حتى إذا مضى شطر الليلِ الأول أمر منادياً فيُنادي إن رَبَكم يقول: هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه حتى ينفجرَ الفَجرُ . وقد قال الحافظُ العِراقي في ألفيته : وخيرُ مافسرتهُ بالواردِ
معناهُ أحسنُ مايفسرُ بهِ الحديث الوارد الحديث.
وليُعلم أنهُ لا يجوزُ حَملُ هذا الحديث على النُزولِ الحقيقي الذي هو انتقالٌ من مكانٍ إلى مكان لأنَّ هذا لا يجوزُ على الله وهو ضِد قَولِ الله تعالى:{ ليسَ كمثلهِ شئ}.وقد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة:ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر.اهـ
والله أعلم وأحكم