تنزيه الله عن مشابهة الخلق
الحمدُ للهِ وصلَّى الله وسلَّمَ على سيِّدنا محمّد وعلى ءالهِ وصحبِهِ الطيبينَ الطاهرين، أما بعد؛
اللهُ تعالى أمرَ نَبيَّهُ أن يطلُبَ الازديادَ مِنْ عِلْمِ الدّين وما أمرَهُ أنْ يطلُبَ الازديادَ مِنْ شَىءٍ إلا مِنَ العِلْم قالَ تعالى: ﴿وقل ربّ زدني علما﴾ هذهِ الآيةُ أمرٌ مِنَ اللهِ لنبيّهِ أن يطلُبَ الازديادَ مِنَ العلم، ما أمرَهُ أنْ يطلُبَ الازديادَ منَ المالِ ولا مِنَ الأولادِ إلا العلم لأنَّ العِلمَ هو دليلُ النجاحِ دليلُ الفلاحِ هو الذي يدلُّ الشخصَ على ما يُنجيهِ مِنَ النكَدِ في القبرِ وفي الآخرةِ، قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: ((لا يشبَعُ مؤمنٌ مِنْ خَيرٍ يسمَعُهُ حتى يكونَ منتهاهُ الجنّة)) رواهُ الحافِظُ رزينٌ العَبدَرِيّ، وروايةُ الترمذيِّ: ((لا يشبعُ مؤمنٌ مِنْ خيرٍ حتى يكونَ مُنهاهُ الجنّة)) معناهُ المؤمنُ دائمًا يبقى مُتشوقًا لِسَمَاعِ العِلْمِ والذِّكرِ ونَحوِ ذلك، يبقى مُتشوقًا حتى يَموتَ على ذلك يسمَعُ الخيرَ لاسيَّما عِلمَ الدّين.
في هذا الزّمَنِ كَثُرَ الذينَ يُكَفِّرونَ المسلمينَ بلا حَقٍّ المشبهةُ وجَماعةُ سَيِّد قطب، بسببِ الجهلِ بعلمِ الدين انجرَّ أناسٌ إلى هؤلاءِ وإلى هؤلاء فصاروا كُفَّارًا وهم لا يدرونَ أنهم كفَّار، صاروا في أَسْفَلِ سافلين وهم لا يشعرون.
الْمُشَبِّهُ ما عَرَفَ الله يعتقدُ أنَّ اللهَ جسمٌ، كيفَ يكونُ اللهُ جِسْمًا وهو الذي خَلَقَ الجسم؟! لو كانَ جِسمًا ما استطاعَ أنْ يَخلُقَ شَيئًا مِنْ هذا العالَم، نَحنُ لا نستطيعُ أن نخلقَ ذُبَابَة ولا نستطيعُ أن نَخلُقَ لأنفُسِنا أَنْمُلَةً لأننا جِسم، اللهُ لو كانَ جِسمًا ما استطاعَ أنْ يَخلُقَ الناسَ والنباتَ ولا شيئًا مِنَ العالَم، اللهُ ليسَ جِسمًا لا يُشبِهُ الضوءَ ولا الرِّيحَ ولا الإنسانَ لأنه خَالِقُ هذه الأشياءِ كُلِّها، نَحن وجدنَا أنفسَنا على هذهِ الخِلقَةِ نحن جِسْمُنا مُركّبٌ لذلك يصحُّ في حَقِّنا الجلوس لأنَّ الجالِسَ مركَّبٌ له نصفٌ أعلى ونِصْفٌ أسفل، اللهُ الذي خلَقَنا ليس مُركّبـًا ليس جِسْمًا الجسمُ لا يخلقُ الجسمَ؛ هذه قاعدةٌ ودليلٌ على أنَّ اللهَ لا يُشبِهُ شَيئًا.
الريحُ والروحُ والضوءُ أجسامٌ لطيفةٌ، والسّمٰواتُ والعرشُ والأَرضون والإنسانُ أجسَامٌ كثيفةٌ، اللهُ لا هو كالجِسمِ اللّطيفِ ولا هو كالجسمِ الكثيف، ثم الجِسمُ إنْ كانَ كثيفًا وإن كانَ لطيفًا لابدّ له مِنْ مكانٍ يَحويهِ، ضوءُ الشّمسِ يَحُلُّ في قِسمٍ والظلامُ يَحُلُّ في قِسمٍ وهكذا يتعاقبانِ، اللهُ تعالى لا يَحُلُّ في مكانٍ لأنه ليسَ جِسمًا، نَحنُ لا نعلمُ حقيقةَ اللهِ إنما نعلَمُ بالدَّليلِ النّقليّ والعقليِّ أنه موجودٌ لا يُشْبِهُ شيئًا، وجودُهُ لا ابتداءَ له لأنَّ الذي لوجودِهِ ابتداء يَحتاجُ إلى مَنْ يُخرِجُهُ مِنَ العَدَمِ فيجعلُهُ موجودًا، لذلكَ خالِقُ العالَمِ الله ليسَ لوجودِهِ ابتداء، لو كانَ لوجودِهِ ابتداء لاحتاجَ لِمَن أخرجَهُ مِنَ العدمِ فجعَلَهُ موجودًا أما ما سِوى الله كلٌّ لوجودِهِ ابتداء. هذا الفراغُ ما كانَ في الأزلِ ثُمَّ خلَقَهُ الله، في الأزلِ لَم يكن شىءٌ إلا الله ثم اللهُ أوجَدَ الأماكِنَ والجهات فهو موجودٌ بلا مكان. الذي يعتقدُ أنَّ اللهَ حالٌّ في جِهَةِ فوق جعلَ له مكانًا فهو كافِر والذي يعتقدُ أنَّ اللهَ حلَّ في كُلِّ مكانٍ بذاتِهِ فهو كافر. الاعتقادُ الصَّحيح اعتقادُ أهلِ السنةِ الصّحابَةِ ومَنْ جاءَ بعدَهُم أنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ لأنه ليسَ جِسمًا.
ثُمَّ اللهُ تعالى له كَلامٌ واحدٌ بِهذا الكلام يُحاسِبُ العبادَ فيفهمونَ السؤالَ: ألَمْ أُعطِكَ كذا، لِم فَعلتَ كذا، لِمَ لَمْ تفعل كذا. وليسَ كلامُهُ حَرفًا وصَوتًا، لو كانَ اللهُ يتكلّمُ بالحرفِ والصوتِ يقرأُ كما نَحنُ نقرأُ (بسمِ اللهِ الرّحمٰنِ الرّحيم) لكانَ فيهِ تَعَاقُبٌ وهذا لا يجوزُ على الله. إبليس يُمكنُ عُمرُهُ مِائةُ ألفِ سنةٍ أو أقلُّ أو أكثرُ اللهُ أعلمُ، هذا لو كانَ سؤالُهُ بالحرفِ والصَّوتِ لأكَلَ[1] وَقتًا طويلاً واللهُ يقولُ عن نفسِهِ: ﴿وهو أسرع الحاسبين﴾ فلو كانَ حسابُهُ للعِبادِ بالحرفِ والصَّوتِ لكانَ أبطَأَ الحاسبين لَمْ يكُن أسرَعَ الحاسبين، والجِنُّ أكثرُ مِنّا وأعمَارُهُم أطولُ مِنْ أعمَارِنا في العادَةِ فلو كان حسابُهُم بالحرفِ والصَّوتِ لأكلَ وقتًا طويلاً. شَدَّادُ بنُ عادٍ كان مَلِكًا حَكَمَ الدُّنيا وعاشَ تِسْعَمِائَةِ سَنة وحَكَمَ مِائتَينِ وستِّينَ مَلِكًا هذا لو كان حسابُهُ بالحرفِ والصَّوتِ لأكلَ وقتًا طويلاً.
يومَ القيامَةِ بعدَ أنْ يُحيِ اللهُ الخلقَ ويَحشُرَهُم يُنادي مَلَكٌ بأمرِ اللهِ: ﴿لمن الملك اليوم ﴾ ثُمَّ الملَكُ يُجيبُ نفسَهُ: لله الواحد القهّار ﴾ أي لا مَلِكَ مِنَ البشرِ في ذلكَ اليوم يَحكُمُ بينَ الناس ويُديرُ شؤونَهم، إعلامًا بذلك يُنادِي هذا الملَك ويقولُ ذلك؛ اللهُ هو الذي يُديرُ شؤونَ الخلقِ يومَ القيامَةِ. في بعضِ التفاسيرِ مَكتوبٌ إنَّ اللهَ يَسألُ: ﴿لمن الملك اليوم﴾ ثم هو يُجيبُ نفسَهُ بنفسِهِ: لله الواحد القهّار ﴾ وهذا غيرُ صَحيحٍ.
ومعنى قولِ اللهِ تعالى: ﴿وأشرقت الأرض بنو ربّها.أي بِحُكْمِ الله، أي في يومِ القيامَة لا حُكْمَ لأحدٍ لا لِمَلِكٍ ولا لأميرٍ إلا لله. ا.هـ
هذه الآية مِنَ الآياتِ التي يذكرونها أمامَ العوامّ في التدريسِ، أنه مثل هذه الآية: ﴿وأشرقت الأرض بنور ربّها ﴾ من أين يعرف الشخص أن هنا معنى ﴿ بنور ربّها ﴾ بحكمِ الله؟! الذي يخطر في بالِ الجاهل النور (الضوء) وقد يظنُّ إذا كان مُشبّها أنه في يوم القيامة أنّ اللهَ ضوء يُنيرُ الأرض وإذا لَم يكن مُشبّهًا قد يخطر في بالِهِ أن الله يخلق نورًا تضاءُ به الأرض، هنا :بنور ربّها ﴾ معناه بِحكمِ الله. فالآيات التي تورد عند تعليمِ الناس حتى يُفهَّموا أنَّ القرءانَ لا يُفسَّر بِمجرّدِ ما يخطر في البال ولو كان الأمرُ قد يبدو ظاهرًا سهلاً لا يعرف الشخص التفسير الصحيح بدون أن يتلقى من أهل المعرفة الثقات.
[1] – لأكل يعني لأخذَ
الله لا يُشبه شيئًا من العالَم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ له النِّعمَةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الحسن، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدنا مُحمَّدٍ أشرفِ الْمُرسلين وحبيبِ ربِّ العالمين، أما بعد؛
قالَ اللهُ تعالى: (فاعلم أنه لا اله الاّ الله واستغفر لذنبك ﴾
هذهِ الآيةُ تدلُّ على أنَّ أشرفَ العلومِ العلمُ باللهِ أي معرفَةُ الله لذلِكَ قالَ أبو حنيفَةَ رضيَ اللهُ عنهُ: ((عِلْمُ التوحيد الفقهُ الأكبر)) أما عِلمُ الصّلاةِ والصِّيامِ والزكاةِ والحجِّ فهوَ بالنسبةِ لعلمِ التوحيدِ العلمُ الأصغر، وذلكَ لأنَّ اللهَ تباركَ وتعالى مَنْ عَرفَهُ كما يَجِبُ وءامَنَ به وبرسولِهِ مُحمَّد ومات على ذلك لابدَّ أنْ يدخُلَ الجنةَ ولو ماتَ وعليهِ ذنوبٌ كبيرة، يدخلُ الجنّةَ إما بعدَ عذابٍ أو بِلا عذاب أما مَنْ لَمْ يعرفِ التوحيد ومات على حاله فليسَ لهُ حَظٌ مِنْ جنَّةِ الله مهما كانَ كثيرَ الصَّلاةِ والصيامِ. كثيرٌ مِنَ الناسِ يَحفظونَ القرءانَ ولا يعرفونَ خالِقَهُم يظنّونَ أنَّ اللهَ جِسمٌ قاعدٌ في السَّماءِ أو قاعدٌ على العرشِ فهؤلاءِ ما عرفوا الله فليسَ لَهم حَظٌ مِنَ الإسلامِ.
اللهُ موجودٌ لا يُشبِهُ شيئًا مِنَ العالَمِ، والعالَمُ شيئانِ إما جِسمٌ وإما صِفَةُ الجسمِ، والجسمُ نوعان: إما جسمٌ كثيف أو جسمٌ لطيف. والجسمُ الكثيفُ كجسمِ الإنسانِ والشَّمسِ والقمَرِ والنجمِ والحجَرِ هذا جسمٌ كثيفٌ يُضبَطُ باليدِ؛ أما الجسمُ اللّطيفُ فهو ما لا يُضبَطُ باليدِ كضوءِ الشمسِ والكهرُباء والروحِ والملائكةِ والْجنّ أجسامٌ لطيفةٌ لا تُضبَطُ باليدِ لذلكَ الجِنِيُّ يستطيعُ أن يدخُلَ في جسمِ الإنسانِ مِنْ غيرِ أن يُحِسَّ بهِ، يدخلُ إلى القلبِ فيُوَسْوِس[1].
الجسمُ إما لطيفٌ وإما كثيفٌ، اللهُ لا يشبهُ هذا ولا يشبهُ هذا ومع هذا يُسمَّى اللهُ النور ومعناهُ المنير، هو خَلَقَ الشَّمسَ والقمَرَ والنجومَ وجعَلَ فيها النّور، على هذا المعنى يُسمَّى النور أو على معنى الهادي ليس على معنى أنه كالشمسِ والقمر. واللهُ خلقَ العرشَ وهوَ سريرٌ كبيرٌ له أربعُ قوائم خلقَهُ ليكون كعبةً للملائكةِ يطوفونَ بهِ وإذا صلّوا اتجهوا إليهِ، والعرشُ فوقَ الماءِ ومِنْ هذا الماء خُلِقَ العالَم، النورُ خُلِقَ مِنَ الماءِ والنارُ خُلِقَت مِنَ الماءِ والبشرُ أصلُهُ مِنَ الماءِ، خَلَقَ اللهُ الترابَ مِنَ الماء وخَلَقَ مِنَ الترابِ البشَر.
اللهُ خَلَقَ الجسمَ اللَّطيفَ والكثيفَ فلا هوَ جِسمٌ كثيفٌ ولا هوَ جِسمٌ لطيفٌ، لا يُشبِهُ هذا ولا هذا بوجهٍ مِنَ الوجوه. ثُمَّ هذهِ العوالِمُ لَها صِفَاتٌ: الْحرارَةُ والبرودَةُ والْحركَةُ والسُّكونُ وغيرُ ذلكَ هذهِ صفاتُ الجسمِ ولا يجوزُ أنْ يوصَفَ اللهُ بِها، فلا يوصَفُ بالانبسَاطِ ولا باللَّذَّةِ ولا بالألَمِ لأنَّ هذهِ مِنْ صفَاتِ الخلقِ. ورضا الله ليسَ كرضانا وغَضبُهُ ليسَ كغَضَبِنا، غَضبُنـا ورضَانا انفعالٌ يطرأُُ على القَلبِ أمَّا غَضَبُ الله ورضاهُ فليسَ هكذا غضَبُ اللهِ إرادتُهُ الانتقام ورضا الله إرادتُهُ الإنعام والإحسَان. ا.ه
[1] – الوسوسة: حديثُ سرٍّ يعيهِ القلب ولا تسمَعُهُ الأذن.ولا يستطيع الشّيطان أن يدخل جسم نبيّ.