تحذير واجب:
لا يصحّ ما يقوله بعض مدّعي حبّ النبيّ والتصوّف حيث يذكرون في مؤلفات وأوراق أن
أبا لهب يخفف عنه عذاب النار بعتقه لثويبة
يجب الحذر من بعض المفتريات التي تخالف الشريعة والتي انتشرت بين بعض العوام ممن لا تحقيق له في العلم ولا باع والتي مع شهرتها وانتشارها بين العوام، فهي قبيحة مردودة ولا يتمسك بها لأن ما خالف القرءان والسنة وإجماع الأمة فهو ضلال، وهل بعد كلام الله كلام؟!!. ومن ذلك ما يقوله بعض مدّعي حبّ النبيّ والتصوّف حيث يذكرون في مؤلفات وأوراق أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار بعتقه لثويبة، لا يصحّ هذا ولا يُعوّل عليه.
ويكفينا في ردّ هذا التخريف والتحريف ءايات بيّنات من كتاب الله تعالى، كقوله تعالى: “لا يخفَّفُ عنهُمُ العذابُ ولا هُمْ يُنْظرون” (سورة البقرة / ءاية: 163)، وكقوله تعالى: “يضاعفْ له العذابُ يومَ القيامةِ ويخلدْ فيه مهانًا” (سورة الفرقان / ءاية: 69)، وكقوله تعالى: “إنَّ المجرمينَ في عذابِ جهنَّم خالدونَ، لا يُفَتَّرُ عنهمْ وهمْ فيهِ مُبْلِسُون” (سورة الزحرف / ءاية: 74 و75)، ومنها قوله تعالى: “فلا يخفَّفُ عنهُمُ العذابُ ولا هُمْ يُنْصَرُون” (سورة البقرة / ءاية: 86)، وقوله تعالى: “لا يخفَّفُ عنهُمُ العذابُ” (سورة آل عمران / ءاية: 88)، وقوله سبحانه: “وما هُمْ بخارجِينَ مِنَ النَّارِ” (سورة البقرة / ءاية: 167)، وقوله تبارك وتعالى: “كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلودًا غيرَها لِيَذوقوا العذابَ” (سورة النساء / ءاية: 56)، وقوله جل جلاله: “وما هُمْ بخارجينَ مِنْها ولهمْ عذابٌ مُقيمٌ” (سورة المائدة / ءاية: 37)، وقوله تعالى: “لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ” (سورة هود / ءاية: 8)، وقوله تعالى: “كُلَّمَا أرَادُوا أنْ يخرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا” (سورة الحج / ءاية: 22)، وقوله تعالى: “لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ولا يخفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابها” (سورة فاطر / ءاية: 36)، وقوله تعالى: “وَقَالَ الذينَ في النَّارِ لخزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَومًا مِنْ العَذَابِ” (سورة غافر / ءاية: 49)، وقوله تعالى: “فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلا عَذَابًا” (سورة النبأ / ءاية: 30)، وقوله تعالى: “كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جميعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أضَلُّونا فَآتهمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ” (سورة الأعراف / ءاية: 38)، وقوله تعالى: “عَذَابًا ضِعْفًا في النَّارِ” (سورة ص / ءاية: 61)، وقوله تعالى: “الذينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْنَاهُمْ عَذابًا فَوْقَ العَذَابِ بما كَانُوا يُفْسِدُون” (سورة النحل / ءاية: 88)، وقوله تعالى: “تُسْقَى مِنْ عَينِ ءانِيَةٍ” (سورة الغاشية / ءاية: 5)، وقوله تعالى: “لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَردًا وَلا شَرابًا، إلا حميمًا وَغَسَّاقًا” (سورة النبأ / ءاية: 24 و25)، وقوله تعالى: “وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ، يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ” (سورة إبراهيم / ءاية: 16 و17)، وقوله تعالى: “وَسُقُوا مَاءً حميمًا فَقَطَّعَ أمْعَاءَهُمْ” (سورة محمد / ءاية: 15)، وقوله تعالى: “وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بماءٍ كَالمهْلِ يَشْوي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا” (سورة الكهف / ءاية: 29)، وقوله تعالى: “وَنَادَى أصْحَابُ النَّارِ أصْحَابَ الجنَّةِ أنْ أفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الماءِ وَمما رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الكَافِرِينَ” (سورة الأعراف / ءاية: 50).
وممن رد هذه القصة الواهية الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري في المجلد التاسع كتاب النكاح باب الرضاع حيث يقول: “(لكنه مخالف لظاهر القرءان) قال الله تعالى: “وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا” (سورة الفرقان / ءاية: 23)، وأجيب أولا بأن الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه ولعل الذي رآها لم يكن آن ذاك أسلم بعدُ فلا يحتج به” إ.هـ، ثم نقل عن القاضي عياض: “الإجماع على أن أعمال الكفار لا تنفعهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد عذابًا من بعض” إ.هـ.
وفي كتاب إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد الشافعي القسطلاني – الجزء 11 – كتاب النكاح يقول: “واستدل بهذا على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة وهو مردود بظاهر، قوله تعالى: “وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا” (سورة الفرقان / ءاية: 23)، لا سيما والخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدّثه به وعلى تقدير أن يكون موصولا فلا يحتج به إذ هو رؤيا منام لا يثبت به حكم شرعي”.
وبعد ءايات الله البينات الواضحات في بيان أن الكافر لا يخفف عنه العذاب بل على العكس يضاعف له العذاب وبعد كلام الإمام العسقلاني والقسطلاني الذي مرّ ءانفًا والإجماع الذي نقله القاضي عياض فلا يلتفت بعد كل هذا إلى هذه القصة المخالفة للقرءان مخالفة ظاهرة وواضحة لا تشكل إلا على جاهل ولا يهولنك يا طالب الحق أن تراها في أي كتابٍ كان أو تسمعها من أي شخص كان وإن تزيا بزي أهل العلم.
وإذا قيل لك هذه القصة صحيحة أو رواها فلان أو هي موجودة في بعض كتب الحديث فاثبت على الحق ولا تحد عنه واذكر ما قاله الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه، ما نصه: “وإذا روى الثقة المأمون خبرًا متصل الاسناد رد بأمورٍ، أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يَرِدُ بمجوّزات العقول وأما بخلاف العقول فلا، والثاني: أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ، والثالث أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له لأنه لا يجوز أن يكون صحيحًا غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه” إ.هـ.
وقد ذكر علماء الحديث أن الحديث إذا خالف صريح العقل أو النص القرءاني أو الحديث المتواتر ولم يقبل تأويلا فهو باطل، وذكره الفقهاء والأصوليون في كتب أصول الفقه كتاج الدين السبكي في جمع الجوامع وغيره، والخطيب والبغدادي أحد حفاظ الحديث السبعة الذين نوّه علماء الحديث في كتب المصطلح بهم وهم أصحاب الكتب الخمسة والبيهقي وهذا الخطيب البغدادي وهو مذكور في كتاب تدريب الراوي وغيره” إ.هـ.
وإذا قال قائل هذا الحديث إنما في فضائل الأعمال ومنها الاحتفال بذكرى مولد الرسول فنقول ما قاله الشيخ عبد الله الغماري في هذا الغمار: “ما يوجد في كتب المولد النبوي من أحاديث لا خطام لها ولا زمام هي من الغلو الذي نهى عنه الله ورسوله عنه فتحرم قراءة تلك الكتب ولا يقبل الاعتذار عنها بأنها في الفضائل لأن الفضائل يتساهل فيها برواية الضعيف أما الحديث المكذوب فلا يقبل في الفضائل إجماعًا بل تحرم قراءته وروايته” إ.هـ، وهذا في الضعيف فكيف بالكلام المخالف لصريح القرءان وصحيح السنة وإجماع الأمة. فليتق الله امرؤ يحاول نشر هذه القصة ونحن ننصح كل من اعتقدها أو صدقها أن يرجع عن هذا الضلال المبين للحق والصراط المستقيم بالشهادتين لأنه كذّب الله تعالى بكلامه هذا.
وفي الختام نسأل الله تعالى الثبات على الحق إلى الممات والدفاع عن دين الله تعالى فكم هو جميل منهج العدل والاعتدال والدفاع عن الإسلام ورد مفتريات الكائدين والجاهلين والمحرفين. وإنما قمنا بهذه النصيحة لوجه الله تعالى وخوفًا على المسلمين من أن يقعوا فيما يخالف شرع الله. وفي الأثر: “إذا ظهرت البدع (أي العقائد الفاسدة) وسكت العالم لعنه الله”، وقال أبو علي الدقاق: “الساكت عن الحق شيطان أخرس”. ونرجو الله أن يعم النفع بهذه الرسالة المختصرة وءاخر نصيحة لمن يقرأها أن يقرأها بعين الإنصاف فالحق أحق أن يتبع والحمد لله أولا وءاخرًا وسلام على عباده الذين اصطفى.
kodor7099@hotmail.com