الدليل على أن الله موجود بلا جهة ولامكان
وأما حديث البخاري أن زينب رضي الله عنها قالت :[زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات ] فمعناه :أن زواجي بالرسول لم يكن كزواجكن بالولي والشاهدين والإيجاب والقبول بل بما هو مسطورٌ في اللوح المحفوظ فوق سبع سماوات كما جاء النص في القرءان :{ فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها}وليس معناه : أن الله يسكن جهةً فوق السماوات السبع لأن هذا لا يجوز على الله .
وأما حديث مسلم : والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها] فمعناه : الذي هو أعلى من كل شئ قدرا .
وأما حديث الشيخين: لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي] فمعناه : أنه يوجد فوق العرش كتاب مكتوب فيه هذه العبارة ومعنى عنده عندية التشريف وليس عندية الجهة والمكان وذلك كما في قوله تعالى حكاية عن ءاسية: قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فليس معناه أن الله يسكن الجنه لأن هذا لا يجوز على الله وكما في قوله تعالى : وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضدود مسومة عند ربك }فهل يقول عاقلٌ إن هذه الحجارة في مكانٍ هو مكان الله والعياذ بالله وماذا يقولون في قول الله تعالى :{ ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم} فهل يقول قائل إن الكفار في يوم القيامة يكونون في مكان مع الله, تعالى الله عن ذلك ومعنى [إن رحمتي سبقت غضبي ] أن مظاهر رحمة الله أسبقُ وجوداً وأكثرُ من مظاهر الغضب فالله خلق الجنة قبل جهنم وهي أوسع منها وخلق الملائكة قبل الإنس والجن وهم أكثرُ عدداً منهم.
وأما قول من قال أهل السنة يقولون الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف فمعناه نفي للعلو المكاني والجهةِ والحركةِ والانتقال والاستقرار وغيرِ ذلك من صفات الخلق لأن كل هذا يسمى كيفاً .
أما رفع الأيدي إلى السماء عند الدعاء فمعناه تعظيم المدعو وهو الله ولأن السماء قبلة الدعاءِ كما أن الكعبة قبلة الصلاة فهل يقول عاقلٌ إن الله يسكن الكعبة لأن المسلمين يتوجهون إليها في صلاتهم؟؟؟؟؟؟.
وقد زعم بعض الجهال من المشبهة أن إثبات جهة العلو لله دليله الفطرة وهؤلاء ما عرفوا ربهم وما عرفوا معنى الفطرة وقوله صلى الله عليه وسلم : [ كل مولود يولد على الفطرة ] معناه : الفطرة الإسلامية والدين الحق أي يولدُ مهيئاً لقبولِ الحقِ .
وقد زعم المشبهةُ أن العقل يدل على إثبات جهة العلو لله وهذا باطل فإن المكانَ هو الفراغ الذي يشغلهُ الحجم فكل ما كان في جهة أو مكان فهو حجم ومعلومٌ عند كُل مسلم عاقل أن الله هو خالق الأحجام فليس حجما قال تعالى :{ وكل شئ عنده بمقدار} معناه : الله خلق كل شئ على مقدار معين من الحجم فالذرة حجمٌ صغير والعرش حجم كبير أما الله فليس حجما بالمرة لأنه لو كان حجما لكان كسائر خلقه تعالى الله عن ذلك ثم قال المشبهة : إن الله إما أن يكون داخل العالم أو خارجه وكلامهم هذا باطل والدليل على بطلانه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي سبق ذكره : [ كان الله ولم يكن شئ غيره… فالله كان في الأزل موجودا بلا مكان ولا جهة كان موجودا قبل العالم فلا يقال كان موجودا خارج العالم أو داخله ثم بعد أن خلق الله العالم لم يزل موجودا كما كان فلا يقال إنه داخل العالم ولا خارجه إنما يقال الله موجودٌ بلا جهة ولا مكان .
ثم قال المشبهة :فإذا لم يكن الله داخل العالم لم يبق إلا أن يكون خارج العالم وبنوا على ذلك قولهم الفاسد فإما أن يكون محيطا بالعالم وإما أن يكون في إحدى الجهات قالوا: وليس هناك جهة كمال في الجهات الست سوى جهة العلو… فالجواب : أن هذا القول باطلٌ بالإجماع مخالف لقوله تعالى :{ ليس كمثله شئ } ومخالف لقوله تعالى : { فلا تضربوا لله الأمثال } ومخالف لقوله تعالى :{ وكل شئ عنده بمقدار } ثم من المعلوم أن الله تعالى لا يتشرف بشئ من خلقه فهو الموجود أزلا وأبدا بلا جهة ولا مكان والمشبهة المجسمة جعلوا الله متشرفا بجهة العلو وهي خلقٌ من خلقِ الله وقد سبق ذكر ما قاله الإمام الطحاوي السلفي في عقيدته التي هي عقيدة كل المسلمين عن الله :[ لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ] . الجهة شئ مخلوق كيف قبلوا أن يكون الله متشرفا بشئ من خلقه والعياذ بالله ثم الفضل والشرف لا يكون بالجهة والمكان الملائكة الحافّون حول العرش في أعلى مكان وأفضل الخلق رسول الله في الأرض في المدينة المنورة وهو أفضل من الملائكة وسائر الخلق فالمشبهةُ جعلوا الله كالملك الذي يقعدُ على عرشه وتحته الرعية فما أقبح هذا القول الذي يؤدي إلى تشبيه الله بخلقه وقال المشبهةُ من شدة سخافتهم :”إن القولَ بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه لا متصل به ولا منفصل عنه ” قول يخرج عن قول العقلاء.. والحقيقة أن قول العقلاء المؤمنين هو ما يوافق القرءان والحديث والعقل السليم فلا يخفى على كل عاقل أن الله تعالى كان موجودا قبل العالم والفراغ والنور والظلام بلا مكان ولا جهة ولا يقال إنه كان موجودا خارج العالم أو داخله أو متصلا به أو منفصلا عنه إنما يقال : كما كان الله تعالى موجودا قبل الأمكان والجهات بلا مكان ولا جهة وما زال موجودا كما كان بعد خلق الأماكن والجهات بلا مكان ولا جهة فلا يقال إنه خارج العالم ولا داخل العالم ولا يقال إنه متصل بالعالم ولا منفصل عنه .
هي مصيبة المجسمة المشبهة أنهم لا يعتقدون بوجود الله دون أن يتصوروه وقد قال الله تعالى :{ وأن إلى ربك المنتهى} قال أبي بن كعب : إليه ينتهي فكر من تفكر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ تفكروا في كل شئ ولا تفكروا في ذات الله ] وقال :لا فكرة فى الرب.. فالمؤمن يعتقد بوجود الله دون أن يتصوره أما هؤلاء المشبهة فتصوروه جسما قاعدا على العرش وبعضهم قال :هو فوق العرش بالجهة منفصل عنه وبعضهم قالوا : هو يحيط بالعالم كإحاطة قشر البيض بما فيه وبعضهم قالوا : منفصل من العالم في جهة فوق وكل هذا تشبيه وتجسيم وضلال, روى الحافظ السيوطي في كتاب “الأشباه والنظائر” أن الإمام الشافعي قال : المجسم كافر اهـ وفي كتاب “نجم المهتدي ورجم المعتدي” لابن المعلم القرشي في صحيفة 551 ونقل القاضي حسين عن الشافعي أنه قال : من قال الله جالس على العرش كفر ا هـ والقاضي حسين هو أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي وكان يسمى حبر الأمة لسعة علمه كما كان عبد الله ابن عباس يسمى حبر الأمة.
وقد روى المحدّث بدر الدين الزركشىّ عن صاحب الخصال أن الإمام أحمد قال:من قال الله جسم لا كالأجسام كفر. ا هـ