السماء مسكنُ الملائكة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ما في السماء موضعُ أربعِ أصابع إلا وفيه ملكٌ قائمٌ أو قاعدٌ أوراكعٌ أو ساجد]هذا الحديثُ معناهُ أن السماءَ مشحونةٌ بالملائكة, والملائكةُ عبادُ الله المكرمونَ لا يعصونَ الله ما أمرهم ويفعلونَ ما يؤمرون وهم مكلفون لكنهم لا يختارونَ إلا الطاعة وهم يُصلونَ الصلوات الخمس وهؤلاء الملائكة الذين يملأونَ السماوات يصلون الصلوات الخمس كسائر الملائكة ثم بقية الوقت يصلون لله تعالى فيكونُ بعضهم قائماً وبعضهُم راكعاً وبعضهم قاعداً وبعضهُم ساجداً وليس معنى الحديث أنهم لا يصلون الصلوات الخمس لأنها فرضٌ على المكلفين. وهذا الحديثُ يدلُ على أن الله سبحانهُ وتعالى لا يسكن السماء كما تزعم المشبهة لأن الذي يسكن السماء لا يكونُ إلا حجماً والحجمُ مخلوق والله خالقهُ والذي عليه كلُ أهل الحقِ أهل السنة والجماعة أن الله تعالى موجودٌ ليس جسماً لا مكان له ولا جهة فلا يوصف بالجلوس ولا بالقعود ولا بالاستقرار ولا بالحركة ولا بالسكون قال الله تعالى:{ ليس كمثله شئ وهو السميع البصير} وهاكم ما قالهُ الإمام أحمد بن حنبل في نفي الجسميةِ عن الله فقد نقل أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابنُ رئيسها قال : أنكر أحمدُ على من قال بالجسم وقال إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغةِ وأهلُ اللغةِ وضعوا هذا الاسم على ذي طولٍ وعرضٍ وسمكٍ وتركيبٍ وصورة وتأليفٍ والله سبحانهُ وتعالى خارجٌ عن ذلك ولم يجئ في الشريعةِ ذلك فبطل . نقله الحافظُ البيهقي عنه في مناقب أحمد وهذا الذي صرح به أحمد من تنزيهه الله عن هذه الأشياء الستة هو ما قال به الأشاعرة والماتريديه وهم أهل السنةِ الموافقون لأحمد وغيره من السلف في أصول المعتقد فليعلم الفاهم أن نفي الجسم عن الله جاء به السلف فظهر أن ما ادعاه ابن تيمية أن السلف لم يتكلموا في نفي الجسم عن الله غير صحيح فينبغي استحضارُ ما قالهُ أحمد فإنه ينفع في نفي تمويه ابن تيمية وغيره ممن يدعون السلفية والحديث, وهذا الحافظ البيهقي من رؤوس أهل الحديث يقول في كتاب الأسماء والصفات في صحيفة 400 في باب ما جاء في العرش والكرسي عقب إيرادهِ حديث :[ أتدرون ما هذه التي فوقكم مانصه: والذي روي في ءاخر هذا الحديث إشارة إلى نفي المكان عن الله تعالى وأن العبد أين ما كان في القرب والبعد من الله تعالى سواء وأنه الظاهر فيصح إدراكه بالأدلة والباطنُ فلا يصحُ كونهُ في مكان واستدل بعضُ أصحابنا في نفي المكان عنه بقوله صلى الله عليه وسلم : [أنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ] فإذا لم يكن فوقه شئ ولا دونه شئ لم يكن في مكان .
وفي شرحِ صحيح البخاري للحافظ بن حجر (ج6 ص136 قال مانصه عند الكلام على حديث جابر :[ كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا] قال المهلب : تكبيره صلى الله عليه وسلم عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله عز وجل وعند ما يقع عليه العين من عظيم خلقه أنه أكبر من كل شئ, وتسبيحه في بطون الأودية مستنبط من قصة يونسَ فإن بتسبيحه في بطن الحوت نجاه اللهُ من الظُلمات فسبح النبي صلى الله عليه وسلم في بطون الأودية لينجيه اللهُ منها , وقيل مناسبة التسبيح في الأماكن المنخفضة من جهة أن التسبيح هو التنزيه فناسب تنزيه الله عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الاماكن المرتفعه ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محالا على الله أن لا يوصف بالعلو لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى والمستحيل كون ذلك من جهة الحس , وكذلك في صفته تعالى العالي والعلي والمتعالي .ا.هـ
فهذا اثباتٌ بالنقل الصحيح الصريح عن أئمة الحديث أنهم ينزهون الله تعالى عن الجهة والمكان والحيز خلافاً لما تقوله المشبهة .نسأل الله أن يثبتنا على عقيدة أهل السنة والجماعة والله سبحانه وتعالى أعلم واحكم.