العقيدة المنجية
قال المؤلف :-
العقيدة المنجية اعلم أن عقيدة المسلمين سلفاً و خلفاً بلا شك و لا ريب أن الله سبحانه و تعالى هو خالق العالم، قائم بنفسه مستغن عن كل ما سواه،فكلنا نحتاج إلى الله ولا نستغني عنه طرفةعين، والله تعالى لا يحتاج لشئ من خلقه، ولا ينتفع بطاعاتهم و لا ينضرّبمعاصيه ولايحتاج ربنا إلى محل يَحُلُّهُ ولا إلى مكانٍ يُقِلُّهُ، وأنه ليس بجسم ولا جوهرٍ.واعلم أن الحركة والسكون والذهاب والمجيء والكون في المكان، والاجتماع والافتراق، والقرب والبعد من طريق المسافة،والاتصال والانفصال، والحجم والجرم، والجثة والصورة والشكل والحيزوالمقدار والنواحي والأقطاروالجوانب والجهات كلها لا تجوز عليه تعالى لأن جميعها يوجب الحد والنهايةوالمقدار ومن كان ذا مقدار كان مخلوقاً، قال تعالى:{ وَكُلُّ شَيْءٍعِندَهُ بِمِقْدَارٍ(8)} ]سورة الرعد.واعلم أن كل ما تُصُوِّرَ في الوهم من طول وعرض وعمق وألوان وهيئات يجب أن يعتقد أن صانعَ العالم بخلافه، وأنه تعالى لا يجوز عليه الكيفية والكمية والأينية لأن من لامِثلَ له لا يجوز أن يقال فيه كيف هو، و من لاعدد له لا يجوز أن يقال كم هو، ومن لا أول له لا يقال مما كان، و من لامكان له لا يقال فيه أين كان، فإن الذي أيَّن الأين لا يقال له أين،والذي كيَّف الكيف لا يقال له كيف. فالله تعالى مقدَّس عن الحاجات ، منـزّه عن العاهات ، وعن وجوه
النقص والآفات ، متعال عن أن يوصف بالجوارح والآلات ، والأدوات والسكون
والحركات ، لا يليق به الحدود والنهايات ،ولا تحويه الأرضون ولا السموات
، ولا يجوز عليه الألوان والمماسّات ، ولايجري عليه زمان ولا أوقات، ولا
يلحقه نقص ولا زيادات، ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، موجود بلا
حدّ، موصوف بلا كيف، لا تتصوّره الأوهام، ولاتقدّره الأفهام، ولا يشبه
الأنام، بل هو الموجود الذي لا يشبه الموجودات واحد في ملكه فلا شريك له.
والله سبحانه وتعالى خالق العالم بأسره علويّه و سفليّه. والأرض والسموات، قادر على ما يشاء، فعال لما يريد،موجود قبل الخلق ليس له قبل ولا بعد ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف ولا كل ولابعض ولا طولٌ ولا عرضٌ، كان ولا مكان، كوّن الأكوان ودبّر الزمان، لايتخصّص بالمكان، ولا يتقيد بالزمان، ليس بمحدود فيحدَّ، وليس بمحسوس فيجسَّ، ولا يُحس ولا يُمس ولا يُجس. وكل ماكان من معاني الأجسام و صفات الأجرام فهو عليه تعالى محال، وكل ما ورد في القرءان أو السنة وصفاً لله تعالى فهو كما ورد وبالمعنى الذي يليق بالله تعالى بلا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه. ولا يجوز حمل المتشابه من الآيات والأحاديث على ظواهرها ، ومن فعل ذلك فقد كذَّب القرءان وخرج عن إجماع الأمة الإسلامية. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام الحافظ البيهقي رحمه الله:”وفي الجملة يجب أن يُعلم أن
استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواءاعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشئ من خلقه، لكنه مستو علىعرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين ، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة ،وأن نزوله ليس بنقلة ، وأن نفسه ليس بجسم ،وأن وجهه ليس بصورة ، وأن يده ليست بجارحة ، وأن عينه ليست بحدقة ، وإنماهذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف،فقد قال تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ(11)}.وقال:{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًاَحَدٌ.(4)}وقال:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}(65).”
كتابه الاعتقاد و الهداية…